ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الاثنين، 27 أغسطس 2007

الاتفاق رغم الاختلاف


متى يستوفى الحوار شروطه؟
الاتفاق رغم الاختلاف


ابراهيم جادالله

الراصد لمجمل معطيات الحياة الغقلية العربية ، لابد وأن يستوقفه أشكال الحوار القائم بين العديد من المثقفين العرب ‘ على اختلاف مناهج الرؤية والتفكير والانتماء الفكرى والعقائدى ، وأبرز مثال على ذلك ، هذا الحوار الذىكان افتتحه الصديق د. أحمد راسم النفيس الطبيب والقطب الشيعى البارز فى مصر ، انطلاقا من موقع وانتماء مذهبى وفكرى وسياسى ، والذى تناول بعض طروحاته التى دارت حول التشكيك او التصحيح لبعض ممارسات الكتابة التاريخية عن البطل التاريخى صلاح الدين الأيوبى ، بعض من مثقفين وكتاب وهواة بالطبع ، وأصدقكم القول أنى لم أكن معنيا من قريب أو بعيد بهذا الاشتباك ، سواء فى دلالاته الفكرية أو المذهبية ، أو تحققاته التاريخية ، معتمدا على وجهة نظر خاصة ، صاغها الصديق الكبير صلاح عيسى فى اختتام هذا الاشتباك بالعدد268 مكمن صحيفة القاهرة فى 4اكتوبرمن العام 2005ب ( طقش الأدمغة ) ، ولأنى اريح دماغى كثيرا هذه الأيام ، خاصة من أمور تبدو للبعض مصيرية ، وأراها عابرة وهامشية ، وخوفا من ال( طقش ) الذى لاتحتمله رأسى المحشوة بآثار ارتفاع ضغط الدم ، والتى حذرنى منها الصديق الدكتور أحمد النفيس نفسه ، فقد بنيت تصورا إجماليا عن حالة فقد الشروط الموضوعية للحوار بشكل عام، فالحوار يظل وفق الشروط الموضوعية هو الوسيلة الأكثر فاعلية للوصول إلي الأهداف المنشودة، وإذا تباعدت الشقة بين من لا تجمعهم عقيدة ولا لغة ولا وطن، فإن من تجمعهم العقيدة واللغة والوطن هم الأكثر قرباً من الاتفاق علي النقاط المشتركة، وذلك أن نقاط الاتفاق هي حتماً أكثر من نقاط الاختلاف التي غالباً ما ترتبط بالتاريخ دون أن تمنح الواقع الراهن ما يستحقه من مراعاة لظروفه وملابساته، ولحتمية التغيير التي تفرضه معطيات هذا الواقع.
ولا شك أن الخلافات المذهبية هي الأشد ضراوة في إشعال نار الفرقة والتناحر، ومحاولة الانتصار لقضايا هامشية لا تمس الثوابت ولا تجتريء علي العقيدة، ومع ذلك تجد من يحتضنها لتفرخ حقداً، وتنتج كراهية، وتفرز من الضغائن ما يمكن تجنبه بالحكمة والموعظة الحسنة، وتجاوزه بالحب والتآلف، لتشكيل جبهة وطنية صلبة يمكنها أن تقف في وجه التحديات، وتصد كل التيارات المعادية التي تحاول النيل من الوحدة الوطنية، أو تشوه العقيدة بادعاءات باطلة، واتهامات تتنافي مع دعوة هذه العقيدة للمحبة والأمن والسلام.
والتعصب المذهبي هو الأكثر خطورة علي تكاتف المجتمع وتآزر أفراده، وإذا ظهرت بوادره أصبح فعلها فعل النار في الهشيم، لا تبقي ولا تذر، لأنها تأتي علي الأخضر واليابس، فلا تبقي منهما شيئاً، وبذلك تعرقل حركة التنمية القائمة أصلاً علي جهود كل أبناء الوطن علي تعدد طوائفهم ومذاهبهم، دون إقصاء لفئة ما، أو منح الحظوة لفئة ما، فالكل أمام المسؤوليات سواسية، فالحقوق تتساوي مع الواجبات ودون تجاوز أو استثناء، وإذا كان الاختلاف في الرأي حول بعض الأمور مقبولاً، فإن الخلاف لا يمكن قبوله في أي حال من الأحوال، بل إن الاختلاف مطلوب لتجنب أحادية التفكير في المسار التنموي.
أن تكون الألفة سائدة بين المذاهب في الماضي فهذه هي الحالة الطبيعية التي لا غبار عليها، لكن الغريب أن الخلاف بدلاً من أن يتلاشي مع مرور الزمن، نراه يبرز ويتفاقم خطره مع مرور هذا الزمن، نتيجة بعض المستجدات التي تشعل الجمر الكامن تحت الرماد، وعقلاء الأمة وقادة التنوير فيها هم المناط بهم قطع دابر أي خلاف مذهبي يؤدي إلي إضعاف المجتمع، وإشغال أفراده عن المشاركة في التنمية الوطنية، والعمل علي تحقيق التضامن بين أفراد الأمة، بل ان أول ضحايا الخلافات المذهبية هو العمل الاجتماعي نفسه، عندما تضع فئة ما مسؤولية هذا العمل الاجتماعي علي الفئة الأخري، أو عندما تنفرد فئة ما بهذا العمل وتحجب سواها عنه.
التعصب المذهبي المؤدي إلي أي نوع من أنواع الخلاف مصيره حتماً إلي زول، لأنه لا يقوم علي أساس صحيح ما دام الاتفاق علي الثوابت قائماً وراسخاً بين جميع الأطراف، و بالتالي فإن هذا التعصب يمكن تجاوزه بالحوار الذي يزيل ما رسخ في الأذهان من أحكام ربما لا يكون لها أساس، أو ربما هي مبنية علي موروث شعبي أضاف له الجهل الكثير من التصورات البعيدة عن الواقع، ولا يمكن أن ننسي ما قد يتركه الشعور بالعزلة لدي بعض الفئات من تراكمات يسهم التاريخ في تجذيرها كلما زادت تلك العزلة وطال أمدها، وبذلك تسبب هذه العزلة اتساع الهوة بين أفراد المجتمع الواحد، بدل توشيج العلاقة الحميمة بين أفراد هذا المجتمع، وأخطر ما في الأمر أن تزول أسباب الخلاف الأساسية ويبقي الخلاف قائماً، لأسباب أخري منها عدم وضوح الرؤية، والخلط بين الثابت والمتغير، والشك الذي لا يسنده دليل، وربما سوء الظن الذي لا يقوم علي أساس صحيح.
وتزدهر الثقافة عندما يسوده الوفاق رغم الاختلاف- وليس الخلاف- حول بعض الأمور، وعندما يقف أبناؤه صفاً واحداً في وجه الأخطار التي تهدد أمن وسلامة الوطن، وتسيء إلي صورته المشرقة والراسخة في أذهان الجميع.

السبت، 25 أغسطس 2007

صديقى القديم .. ال.. كائن ما .. لن تظل قديما . بل أبدى


صديقى القديم .. ال.. كائن ما ..

لن تظل قديما . بل أبديا تبقى..


لا أمتلك قدرة هنا على التعقيب ،
وأمارد الفعل على ماجاء بتلك الرسالة البريدية من كائن ما .
حسب ما سمى نفسه ، فهو الصمت المتبتل أمام وهج حروفها ، وفقط

From :
alsakhercom@yahoo.com
Sent :
Sunday, August 26, 2007 1:03 AM
To :
magedhiem@hotmail.com
Subject :


بحث عن إنسان ..!


Inbox
وكأنك أنت يا ابراهيم جادالله وكأن الأيام هي الأيام
قالوا لنا ذات كذب : إن أعمارنا هي الوقت الوحيد والمناسب لممارسة الحياة
لكنهم لم يخبرونا عن قهر يقضم أطراف أيامنا وعن غائب لن يأتي
هل يعتقد أولئك الذين على الضفة الأخرى من الحياة أننا أيضاً غائبون لن نأتي ؟
أم أن صورنا أختفت في أحداقهم تحت غبار الغياب ..
تباً للملح يا ابراهيم جادالله وللعيون يرهقها الماء ولا تسيل منها وجوه الراحلين
ولأن الأسئلة تسكن في كل زواية على هذه الأرض ، أسئلة حمقاء وأسئلة تعاني تخمة الأجوبة وأسئلة يتمية
حرمت حضن الإجابة قبل أن تولد ، فقد يقفز سؤال متشرد ليقول
ما سبب هذه الرسالة ؟
والأسباب يا ابراهيم جادالله هي إجابات لا تعترف بالحدود ولا يعترف بها وطن !
لكن ربما كان السبب رغبة في التواصل
رغبة في أن يأتيك حرف لم تنتظره يوما
رغبة في أن يقول لك أحدهم ـ حتى لو لم تعرفه ـ إنك تمتلك أشياء جميلة يا ابراهيم جادالله فابحث
عنها ..
دعوة لأن نقضي أيامنا في البحث عن أشياء جميلة في داخلنا لم نكن لنعرفعها يوما إذا لم نبحث عنها
وربما كان السبب هو أننا لم نتعلم الصمت بعد ..
يقول رسول حمزاتوف :
إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عامًا ليتعلم الصمت، وأنا لست ابن عامين ولا
ابن ستين عامًا.. أنا في نصف الطريق، ومع ذلك فيخيل إلي أني أقرب إلى الستين؛ لأن الكلمات التي لم
أقلها أغلى على قلبي من كل الكلمات التي قلتها.
شكرا لذلك الإنسان بداخلك ..
صديقك القديم /كائن ما
الساخر
http://www.alsakher.com
&
أدب


مرة ثانية

ما بين المثقف العربى والسلطة



ابراهيم جادالله




الواضح أن المفهوم الأول لا ينفع وحده لأنه قد يحول المثقف إلى مجرد أداة يصنع بها كل شيء ولا تصنع شيئا· والتاريخ يحدثنا أن كثيرين من النوع الأول خانوا شعوبهم وأوطانهم وثقافتهم وموروثهم الحضاري· ومازال الواقع يحدثنا عن نماذج مشابهة· فالمثقف على رأي ديكارت ناقد اجتماعي يسعى إلى نقد الممارسات الاجتماعية انطلاقا من مرجعية نظرية محددة· وقريبا من ذلك ترى المدرسة الماركسية أن المثقف هو ذلك الذي يستعمل الفكر والثقافة سلاحا للدفاع عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها· فالمثقف حامل لمشروع مجتمع مبشر به· فهو على حد تعبير غليون آلة لإنتاج المجتمع· ومادام كذلك فلا شك أنه سيجد نفسه في صدام دائم مع كل الذين يرفضون ذلك· غير أن المثقف العربي وان امتلك كما معرفيا فهو لا يملك مشروع مجتمع ولا يسعى لتغيير الواقع نحو الأحسن، بل يوظف سلطته المعرفية والإبداعية لزيادة نفوذه الاجتماعي وتحقيق سلطة سياسية أنانية زائلة·
إن كثيرا ممن يصح إطلاق صفة المثقف عليهم إن هم إلا آلات يكفي شحنها بالطاقة اللازمة لتنفذ لك ما تريد وما تشاء· وآلاف من هؤلاء يسبح بحمد الحاكم آناء الليل وأطراف النهار وهم الذين يكونون وراء غروره وطغيانه وما يفتأ هؤلاء أن يتغيروا بتغير الحاكم نفسه· ألم تر أن جيشا من الصحفيين والكتاب والمبدعين تحولوا فجأة عن مسعكر بومدين إلى معسكر الشاذلي وهما خطان لا يلتقيان، بل ويمكنك أن تطالع في الكتب والصحف والمواقع الإلكترونية لمثقفين وأدباء بالأساس عرب وجزائريين كتبوا ممجدين إبداعات القذافي وصدام - ولست هنا بصدد الحكم على ما كتبه هذا أو ذاك من الحكام- لكني على يقين أن ما كتب عنهما إن هو إلا زيف وبهتان·
هذا الزيف وهذا البهتان هما اللذان خلقا من الحاكم جبارا طاغية يعتقد في نفسه ما ليس فيها ويصدق ما يقوله عنه هؤلاء المثقفون، فيرى نفسه أديبا مبدعا· وبعضهم لا يحسن حتى قراءة خطبة من ورقة كتبت له· وهؤلاء على استعداد أن يكتبوا نقيضه اذا تغيرت قناعات الحاكم أو تغير هو كلية· وهم على استعداد أن يترشحوا في قوائم الحاكم وان يفوزوا بمناصب في انتخابات مزورة، ولا حرج أن يتكلموا باسم الشعب أو أن يأكلوا أمواله بالباطل· قد يقول قائل ولا ضير في ذلك، لأن التاريخ يحدثنا عن أن كبار المثقفين والمبدعين كانوا يدورون في فلك السلطة ويعيشون من فتاتها في الشرق والغرب وذاك حق إلى حد بعيد ولكن الزمن تغير· إن ما أحدثه المفكرون والفلاسفة في أوروبا من تحديد للعلاقة بين الحاكم والمحكوم هي التي قلبت كل شيء· وهي التي دفعت بأوروبا إلى طليعة البشرية، وهي حرية وجديرة ولولاه لبقيت حبيسة العصور الوسطى· ويكفي أن تقرأ العقد الاجتماعي لجون جاك روسو أو الفصل بين السلطات لمنتيسكيو لتفهم كل شيء وتقتنع بكل شيء· فما الذي وقع عندنا؟
اعتقد أن أكبر هزيمة تلقاها المثقف العربي كانت يوم انتصر عمرو بن العاص على أبي ذر الغفاري، ويوم أراق طاغية كاليزيد دم الحسين أحدهما حاكم طاغية فاجر والآخر مثقف طاهر ترجم معارفه سلوكا وموقفا كما ترجمها من قبله أبو ذر الذي رضي بالفقر والنفي والغربة والموت معزولا عن الناس عن أن يصفق لأمر لا يقبل به ولا يرتضيه ولا يتفق مع طروحاته· منذ ذلك التاريخ والمثقف عندنا مجرد تابع أمين مهمته للأسف الشديد هي الرقص في حلبة الحاكم والترفيه عنه· وافتقدنا بعد ذلك إلى فكر جديد والى فلسفة جديدة تحدث ثورة حقيقية في مفاهيمنا التي ورثناها· وبالتالي فنحن لم نتغير ولن نتغير· ولذلك احتلنا الغرب ومازال يحتلنا· ولك أن تقوم بعملية حسابية تقارن فيها بين عدد جنود فرنسا الذين سيطروا على كل المستعمرات وبين مثقفي تلك المستعمرات، ناهيك عن سكانها إجمالا·
المثقف عندنا سلبي للأسف الشديد يمكنه أن يبيع ماء وجهه وماء عروقه وحتى ماء شرفه ليرضي الحاكم ولو كان طاغية جبارا· ولذلك مازال الحاكم في بلاد العرب يمضي في طغيانه دون الرجوع إلى الشعب ولا إلى طبقته المثقفة ومازال حكامنا يلتصقون بالكرسي العقود كاملة ليتركوها من بعدهم لأبنائهم وأحفادهم وفي أخف الأمور لابناء حزبهم ولا أحد يمكنه أن يؤكد أن المعارضة وصلت في أي بلد عربي للرئاسة· مازال المثقفون عندنا لا يكتبون إلا ما يرضي أسيادهم وإلا فإن إرهاب السجن والاقصاء لهم بالمرصاد· ولا يفوتني أن أقف احتراما للمثقفين الرائعين على قلتهم حين رفضوا الانبطاح ورضوا أن يعيشوا قناعاتهم ولو كانت مع شظـف العيش ولو كان بعدها القتل· ويكفي أن نذكر الكواكبي والأفغاني ومفدي الشاعر العظيم الذي عاش عظيما ومات غريبا فطوبى للغرباء·
حقيقة إن جهد المثقف يحتاج إلى جهد الاجتماعي والسياسي ولكن نوره الصادق المخلص سيصل إلى القلوب يوما ما وستعصف رياح التغيير على واقعنا العربي
·

الجمعة، 24 أغسطس 2007


من أدب المقاومة العراقية

الأمير أبي عبد الله


كلشان البياتي



ُادخل إلى غرفة صغيرة وٌأوصد عليه الباب ، ركل بالقدمين ركلات عديدة كانت أشدها تلك التي صدرت عن الساق اليمنى.
نزل من ٌسلمٍ كان ٌسرف درجاته واسعة، كبيرة للغاية ، أوجعت قدميه ، وزادت من سرعة خفقان قلبه،بدأ باللهاث الذي أشعره أن العمر قد تسلل من بين أصابعه وما بقي منه أقل بقليل من الذي مضى.
خطوات أقدام توقظ الرهبة في نفسه،تدنو الخطوات وتتعالى أصُداءها في ٌأذنيه،يتبلور شعور خفي ينتفض من بين أحاسيس مبعثرة: - أنت ميت لا ٌمحال.
خطوات أقدام تقترب بهدوء من الباب ، يتراءى له أحدهم حاملاً سكيناً حاداً كتلك التي تستخدمه زوجته أم علي في تقطيع اللحم استعداداً لشوائه على النار، يخيلٌ له أن ذلك الخروف الذي قام بنحره في عيد الأضحى المنصرم لازال يترنح تحت يديه متوسلاً .
في الليل الذي لايعرف مداه وإلى أية ساعة قد بلغ ، يلمحُ رأسه الذي نحر مثل الشاة ملقاة في ركنٍ قصيّ من الغرفة ، أو يتخيله معلقاً في أحد أسواق القصابة تماماً مثل رأس تلك الفتاة الذي كان غارقاً بالدمِ والحياءِ متدليا بخيطٍ غليظٍ في باحة أحد دكاكين اللحم النيئ.
بعد أن اقتادوه وصديقه إلى غرفة التحقيق، أخبروا صديقه أن الجماعة قرروا الرفق به وإطلاق سراحه مقابل فدية مالية تقدر بعدد من الدفاتر بينما قيل له أن مصيرك منوط إلى الأمير أبي عبد الله وهو الذي يقرر ما سيؤول إليه أمرك.
دفع صاحبه الفدية بينما ركن هو في إحدى زوايا الغرفة مهملا، منبوذا لايتردد إليه أحد سوى أحد الخاطفين الذي أوكل إليه مهمة تقديم وجبات طعام شهية في أوقات محددة من اليوم.
تثير الوجبات التي تقدم له استغرابه وتوقظ دهشته: طبق من اللحم المشوي عند الإفطار مع أبريق شاي، وجبة لحم مشوي عند الغداء والطبق ذاته في العشاء مع صحن من الفاكهة التي يحبها ويحرص على اقتنائها لأسرته بشكل يومي.
ٌسحبَ علب الدخان من بين يديه وٌمنع من ممارسة التدخين بأمر من الأمير أبي عبدالله الذي لم يتمكن منذ وقوعه في قبضتهم أن يتوصل إلى ملامحه ويكونّ له رأس ووجه بسيماء معينة سوى أنه شخص طويل القامة، كثيف الشعر واللحية، يرتدي جلبابا ابيض ، يبدأ جمله وينهيه ٌ دائما بعبارة واحدة (السلام عليكم).
وتخيل الأمير شخص قصير القامة ، ممتلئ الجسم ، دائري الرأس ،حاول إيجاد تشبيهات له مرة شبهه بعدنان بائع الخضار في الزقاق ، ومرة شبهه بجاره آبي لطيف ، وكونّ له ملامح مشابهة لفراس ابن شقيقه عبد ، وكثيرا ما يتخيله شبيها بالممثل الذي مثلّ دور الخليفة هارون الرشيد في المسلسل التلفازي .
قال للخاطف الذي قدم له وجبة الإفطار إنه مستعد أن يدفع لهم المال الذي يريدونه مقابل إطلاق سراحه والإبقاء على حياته إلا أن الخاطف شزره بنظرة سرعان مافهم مغزاها: أن ما بحوزتك من المال يعدٌّ من اُلمحرمات ، أنت تعمل لحساب قوات الاحتلال ،أنت مرتد.
في الصباح الذي تخيل أن ملامح الأمير مقارب جدا من ملامح أحد أبنائه الثلاثة سوى اختلافات طفيفة في لون البشرة،طلب من الخاطف أن يتحدث إلى أبنائه حمزة وحسام ومهند الصغير ليطمئن عليهم وليودعهم قبل رحيله المؤكد بعد أن تيقن أن الخاطفين يملكون معلومات كاملة عنه وأن الإبقاء على حياته صار حلماً مستحيلاً وضرباً من الخيال وتأكد أنّ الخاطفين ليسوا عصابة سلب اختطفوه لأجل ماله ، بل أنهم جماعة مسلحة تعمل لطرد قوات الاحتلال من البلاد.
وقال له خاطف آخر أنّ أمر نحر رأسه من جسده أمر واقع لامحال وأن التأخير في تنفيذ العقاب به ما إلاّ فرصة منحت له ليعلن توبته قبل أن يلتحق برب العرش العظيم وليزيد من الصلوات التي فرضت عليه منذ اختطافه.
كل ليلة ، قبل أن يأوي إلى الفراش ، يأتي إليه أحد الخاطفين ويطلب منه أن يكثر في صلاته الليلة هذه لأنها الأخيرة قد لايستقيظ في اليوم الأخر ولن يرى وجه خاطف آخر.
مضى عليه قرابة شهرين وهو على حاله هذا ، لايعلم عن مصيره شيئا، يقدم له وجبات الطعام ويفرض عليه الصلوات الخمس كل ليلة ويسمح له بالاتصال بأولاده والاطمئنان عليهم.
يأتي الخاطف ويحدّ السكين أمام عينيه ويطلب منه أن يكثر من الصلاة على النبي ويقرأ الشهادتين ثم يتركه وينصرف دون أن ينحر رأسه.
يسترقون النظر إليه من النافذة فيجدونه جالسا على سجادة الصلاة والدموع تترقرق من عينيه واثأر الخشوع على جبينه ، يقتحم الخاطف غرفته ويسأله هل تبكي جزعا من رأسك الذي سينحر كما تنحر الشاة في بيتك أم انك تبكي ندما على ما اقترفته يداك من جرائم.
- أنت مرتد..!
يلتزم الصمت حانياً رأسه، الخاطف بكبر ابنه مهند أما الأخر فسنه يقترب من حسام لكنه يجهل عمر الأمير عبد الله الذي لم يتمكن من رؤيته لحد اللحظة وعجز عن تقدير عمره.
بعض الليالي ، ينتابه القلق والأرق ويشعر أن التوبة الصادقة التي أعلنها أمام الخاطفين لن يمحى الإثم الكبير الذي اقترفه بحق نفسه وأولاده ، وآلامه أن العار سيلاحق أبنائه حتى بعد نحر رأسه عن جسده ، وخيل ّ له أن أبنائه يشتمونه ويبالغون في الشتيمة كلما عيرهّم أحد بأبيهم المرتد :
- والداكم كان مرتدا.. !!
في الليلة التي واظب فيها على الصلوات الخمس بانتظام ، اقتيد إلى غرفة الأمير أبي عبد الله وهو معصوب العينين ،ٌمقيد اليدين ،شاحب الوجه،أنهكه الأرق وتخيلّ ملامح الأمير وشكله وسماته ، واثق أن مٌنيته قد دنت وستدنو ما أن يصل باب الأمير ويقف عنده مذلولاً،مهاناً ،لن يجرؤ على رفع بصره ويتمعن في عينيه بعد أن تأدب على يديه وصار أنسانا مستقيما غير مرتد..
حين ُفك الوثاق عن يديه ولاح لعينيه ضوء الشمس وهجا برتقاليًا مزيجًا من الشعاع الأصفر الذهبي ، تنفس الصعداء وهو يخطو خطواته الأخيرة في رسم ملامح وجه الأمير آبي عبد الله الذي كان قريبا جدا لا يختلف عن ملامح وجه اصغر أبنائه .
كلشان البياتي
كاتبة وصحفية عراقية
Golshanalbayaty2005!@yahoo.com


الخميس، 23 أغسطس 2007


لن يهنأ القلب بأكثر من هذا

فيازهرة عمرى

كم كان تألقك الأخير مبهجا

وكم كانت ليلتك البيضاءساحرة

أزاحت غضون وآلام رحلة قاسية

يا ابنتى التى اخضر عمرى فى بريق بهجتها

لك .. ما بقيت .. العمر وتفاصيله


مصارع الثيران بدون ال..موليتا

هى علاقة المثقف العربى بالسلطة


ابراهيم جادالله



في بحث له بعنوان <<ارث النهضة وأزمة الراهن>>، يتساءل المفكر المغربي عبد الله العروي في إطار بحثه عن أزمة الراهن: هل عرف أي قطر عربي في أي فترة من تاريخه حالة تسبق المجتمع على الدولة؟ لنقل معه حالة توظف فيها قدرات الدولة لتأسيس المجتمع على شكل يؤهله للاستغناء لاحقا وبالتدريج عن كثير من صلاحيات الدولة؟ (انظر مقدمات ليبرالية، المركز الثقافي العربي ،2000). بالطبع الجواب عن تساؤل العروي هو لا، فالمجتمع العربي منذ فترة بعيدة، حتى قبل أخطبوط الدولة التسلطية التي أكلت الأخضر واليابس وأزهقت أرواح البلاد والعباد والتي يستفيض خلدون النقيب في رسم صورتها البشعة والكريهة، لم يعرف تلك الحالة، وكل ما يملكه، لنقل، كل رصيده في العقود المنصرمة من القرن العشرين، هو حالة من الحراك الثقافي والاجتماعي الذي بلغ ذروته في الحرب الأهلية العربية التي انتهت بانتصار السلطة/الغول على المجتمع وتجييره لحسابها، بحيث أصبح المجتمع العربي شاهد زور لصالح الدولة التسلطية وتمسرحها المشوه على خشبات الحداثة والديموقراطية، حيث أدخل الاثنان من الخرم الضيق لدولة شرق المتوسط حيث كان على الحداثة أن تحل كحليف لها. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية من قرننا المنصرم، كان جل ما تطمح إليه النخب المثقفة الجديدة كما يسميها هشام شرابي والتي بنيت عليها آمال عراض في تحديث المجتمع العربي بكيفية شاملة ومسترسلة كما كتب العروي ذات مرة، هو عقدا اجتماعيا بصيغة مجازية، على أمل أن يكون شريعة للمتعاقدين. وجاءت أولى البواكير مع بداية عقد الثمانينيات من قرننا المنصرم، عندما دعا سعد الدين إبراهيم الذي قضى عقوبة في السجن مدتها سبع سنوات، الى تجسير الفجوة بين المثقف والأمير. كانت الدعوة الى تجسير الفجوة اقل بكثير من مستوى العقد الاجتماعي الذي تطمح إليه الأمة. ولكنها كانت دعوة الى المصالحة بين المفكر وصناع القرار. دعوة تجد طريقها إما على جسر ذهبي يلتقي عليه المثقف والأمير أو فضي أو خشبي، وعلى الأغلب خشبي يزحف عليه المثقف وهو مطأطئ الرأس باتجاه الأمير داعيا له بالسلامة وطول البقاء. وطوبى للسائرين على جسر خشبي. لم ترق الفكرة للدكتور غسان سلامة الذي كان عليه أن يخلف سعد الدين إبراهيم كأمين عام جديد لمنتدى الفكر العربي في عمان، حيث ظهرت صورته في مجلة المنتدى الى جانب الأمير الحسن بن طلال، ولكن ظروفا معينة حالت دون ذلك. لم ترق له الفكرة فراح يبحث عن عقد اجتماعي جديد طرفاه السلطة من جهة والمجتمع الأهلي من جهة ثانية (غسان سلامة، نحو عقد عربي اجتماعي جديد، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت). كانت الدعوة الى تجسير الفجوة بين المثقف والأمير، أو إلى عقد اجتماعي يمهد الى المصالحة، قد تزامنت مع التحول على صعيد الخطاب العربي المعاصر، وأقصد التحول من الثورة الى النهضة، وقاد لاحقا الى تراجع المثقف العربي الثوري الذي تشكل بتأثير خارجي والذي بنى عليه العروي آمالا كبيرة في عقلنة الماضي والحاضر بكيفية شاملة ومسترسلة. فكثر الحديث عن أزمة المثقف وأوهام النخبة ونهاية الداعية وتراجع دور المثقف/النبي... الخ. وفي سياق هذا التحول قام بعض المفكرون العرب بإعادة اعتبار للمثقف المبدئي الذي يقول كلمة الحق في وجه السلطة كما يرى ادوارد سعيد في <<صور المثقف>> والذي يتمتع بصورة شخصية مستقلة، محبة للاستكشاف والتحري، وذات نزعة نقدية اجتماعية تشتغل باسم حقوق الروح كما يقول محمد أركون، والتي ينتظر منها المجتمع العربي مهام محسوسة لان الحال العربية لا تحتمل التأجيل، وهذا ما يدعو إليه حليم بركات في كتابه <<المجتمع العربي في القرن العشرين،2001). كانت إعادة الاعتبار للمثقف تصدر عن رؤية ودور للمثقف الفدائي كما يسميه قسطنطين زريق أو المثقف المبدع كما يسميه حليم بركات. لنقل عن دور كبير للمثقف في المشروع النهضوي الجديد الذي راح يبشر به ناصيف نصار وحسن حنفي وهشام شرابي والذي هو بالضرورة مشروع سياسي يرمي الى إصلاح الدولة وتحديث المجتمع العربي وتحرير المرأة ويلقي بكاهله على عاتق المثقف. كان إصلاح الدولة يعني بالنسبة للمثقف الارتقاء بالدولة من دولة العصبية الى الدولة الحديثة، دولة جميع المواطنين. وهذا يعني أن تكون الدولة في خدمة أهداف المجتمع وليس العكس. وكان يعني هذا أن المثقف سوف يرتطم بصخرة السلطة وامتيازاتها التي لا تعد ولا تحصى. وهذا ما حصل بالفعل، فعلى طول المسافة التاريخية الممتدة من ستينيات القرن المنصرم الى بداية القرن الحالي، كانت <<أزمة المثقفين>> شاهدا باستمرار على أن السلطة العربية لا تقبل المشاركة في صنع القرار ولا في الحياة السياسية، وان الديموقراطية المرفوعة كشعار لا تزيد عن كونها لعبة بهدف خداع الجماهير، وان الوطن لا يزيد عن كونه ملكية عقارية للمؤسسة العسكرية والضباط الأحرار، كما يعلق أنور عبد الملك في كتابه <<مصر مجتمع جديد يبنيه العسكريون>> (1964). من هنا، يمكن القول انه من خريف القاهرة الذي شهد تجاذبا حادا بين السلطة والمثقفين وانتهى ب<<أزمة المثقفين>> التي لخصها محمد حسنين هيكل في كتابه <<أزمة المثقفين>>، (1961) <<بأنها تتمثل في عدم تبعية المثقف للثورة، بصورة أدق، في رفض المثقف لسلطة المؤسسة العسكرية>>، داعيا إياها للعودة الى الثكنة العسكرية وإفساح المجال للأمة في اتخاذ قراراتها المصيرية والديموقراطية، الى ربيع دمشق الذي مرّ مرَّ السحاب، لنقل كسحابة صيف. بقي المثقف كبش فداء، أو مصارع ثيران بدون <<موليتا>> بحسب تعبير محمد أصبور في كتابه <<المعرفة والسلطة في المجتمع العربي>> (1992)، حيث <<الموليتا>> هي قطعة القماش الحمراء التي يدرأ بها مصارع الثيران الموت عن نفسه. وفي كل الأحوال كان مشروع إصلاح الدولة وتحديث المجتمع العربي ينتهي الى أنفاق مسدودة تفضي الى الباحة الخلفية للسجن باعتباره العلامة الفارقة لدولة شرق المتوسط على حد تعبير الروائي عبد الرحمن منيف، التي قامت باختراق المجتمع العربي وتجييره لصالحها والحؤول دون كل عملية تغيير من شأنها أن تمس امتيازات السلطة العربية التي عاهدت نفسها على الثبات ضد كل عملية تغيير

الأحد، 19 أغسطس 2007


ثقافة الجهل

لا تنفر ـ عزيزي القارئ ـ من التناقض الذي يبدو في هذا العنوان. فللجهل ثقافته حقاً، وهي واسعة الانتشار وشديدة التأثير في حياتنا، بل إنها الأكثر فاعلية في تحديد المواقف وحضوراً في السلوك اليومي.
التناقض أنواع، والتناقض الذي يبدو في هذا العنوان هو غير التناقض الطبيعي الكامن في كل ظاهرة أو تكوين، والمولّد للحركة الدؤوبة في الطبيعة والإنسان والعلاقات الاجتماعية المختلفة.
التناقض في هذا العنوان زائف ومتوهَّم، فالظنّ السائد هو أن الثقافة نقيض الجهل، ولا يمكن أن يجتمعا، لكن المراقب المتابع لما يراه يجد أن ثمة ثقافة تقف وراء كل سلوك جاهل، فاسد ومؤذٍ، ثقافة تصوّره على أنه السلوك الطبيعي الموافق لمقتضى الحال، والمعبّر عن صلابة صاحبه وحرصه على المصالح العامة وغير ذلك من مسوّغات يقبلها الكثيرون.
للجهل ثقافته، وثمة من يروّجها على نطاق واسع، إما لأنه مقتنع بها حقاً، أو لأنه يجد فيها سياجاً لمصالحه ونفوذه. لكن حامليها والمتأثرين بها هم في أغلب الأحيان من الطيبين الأنقياء، الذين حدّدت العواطف نشاطهم العقلي، وقتل التسليمُ بالموروث والمألوف كلَّ نزعة للتفكير الحر المستقل لديهم، وخلعوا على المتنفذين عباءة الثقة، وارتضوا أن يكونوا منقادين لمن هم أكثر قدرة على التلاعب بالألفاظ والمشاعر والعقول.
للجهل ثقافته، والمؤسف أنها أصبحت بنية عقلية راسخة تتجلّى لدى كثير من المثقفين والكتاب والسياسيين، كما تتجلى لدى عامة الناس، ولا تستطيع إخفاءها تلك الغلالة الرقيقة من الكلام المباح عن العقلانية والموضوعية والإنسانية والديمقراطية وغير ذلك.
نستطيع ذكر بعض جوانب ثقافة الجهل هذه، دون أن نضرب الأمثلة ونستخدم الشواهد، فكلّ مدقّق فيما يجري حوله، على مختلف المستويات، يستطيع أن يجد ما يبرهن ذلك ويؤكده.
ولعل من أبرز جوانب ثقافة الجهل، روح العداء والنفور، هذه الروح التي تشكل قاعدة لسلوك كثير من الناس من مختلف الفئات والطبقات، ولا أستثني العاملين في الحقول الثقافية والسياسية.
النظر إلى الآخر بحذر، وافتراض العدوانية في مواقفه وسلوكه، والتوجس مما يمكن أن يفعله. النفور من كل جديد غير مألوف، ومعاداة من يطرحه أو يفعله، والتمركز على ما درجنا عليه من عادات وقيم، والخوف من الابتعاد عنها أو اختراقها. الخوف على ماضينا من جموح عقولنا ونزعاتنا، والتسليم بما هو سائد، والشكّ من جدوى العقل والتفكير. ألا نجد ذلك كله على نطاق واسع؟ وكم نسبة الذين يمكن استثناؤهم من المشبعين بثقافة العداء والنفور هذه؟
ثقافة رفض الآخر، وازدراء فكره وتجربته والسعي إلى حرمانه من التعبير عن ذاته، فكراً ومصالح وتطلعات.
الثقافة التي لا تقرّ بالاختلاف، ولا تعطي المختلف حقوقاً مساوية لحقوق الذات، وتنظر إلى المختلف بوصفه عدواً لا بوصفه آخر مكمّلاً ونقيضاً ضرورياً وندّاً ناقداً ومقوّماً.
ثقافة اليقينية التي تتوهّم امتلاك الحقيقة والبراعة المطلقة في التعبير عنها، الثقافة التي يقول حاملوها: نحن على صواب دائم ومطلق، أما الخطأ فهو عند غيرنا الذي عليه أن يتعلم منا ويتقرب إلينا تقرباً من الحقيقة.
ثقافة المفكّر الذي لا يرى الصواب إلا في منهجه ولا يجد المختلفين عنه إلا مبتدئين أو ضالين.
ثقافة المؤمن بمذهب أو عقيدة، فيحوّل إيمانه إلى قيد يمنعه من التواصل مع الآخرين مهما يكن اختلافهم عنه صغيراً.
ثقافة المتحزّب الذي يثق بما تعلنه قيادته ثقة عمياء، ويأخذ بما يملى عليه دون شك أو تدقيق أو مناقشة، وينظر إلى غير الحزبيين أو المنتمين إلى أحزاب أخرى نظرة المتعالي الواثق من أنه أكثر صواباً وإخلاصاً.
ثقافة الحزبي الذي ينسى أن رفيقه الذي يختلف معه في الرأي يظل رفيقاً له، وله الحق في الوجود إلى جانبه، لأن في التنوع قوة ونموّاً.
باختصار، ثقافة العداء والتعصّب والتسليم باليقينية والأحادية، هي ثقافة الجهل، هي المناخ الملائم للسلوك المؤذي، وهي جرثومة هشاشة المجتمع وضحالة الفكر.
هذه الثقافة كانت موجودة على الدوام، وكانت سائدة في كثير من المراحل، ومن يعد إلى التاريخ يجد أن سيادتها لم تؤد إلا إلى التعثر والتراجع والتفسخ، وهذا ما طبع مجتمعنا العربي عامة قروناً عديدة.
لكن كل زمن، كان يشهد ظهور عدد من المفكرين والمثقفين والسياسيين، يواجهون التيار ويعرّضون أنفسهم وأرواحهم للخطر، وهم يحاولون خرق جدار ثقافة الجهل، ويسعون إلى إخراج جمرة العقل المفكّر الجامح من رماد التسليم واليقينية، ويعملون على هزّ الثوابت وتحرير أجنحة المجتمع، وما كانت جهودهم وتضحياتهم تضيع هباءً، فعلى الرغم من أن تأثيرهم ظل محدوداً في زمنهم، غير أن ما طرحوه ويطرحونه كان يمثل الوجه الآخر المشرق الذي ستقوم عليه عافية المجتمع المنشودة.
انتشار ثقافة الجهل، وتمكُّنها من عقول الكثيرين من الناس، ومنهم غير قليل من المثقفين وذوي النفوذ السياسي والديني والاجتماعي، هو اللاجم الأقوى لنهوض المجتمع وتقدمه، وهو العدو الأخطر، لأنه كامن في الذات، ومُرتَكَزٌ يستند إليه ويستفيد منه العدو الخارجي. ولأنه كذلك، فإن أي نجاح في زعزعته هو خطوة إلى الأمام، وأي تقوية للثقافة العقلانية الديمقراطية التي تقوم على نزعة التواصل بدلاً من النفور، والشك بدلاً من التسليم، والاعتراف بالآخر وحقوقه بدلاً من إلغائه، والتعددية والتنوع بدلاً من الأحادية، هي تقوية للمجتمع ومعالجة لهشاشته، والوسيلة الأهم لدفعه باتجاه النهوض والتقدم.



علمنة المجتمع العربى ، والعلمانية

***

العلمانية تحاصر التطرف الدينى
فعلى العلمانيين مراجعة خطابهم




السجال بين العلمانيين ورجال الدين سجال مرشح للتهافت، وذلك لسببين، على الأقل: الاول أنه، في مجمله، غير قادر على تحديد موضوعه، والثاني أن الممارسة الاجتماعية هي المتعهّدة بحسمه. وهو حسم يزداد اتساعا وإيقاعا، برغم كل ما يسيل في المسامع وعلى الورق من هذا السجال. هذا يعني ان الوقت قد حان لتحويل النظر الى الواقع: واقع يتعلّمن، دون اكتراث لا بماضي السجال ولا بمصيره.
من الصعب ومن غير المفيد لملمة السجال الممتد من جهة المسائل المدرجة فيه. قد تكفي منه بعض تضاريسه: تاريخية العلمانية، والعلاقة بين علمانية الدين ودين العلمانية، وربط العلمانية بالمشروع الديموقراطي. وإذا كنا نذكرها، دون التوقف عند تفرّعاتها وتفصيلاتها، فلتأكيد استعصاء معادلاتها في الفكر العربي الذي تتجه الأنساق فيه، دوماً، الى التداخل، وبالتالي الى النسبية، خوفاً من (القطيعة).
التاريخية تعني، اولاً، رفض فرضية التجانس التي تقوم عليها رؤية الأمة. إنها تعني، تبعاً لذلك، أن العلمانية، من وجهة اجتماعية، هي علمانيات أنتجتها صيرورات اجتماعية طويلة المدى. ليست هي مجرد خطاب ولا هي ظاهرة ثقافية محض. هي وعي وتجربة. وبما ان العلمانية، من هذه الوجهة، لا تنفصل عن وجهها الثاني الذي هو الدين فإن ما يستفز فيها رجال الدين وهذا منتظر أن تاريخيتها هي وجه آخر لتاريخية الدين ذاته. هناك، اذاً، تقابل بين رؤية تاريخية للدين ورؤية دينية للتاريخ.
ظاهرياً، يبدو الطرفان، في المطلق، على طرفي نقيض. لكن بما ان العلماني هو (الدخيل) على الثقافة العربية ورجل الدين هو المستقر فيها فإن الاول لا تكفيه معرفته ولا ايديولوجيته وإنما عليه، فوق ذلك، إثبات هويته وبراءته. من هويته الدين، طبعا، فلا سبيل الى تجاوز حدوده المرسومة. هذا ضغط أول يجعل النص العلماني نصاً غير مكتمل، بالضرورة. أما البراءة فأولها على وجه التعميم والترهيب، البراءة من التواطؤ مع الفكر الغربي. من هنا كان البحث عن اصول للعلمانية في التاريخ العربي، سواء كان ذلك بعمق وذكاء مثلما فعل عزيز العظمة (من منظور مختلف) او كان على سبيل الاشارة والإرضاء، كما فعل الكثيرون. إنها حالات نادرة تلك التي لا ينبني فيها الخطاب العلماني العربي على هاجس طمأنة ما يعتبره طرفاً نقيضاً له. وهي طمأنة يحتاج إليها التاريخ ايضاً!
(برديغم) العلمانية له حدوده وتخومه في الفكر الغربي كنسق من المفاهيم والمقولات والقيم المترابطة. العلماني العربي، الباحث على الاقل، يعرف ذلك، ولكن الحديث عن العلاقة بين العلمانية والدين سرعان ما يوسع التداخل بينهما في الفكر العربي. هنا يصبح إثبات الهوية والبراءة اكثر حرجاً. لم تعد تكفي الطمأنة التي تفرضها مناورة التاريخ. لهذا كثيراً ما يتحول التبرؤ من معاداة الدين الى دفاع عنه، بصورة او بأخرى. ان القول يتكرر بأن الشعار اللاديني ليس شعاراً ضد الدين. وهو، في ذلك، يستنجد بعلاقة الكنيسة بالدولة والمجتمع في تاريخ أوروبا، متنقلا بين (لائكيّة) فرنسا (المحرجة، احيانا) و(سيكيلريزم) انكلترا التي تبدو له اكثر مرونة.
المقاربة السياسية للدين تعقد الموضوع اكثر. انها تقوم على مقولة سائدة لا تزال تتخذ شكل البديهية، وهي أنه لا فصل في الاسلام بين الدين والسياسة، ولا فصل فيه، تحديدا بين الدين والدولة. هذه المقولة التي استوعبتها أغلب الانظمة العربية، بل وحكمت بها شعارا، لا يجد العلمانيون لها حلا غير التراجع نحو مقولة أخف وطأة من فصل الدين عن الدولة هي الفصل بين حيز العام وحيز الخاص. إنه تراجع يسمح بالدفاع عن الدين كعقيدة للفرد الحق، كل الحق، في اعتناقها وفي ممارسة شعائرها (وهي، بهذا المعنى، من حقوق الانسان)، شريطة ألا تتحول، خارج هذه الحرية الفردية، الى مرجعية وحيدة والى مصدر شرعية لسلطة تمارس، باسم الدين، في الحيز العام الذي يجب ان يبقى فضاءً للحق في الاختلاف.
هذا التراجع لا يكفي، على ما يبدو. ذلك ان الانسحاب من الحيز العام يعني، في مجتمع عربي ما قبل مدني، تركه للدولة وحدها. ان الخوف الذي لا يعرف العلمانيون كيف يتدبرون أمره هو خوف رجال الدين من ان يكون الانسحاب لمصلحة الدولة، بينما الغلبة، كما تبدو آفاقها للبعض منهم، قد تكون لمصلحة الدين. ولهذا الأمل، عندهم، مؤشرات منها اثنان، في الأمد المنظور: أحدهما تنامي (إرهاب العدو) المحلي والعالمي، برغم محاربة (الارهاب) الذي ارتبطت تجلياته، في السياسة، بالدين، وثانيهما استمرار مقاومتهم في آخر معاقلها: المرأة. والواضح ان آخر معارك العلمانية هي علمنة حياة المرأة العربية، وخاصة جسدها الذي بدأ، فعلاً، يتعلمن

كل السجال يصب الآن في المشروع الديموقراطي. ليس هنا مجال الحديث عن صعوبات الديموقراطية او عن استحالتها في السياق العربي، خارج حدود (الاصلاح) الذي تفقد فيه أهم مبادئها. لنفترض جدلاً، ان الديموقراطية ممكنة. في هذه الحالة لا تكون إلا علمانية. نعرف البدائل، من وجهة دينية سياسية، ولكنها بدائل لها ان تحمل ما شاءت من اسماء، ما عدا الديموقراطية. الديموقراطية، في حدها الادنى، كتعبير عن حق الاختلاف، تصطدم بأية مرجعية تجانسية مفترضة او مفروضة، بما في ذلك دينيا. وكما كرر العلمانيون، يمكن للديموقراطيين ان يكرروا أنه ليس من همهم ولا من نواياهم مهاجمة الدين الذي ينتمون إليه ولا المتدينين الذين يحترمون عقائدهم وإراداتهم. المطلوب منهم، هنا، كما هي الحال في كل مناسبة، ان يكرروا ان التوجه العلماني هو في اتجاه الدفاع عن الديموقراطية لا في اتجاه مناهضة الدين. قد يلتجئون الى القول بأن الديموقراطي، كفرد، هو علماني متدين كما ان الدين، كممارسة، متعلمن.
يواجه الديموقراطيون العلمانيون تذكيرا مرا بأن العلمانية في العالم العربي ارتبطت تجاربها بالتسلط والاستبداد ولم تعرف اية تجربة ديموقراطية، خلافا لعلمانية الغرب التي وإن تحملت النازية والفاشية والستالينية، دعمت الديموقراطية وحصّنت استمراريتها. والمفارقة انهم لا يكادون يجدون من استثناء إلا في مجتمع طائفي كلبنان: وهو استثناء لن يصبح نموذجا للعرب إلا إذا استطاعت ديموقراطيته أن تلغي طائفيته السياسية وأن تحوّل عضو الطائفة الى مواطن. وهذا لا نراه يكون بدون علمانية لا تبقى معها المواطنة رهينة اختطاف طائفي. بدون ذلك يبقى الاستثناء اللبناني (حالة خاصة) مغرية، من بعيد، ولكن لا يمكن ان يعيشها، كحالة، إلا اللبنانيون، في لبنان.
حالات (التطرف الديني) تحتاج الى توضيح، في علاقتها بالعلمانية: هناك حالات، منها حالة الجزائر مثلا، توحي بأن علمانية المجتمع، واقعا او ممكنا، هي المستهدفة. هناك (تكفير) يؤدي الى بقر بطون الامهات والى قتل جنين محتمل (الكفر). هذا المشهد البشع هو، ايضا، مشهد اغتيال لعلمانية ما قبل (الكفر)، في مرحلة ما قبل المهد... لكن أوسع الحالات التي يتبنى فيها العنف المادي مرجعيات او شعارات دينية ليس من اهدافها الاولى، المعلنة على الاقل، محاربة العلمانية العربية وإنما هي، كما تعرّف نفسها، حالات (جهادية) يستنهضها الدين او تستنهضه ضد أعدائه الذين هم اوسع عدداً وفضاءً من فئة العلمانيين العرب. هناك ايضاً حالات مقاومة تحريرية لها قواعدها الشعبية، وقد تجد لها من يناصرها من العلمانيين انفسهم، رغم ما قد يكون لها من عناوين دينية. وهكذا فإن التقابل دين/ علمانية هو، في واقع العالم العربي الراهن، أقل حدية وأكثر تلويناً مما تريد له بعض النصوص، سواء كانت ذات نزعة علمانية او دينية. من هذه الوجهة، نفهم اكثر لماذا تحرص اغلب الكتابات على ترك مناطق للتداخل والنسبية، ولو كان ذلك على حساب قناعاتها الايديولوجية.
لا شك في ان للخطاب الديني، بصيغه المختلفة، أثراً لا يزال واسعاً في الاوساط الشعبية العربية. القول بخلاف ذلك تغطية للواقع الموضوعي وللأسباب التي وراءه والتي قد لا تكون لأغلبها أصول دينية. الخطاب العلماني ليس له هذا التجذر الاجتماعي. هذا، ايضاً، معطى موضوعي. في مرحلة إصلاحية تحديثية سابقة كان هذا الخطاب مؤثراً في اوساط النخب الفكرية والسياسية. هذه المرحلة النخبوية انتهت، لا لأن فكرها العلماني لم يعد مناسباً (فهو مناسب أكثر من أي وقت مضى) وإنما لأن المجتمع بدأ يتعلمن (من تحت)، بدون أخذ رأي النخبة، وبدون أن يكترث بعلاقة تعلمنه هذا بعلمانية العلمانيين.
لننظر الى ما يجري من علمنة حياتنا اليومية، وإن كان بدرجات متفاوتة وبصيغ ظاهرة او مستترة، حسب البلدان العربية: هناك، طبعاً، المؤسسات والقوانين المدنية والاحوال الشخصية وما الى ذلك مما أكسب العلاقات والسلوك سيولة تنحل معها بعض الصيغ الدينية في فضاءات الحيز العام. بعض الشوارع العربية لا تختلف تجلياتها عن شوارع العواصم الاوروبية: نساء لجغرافية الاجساد عليهن تضاريسها وحدودها التي تناست كل تعريف للعورة الفقهية. إعلانات ولغات تبيح للعين والسمع اصناف المكروه والحرام. هناك ايضا وكيف ننسى؟ ما يهب في الاعلام والاعلامية من مشاهد معولمة وقد تسيّبت من اطار الزمان والمكان. كل هذا وغيره يخترق كل الشرائح الاجتماعية، ولو بدرجات متفاوتة. لم يعد له حدود فئوية او طائفية. ذلك ان مقاومته وراء الخطاب تعني تعطيل كل الحواس تقريبا ليسلم الكائن الاجتماعي من مصادفته.
هذا الوضع هو بصدد تحويل الصدام بين التطرف الديني والدولة الى صدام بين التطرف الديني والمجتمع. هناك إشارات إلى تضايق المجتمع العربي من العنف الذي يمارس باسم الدين، وخاصة لدى الفئات الشعبية التي هي ضحيته الاولى. لقد بدأ العنف يظهر كأنه تشفٍّ من المجتمع نفسه: لأنه (يتسيّب)، اي يتعلمن، ولأنه يقبل الدولة المتهمة بعلمنته او بتركه يتعلمن.
التطرف الديني، بما فيه صيغ العنف، سينتهي بمواجهة المجتمع المتعلمن. قد يتطلب ذلك وقتاً لا نعرف مداه ولكن أغلب الاحتمال ان يدفع المتطرفين الى التنازل، تاركين للدين طريق العودة الى الحيز الخاص ولرجال الدين أوضاعهم وأدوارهم الدينية. بذلك تكون علمنة المجتمع قد حاصرت التطرف الديني كما تكون أوحت الى العلمانيين بإعادة بناء خطابهم في علاقته بالواقع الاجتماعي.

الجمعة، 17 أغسطس 2007

مابين أدوات النقد وأدوات الوحى \ملاحظات نقدية استهلالية



مابين أدوات النقد وأدوات الوحى
ملاحظات نقدية استهلالية



الليبرالية الجديدة، كنسق عالمي،هى حرب جديدة لغزو مناطق جديدة، فلا تعنى نهاية الحرب العالمية الثانية أن العالم قد تغلب على الثنائية القطبية، أو أنها أفضت مرة أخرى إلى الاستقرار تحت سيطرة المنتصر، فعلى حين كان ثمة جانب مهزوم، وهو المعسكر الاشتراكي، فإنه يصعب تحديد الجانب الفائز هل هو الولايات المتحدة ؟ أم الاتحاد السوفيتي؟ أم اليابان؟ أم الثلاثة معاً؟ فبفضل الكمبيوتر والأسواق المالية ومن منطلق تجارى، ووفقاً لرغباتها، تفرض الليبرالية الجديدة قوانينها ومبادئها على الكوكب، فلا تعدو العولمة أكثر من امتداد شمولي لمنطقها إلى كل جوانب الحياة، والولايات المتحدة التي كانت حاكمة الاقتصاد سابقًا، أصبحت الآن محكومة عن بُعد بحركية القوة المالية الفائقة "التجارة الحرة"، وقد استفاد هذا المنطق من خاصية النفاذ الناتجة عن تطور الاتصالات؛ ليتولى أمر كل جوانب النشاط في النطاق الاجتماعي، وكانت النتيجة أن أصبح الجميع بمنأى عن الحرب).
لقد كانت الثقافة في الخمسينيات والستينيات ـ وهى إحدى مراحل تاريخ العالم الثالث التي يأمل مؤيدو العولمة في تهميشها واغتيالها - تتشكل من نوعين من الثقافة : الثقافة الاستعمارية المهيمنة والثقافة الوطنية التحررية، ويرغب أولئك المتأثرون بأيديولوجية العولمة في ابتداع ضرب جديد من الثقافة : ثقافة الانفتاح والتجدد وثقافة الانسحاب والركود (محمد عابد الجابرى)
"أخبرونا أن العالم ينكمش، وتلاشت المسافات الشاسعة بالحاسبات الآلية والفاكس، وأن الأرض أصبحت الآن " قرية عالمية" أصبحنا فيها مترابطين على نحو غير مسبوق، ومع ذلك فثمة شعور بنقيض ذلك تماماً: شعور بأن التنائي والانفصال يشكلان الحياة الحديثة، وإن كان ثمة شئ تقلَّص فهو اكتمال الذات الذي عانته الذات الحديثة، ويقرر علماء النفس أن مستويات الإحباط والقلق عالية، وأن شبكة الأصدقاء وأفراد الأسرة المقرَّبين وعلاقات الجماعة انكمشت ـ بالنسبة لأغلب الناس ـ إلى جزء صغير مما عايشته الأجيال السابقة"
إن المعرفة التي كانت مجانية ومفتوحة للراغبين فيها ولصالح المجتمع، أصبحت الآن متملَّكة وخصوصية ولصالح النشاط المادي، وبعد أن كان أهل العلم يحرصون على استقلالهم العلمي؛ ها هم الآن، يخططون المناهج العلمية وفقاً لما يتم الاتفاق عليه مع مؤسسات الأعمال الممولة، وأصبح الأساتذة الذين كانوا يدرسون مقيدين في قوائم رواتب الشركات التي يقومون لها - في مختبرات الجامعات- بأبحاث يمكن تسويقها بينما تدفع الجامعات رسوماً مخفضة لإحلال الأساتذة المساعدين، أما رؤساء الجامعات الذين كانوا قادة الفكر لمؤسسات المجتمع فقد أصبحوا الآن يتمثلون بالتجار المتجولين يستحيل تقريباً تقديم تعريف بسيط لمصطلح العولمة نظراً لأنه يحمل عدداً من التضمينات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والفكرية، وتنصب اهتماماتي في هذا المقال على إثارة عدد من الأسئلة النقدية حول هذه التضمينات؛ خصوصاً في علاقتها بالعالم الإسلامي المعاصر، وتقديم بعض الملاحظات النقدية حول حالة الفكر الإسلامي المعاصر، واقتراح طرق معالجة التحولات المعرفية والأخلاقية التي أحدثتها العولمة مؤخراً، وبداية أودُّ القول: إن مؤيدي العولمة لم يأخذوا بجدية المنظور الإسلامي في الاقتصاد والمجتمع أساساً، لعدم وجود تقدير ونقد إسلامي نظامي لهذه الظاهرة. صحيح كانت ثمة حركات مفاجئة ضد الحداثة الغربية؛ كان أبرزها في إيران والسودان ومصر، إلا أن رد المثقفين المسلمين على الإشكاليات المتولدة عن العولمة قاصر وتجاوزه الزمن.
وبغض النظر عن الاتجاهات المعرفية المعقدة المستبطنة في الفكر الإسلامي المعاصر، فإن هذا الفكر لم يحقق كل إمكاناته الفكرية، لأنه أخفق في معالجة أكثر القضايا نقدية في زماننا؛ أين النقد والفهم الإسلاميان للقومية الحديثة والديمقراطية والحداثة والدول القومية، بل وحتى للاستعمار والاستعمار الجديد؟ فباستثناء دراسات وانطباعات فردية قليلة، لم يقدم الفكر الإسلامي المعاصر منظوراً شاملاً -ناهيك عن أن يكون مقنعاً- للعديد من القضايا والمسائل التي تكتنف العالم الإسلامي المعاصر. وهذه الثغرة أكثر وضوحاً في مسألة الحداثة والعولمة.
يجب لإلقاء الضوء على طبيعة الفكر الإسلامي الحديث، التمييز بين الفكر الإسلامي من ناحية والفكر العربي أو الباكستاني من ناحية أخرى؛ فقد يعني المرء بالفكر العربي الحديث الإنتاج الفكري للمفكرين الدينيين والعلمانيين العرب في المائة عام الأخيرة، بعبارة أخرى، يجب عدم تسوية الفكر العربي بالفكر الإسلامي؛ لأن الفكر العربي يشمل كل نزعات واتجاهات وأنماط الفكر التي تعكس الأسئلة والقضايا المحيرة التي تشغل الفكر العربي الحديث ، ومن ناحية أخرى، فإن للفكر الإسلامي مركزًا إلهيًّا، وإطارًا فكريًّا مرجعيًّا، يحدده الوضع المحوري للقرآن الكريم في الحياة والفكر الإسلاميين.
تستدعي الملاحظات السابقة التساؤل حول طبيعة الحضور الإسلامي في الغرب بصورة عامة، فمن المغالطة المحاجة بأن العالم الإسلامي خارج منفصل عن الغرب، وأن الحضور الإسلامي في الغرب ليس مهماً للعالم الإسلامي؛ لأنه تنقصه الأصالة، فمع هجوم الحداثة وهجرة المثقفين المسلمين والمهندسين والأطباء والمهنيين للغرب منذ بداية القرن العشرين، أصبح من المهم إثارة الأسئلة حول طبيعة واتجاه الإسهامات الفكرية الإسلامية في الغرب، وإجمالاً لم يُنتج المجتمع الإسلامي في الغرب - باستثناء قلة من الجامعيين - مفكريه الذين يستطيعون مساعدة المجتمع الإسلامي في إدراك المشاكل التي تكتنف حضوره في بيئة غير إسلامية ـ وإن كانت متسامحة دينياً ـ بما يعكس المعاناة النفسية والاجتماعية للمسلمين في وسط غربي.
إن المجتمع الإسلامي موقع مثالي لإمعان النظر من الداخل ومن ثم للحديث عن طبيعة العولمة، وإرشاد العالم الإسلامي لفهم المخاطر الناشئة عن الليبرالية الجديدة، وقوى السوق الجديدة، ومن المستحيل التهرب من الاستنتاج بأن المجتمع الإسلامي في الغرب مضطر لتطبيق قيمه على وقائع العالم الجديدة التي لا تقر أية رؤية توحيدية للعالم بل رؤى العالم الاستهلاكية والتنافسية.
نتيجة للعوامل السابقة ثمة هاجس يتعلّق بقضية التراث وكيفية الحفاظ عليه في عالم قاسٍ سريع التغير، ولا يعني هذا أن قضية التراث لم تعد ملائمة ولا مهمة، إلا أنه يبدو لي أنه حان الآن وقت تجاوز الصياغات المفاهيمية لمفكري القرن التاسع عشر المسلمين من أمثال: محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والسيد أحمد خان، وذلك من خلال ابتكار أسلوب إسلامي جديد للتفكير، يستجيب بشكل مبدع للقواعد الصارمة للفكر الفلسفي والأخلاقي، فلا يمكن لأي فكر أن يسبر غور إشكاليات العولمة ما لم يتماش بصورة كاملة مع الاتجاهات الحديثة في النظرية النقدية والفكر الاجتماعي والاقتصادي وتضميناتها للفكر الديني في العالم الإسلامي والغربي، وكذا الرد الأخلاقي الذي يجب على الفكر الإسلامي المعاصر أن يقدمه لتأكيد حيويته وملاءمته.
يجب على الفكر الإسلامي أن يسعى للاستعانة بالأدوات النقدية، إلى جانب أدوات الوحي لتقديم إجابات شافية لمشاكل العالم الإسلامي المعاصر

السبت، 11 أغسطس 2007

يبللني نداك






يبللني نداك





آسية السخيري


11 أغسطس 2007




***



تكتبك حروف قلبي…
نزفا…….
لن أطفئها …
…………………………
سأترك لها العنان إلى أن يختنق في الكلام

1)


في عمق الصقيع أتنفسك شمسا / ماء
يتبرعم في صدري الهش ألف من القلوب الوارفة
أوزعك
و أمي
و الوطن المخذول
و طفلي التائه في رحاب حزنه
على أفئدتي بالقسطاس
وأبحث عن قلب آخر
أخبئ فيه العالم و الأسئلة
……………………………..
…………………
أعود على أعقابي بلا وعد
أعتق عصافير روحي
و أدثرني بظلمتي الداجية…

2)


وحيدة
أفرد قلبي لصمت الليل
أعتقله بطرا بغواية الأماني الملتبسة
ما بين الشقين الأيمن والأيسر
وما بين بينهما الممتد حد الخديعة
تسكن أنت
ألست الذي وعدني بالمطر؟
……………………………..
……………………..
أغمض عيني على ماء تعالى
أحمد اللحظة الهاربة
أشرع روحي على ثبج الفراغ
و أحلق حيث لا شيء يورق غير النسيان

3)


يا أنت / يا أنا
نقيان تبرق فينا الوحدة ويورق التنائي
هنا… أنت…
أنا… هناك…
نحن الواحد هنا………..ك
نلتقي عند فجر الكلام
يبللنا ندى اللهفة
نمسح عنا غبار الحلم الأبيض
نكشط صدأ الغربة الكاسرة
………………………..
………………
نطوي الحكاية ولم نرتو بعد
ثم نوصد على فرحتنا المتوحشة
قبل أن تولد منطفئة
صندوق الدهشة

4)


هذه الأرض تتصدع تحت وقع خطواتنا الحرير
ذا الفلق يحصحص
ما ضر لو أننا أدينا بأمان طقوس تيهنا المشتهاة
أهي القيامة كرت إلينا
كي لا نضاجع غير الفقد
توسلنا غفران أمنا الأرض وتسولناه
فبكينا
وما لانت وما طابت جراحها
سرجنا للسماء دعوات تهاطلت نشيجا فارعا
وما سكن وجعها وما طرحت فرحا
يا أمنا
لسنا نحن
من سورنا هذا الكون بالخطايا يا أمنا
ولسنا نحن
اللذين نحرا من خلاف جل الأغاني
يا أمنا الأرض
لسنا نحن من بذر في روحك خطو الشيطان
احترقي الآن
وليس بعد قرن من اللعنات يا أمنا
تصدعي
صيري ذرورا
تفجعي
………………………………
………………….
ما أروع انطفائي على ضفاف صدر تستند عليه سماوات الله…

آسية السخيري

عن لطفية الدليمى ولها أبدا . قلبى المتوق



بين باريس وبابل

لطفية الدليمى تظل الحاضرة أبدا
المحن المتوالية فى البدء والمنتهى
وحيث المنفى أشد قسوة

منذ شهر تقريبا استضافنى الصديق محمد الهانى المذيع المتالق باذاعة مونت كارلو الدولية . ضمن مجموعة من المثقفين العرب ، وكان الحوار بالحلقة الخاصة من برنامج ( ضيف اليوم ) عن الكاتبة الروائية العراقية الكبيرة لطفية الدليمى . عن دورلاها فى إثراء المشهد الثقافى بالعراقى قبل وبعد
احتلال هذا البلد البالغ التاثير فى الثقافة والابداع العربى على مر التاريخ .
وكنت قد ابلغت صبيحة يوم اجراء الحوار معى عبر الهاتف بصوت الصديقة الكبيرة لطفية الدليمى ينبئنى بخبر لعل مرارته برغم نبرة الارتياح التى كانت تفوح من ثنايا صوتها ، أنها قد حصلت على حق اللجوء السياسى فى باريس ، وبقدر ما أسعدنى الخبر لكونها واحدة من الثروات القومية العربية فكريا وأدبيا وقد نجت بعنقها من دولاب الذبح والقتل الدائر الان ببلاد الرشيد ، لكونها واحدة من المطلوب رؤوسهن جزاءا على دورها فى إثراء الوجدان والعقل العربى فيما سبق قانون الاحتلال وإفرازاته ، بقدر ما أزعجنى أن يختنق هذا الدور والتاريخ الذى ظل متألقا لأكثر من ثلاث حقب من الزمان ببغداد ومؤسساتها الثقافية ، فيما كانت تحتضن أسماء عربية واعدة بين صفحات مجلاتها ومطبوعاتها ، وكانت السيدة الرائعة لطفية الدليمى قائمة على رأس واحدة من هذه المؤسسات ، وكثيرا ما ساندت الحاملين مشاريع ابداعية أو فنية أو فكرية من أمثالى دون ضغود أو رغبة منها فى إعلان ولاء ما لفكرة ما وتوجه ما كما كان سائدا حينها
وعقب زواج ابنتى الكبرى نهاية الشهر الماضى ، وكانت تتابع أخبار العرس لحظة بلحظة من منفاها الإجبارى بباريس ، اخبرتنى أن جماعة من أصدقاء ومريدين يقومون على حملة من الاحتجاجات والاعتصامات من أجل دفع حكومة العراق التى تساهم بشكل ما فى عملية التهجير الاضطرارى للأدمغة والعقول والخبرات العراقية الفاعلة والمنتجة إلى خطر استهداف منزلها ومكتبتها الخاصة التى تشكل شهادة رمزية على حقبة وفترة من التاريخ العراقى على وجه الخصوص والعربى بشكل عام
وكنت قد حاولت التوصل إلى ملامح الحملة وذلك من خلال الاتصال بصديقى الكاتب والمخرج المسرحى والناقد العراقى الزميل دكتور محمد حسين حبيب فى بابل العراقية التى تحظى باهتمام اعلامى خاص فى الفترة الأخيرة الذى أخبرنى بتفاصيل البرنامج الثقافى الأسبوعى الأخير، والذى حل هو ضيفا به كواحد من المخرجين والنقاد المتابعين لانتاج الكاتبة الكبيرة والمتعاطفين مع أزمتها عربيا مثلى، وحسب قوله ، أنه قدم ( قراءة درامية في نصوص لطفية الدليمي السردية ) وبحضور عدد كبير من مثقفي مدينة بابل وادبائها .
وفي معرض حديثه بين د. حبيب الى ضرورة التوقف عند ظاهرة هجرة او تهجير الادباء والمثقفين العراقيين والامعان في الظاهرة وخطورتها مستقبلا على واقع الادب والثقافة العراقية ..مطالبا الجهات ذات العلاقة الانتباه لمثل هذه الظاهرة الخطيرة والحد من تفاقماتها المستقبلية ..ومثاله على ذلك هجرة الكاتبة والروائية العراقية لطفية الدليمي مؤخرا بسبب الظروف الامنية القاهرة ..
وقد اوضح لى ان امسيته إنقسمت الى محورين : الاول منه المحور الاحتفائي بكاتبة وروائية كبيرة عراقية عربية وهي ( لطفية الدليمي ) لجهودها الابداعية في القصة والرواية والترجمة والمقال والبحث .. حيث استعرض السيرة الابداعية لها والتي بدأت منذ عام 1970 م ولحد الآن وهي ما زالت تواصل مسيرتها الابداعية الكتابية لا سيما وهي الان في حاضنة الالم والغربة حيث اضطرت مؤخرا الى مغادرة بلدها العراق نتيجة الظروف القاهرة التي يمر بها ا برمته .. والمحور الثاني محور نقدي توقف فيه عند ابداعات الكاتبة النصية الجديدة .
وكانت لطفيةالدليمي قد بعثت بكلمة من منفاها الحالي باريس وأرسلت لى نسخة منها للاطلاع قبل إرسالها، و خصت بها ادباء ومثقفي بابل وكانت هي مفتتح الامسية حيث قرأ د. حبيب نصها كما أنبأتنى مسبقا وجاء فيها :
" نعم انتم يا اهلي واحبة الابداع من يسترد نصي وكلماتي , ويعيد لابنة سومر
صباحات الآس واالاقحوان الملكي, ويومئ لاحزاني بتلويحات محبة عالية..
كل ما انجزته في سنوات الكد وعزلة الكتابة كان يستقي نضارته ومادته منكم ومن زمننا
الفادح بكل خساراته ودموعه ومباهجه النادرة, وكانت اعمالي وتبقى تمد
مجساتها الى آبار بابل او تنقب في معابد اور واوروك او ترتقي قمة برس نمرود ,
دون ان تغفل حاضرا نحياه مجازفين بما ملكت ارواحنا ونحن ننقل الخطى بين حروب وكوارث
وفقدانات وومضات نادرة من سلام مهدد..
انا ماغادرت شارع الموكب ولا معبد ننماخ ولا بوابة عشتار قط , و لو بحثتم عن انفاسي سوف تجدونها تتردد في أروقة القصر الجنوبي لنبو خذ نصر او عند سلالم معابد القمر في اور او عند معبد التقدمات في دور كاليكالزولم اذهب بعيدا عنكم وعن بابل , سوى اني جازفت وحملت جسدا تناهبت اجرافه الحروب والارهاب والاحتلال ولذت بمدينة قبلتني لاجئة مؤقتة في رحابها الانسانية والثقافية , حين عزت عليّ الحياة في بلادنا المستباحة واهدرت دمي وكلماتى قبائل الظلام , و إستحال حصولي على ملاذ في بلاد العرب ,فأويت الى ظل تمثال الحرية
الشاخص عند احد جسور باريس , و تناوبتني ممرات الحي اللاتيني وطرقات الكوليج دوفرانس
حيث كان رولان بارت يلقي محاضراته في ملذات الكتابة وتداولتني مقاهي الارصفة حيث
تقول الحياة مفرداتها كل صباح , باقداح قهوة وصحف وحوارات, وترددت بي خطاي الى
كاتدرئيات الفن والمكتبة العظمى التي ابكتني وانا ازورها بعد تدمير شارع المتنبي , تذكرت مكتبات سيبار وبابل ونينوى , ومكتبات بغداد التي احرقت ونهبت , ومتحف العراق الذي دنسه
ونهبه اللصوص والغزاة, وتخيلتني في صرح بغدادي مماثل فيما سياتي من زمن العراق بعد اندحار الجهالة والاحتلال ورايتكم انتم جميعا هناك في فضاء الغد , تشيرون الى سماوات من إبداع وارض يعمرها الحب وترتادها مركبات السلام
قلت لباريس لن تبهرني كل عظمتك فانا آتية اليك مثقلة بارث عظيم من التراث الرافديني بملاحمه ونصوصه وقوانينه, لن انسحق تحت جبروت الثقافىّ المهيمن لانني احمل على
اكتافي تاريخ المعتزلة والمتصوفة وابن رشد والكندي , قلت لباريس انا حاملة بغداد في نظرتي
ورجفة دمي وهي التي توازن خطواتي بين صروحك البهية وبين ازقة الرصافة واواوين بيت
الحكمة . ساحاول ان اقدم لك ما يسعني من ثقافة العراق وآخذ منك ما يعزز حداثة الرؤية في
ثقافتنا وهكذا تتعادل كفتا الميزان بين ثقافتين ا حيا في فضائيهما الروحي والواقعي..
سلاما لكم يامن تستعيدون ابنة بابل من تشردها في الجهات , سلاما لبابل والعراق ولبغداد كل دموع الليالي الحزينة في وحشة اللغة وفقدان الوطن .. " .
وأظن أنهم هناك ببابل كما بالعراق وبالوسط الآدبى العربى بشكل عام يعون الملامح الدرامية في نصوص الدليمي لاسيما نصوصها الاخيرة وهي من النصوص المفتوحة وربما عصية على التجنيس الادبي المعروف وهذا ما هو معروف ايضا عن كتاباتها القصصية ومنذ بداياتها الاولى ولابد من التاني والحذر الشديدين في نقد وتحليل مثل هذه النصوص الشعرية السردية والموسيقية ايضا والحاوية على متنها الموضوعي الخاص وفق فكرة معمقة شاملة للحدث الاكبر موضوعيا ومنضبطة لتفصيلات ذلك الحدث الدرامية قصصيا ونصيا وبشكل انفتاحي كبير على الاخر المتلقي . ومن هذه النصوص
خطاب الدم او خطاب الجمال / بغداد في زوالها / اين انت ياوطني ؟؟ / ساعتان بعد التقويم / عراقيون مع وقف التنفيذ / ما الذي تبحثون عنه في بيت الكاتبة ايها المارينز ؟ / حفل شاي لابن رشد / شاي سوناتا الخريف / بيت الشاي اللاتيني : صحبة جان كوكتو / شاي الساعة الخامسة مع الغجر السيغان / شاي عند معبد دلفي / من كتاب الفاجعة امهات مائيات شبه دجلة / ..
وهناك صعوبة التعرض لجميع هذه النصوص في استعراض محدود
لقد كانت اول عذابات الكاتبة الكبيرة لطفية الدليمى منتصف السبعينات لحظة احراقها لكتب زوجها المعتقل انذاك ... وان عذابها الاكبر الان هي الغربة التي تعانيها حاليا والتي اضطرت اليها كما اسلفنا .. حيث منفاها المؤقت باريس .
وهناك اصرار عام فى الوسط الثقافى العراقى بداخله وخارجه إلى التنبيه للمحنة المزدوجة التي تعانيها كاتبة مثل لطفية الدليمي .. الغربة اولا .. وقلقها على محفوظات بيتها وعلى بيتها نفسه . ، ولابد من خلال منبر كصحيفة القاهرة المبادرة دوما لهكذا مواقف من تحشيد حملة اعلامية تضامنية مع الكاتبة مؤازرة لها في غربتها وتحقيق كافة حقوقها الشرعية في مطاليبها من قبل مؤسسات الدولة العراقيةالمعنية ذات العلاقة .

***********************************




نموذج من نصوصها الأخيرة

ما الذي تبحثون عنه في بيت الكاتبة
ايها المارينز؟؟

آب 2006


عندما غادرت بيتي الى عمان حاملة حقيبة فيها احتياجات اسبوع من العيش في حياة مبددة
كنت ادرك ان لاوطن لامثالي , فالوطن صار مفردة مراوغة , تمنح نفسها لمن يملك سلطة
او سلاحا او حزبا او ميليشيا او ارتباطا ما بالموت او الابادة
الوطن ليس لامثالنا , لان التسميات انزاحت عن مدلولاتها وفارقت معانيها.
ولاشيء لي قط في اي وطن لانني روح هائمة في الكون على جناحين من كلمات وموسيقى
قد احط في ارض مثلجة او سهول اسيوية اومدينة غامضة او البث معلقة في ذمة الوقت
لاوطن لي , ومع ذلك يبحثون في بيتي عن وطن ينسبونه لعذابي , وبلد يحيلونني لكوارثه..
مع اننىشفيت من عشق ارض لاتقدم لنا غير موت مقسم على االجميع بعدالة فاسدة..
ترى ما الذي يبحثون عنه في بيت محتشد بالكتب والمجلدات والاحلام المتهاوية؟؟
ما الذي يوجد في بيت كاتبة مثلي غير اساطير الحضارات وحكايات العصور وشطحات المخيلة ؟؟
كاتبة افنت عمرها في عشق الجمال والتبشير بالمحبة والاحتفاء بما ابقته ذاكرةالطين والواح نساخي سومر , وما علق بذاكرة الريح من المعتزلة واهل الكلام , وما
خلفته وهجات الصوفية وشذرات الحكمة وتوليدات العقل في الذاكرات ..
ما الذي تكنزه هذه المرأة في غرف بيتها؟؟
حتما هناك كل مايشير الى الحياة وتجليات الجمال , ومؤكد ان خزانات بيت الكاتبة لن تضم غير الكتب والطرف والذكريات العابرة ومرارة الحروب و غصص الراحلين واحلام القانطين المحنطة في رسائل وروايات وقصائد..
ولن ترى في غرفه غير اقراص الموسيقى , ولن تتناثر على مناضده غير اوراق المسودات ومشاريع قصص وروايات ونصوصا ومسرحيات و زهورا جفت عناقيدها تحت وطأة العطش في بلاد نهرية لاماء فيها لظاميء ..
الاجلِ ِ هذا حطمتم بالبنادق والركلات ابواب البيت المنطوي على سره واسرارها؟؟
ام لغير هذا نثرتم كراساتها وشالاتها والقمصان وحطمتم المرايا واحقاق العطور , واخترقتم صمت الغسق الاسيان في شرفاتها ؟
الهذا اطلقتم النار على اللوحات والمصابيح والاصداء ؟؟
هناك بدل اسلحةالموت - ايها السادة المتحضرون - ا لبيانو ا لاسود ا لسادر في صمته , رصت عليه مصادر وموسوعات, وهناك بدل صور السياسيين العاطلين عن الحكمة ممن دمروا عالمها واغتالوا ماكان يسمى - وطنا –هناك اعمال فنية وبعض منحوتات من خزف وكريستال
هشمتها احذيتكم وبنادقكم واحالتها نظراتكم الى رماد..
هناك لوحة للالهة ليليث تشهر سلطة الانثى بعري حقيقتها على مديات الكون, وتجثم بومتان على جانبيها رمزا للحكمةالتي غدت بكماء في هذا الزمان ,بينما تحجر نساء البلاد في حظائر التحريم او في اقبية الخطف او وراء اسوار المدن معروضا ت لنخاسي العصر
العربي السعيد..
فما الذي يبحثون عنه في بيت الكاتبة الذي هجرته لقاطعي الطرق والرؤوس؟؟ا
هناك لوحة لكبش سومري تعلوه رموز الخصب وعلامات الالهة الغاربة , كبش يفتدي ذبيحا , والبلاد تنوح على مئات الالاف من بنيها المذبوحين ,
هناك اكف مرقومة بالاسود والاحمر على اللوحات وبينها تعاويذ من اور واوروك تصد الشرور عن الزمن التالي اذا قيض له ان ياتي على درب معبد بالضحايا, في بلاد لاتجيد سوى اطلاق النار على المستقبل ..
هناك تعويذاتها من افراس البحر الخزفية والحقيقية التي جففها الصيادون على شواطيء سوسة وسيدي بوسعيد معلقة على الجدار ومسمرة في انتظار لحظات حظ قادمات ..
هناك الاناشيد الصوفية محفوظة في الاشرطة , هناك الكونسيرتات واغاريد فيروز وفرقة الانشاد والترجمات الثماني لملحمة كلكامش وشريط بصوت عابد عازارية يرتل الملحمة آية آية
هناك الف ليلة وليلة والجاحظ وابن عربي والتوحيدي وابن رشد وابن خلدون والوردى والرصافي و هؤلاء لن يستطيع احد اغتيال اصواتهم بالرصاص او القصاص..
هناك في بيت الكاتبة ممرات محتشدة بالموسيقى التي تصبرت اصواتها في الصمت الراجف.. ,وهناك قصائد الشعراء الموتى والاحياء , هناك اغنيات الحب الشجية وترانيم اينانا ربة الخصوبة والحب مرقومة على الواح اللازورد او مطرزة على قمصان الكتان..
هناك شجرة الياسمين التي لابد ذوت على اكتاف المساء , وهناك كتب الاصدقاء الممهورة بتواقيعهم وهناك حقيقة الصفر المطلق التي توازي احتمالات الوجود البشري في عبثيتها..
هنك شجيرات الجوري الحزينة و زنابق النهار والفل والغاردينيا تقول الموت وتبوح بالظمأ الصيفي في جفافها تحت وابل من قنابل ورجوم..
وفي بيت الكاتبة تذكارات من رحلاتها الى بلدان لم تتحول بايدي مواطنيها وغزاتها الى مقابر,
وفي غرفة الكاتبة ادراج محتشدة بهيئات عشتار المبجلة ودمى الطين الخصوبية و اناشيد العشاق وتقاويم المباهج المحظورة واحلام ا لوصول الى مرتقيات النجاة..
..وهناك مسودات عن الكوارث العشر التي وصمت خمسا من عقود زمن البلاد..
فما الذي تبحثون عنه داخل حاسوبها؟
اثمة مدافع ترسل حمما من آيات الحب ؟؟
اثمة دوشكا تطلق عصافير الامل؟؟
اهناك مسدسات لاعلان الجمال على الملآ؟؟
اهناك راجمات لقول الانسانية في محنتها؟؟
ما الذي يوجد في حقائبها المهجورة؟؟
قصاصات ورق ؟ ارقام هواتف؟ رماد احلام؟؟ صور غائبين التهمتهم غيلان الفتك ؟؟خواتم من شجر الكهرمان؟؟ اختام من صلصال الاسلاف؟؟ خرزة من عقود( بو آبي) ملكة اور
المضحى بها؟؟ بطاقة التموين التي ادرجت فيها اسماء كوديا و المأمون وابي العتاهية جوار اسمها ؟؟ عناوين اشخاص للاتصال بهم اذا ما تعرضت الكاتبة للقتل في صباحات الموت او ليل المجازر..؟؟
خذوا كل شيء .. فلاشيء لي في هذا الوطن الممسوخ حاضره والمحظور مستقبله..
وما عدت املك له غير الرثاء وبعض مرارة الحيف..
.خذوا تذكاراتي وذاكرة الالام المؤبدة . فاني ابتكر لي اليوم ذاكرة اخرى ..
خذوا اللوحات والمقتنيات فهي لاتعني لي اكثر من اشباح لذلك الزمن الخاسر , فقد ربحت نفسي لانني لست منكم ولا شريكة لكم في وليمة االتجهيل والغاء العقل وتبديد الحياة...
خذوا الكتب والمجلدات فانها تقيم في ذاكرات الدنيا . خذوا الانغام والسمفونيات فان لي موسيقاي الحية التي تولد كل ليلة لي وحدي..
خذوا كل شيء فانا لااؤمن بالامتلاك لانني بسواه اكون وابقى..
خذوا التاريخ فكله زيف وتلفيقات رواة ولكنكم لن تطالوا تاريخ غدي ..
خذوا البيت ياسادة العالم المتحضر انتم ومن معكم - فقد اصبح الفرار بيتا مترحلا لالامنا وضياعنا..
.ولكنكم لن تنجحوا فى ملاحقة الحب واخراس الموسيقى وقتل الافكار التى تفيض الى الجهات وتراوغ كمائن الموت المباح..
الا قولوا لي اخيرا : ماذا وجدتم في بيت الكاتبة غير الحياة ؟؟
اكنتم فعلا تبحثون عن الحياة لتردوها قتيلة آخر المساء؟؟




الجمعة، 10 أغسطس 2007



تنــكسر الريــح ُ اذا مر
***


مهداة إلى مدونتى من صديقتى الشاعرة والإعلامية العراقية / انتظار مالك
***

صـوتٌ لايشبهه ُ صـوت
صـوت الارواح الحـالمة
يصـعد فـــي علــييـــن
*
وربتــما فــي ناي الرهبان
يخــرج من اعمـــاقِ البحر
ويمتــدُ على الشطآنْ
يشــدُ صهــيل الرغبــة
إنسي في ملكــوت الجان ْ
صــوتٌ يملأ اسماع الكون
يعلــو ..يعلــو في الارجاءْ
ولايسكن في القيعان
يوقد فــي الغيــم البركان ْ
اقوى من كل مواويل الليل
يملكُ أسرار النبض
واسئلة القمر الوسنان ْ
يدخلُ في الاصلاب وفي الارحام
يطغي فوق الطغيانْ
فــي لوعتــهِ لـذاتٌ جارحةٌ
وســـهادٌ مــن نيرانْ
يجثــو فــي سطوتهِ السلطان
تنــكسر الريــح ُ اذا مر
المملوك يغــدو ملكـــا ً فــي حضرته ِ
وأمير الجان ْ...ممــلوك بين يديهِ
يأمــر كل قوي فيطاع
يوقد نار فــي الثلج ويشتعل البرد ُ
ويفيــض ُ علــى جذوته المعنى فيتلوهُ الرعد
وينــفخ ُ في السحر الالحان ْ
صــوتٌ رباني وقدُ
يقدح ُ في القلب
فيلتهبُ الوردُ