ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الخميس، 29 نوفمبر 2007

عن الموت وعنى .. من مجموعة ( من أوراق موت البنفسج )


عن الموت وعنى
أنا لا اكتب إلا وحزن قوى يدفعني
لماذا عن الموت،ولماذا عنى..ولماذا كل هذه الطيور السوداء المفزعة فى انحناءات الحروف،وفى حركة علامات الاستفهام..وهى تتلوى وتتماوج داخل الرأس والروح..؟!
***
عنه
لأنى الخارج منه،وهو الحاضر دوما.هو كيمياء روحي،وتراب الصيرورة ،ومسودة الحلم.
هو تلاشى الخوف،تدهوره تحت حوافره.هذا الحصان الجامح المشاكس،وهو الأخ الأكبروهو يراقب عمري برفق، يرعاني بعين ساهرة،يحصى ساعاتي وينظم حياتي .
وعنى
فى من انقطاع اللذة وزوال الحلم الذى يكبر ويشيخ وينحني ظهره بطرقات تراجيدية قدرية، حفار القبور يسند ذقنه فوق فأسه وجاروفه مقتعدا(المقطف)بحذاء فوهات قبور فاغرة الأفواه تنتظر القادمين،يشتعل خوفى منه فيتوهج شعورى بالحياة..
لا أخفى أنى أتوحد بحزن إيزيس وأعضاء أوزوريس الجنسية..حين مات انعدم خوفها وبدت حياة جديدة فيها لتبعث فى جسدها حياة من الموت.
لأنى الخارج منه،الهارب منه..ولدتنى أمى كرابع محاولة سبقتها محاولات ثلاث..كانت تسمى حملها حالة تكوينه داخلها،وقبل أن يحين موعد خروجه تسقطه ميتا، قالوا لها إن الثالثة لثابتة..لكنها كسابقتيها،وكنت الرابعة .خرجت منه،هربت منه ..لتقر عين الأم حزنا وفرحا،وليدخل موت أبى لحظة ولادتى..
وها أنا الفار منه...أحمله معى فى لفائف طفولتى ، فى أثوابى التى ضاقت وتهرأت،فى دفاترى، فى حزن بقرتنا الحلوب على رضيعها الذى بيع ردءا للحاجة،فى وداع من جارتنا تقيمه لإبنها الذاهب للجيش،فى قفة الخبز والأرز والبصل وثوب أمى الأسود الحامل بقايا طحين وهى تودعنى عند محطة القطار بطرف قريتنا لأول مرة أغادر للمدرسة بالمدينة البعيدة، بفزعة أم على طفلها الذى يعبر الشارع غير عابئ باندفاعات السيارات،بوداع صديقين حميمين جمعتهما غايات كثيرة وفرقت بينهما سبل كثيرة..
ولماذا عند الموت نتذكر أشياء صغيرة لم نكن نتذكرها ونلتفت إليها ،أحمله معى ملحوما بكل الأشياء الصغيرة والكبيرة التى اصطبغت به، تسربت رماديته إلى خلايا كل الأشياء حتى أحلام اليقظة...تلك التى تقيم توازنا داخل المرء..يستدعى بها طموحاته المسلوبة وانكساراته المستمرة فى الواقع،تأخذ فى داخلى وتعطى إيقاعا جديدا،.يتمثل ويتواصل ويندمج فى بلازما وجودى..عيناى مفتحتان،وفضاءات الراس الثقيلة المرمية على الوسادة واسعة وسحيقة،تتماوج الأحلام وتتملح بالدموع التى تملأ مقلتى..الصور المنقولة عبر أثير حكاوى الأم والجدة لأبى الصحيح الجسم والعافية والمسجى برداء أبيض جيرى وباهت..لم أر أمى مبتسمة مرة واحدة..سواد الثوب والشعر وغطاء الرأس وحبات العيون.انكسارات النظرات ويتمها الذى تموء به كلماتها الجنائزية أبدا.
فى يقظتي الحالمة.امرأتى التي تموت لوجع تحت السرة بعد كل مضاجعة.أو لهيمه قداس الموت فى لحظات المضاجعة.بذرة طفلي وضعت ودموعي تبلل وجه امرأتى..عشت قصة حب من طرف واحد عشرات المرات.لم أستحوذ على قلوبهن إلا بالدموع وبريق الحزن ومفردات الغياب والموت.أعرف أنهن جميعا يتوحدن بإيزيس مثلى فيها.ففي ميثولوجيتها.تكون الواحدة منهن قد تعلق قلبها لحد الوله بى،وتلك أعباء هائلة لم أكن لأوقن إنجازها.فأبكيها وأبكى.أبكى كى أتطهر...لكل واحدة قلت،وقصصت وقدمت حزنى ملفوفا طازجا شهيا لهن،كنت على عتباتهن جميعا أقول:(أخاف من موت يداهمنى،ولا أحرث لك أرضا أو أنبت لك زرعا) ، لم ألتق بواحدة لم تبك أبدا.بكين جميعا.ليس من أجلى.بل من أجل أحلامهن فى الظل،والواحة والستر(ظل رجل ولا ظل حيط).
لم تستحوذ على قلبى المكرس للموت سوى واحدةرسمتها فعلا وواقعا،ورسمت موتها يقينا.عانت عذاب الجسد والروح.عذاب السير فى مسافة بين الحلم والواقع..عذاب السير فى منعطفات خطرة..عذاب القهر وسلب الإرادة.عذاب السؤال عن مصير بشر ينشدون التوازن،وكانت رقيقة القلب...يخدش حياءها أن ترى صورتها فى المرآة وهى تتجمل للقاء الحبيب.عانت عذاب المواجهة مع واقع قدرى يدفع للقنوط واحتراق خلايا الإخضرار..فماتت فى سجن عربى معلوم الإسم والرسم.والهوية. فى غرفة توافد عليها كثيرون.، ولن تبارح صورتها عينى وأنا من خلف قضبان نافذة أودعها.
هو الموت إذن.الخارج منى.الخارج منه.الهارب منه الهارب منى لايهم..مايهم أنه حاضر أبدا..هو عادة ولا مبالاة.ولكن هل سيكون انعدام خوف هو؟
إبنى يقود أصحابه فى رحلة نيلية.إبنتى تعقف شعرها وهى تمشطه،وترفض مساعدة أمها..نومها الحنون على فخدى الجدة وقد كبرا،واحتمال الجدة المسنة ثقل رأسيهما حين يثقلهما النوم،وأسود هو الثوب وغطاء الرأس وحبات العيون، أما الشعرفلا..تيل حشن أبيض.لكنه يضئ الوجه الأسيان بوهج وإشعاع رطب.
زوجتى تجادل الزمن وتنثر على عتباته أن الغد مأمول..بدون علم منى تعرض حالتها على علماء وأطباء فى التناسل..بعد جراحة فى الرحم أفسدت هوايتها فى الإنجاب..فهى سليلة عائلة مخصبة ياماشاء الله..ذرية بعضها من بعض خالتها أنجبت بعد خمسة عشرة سنة من زواجها بمن تحب الغد مأمول،ومازالت تجادل الزمن زوجتى ، وطفلانا صارا شابا وفتاة.
حين كنت أراقب إبنى وهو يخربش بقلمه فى دفاتره خطوطا طويلة وعريضة ودوائر مغلقة تلتحم مع نهايات الخطوط..كنت أشعر بأسى يضئ دروبا ومسارب فى الزمن القادم..التمعت فى رأسى فرحة مباغتة حين بكت طفلتى لمرأى الدم وهو ينزف من جبهة أخيها الذى سقط من فوق سريرة حين كانا يتضاحكان..
فما هو مرادف الموت داخلى؟
هذا الحاضر ابدا؟
بالتأكيد ليس إلا انقطاع اللذة والاستمتاع بأشيائنا الصغيرة التى لم أكن أدركها لولاه..
طريف هو إذن
فأشياءنا الصغيرة البعيدة..صارت كبيرة قريبة..طفلاى كبرا..كبرا..إبنتى تكور صدرها، والتحم خجل من نوع آخر على ملامحها..منذ زمن وهى تستحى أن تخلع قمصانها وسراويلها أمام أمها
زوجتى الآن..فى هذه اللحظة..تقتحم الباب مهللة..بعد أن جادلت الزمن لسنوات..فرحة..مسرورة تعلن مقدم الغد ، قائلة بصوت به بحة محببة للروح:
ألم اقل لك إنه مأمول الغد؟.فثالث فى ا لأحشاء يتكون.
كنت أنا الغرق فى عرق بارد،والرأس ساقطة فى تجويف منتصف الوسادة الساخنة،.كانت تضع قبلتها التى لم أعهدها والتى لم أفطن إليها قبل
الغد مأمول.
وكانت غيمة رمادية تملأ عينى حين كنت ألمحها،وألمح من خلالها ضحكات وابتسامات خضراء...
***

قلب أم .. من مجموعة ظهيرة اليقظة


قلب أم

ابراهيم جادالله

فى غيبتها طوال الليل ومعظم النهار حتى موعد الزيارة وهو يعوى كالذئاب ،ويضرب برأسه كل مايلاقيه كالدببة ،
ويعلو صراخه الهائج كالملقى من شاهق وقت سقوطه ، وكالمتربص بنظراته التى لاتستقر وأنفاسه التى لاتهدأ، إن كان ملقى بجوار حائط العنبر من الخارج أم فى الحديقة الصغيرة المفروشة بنجيل مصفر قبل حلول موعد الزيارة اليومى بساعات ، وكالتائه المخذول بأصابع يديه المنفرجة المتباعدة وكفه التى تدعك الأخرى فى توتر وعينيه اللتين بهما انكسار وحول ، فى رواحه ومجيئه ساقطة رأسه على صدره بالردهة المستطيلة بعد انصرافهم
وكلما يضجر المرضى ومرافقوهم من ضجيجه- وكلهم أحوج لراحة للجسد بلا توتر - يحقنه الطبيب حديث التخرج حقنة الفالينيل ، فينام محمود مهدودا لاتكاد تسمع له أنفاسا ، بينما شخير الآخرين يتناثر هنا وهناك فوق الأسرة، وتنصرف مشرفة العنبر إلى غرفتها ترقد ما تبقى من ليل ثقيل ، ويفرغ المكان من كل ملمح حياة.غير ضربات أجنحة فراشات كبيرة ذات بطون مستطيلة حول لمبة النيون بالعامود الوحيد عند بوابة المستشفى الحديدية ، وأصوات بعيدة واهنة من شرفات لاتزال مضاءة ، وأسنان فئران تقرض كسرات الخبزوقشر البطيخ وبقايا الطعام فى صندوق المخلفات خلف العنبر
وما إن يلمع أول ضوء من زجاج النوافذ العالية العارية العريضة ،ويتسلل من شقوق طويلة فى أبواب العنابرالأخرى إلى الأسرة حتى ينتفض محمود كالمذعور ، يسحب الأغطية من فوق الأجساد المتهالكة المهدودة بالمرض والحقن المهدئة ، ويجعر من حلقه المفتوح عن آخره كالذئب حين يعوى ،ويضرب الباب برأسه محدثا جلبة تثير ضيق وحنق الكل المفتقر إلى راحة نفس وهدوء أعصاب، ويخرج إلى الردهة المستطيلة التى تفتح أبواب العنابر عليها ، ويضرب بيديه المقاعد الخشبية ، ويرمى جسده الضامر فوق إحداها ممسكا شعر رأسه بعنف ، وداقا جبهته بإحدى قبضتيه صارخا من ألم يفور فى رأسه ويغلى داخل جمجمته
وما إن ينفتح الباب الرئيسى فى أول الردهة ويطل عمال النظافة برءوسهم وفى أياديهم دلاء الماء ومساحات البلاط حتى ينتصب راخيا ذراعيه بجوار فخذيه ومدليا رأسه على صدره وأنفاسه تعلو وتهبط ، فيطلع لها صوت من منخاره كالنهيج ، فيباشرون عملهم الصباحى متحاشين استئذانه كى يسهل لهم التنظيف ويكتمل، فتمتد أياديهم بالمساحات على البلاط حول قدميه مؤثرين عدم الاحتكاك به ، لينصرف هو بلا رغبة زاعقا نحو الخارج مرميا على أحد المقاعد بالحديقة الصغيرة المواجهة وهو على نفس فعلته.
وعندما يلوح لمشرفات التغذية مرآه وهن يوزعن وجبة الإفطار حتى تبدأ حمرة خجل أنثوى على ملامحهن ، فلحظة دخولهن هى بدء انعتاق لسانه ، وتنفلت منه ثرثرة لاتتوقف طوال نهاره تخمن منها صورة قد يقترب بها خيالك إلى جزء من حقيقة مرضه العصبى، تتوالى قذفاته الجارحة على كل امرأة خلقها الله ، صارخا برأيه عاريا قبيحا ومبتذلا ، وتتوارى المشرفات خجلا رغم تعودهن ذلك منه كل نهار، تتبعهن الممرضات والحكيمات وقت توزيع جرعة الدواء الصباحية على المرضى.
ولما تناقش إحدى الحكيمات مريضا أو مرافقا أو طبيبا ويلمحها يأتى من حيث موضعه صارخا مشوحا بكلتا يديه ، مستغيثا من نار تلهب نافوخه من الداخل ،ويشد شعر رأسه بأصابعه لاطما وجهه بكفيه ، ولاعنا أمه وكل نساء الدنيا وكل امرأة تحادث رجلا غريبا عنها ، فيلقاه الطبيب الفارع الممتلىء العريض الصدر كالعادة ، آخذا رأسه تحت إبطه مهدهدا وغامزا بجانب فمه لممرضة تتبعه ، بيدها حقنه الفالينيل تغرزها بعرق بإحدى ذراعيه ينسحب على إثرها إلى سريره وهو يترنح ، يرفعه إليه من يتصادف وجوده لحظتها لينام على بطنه ، يغط وينفخ من فتحتى منخاره بالوسادة ، يفيق وقد امتلأت الردهة المستطيلة فى الموعد اليومى عصرا بالزوار على اختلاف هيئاتهم ، يلتفون جماعات حول كل مريض ، بينما ينسل هو خارجا إلى الحديقة الصغيرة زائغ البصر ، يركبه هم وقلق وترقب مجىء أمه متأخرة كعادتها ، حاملة أكياس الفاكهة وأطباق الطعام ، مكدودة ، يلمع حزن ثقيل فى عينيها السوداوين ، وتتغضن ملامحها الشابة بألم من أجله وضيق الحال ومشقة الطريق والسفر ، فهى الآتية كل يوم من قرية بعيدة بآخر حدود المحافظة، ليلقاها ، وقد هيأ نفسه فوق فراش من النجيل الأصفر بالبصق تحت قدميه بصوت فيه احتياج وقرف ، وباللعنات ، وحين تحاول أمه مرتجفة تبرير تأخرها الذى يدركه ، يرمى وجهها بكل ما أمامه من طعام وآنية وقوارير،فتنهض مفزوعة كالعادة متنمرة صارخة ومستغيثة بالسماء أن تريحها منه ومن أفعاله وهمه وبلوته ، ويظل هو يلاحقها بأقذع الشتائم التى تخترق شرفها حتى يختفى شبحها خلف البوابة الرئيسة للمستشفى المحاط بالأسوار فيلملم هو ماتناثر بيديه، وينسحب عائدا إلى سريره حتى صبيحة الغد الذى تتكرر وقائع الأمس به وبكل تفصيلاتها.
ولكن حين صرف مسئول النظام بالمستشفى جموع الزوار عند اقتراب موعد انتهاء الزيارة اليومية فى يوم تال ، كان هو لايزال فى وقفته بالحديقة فوق بقعة ناحلة من النجيل المصفر، ومسندا كتفيه إلى شجرة تساقطت أوراقها ، وكانت قد ارتخت عضلات وجهه تماما واستكانت أعضاؤه كلها ، واستقرت إلى هزال وإعياء ، وعينا مليئتان بالدموع تلتهب منهما الأجفان لطول التحديق فى المدى البعيد. فى ما بعد البوابة الحديديةالتى أغلقت وسمع هو صريرها وهو منتصب بوقفته وقد فقد الرجاء أن تأتى أمه هذا النهار، وهى حالة لم تحدث منها منذ جاءت به إلى المستشفى قبل شهرين أو يزيد ، فانسحب يجرجر خطواته وكأن أكياس ملح علقت بها، ودموعه محشورة بحلقه ، وخوف ملفوف بوحشة وحزن يملأ جوفه لينتفض له قلبه ، ويظل مرميا على سريره محدقا فى سقف العنبر لاتطرف له جفن ، ودموعه تخر على جانبى صدغه ، ولم تنفع معه طمأنة كل من اقترب منه ، وإن كانوا شعروا بقليل من هدوء لتوقفه عن هياجه ولما تسلل أول ضوء لنهار آخر ، واستيقظ الكل ، وباشر العمال نظافة العنبر والردهة والممر الطويل ، وأنهت المشرفات توزيع الإفطار على المرضى ومرافقيهم ، وأتممن تسليم جرعات الدواء الصباحية ، وامتلأت الردهة عصر هذا اليوم بالزوار كالعادة ، كان محمود لايزال فى رقدته على ظهره فوق سريره ، تأخذه غفوة قصيرة ، يفيق بعدها على دموع تملأ مقلتيه ، ونظراته تحدق فى بعيد ساهمة شاردة ، غائبا عن كل ماحوله من صخب أو تهامس
وفى لحظة مفاجئة ، ساد صمت بين كل الزوار والمرضى والعاملين بعنبر الأمراض النفسية حين لاح مقدمها عند البوابة الحديدية تخطف الخطو ، وحبات عرق خرزية تلمع حول حدقتيها وعلى وجهها المكدور، وفزع يملأ روحها ، بينما تضفى طرحتها السوداء حول رأسهاكثيرا من توجس وخوف وهم ثقيل ، ولما لم تجده بمكان انتظاره لها كما اعتادته ، ارتجف فى صدرها قلب أم، وغمر جسدها عرق ساخن ، لكنه ما إن لمحها من بين دموعه على باب العنبر بالداخل حتى انتفض صارخا يدق جبهته براحة يده ، واختلط نشيجه بدموعه الملحية المتساقطة غزيرة حين كان يأخذها بين ذراعيه ، ويرتمى فوقها على أرض العنبر وقبلاته تلاحق رأسها التى تحاول الانفلات، بينما الدموع تغمر وجهيهما .




الجمعة، 2 نوفمبر 2007

تظل هدى السعدى - ثالثتنا - توقظ طيور التذكر













ستذكرها



" ذهاب ٌ بلا إياب "


و مات الصيفُ
و انصرمت ليالي الفلِّ والعنابْ
و ضاعت دميةٌ حلوهْ
جعلتُ لها
ضفافَ الروح أرجوحهْ
نسجتُ لشعرها الذهبي
من مَهوى خيوط الشمس
أصبوحهْ
و بتُّ أماسياً خضراء أحرسها
فكانت
في شقاء العمر مسفوحه
أتذكرها ؟
◊◊◊ ◊◊◊

رسمتُ لحسنها حسناً خيالياً
ترفرف ريشةُ العنقاء
في إغراء قـَسْماتهْ
و صغتُ كواكب الشطآن
حباتٍ من المرجان
أنثرها على شطآن بسْماتهْ
و لملمتُ الغداةَ لها
شَتاتَ الحُلم
من وحي الهوى العذريّ


من عُزّاه .. أوْ لاتِهْ
أهَدْهِدُها

فمن إلياذةِ الأشجار زنبقة ٌ
و من معزوفةِ الأطيار أنشودهْ
أتذكرها ؟

◊◊◊ ◊◊◊

و ذاتَ صبيحة ٍ سوداءْ
رفعتُ يديّ للشِّعرى
إلى الجوزاء
و العذرا
كلِّ الأنجم المعبودة الأخرى
و لما يأسيَ استشرى
بكت عينايَ أزهارا
بكت شهباً و أقمارا
بكت نارا
و صغت الدمع أحجارا
رجمتُ
_ على نفاسته _ به العارا
و من أسفي
قضمت أصابعي العشرا
و لم تفتأ غياهب ليلتي السوداء
تأبى الطي والنشرا
أتذكرها ؟
◊◊◊ ◊◊◊

أتذكر قُبلةً عذراء
أحيت يابس الدنيا بأعماقكْ ؟
أتذكر مَسَّ كفين ِ
استمد كيانُك الظمآن منها
دفء آفاقك ؟
أتذكر نبعةً رَيـّا
و عذبُ نميرها الرقراق ِ
يسقي وردَ إشراقك ؟
أظنك لست تذكرها !

◊◊◊ ◊◊◊

ألا فاعلم
سيبقى طيفها
الوردي يعجن خبز أحزانكْ
ستبقى وردةً في الحلم
تسكن جوف شريانكْ
ستبقى طفلةَ السحر ِ
التي تهمي
كقنديل ٍ
يبث الضوء في وجدان وجدانكْ
على أني أظنك سوف تنكرها !

◊◊◊ ◊◊◊

ألا فاعلم
ستبقى العمرَ ترمقها
كبوصلةٍ
على أحداق سجّانكْ
و تشقى
إن ضللتَ الدربَ من فمها إلى حانكْ
و تلقى صوتَها الوتَريّ
منسكباً على أوتار تحنانكْ
فلا يوماً ستلقاها
و لا يوما ستنساها
و لا أدري لعلك حين تذكرها
ستعلم
أن موت الفل و العناب
في عذَبات أغصانكْ
خسارتُهُ
ستـُـنقِصُ زهو بستانكْ
و تعلم
أن موت الصيف
لا يعني سوى تفصيل أكفانكْ
و أن
جحودَ طفلتك التي أنكرت
كان ضلالة ً
من نزغ شيطانكْ
و أنك رغم نسيانكْ
ستذكرها
ستذكرها