ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الاثنين، 31 ديسمبر 2007

من أوراق موت البنفسح القصة الثانية


موت المغنى
من شدة الأسى


(إلى.ابني ماجد الذى يرمى ببصيرته فى قلب الرحلة،والوجه،والتضاريس.حين كان يحلم برحلة فى عيون الأشياء)



افتتاحية ثابتة وهائجة

(لن تنالى منى الرضا ولن ترعشى فى القلب.ولن تسلبى دموعى الملتاعة أو تعيديها فى محاجر العيون..ياابنتى التى نزفت العمر فى اخضرار حملها وشوقها).



نفتح النوافذ عندما يأتينا صوته،وتتسرب الضوء الذى تفهق به لمبات الجاز إلى الحارة الشديدة الإنحدار فى الشارع الكبير.لا نتبين ملامحه ليلا،ونحفر فى سدود العتمة والسواد كى نتبينها.ننفذ إلى وجهه،ونرسمه فى خيالاتنا بصمت وجلال ورهبة ونحن وقوف أمامه،ويدخل صوته فى رؤوسنا النائمة على الوسائد أو فوق أذرع الأمهات المرتخية للنوم،نسال عنه الكبار،وتسافر أسئلتنا وعلامات الإستفهام المدهوشة مع الشمس التى تنام هناك كل ليلة فى الأفق البعيد حيث قريته بآخر حدود غيطان قريتنا.
تتجمع رغبتنا الطفولية،وتتكاثف مع كشف الستر وسبر الغور،ونخاف أن يفجعنا الليل بأن يرمينا فى مستنقع حقيقة نحدسها،ولكنا نطارد بخوف ليلى رغما عنا أشباحها،وفى تلك الليالى التى يشتد فيها السواد وتجتاح العتمة كل شئ نرقد فوق مضاجع الأساطير التى يقيمها الكبار،وفى الليالى التى يرمى القمر الأبيض المدور الضوء على البيوت والساحات،ويسقط ظل البيوت والجدران على شريط مستطيل من الحارات والأزقة ليبقى ممرا من الضوء.فنتبعه.متشابكى الأيدى،تنغمس أرواحنا فى ندائه الطرى المنقوع فى حزن قديم.قديم كأنه ولد معه،يدخل صوته من نافذة صغيرة فى قلوبنا ينام خلفها ميراث من حزن طرى وهو ينادى)حلاوة عسلية...تعالى ياصبية دوقى الحلاوة)
فى أيادينا كيزان الذرة.سرقناها أو أرغمنا الأمهات على الحصول عليها،بين قضتيه العامود الخشبي الرفيع الطويل الأملس المزيت،ينتهى بكوز من الصفيح به بعض الحصى فى إيقاع تنتظم به حوله،ونبحلق فى لفافة الحلاوة المطاطية اللزجة، تغشاها خيوط مطاطية ملونة ملفوفة معها حتى نهاية العامود.
كل الباعة الغرباء يطرقون حارات القرية نهارا إلا هو(عبده أبو حواية).رأسة المكبوسة بطاقية الصوف التى ينشع منها وسخ وعرق تحمل (سبتا)كبيرامكسوا بالخيش من داخله وخارجه،ينادى مرة على بضاعة(السبت):- بلدي ياليمون.يازرع الجناين ياليمون ،ومرة على الحلاوة العسلية،تحتاطة أيادينا ممدودة بكيزان الذرة أو القروش الصفراء،قلوبنا مشرعة اليه.إلى صوته المضخم بحزن.الحامل عذابات ترطب أشياء فى صدورنا..دائما ليالينا مملؤة بالسؤال،ننبش فى وعاء ما تحده قدراتنا الطفولية،تتداخل فى أشيائه،وتظل أسئلتنا التى هى بلا أجوبة حبيسة أدراج نومنا القلق.
نعرف أنه ينتهى من بيعه قبل أن ينتصف ليل بلدنا،ونعرف أنه يحمل سبته على ظهره مربوطا فى كتفيه، يقطع الجسور الرفيعة والسكك المتربة والسكك المبللة بين الغيطان حيث قريته بالضفة الأخرى للنهر،ولكن تظل أسئلتنا هى هى بدواخلنا،وأحيانا نسال الأمهات أو نسأل الكبار،لتظل هى هى نفس الأجوبة،وتبقى هى هى نفس الأسئلة.لانرتاح أو نطمئن لما نسمع،ويشق علينا أن لانسمعه،ونأسى ونحن نشاهد كل ليلة وجهه الأسيان الملئ بالتجاعيد والشعر القصير الخشن.
تربع الضوء الفضى ليلة شتوية على القرية،وكان هذا الضوء قد أفسح الكون كله للريح..سكتت السواقى المتناثرة فى الحقول حول القرية،وهبت الكائنات تهجع من مكامنها،وانزوت الكلاب فى الخرائب المهجورة التى يفضح القمر مابداخلها،وراحت تفعل فعلتها المعتادة تحت المطر والريح،ولم ننم نحن الصغار.كل منا يتابع فى داخله ويرى على الطرف الآخر رفاقه وهم يتجمعون حول مواقد النيران وسط الأخوة والأمهات والجدات،والآباء مع النارجيلات والشاي الثقيل الذى يعطى للرأس شيئا من التيقظ وللذهن بعضا من التوقد.
لكنا سمعناه وسط عويل الرياح والمطر،صوته كان صافيا كسماء القرية،واسعا كاتساع الحقول.لم نكن نحن الصغار من شده الصوت الصافي الأسيان..الجدات والأمهات أوقف الصوت حكاويهن المنقوع فى عبق الزمن.لم يكن ينادى على عسليته أو ليمونه،رافقناه فى حوارى القرية وأزقتها نهارا ،تنغرز أقدامنا فى وحل الدروب خلفه،وتلطخت جلابيبنا.
نحن نسكنه فى أدفئتنا، نحبه،ونتوحد فى حزنه الساكن ملامحه وصوته،وتابعناه وهو ياخذ طريقه مجتازا الحقول والسكك المبللة حيث النهر وضفته الأخرى قريته..كأنه الحلم الذى نستدفىء به ، وعن إير إرادة منا نطيل التحليق معه ، ولم نكن نصدق مايحدث.لكن أسئلة الغير بدت مكشوفة الآن وتبدأ دربابحقيقة كنا نحسدها، كنا نطارد بخوف ليلى أشباحها.كان ينادى هذه المرة بصوت منزعج متوال ساقط كأنه الثلج فى حجرات الدفء التى نرقد فيها.
عبده أبو حواية جزء من تكوين قريتنا.به تكتمل جزيئات الحياة فيها.لابد لكل سامع صوته فى تلك الأثناء أن يندهش. تساءل الآباء وردت ألسنة الرفاق جميعا، نعم تبعنا عند الغروب.كان يخلع خطواته من وحل الطرقات فى ألم.
إذن لماذا عاد؟
أصاخت الحارة الأسماع فاخترق نداؤه جدران القلوب،وألقى فيها الفزع ، ينادى ابنته حميدة وحيدته الباقة بعد موت الزوجة بفيجعتها فى ابنها الذى دهمه القطار الفرنساوى البليد تحت عجلاته الحديدية حين كان يتقافز بين عرباته وهو يحمل قراطيس الفول السودانى واللب الأسمر، حس القرية النائم فى أمن الليالى الباردة ينخلع لنزف الشجن من صوته الأسيان..
وحميدة كما أخبرتنا الجدات والأمهات نعلم أنها ممسوسة،وأنها تخاوى جنيا،وسؤال أخير يدور فى فراغ الرأس الذى يتسع ويضيق لأنزيم الأسئله الحائرة...
(يقولون فى قريتنا إن البدراوى يخاوى جنية،ولكن أن تخاوى امرأة أو فتاة جنيا فهذا مالم نسع به)
لم تتسع فضاءات رؤسنا لاستقبال دوامات لها طعم الفجيعة كتلك التى تبثها الأمهات.فحميدة ترافق لهونا الطفولى، تترك أباها فى تجواله اليومى بحارات القرية وتنسل وسطنا.نلعب(عسكر وحرامية)ودائما هى مفتونة بدور الحرامى،وأحيانا(عريس وعروسة)وتصر هى أن تكون العريس أبدا.تجمع أطراف ثوبها الدمورى المورد داخل تكة سروالها القطنى،تعقف شعرها الناعم الطويل المرمى خلف ظهرها بقطعة من التيل الرفيع،تحاور الجسد الأنثوى الطافح بتكورين أعلى الصدر،عجيزة مدملجة أسفل الظهر،يشق عليها ضحكنا لمرآها وهى تحاول كينونة عريس.
مرة لعب أحدنا دور العروس،وفى خبث ملفوف بشبق وضع يده فى يد عريسه حميدة وطوى أصبعه الوسط فى راحتها،وحين فرغنا من طقوس العرس الطفولى راح يرجمنا بالحجارة وكلمات حامية مشيرا علينا أن نبتعد عن منزل العريس الذى لم يكن سوى إحدى السقائف المهجورة بتل الخراب ،إنتهى إليها موكب الزفاف وراح يتحسس عريسه(حميدة) فى صدرها ومؤخرتها.لكنها أفاقت من افتتانها بالدور الذكورى،ولم نسمع حينها إلا صراخا وهياجا داخل السقيفة،وصاحبنا يخرج مفزوعا ينفر دما من رأسه.
ولا تستطيع فضاءات رؤوسنا استقبال رنات الأسى الطالعة فى نداءاته على حميدة ابنته.
نعرف توطنها الآن،وهو لا يعرف، نوقن أبدا أنه لايعرف فحميدة أخيرا صارت كثيرة النفور منا،عصبية المزاج،بارادة منها تضيف إلى عمرها سنوات تبرزها على ملامحها.تصدم بها تطلعاتنا البريئة إليها،هذا الألق والتوهج فى نظراتها يخيفنا،وارتعاشات الخوف ماأكثر أن تشدنا إليها،مشدودون إليها بفزع،نتابعها فى محاولاتها الأخيرة الإنفراد بحسان . أحدنا الذى كان يلاعبها مثلنا وهو صامت تدخل فى أعماقه كما نحن،ويدخل فى أعماقها كما نحن..لكنه لم يفرد لها قامة مشاغبة أبدا كغالبيتنا،وكأنه كان يختزن كل تساؤلاتنا. يكبرنا حسان عمرا،ويشاركنا براءة لهوا وحلما،نشعر بميل لا إرادى إليه.فنحن نعرف أنه وحيد فى دنيانا.بلا أب أوأم أو أخوة أو أهل...يرعى بهائم بعض البيوت فى موسم اخضرار البرسيم وتتكفل البيوت بطعامه ونومه،ولكنه نادرا ما يستمر لفترة موسمين فى بيت واحد.
فى الليالى المقمرةالتى كانت تتخلف فيها حميدة عن المجئ مع أبيها إلى قريتنا كان حسان يجلسنا على أكثر المصاطب الطينية شهرة فى القرية ويحكى لنا بصوت منقوع فى حزن موصول بسكون البيوت والحارات وصمت الليل والحقول.صوته يحمل عذابات قديمة لانقدر على تأريخها، نبراته كانت تحمل مفردات الغياب الموشوم فى ذكراتنا بالموت.لوعة الحكايات التى يبثها لنا،والتى تجعلنا نتكور حول أنفسنا فى استمتاع أسيان كأنا ورثناه،لم يكن باستطاعتنا الإفلات من أسر حكاويه.أو لم تكن لدى أحدنا رغبة فى ذلك.كأنا مرغمون على ألفته.حسان صار قلق الملامح فى الأيام الأخيرة، يجلس وسطنا مرتعش الكلمات والنظرات وكأن بحة مفاجئة قد لصقت بصوته، يتركنا بلا مقدمات وكأن لمسة جن أصابته وهو جالس بيننا،ويهل علينا دون توقع وبعد نفاذ صبر وانعدام أمل فى مجيئه،ولم نكن بهذا القدر من الغفلة التى تنسل من عالمنادروب ومسالك لم نطرقها ولم نلحظها أو نتابعها.
وتابعنا حسان وحميدة كثيرا كثيرا،وكان بيننا مايشبه الوعد والعهد بعدم البوح بما نراه.لاندرى سرا لذلك.حينما فاجأناهما وهما متعانقان فى ظل إحدى الدور ذات ليلة،وحينما أخرجت له من جيب صغير فى قميصها الكالح بفعل العرق والوسخ لفة حلاوة عسلية من التى يبيعها أبوها خلسة.
كبرت حميدة،ولم نكن نرغب فى ذلك،وفاجأتنا،وانطوى حسان ، وصار بيننا ثقيل الظل على غير عادته،ولكنا نأسو له،ونذكر له حكاويه الأسيانة،ولم نكن نبوح للأمهات بذلك..الكبار مشغولون عنا بما لايليق برأيهم أن ندركه ونقتحم أبوابه يظل عالمنا الأخاذ هو عالمنا وحدنا.لاأحد يقربه ولا نحن باستطاعاتنا نقله إلى الاخرين.
تلف وتدور الأسئلة فى أوعية الإدراك الكامنة فى نفوسنا،وعبده أبو حواية مازال ينادى بصوته المبحوح،وببصره الكليل يقاوم عثرة الطرقات الموحلة،ونداؤه على حميدة يرعشنا،وحميدة يفزعنا حبها.فنحن نعرف توطنها الآن.نحن نعرف،وهو بالكاد يشك فىأنها قد استهواها اللعب معنا ففضلت التخلف عنه ،عاد يبحث عنها.لم تعد وكذبت عليه.نعم كذبت عليه كنا نعرف.
نعم كنا نعرف..ففي عصر هذا اليوم ونذر المطر تلوح فى الأفق،أشارت عليه أنها ستعود إلى القرية قبل أن تفتح السماء مزاريبها على أن ينتهى هو من بضاعته الليمون الأخضر والحلاوة العسلية،ووافق،وودعته هى،وكان هناك عند رأس الطريق الطالع من القرية المسحوب وسط الغيطان والتى تنسل منه سكك متربة ومبللة تفضى إلى النهر وإلى ضفته الأخرىوقريتهم ، كان هناك حسان ، واتخذا طريقا معاكسا لرحلة الرواح والمجئ اليومية لها لأبيها.حيث تعلن هناك فى الأفق بعض البنايات العالية عن نفسها وعن موقع للمدينة.
كنا نعرف.
نعم كنا نعرف ، ونغلق الأفئدة والأبصارعن استبصار ما سيكون من شأنهما ، وما بعد رحلتهما إلى المدينة، وما زال الفكر يجهدنا فى كيف سيدخلان عالمها . هناك لن يكون قمر ولا ظل بيوت ولا مصطبة طينية ، ولا هجمات على غيطان الفول والباذنجان ، هناك لن يكون عسكر ولا حرامية ولا عريس ولا عروسة ، فماذا سيكون هناك إذن؟
كنا نرتعد من محاولة امتداد الرغبة فى استبصار ماسيكون من شأنهما . ظل الرجل يخلع صوته ويحدفه أمام الأبواب الموصدة ، والمطر يلسع السكون والدفء ، ونحن ننسل إليه مبللى الثياب ، يشعر كل منا بثقل ما يطويه داخل وعيه وصدره
نشد الألحفة نغطى بها الرؤوس فتتوهج وتحمر العيون لشدة الأرق ، وصوته مايزال يشمخ فى الوجدان .

<< خاتمة دسًت فى أرغفة الذكريات >>





انتظرناه فى صباحات كثيرة أن يعود إلى ليل قريتنا ، إلى أزقتها وحواريها نهارا ، وقد تكسرت حروف الأسئلة وشكل الإجابات فى دواخلنا . كنا عاقدين العزم على الإفضاء، فطعنة بالخنجر المحشور فى أعماقنا وقد تضخمت الأعماق حولها فى ألم صديدى ، لكنه لم يات.
وكنا نتوقع عودة حسان وحميدة ، وخيالات تفضحها الحكايات الليلية، تترسخ عن ملامح تلك العودة . لكنهما لم يعودا.
ويدق أسماعنا ذات نهار صوت مبحوح آخر لكنه متحشرج ، غريب على مسامعنا ، ينادى ( حلاوة عسلية )
ننسل إليه فى شغف ، صوت يحمل جسد آدمى غريب الوجه واليد واللسان ، لميكن هو ، وتطفح أسئلة جديدة للمرة الأولى .
سألناه عن عبده أبو حواية ، طاردناه بالأسئلة ، حاصرناه ، أرهقنا بدايته معنا . لكنه كان يتابع سيره وهو يزعق بصوته الذى يشبه ضربات فأس مثلومة فى شجرة جافة، وتسربت منه حقيقة ، لازالت تعذبنا حتى هذه اللحظة.



السبت، 29 ديسمبر 2007

رحاب الهندى فى حكايات الحب المعاصرة


حكايات حب معاصرة لرحاب الهندى




حب الكتروني!
إلتقيا عبر نافذة الحاسوب، إهتزت المشاعر، تدفقت الكلمات، رفرف الحب، تواعدا على أن يكونا واحداً.إرتبطت حياتهما بايقونة مضيئة تسبح في فضاء تحقيق أمنياتهما ولو عن بعد..قال لها: أحبك، وأجابته:أحبك، وكانت نافذة الدردشة عبر الحاسوب، شاهداً على حب عصري مختلف عن قصص الحب، فاللقاء عن بعد لم يمنع سريان المشاعر كالدم في الشرايين، إعترفا ببوح داخلي عن الماضي وحلما بمستقبل عجائبي.إختلفا، تصالحا.. وعادا لبث الشوق وكلمات الحب. في لحظة بوح وإستذكار الماضي قال لها: كانت حبيبتي..غضبت، صرخت، رفضت كلمة حبيبتي بحجة إن الكلمة من حقها فقط ولها مشروعية الغيرة حتى من ماضيه..أغلق النافذة غضبا وقال وداعاً، وإنهارت باكية.

حب وطبائع مختلفة!
وقف حائراً بين إحساسه بالحب والخوف من الوقوع فيه.إبتعد متردداً، إقترب، ثم أخيراً إعترف، توهجت وجنتاها وهي تهمس ضاحكة: أخيراً اعترفت لي. أنا أيضاً أحبك، سارا في طريق الحب خطوة خطوة، تعاهدا على ألا يفترقا لكنه فجأة إكتشف إن طبائعهما مختلفة. فهي تحب مالا يحبه، عصبية، عنيدة، صاخبة، وهو أكثر تسامحاً وأكثر هدوءاً، كيف له أن يعاشر إمرأة مثلها ويعيش حياته القادمة، إفترقا. عاش الكآبة والحيرة، تلفت حوله، إكتشف وجود إمرأة ثانية قريبة منه أحس تجاهها بالحب، وكان خائفاً، لكنه إعترف وإعترفت. تقابلا، تناقشا، إكتشف أنها مغرورة تبحث عن مصالحها توقف. أعلن عصيانه على الحب وعاث فساداً بين النساء!
قرار أقوى من الحب!
معاً إلتقيا تحت سماء نقاش يبدو بالنسبة إليهما متآلفاً متفقاً. وهذا ما جمعهما في طريق الحب فسارا فرحين وكانت الأحلام رصيدا يجمعانه للأيام المقبلة يستندان إليها لبناء مستقبل لهما.قال لها: أريدك زوجة للبيت والأولاد.أجابته/ وعملي.ضحك وهو يضمها: سأكون أنا والبيت والأولاد عملك الذي لا ينتهي.إنتفضت غضباً، أعلنت إ‘حتجاجها بقولها: أحب عملي جداً.سألها ممازحاً: أكثر مني وبلا مزاج أجابته: هناك فرق، أحبك رجل أحلامي.لكني أحب عملي أيضاً فهو جزء مني.صرخ غضباً: لا تعاندي، أريدك زوجة وربة بيت فقط.واجهته بنفس الصراخ هائجة، وأنا أريدكما معا أنت وعملي.أعلن غضبه، لا يعجبني هذا الموقف.صفقت باب علاقتهما وغادرت نهائياً!!
حب الخطيئة!
حين شهق متعة الإنتهاء من حالة اللقاء، إسترخي وهو يضمها لصدره مبتسماً قائلاًبحنو: أنت أكثر من رائعة، إختفت في صدره صامتة، وحين أحس بدموعها، شربها بشفتيه متسائلاً: لم كل هذا البكاء ألست سعيدة معي؟إبتسمت بألم متسائلة: سعيدة؟! وأنا أغرق معك في بحر الخطيئة! إنفجر غاضباً: هل نعيد الحديث كل مرة بهذا الموضوع؟أجهشت بالبكاء هامسة: أنت لا تشعر بعذابي.وإستمر غضبه: وأنت لا تقدرين ظروفي.تركها وإتجه للحمام ليغتسل، وحين عاد وجدها قد غادرت وبقايا دموعها على الوسادة!!
النساء من وجهة نظره متعة للجسد فقط.فلكل منهن مذاقها الخاص، وطعمها المختلف، وعقولهن غالباً ناقصة وتعسة، لا تفقه أمور الحياة..“النساء جميلات في هيجان السرير فقط”
.عقل وجسد !
هو كاتب مشهور بمقالاته التي تنادي بتحرر المرأة وبأحقيتها بالوقوف جانب الرجل لا وراءه، وحين يسأله المقربون.. لم لا تتزوج، يضحك ساخراً أعطوني إمرأة تفهم لأتزوجها! ورغم مواقفه الخفية للبعض كانت صورته الزاهية تجذب النساء فيقتربن إليه وكثيرات وصلن إلى سريره لمرة أو إثنتين ثم غادرهن بحجة إن الجسد لقاء ثانوي ووقتي ليس إلا.في غفلة من زمانه إلتقاها، إمرأة مختلفة بإيمانها لمعنى التحرر الحقيقي لا شعارات الزيف الذي تطليه وسأل نفسه: معقول أن أجد مثل هذه المرأة الرائعة شدته بثقافتها وأخلاقها وتصرفاتها، إعترف من داخله أنه أحبها وبجرأته طلبها للسرير، فطلبته للزواج، وحين وافق وإكتشفت حقيقته، تركته بعقلها غير آسفة!!.
*انوثه مبكرة !
لم تتجاوز الخامسة عشر لكنها متوثبة للحياة والحب تتباهى بأنوثتها المبكرة وهي تسير في الزقاق الذي يقع به بيتها تحاصرها عيون الشباب فترسم على وجهها ابتسامه دائمة مرسله نظراتها للجميع بلا استثناء قبل أن تدخل بيتها، بعد أن أنهت جولتها اليومية أغلقت باب بيتها وقبل أن تلقي العباءة عن كتفيها سمعت صراخا في الزقاق وحين أطلت من النافذة كان شباب الزقاق يتشاجرون فيما بينهم دون أن يعرف احد السبب أقفلت الشباك واستغرقت في ضحك متواصل!حين يخبو الجسد !
سألتها ابنه أختها العروس ما رأيك يا خالتي بفستان عرسي لمعت عيناها قائله فستان جميل على جسد أجمل، سيدوخ العريس حينا يراك به ضحكت العروس قائله انه دائخ دوما، ثم تابعت: يقولون أن جسد المرأة يتغير بعد الزواج ؟هزت الخالة رأسها بحسرة وأجابت كما لو أن أحدا لا يسمعها: نعم كل شيء يتغير بعد الزواج ثم مصمصت شفتيها وتابعت: هكذا يقولون ... لكن الجسد أيضا يتغير بلا زواج انه ينكمش ، وأطلقت ضحكه .كانت العروس منشغلة بفستانها فتابعت الخالة: يقولون أن الجسد يتورد بعد الزواج ويخبو بلا زواج...صمتت وهي تتأمل العرس المنشغلة بفستانها فخرجت من الغرفة وأطلقت من صدرها آه حسرة وهي تتمتم لنفسها: بغيظ كجسدي !
خائنات !
(كل النساء خائنات كاذبات كلهن بلا استثناء) كان يصرخ غاضبا بهذه الكلمات بوجه واحدة من حبيباته التي اعترفت له بأنها وافقت على خطوبه أحد أقربائها لأنها فقدت ثقتها بوعوده. جن جنونه كان حانقا على موقفها منتفضا لكرامته التي يظن إنها جرحت تابع صراخه: وأنا وحبنا ووعودنا ثم كيف تتزوجين غيري أم هل ستبقين حبيبتي ؟ ابتسمت بسخرية نظرت إليه بتحدي وقالت: بالتأكيد لا سأتزوج من اختارني له زوجه وقد أحبه أما أنت فلك أكثر من حبيبه كما اعترفت. أغلقت الباب وهي تسمع صراخه كاذبات خائنات!
لا للزواج !
كان دوما يحاول إقناعها :الزواج مقبرة الحب ستتكاثر المشاكل من كل صوب الأهل والأولاد والحالة الأقتصاديه والعمل وهموم الحياة فلا لا للزواج وما أحلى الحب، كانت تسكت على مضض وحين تفكر لتجيبه يسكتها بقبله طويلة. ثم يكمل كلامه همسا : لقد أحببتك لأنك مختلفة ولست متخلفة وسيبقى حبنا للأبد ثم ما الفرق بيننا وبين المتزوجين إلا إننا بلا مسؤولية وهذا سر سعادتنا وبين ترددها وعذابها أجابته: لكن ما نفعله خطيئة . ضحك معاتبا : أبدا يا حبيبتي انه جزءا من الحب ؟واستمرت حكايتهما طويلا تلتقيه كل أسبوع في مكان مختلف ينهلان من نبع حبهما ويغادران ،وكانت المفاجأة الصدمة حبيبها الذي لا يؤمن بالزواج متزوج منذ ثلاثة أعوام ولديه طفلان !
إنها فتاتي !
دق جرس المدرسة معلنا فسحه من الوقت للطلبة، خرج الطلبة يتقافزون مرحا وانتشروا في الساحة. فجأة انهال احمد بالضرب على فيصل الذي حاول أن يهرب فلم يفلح، في غرفه المديرة كان الاستجواب: لماذا تتشاجران ؟أجاب احمد بجرأة لقد تعدى على حقوقي. أثارت إجابته المشرفة الأجتماعيه فسألته: وما هي حقوقك يا أحمد؟ وبجرأة متزايدة أجاب: فيصل كتب اسم فتاتي على دفتره ، وبصوت واحد قالت مجموعه المدرسات المتواجدات : اسم فتاتك !؟بهدوء أجاب احمد : نعم كتب فيصل احبك يا حنان !ضجت المدرسات بالضحك الساخر حيث أن المدرسة ابتدائية مختلطة ! !

الجمعة، 28 ديسمبر 2007

من ظهيرة اليقظة .. الحلم هو الحقيقة


الحلم والحقيقة
فى دائرة الإمكان


((...يا أنت الذي أنا، ويا أنا التى أنت...ياحواء عشقى فى السكون الصاخب ويا آدم لوعتى فى الصخب الصامت...يا من بحجم نفسى وروحى وطول لهاثى ورغبتى...يامن بقدر قسوة الوجع ودغدغة البهجةوالفرح.)
***
فى تلك الساعة من كل عام ، ومياه المتوسط تصهل كجياد تتريةمحمومة فى رأسى ، والشراع الأبيض الصغير على رأس سارية باخرة ضخمة تحملك إلى بعد لا أستكنه دروبه يلطم وجهى ، ويسد منافذ الرؤية أمامى، فتقتحم صورتك الضبابية الداخل فى ، فتغيبين ، تغيبين ، وأظل أنا بقايا لطمة موج المتوسط على رأس صخرة بليدةصماء ، لا يبقى منك ، ولا يبقى منى سوى رسالة زرقاء. قلت لى أنك قمت على نسج حروفها وأنت مسهدة ، استعصى النوم على عينيك بعد منتصف ليلتنا الأخيرة بعد تفرق الأهل والصحاب والرفاق ، وقد تعبت يداك من كثرة الشد الوداعى ،وكنت قد أوصيتينى بقراءتها فى مساء اليوم التالى ، وكنت تعرفين أنى سأعود وحيدا.
كنت قد ألمحت لى ونحن فى طريقنا من القاهرة إلى مدينة المتوسط المفتوحة على فكه القاسى ووجهه الفاقد أى تعبير حينها ، أنها قد تكون الرسالة الأولى والثانية والثالثة والألف والأخيرة . قد تكون رسالة كل يوم .. فاقرأها دوما . ستكون ملح أيامك وأرصفة تلقى عليها حقائب إجهادك وأمتعة حزنك، ستكون دكاكين تبتاع منها كل صباح زخم التواصل والمكابدة الأليفة الطيبة التى تبدع بلازما غدك .
أتذكر ملايين الأشياء . صغيرة وكبيرة ، تفاصيل التفاصيل فى تلك الساعة من كل عام ، والتى تدق عندها عقارب رحلة الزمن المشاكس دقات عنيفة نحاسية ، وأتوغل فى ثنايا رسالتك الزرقاء، وممتطيا حصان فرح وبهجة حين أتابع خطوات عقارب ساعة الحائط القديمةالمعلقة بالصالة الفسيحة لبيتنا ، والمطلة على بابه الكبير الذى ما يزال يحمل نقوشا من جمل متوترة لك وقد اعتدت على عدم استقرارى وانضباط مواعيدى .
لم تحمل رسالتك كل هذا الكم من الوقائع والأحداث ؟
ولماذا تقولين أنت كل شىء ، وتفكرين بكل ما مضى وما هو آت، ولم تتركى لى سوى الاجترار؟
لماذا كنت تقولين : أنه بقدر ما ستضجرك بوهيميتى بقد ما تتوحدين فيها ، وأنى بدونها فاقد للمعنى والأثر ، ؟
ولكن . ألا تدرين أنه بك كان كل ما يدعو إلى الإتساق والتناسق والانضباط؟
كنت أرى عدم التوازن والاختلال قائما فى كل مكان حولى ، وكنت قاسية وحادة كثيرا فى أحكامك . أنى أبصر أشياء لا وجود لها ، ولكن بغيابك صارت حدتك وقسوة انفعالاتك هى لسعات النار المقدسة التى تغير بوصلة انفلاتى، أصبحت أرى الأشياءحولى بمقاييس كنت تجتهدين أن نعيها وندركها ، ونقوم بها .
أستاذنا الشاب الذى كان يحاول تلقيننا فلسفة العبث التى غمرت الغرب ، وحملها هو فى أنسجته وهندامه وروحه ، والذى كان يعلن تقززه ويحاول تسطيح ثقتك ومقولاتك حين كنت تجاهرين بصوت أنثوى طرى واثق ، وبلغة قاسية جارحة: إذا تسلقت العناكب أرواحنا، وإذا استحالت أرواحنا إلى غرف مظلمة تطير فيها الخفافيش . فإن الحياة تصير عبثا وهراءا ولا جدوى.
أستاذنا هذا تزوج من طالبة بالسنة الثالثة.طويلة شقراء، خيوط حياتها تتجمع داخل دائرة واحدة من اللهو والتجمل المبالغ فيه حد النفور .
***
يا أنت الذي أنا،ويا أنا التى أنت
...
فى المشارق والمغارب لغة واحدة للقنوط...يتدجج أسانا بوجع يومي،تتسرب وتتواصل غرغارينا الإحباط إلى نفوسنا، ورسالتك الأبدية لم يعد بها هذا الوهج الساكن حروفها كما كنت تريدين أن يسكن نفسي بأن يكون فاتحة اشتهاء للضوء.كنت ترغبين لعمرى سنونوة جميلة،وكنت اقرأ حروفك ومر السخرية يحشرج لعاب حلقى ، فطفل صغير يحبو يلهو بنعال قديمة متناثرة على أرضية غرفة فقيرة إلا من مقعد قديم وطاولة مكدسة بأوراق بائسة ومشاجب معلق بها سروالين وأقمصة ثلاث فى طريقهم إلى الاهتراء، وزوجة راقدة بغرفة مجاورة نامت مبكرة كى تستيقظ مبكرة ، وبين الحين والآخر تئن فى فراشها من الإعياء والوحدة حين يضجرها الفكر ويوجعها الأرق .
فها أنا قد ترافقت بواحدة عرفتها أيام كنت أعد بحثا للماجستير عن تراجيديا عربية ،هي التى كانت تقوم بنسخه من مكتب الطباعة التى ما زالت تعمل به حتى أيامنا وقد مضى أعوام خمسة ، كيف كان بالإ مكان حكاية تفاصيل هذة الرفقة التى تنصحنى بها رسالتك ؟. لم تقم على نسخ بحثى بآلية ، بل توحدت بأنفاسه وهموم مايطرحه ، كانت تسلمنى الجزء المنسوخ وبه رؤيتها لما يحمله ،أظنها كانت عاشقة لترا جيديا عربية هى الأخرى ،كيف يكون بالإمكان أن أحكى لك عن دبيب السنوات الخمس ولا عنوان لك عندى سوى جرح غابر وانتظار سرابى كيف ؟.
أود أن أمر مرور الكرام على حكاية الرفقة البديلة التى نصحتنى بها رسالتك، ولكن كيف وأرجل نمل جارحة تدبو فى رأسى وخلايا جسدى منذ سنوات خمس؟
أذكرأنك أقمت الدنيا ولم تقعديها يوما حين انفصل صديقنا س عن صديقتنا ع بسبب من عدم التوافق الفكري والنفسي برغم أن كليهما من دراسي الفلسفة بنفس الجامعة وأن سخطك قد صب كله على صديقنا، وأنك قدمت مشابهة مرة ومؤلمة لهما بالغراب والعصفورة...حين استدار واعيا بظرفه ومعادلات واقعه واقعنا وأقاليم عمره ورافق أخرى تليق.
( ....... )
وضعت هلالين كبيرين حول الفقرات المدججة بالقسوة من رسالتك التي نصحتيني فيها بالبحث عن رفيقة بديلة يتوازى وقع أقدامها مع خطو عمري وحلمي .قرأت تلك الفقرت كثيرا وأنا واقف فى تلك المساحة بين ملامح زوجتي التي تذوى داخل مكابداتها اليومية من أجلى وطفلنا،وقد أعطت ظهرها لنسيج الحياة الاستهلاكية،شغلها الشاغل هو الانتصار لمحاولة فك رموز وطلاسم التنافر بين الحلم والواقع، وبين ملامحك،ويدك تنسل من يدي وأنت تركضين خلف واحد من أقاربك من أصحاب النفوذ للحصول على منحة دراسية خارج حدود الوطن، وكأن الوطن الحلم الذي رسمناه سويا بعرق القلب،وعمقناه سويا فى أنسجة أرواحنا قد استحال إلى صحراء يشتعل فيها القيظ،ورغم أنا كنا،وما زلنا فى قبضة حيوان خرافى شرس له أذرع ومخالب من الفزع والإحباط والقنوط والحصار والقهر والضغط والمكابدة، وقلت لى يومها:-إنه برحيلك خلف جدران الوطن يتحقق لك عدم المشاركة فى عرسه الدموى المزيف وأذكر أنى قلت لك ساعتها: إنك كالمستجير من الرمضاء بالنار
.
الحلم هو الحقيقة

قولتك التى أعيها وأنسج فيها خيوط رحلة أقوم عليها منذ سنوات خمس مع زوجتى الرفيقة البديلةكما أوعزت لى ،والتى لاأقوى على قص حكايتنا .لا أوقن لماذالا أقوى على قص حكايتنا؟ فهي مازالت حتى هذه اللحظة تنسج معي حلما يقوم داخل دائرة الممكن،وتقيم مملكة للفرح والندى والبراءة وسط خيام الظلمة والقتامة ورائحة العفن والغثاثة،وترعى ثمرتنا الوحيدة طفلنا للقادم والآتى.فهو نسجة من نسيج الحلم القائم داخل دائرة الممكن.
((...يا أنت الذي أنا،ويا أنا التى أنت...ياحواء عشقى فى السكون الصاخب ويا آدم لوعتى فى الصخب الصامت...يا من بحجم نفسى وروحى وطول لهاثى ورغبتى...يامن بقدر قسوة الوجع ودغدغة البهجةوالفرح...))
تلك الفقرات الموشومة فى ذاكرة وتضاريس رسالتك الوحيدة التى تركتها لى قبل رحيلك. لم يعد لها أثر بها بل أرى معانيها وما تلوح به يترعرع خضرة ونماء فى صحراء تسيجها زوجتى- الرفيقة البديلة –بأشجار من الإرادة والمثابرة والمكابدة أيضا، والحلم هو الحقيقة كما زعمت. أما زلت تذكرين..؟

علامة استفهام كبيرة

وأنا أعبر ممرا إلى ممرآخر طويل مغطى بسجادة حمراءباستطالته ، ينتهى إلى باب زجاجى نصفه الأعلى ومعدنى نصفه الأسفل ، وإشارة كتابية سوداءتوحى ولاشك إلى حجم من الرخاءوالمكانة والألق المحيط بك وبمقرك الجديدبعد عودتك من خارج الوطن، ولم أجدك.
أشار لى واحد من مساعدينك كما يبدو من لهجته أ نك تحضرين بعض المناظرات فى إحدى الجامعات ، فى قاعة شهدت لنا صولات وجولات فيما سبق.
تركت تلك الرسالة، وأنا لا أهدف أن تقيم تناقضا بينها وبين رسالتك الوحيدةالتى تركتيها لى قبل رحيلك إن كنت تذكرين عنها شيئا ..
ولكن...
هل تستطيع كلماتى أن تستحلب تذكرك بالحلم والحقيقة ودائرة الإمكان؟.
لا أدرى
ثم .. لا أشك

توقيع
أج

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2007

طرح الليل .. من قصص المرحلة الخضراء

طرح الليل
إلى صلاح المنسي قبل ثمان وثلاثين سنة








رغم كل شئ فأنا مازلت حائرا ، وحيرتي لابد أن أطردها وأزيحها بعيدا عن رأسي،ورأسي يصل ما فيها لقلبى وأنا جالس على مصطبة دكان حافظ الحلاق وسط العيال، والعيال كثيرون،وهم قليلون الليلة يجالسوننا،ولا أشعر كثيرا بهم . الا مندور وهو صاحبى الوحيد .لا نروح ننام فى بيوتنا آخر الليل الا ونهب مدفوعين بالشوق مرة أخرى،لنجلس كثيرا من الوقت وحدنا، تلعب فى رأسينا خيالات وخيالات،ومهجة بنت الشربينى أبو حلاة تحط فى حكاوينا المتخيلة،وهى أخرجهاأبوها من المدرسة.لم تكمل عاما سادسا معنا كغيرها،وهى تستلف منا كتابا وتردها بعد أن ترسم فيها عرائس وأشجارا وشمعات وورودا،والولد مندور قال الليلة إنها كانت تكتب له كلاما حلوا،وأنه رد عليها بكلام أحلى.قاله ولم يكتبه،وهى لم تعد تكتب له،هى عادة تقول ولا تكتب،وانا كنت أتعجب لما يختفي وأتعب من البحث عنه،وهو كان لايعرفنى بمكانه،وأمه لم تضربه،وأنا يهيأ لى ذلك،هى تحثه أن يعود دوما لدارهم ضاربا لا مضروبا.تحبه فاعلا لا مفعولا به أو فيه.هكذا أتصور دوما،وأمى تستدعى لى كل الشرور والأوبئةإن أنا جاهرتها بعصيان...تضربنى وتعضنى فى فخدى،ويؤلمنى ضربها وتحريضها أبى على.
هذا أنا،وهذاهو منذ زمن ولحد الآن أنا نقيضه،وهو ظلى وأنا ظله،هو صاحبى والعيال حوالينا يقتربون منا فى لعبنا ومشاجرتنا لما كنا نشن أو نفكر فى شن غارة ليلية بالكرابيج السودانى وأغصان خضراء رفيعةطويلة منزوعة من شجر الصفصاف على عيال حارة الجعافرة،ينضم الكل لنا لما كنا نتسلل فى قيلولات النهارات الصيفية لنلاعب عيال نفس الحارة الكرة التى كنا نصنعها من جوارب قديمة،كانوا يزاحموننا بالتأييد أو باللعب معنا،كان هو الذى يختار،ومن لم يصبه الاختيار يحتج ويعلو جعيره إن أنا تهاونت فى تأييد اختياره،وهو كان كذلك.
ولما عدنا للجلوس على مصطبة دكان حافظ الحلاق...كان القمر ينعس ورائحة التراب المبلل بالندى تملا خياشيمنا،وأنا صائم عن الكلام،يروح فى رأسى كلام كثير ويجئ،ومندور جالس القرفصاء،كوعه مغروزة فوق ركبتيه،وبالعصا التى بين أصابعه ينقر الأرض وشقاوة فى ملامحه وكلامه،وهو يدعك الوجع فى رأسى،وأنا وهو جالسان لوحدنا الليلة هذه لنقررأمرا خطيرا،هو رأسه ملآن بحاجات كثيرة علينا القيام بها،وأنا فى رأسى يدور وابور طحين قواديسه ضخمه وتكتكاته عالية،ودق داخل جبهتى كدق فأس فى مزود البهائم الصلب وهذه أول ليلة أسهر فيها مع العيال بعد انقطاع شهر كامل وسبع ليال كنت فيها نائماعلى ظهرى ليل نهار أشرب الينسون والبيض نصف المسلوق وعند كل آذان أمى تناولنى طاسة الخضة من الطاقة فوق رأسى وتسقينى مابها من ماء وهى تقربها من فمها وتقرأ عليها كلمات حفظتها من جدتى،وتقول جدتى عند كل آذان إن الروماتيزم الذى يأكل فى مفاصلها يمنعها من عمل ذلك بنفسهالى.
شهرا وسبع ليال ، والناس تروح وتجيئ يجلسون مع أبى يسترضونه ويرجونه أن يتراجع فى حق إبنه أنا. فنعيم مسكين غريب الأهل والديار،هو بلا أهل فى الصعيد هناك،وبلا ونس فى بلادنا،تلقفته الأيام والبلاد حتى استقر فى بلدنا منذ سنوات عند الأسطى بدران صاحب وابور الطحين وعامل التليفون الحكومى يرعى بهائمه وينظف الزريبة،وهو الذى طاردنى ليلا وقت صلاة التراويح فى الحارات وأمسك بى وداس على عظامى وبطنى بجزمته الميرى الثقيلة،ولما أحضروه ليتأسف لأبى قال:إن ابنك هو من رجمنى بالطوب ومعه العيال أصحابه.كل ليله فى المرواح والمجئ يسبوننى ويرجموننى بالطوب،وهل أنا إبليس؟ولما زهقت من أفعالهم جريت ورءهم قصد تخويفهم وإبنك سقط على الأرض،وسعدة بنت الجليلة لم تر شيئا،هى تهول من ا لأمور وتقول إنى دست على بطنه، هى لم تر شيئا،وأنا أعرف لماذا هى تفترى بالكلام على .
ولما كان نعيم يدخل دارنا فى صحبة الرجال يستسمحون أبى كانت أمى قد التقته عند الباب وضربته بالجزمة البلاستيك،وأابى نهرها وسب أباها وأمها وكاد يبطش بها لولا تدخل الرجال ، وأمى بكت ساعتها كثيرا،والأسطى بدران كان يسترضيها بإلحاح ولم ينفذ صبره،وكان يزورنا كل ليلة ويجلس مع أبى يتسامران،وكان يحضر معه الينسون والبيض لأمى لتسلقه نصف سليق لى حسب مشورات المسنات من نسوة حارتنا،وحمل معه مرة برتقالا وموزا حازت جدتى نصيبا كبيرا منه،وأنا كنت نائما فى الحجرة المقابلة أستمع أحاديثهم وأستسلم للذة الرقاد وأعرف خطيئتى وحجمها ولا أفصح عنها ،ومندور لم يزرنى مرة واحدة،وأنا كنت أنتظر حضوره كل ليلة، ولما استجوبته أمه خوفا عليه من بطش نعيم الصعيدى قال عنى إنى من حرضتهم وسبقتهم برجمه فتوعدته أمه إن صاحبنى مرة ثانية،وشهر بطوله وأكثر لم ير واحد منا الآخر،والعيال تفرقوا وخافوا من صحبتنا، وقالوا إنها تجلب المصائب عليهم،والولد على ابن الصديق قال وهو فى صحبة أبيه لنا: ليست لنا دعوة إذا كان الفالح فينا قد وقع، والولد على لئيم جدا،وهو الذى كان قد شتم نعيم قبلنا ورددنا خلفه،ورجمه وتبعناه وهو مدسوس وسطنا على المصطبةأمام دكان حافظ،وبما أنه قصير ودافن رأسه بيننا فهو قد لمح نعيم يهرول ناحيتنا فانفلت يجرى نحو دارهم القريبة وتركنا نواجه جهامة نعيم وغضبته لوحدنا،وكانت يد نعيم لم تطل إلا أنا،وعرفت بعدها أن امرأة محمد أبو يوسف شاهدت هياج نعيم وأنا أسقط تحت رجليه وكانت بسطح دارها،وهى نزلت ودلقت الماء على وجهى،وسعدة بنت الجليلة هى التى رفعت عقيرتها بالصراخ والعويل وكان الموقف ساعتها تحكمه النسوة.لأن الرجال فى الجامع كانوا يصلون التراويح،ونعيم رفل عائدا إلى دار الأسطى بدران.
ولما اجتمعنا الليلة والناس تبحث عن حكاية ثانية تلوكها ألسنتهم.كانت الحكاية نفسها مرمية فى خزانة صدرى تناغشنى كل لحظة،وأنا مازلت حائرا،وحيرتى لابدأن أطردها،أزيحها بعيدا عن رأسى،ورأسى يصل مافيها لقلبى.
الولد مندور ينتفض بين لحظة وأخرى ويقوم يجرى لقدام خطوات ثم يعود أدراجه إلى المصطبة،هو لأول مرة يستفيض فى حديثه معى فى تلك الليلة،وهو لأول مرة يخشى أمه وهارب منها،وهو كان يطرد خوفه ويغرق فى وصف لحظاته مع البنت مهجة...وأنا وجدتنى مشدودا له كالماخوذ خلفه نتسحب إلى الحارة،ولما تجاوزنا دار زهرة أم مالك وزام كلبها وقفنا على أمشاطنا نساند بعضنا.لو تقدمنا خطوة لاندفع خلفنا وكشف سترنا.هو هكذا ونحن اعتدناه،ولا مفرمن وقوفنا لحظات حتى يسكن وقد ينام، بعدها نواصل تسللنا فى الحارة والقمر يغطس خلف البيوت وينام،وظلمة مترجرجة تخبط عيوننا فتبربش الرموش ويرتعش جلد الصوت والعيون،والولد مندور قال وهو يلتصق بى.إنه سينادى على مهجة التى تنتظره من تحت شباكها.وستكون مستيقظة تحادث نفسها بما جرى اليوم،وستكون خائفة من أن تعرف أمها،اندفعت قطة من قدام بوز كلب زهرة أم مالك نحو فأر صغير سقط من حطب الذرة من السطح المجاورفازداد التصاقنا،وكنا ننقل الخطوات بتوجس ،ولما اجتزنا عتبة الدار المغلقة الباب إلى شباك فيها فى الجهة الثانية لها صدمتنا فزعة آدمى تدفعنا بخوف فسقطنا على مؤخرتينا ،ولمحناه وسط الفزع نحيلا،عمامته متكورة على رأسه.لا يحمل مثلها واحد من البلد،بعثرنا فى كل ناحية وهو يندفع وجزمته الميرى الثقيلة تطرق أرض الحارةفى ارتباك،وكان بأعلى رأسينا نافذة تنغلق على استحياء من الداخل وبحذر،وأنا كانت كل الأشياء غائمة أمامى وأعدو خلف الولد مندور الذى يصيح بصوت لم نكد نسمعه..ح ح.رااامى ياعم الشربينى ...ن...ن عي ي م. رااااامى
ولأن عند فوهة الحارة كانت صورته المندفعةقد تاهت فاختفى وقع قدميه بعيدا.

أوغل بعيييييييييييييييدا .. إلى ...




أوغلَ بعيدًا ... إليَّ
------


د. سعيدة بنت خاطر الفارسى




ذاك الذي أعشبَ لغتي
ونامَ قريرًا على صفحاتِ الوجدِ
يتلو زنابقَ الروح ِ زُلفى .
ذاكَ الذي أنبتُ حدائقَ اللهِ
في محل ِ سنينه
وأسقيتـُه لبنَ الحروفِ
ذاكَ الذي أسكنتـُه مقلة َ التشوق ِ
وغنيته أغنية ًللمتعبين في دهاليز الوله.


ذاكَ الذي عممتـُه خيوط َ التألق ِ
أطعمتـُه حلوى الشموس ِ
أخفيتـُه كدعوةٍ ملفوفةٍ
في رؤى قلبٍ صفي .
ذاك الذي صليتـُه فرضًا
زكيته فرضًا ..
صوَّمتُ عظمي عليه..
وحجي القصي .
ذاك الذي ..
ذاك الذي..
ذاك الذيِّ ..

ما بالـُه يولي وجهَه شطرَ الغيابِ
يصلي صلاة التجافي ..
دونَ وضوءٍ جميل ٍ
يعطرُ دربَ السماءْ
ذاكَ البعيدُ القريبُ الموغلُ تيهًا إليّ
أركضْ كجري الأيائل ِ ..
حين تخضُها شهوة ُ القنص ِ
احتراقـًا يعضُكَ التعبُ
فإمِّا تلفظـُكَ المشارقُ والمغاربُ
استعدني .. وعُدْكَ.. إليّ
فأنىَ تولي..


فثمة َ نبضٌ تبقىَ سخي .
أركض .....
فثمة َ مغتسلٌ باردٌ وحميمٌ
يُفتـِّحُ ردهاتِ العفو النبيلْ .
خيولـُك متعبة ٌ في بيداءِ العنادِ
ولا واحة ٌ إلايَ تمدُّ أذرعة َ نخيلِها ظلا وفيّ .
فهل من محيص ٍ تؤوبُ إليه ..!!!
أرمي بشعثِ جنونِكَ حولي
أهدهدُ رعشتـَه فلا يخافُ رتقـًا
ولا تميدُّ الصحاري به من جديدْ

يا ذالكَ الهارب مني إليّ
يا دمائي الموغلات ِ في الرقص ِالبهي
تمهلْ .. !!
لا ترقص على سكاكين ِالذبح ِ
فلستَ نبيًا ولستَ الولي
مجراتُ بُعدِكَ قلبي .
أنا الجمرة ُ أنا الخمرة ُ
أنا امتزاجُ الليل ِ يغتبقُ دنانـَه ..
الفجرُ السني
إليكَ .. فاشربني لتنجو
من غمراتِ النسيان ِ

ومن سَكراتِ التيهِ ليبقى التورقُ
فيكَ اخضرارًا ..
وتبقى كرومُكَ خمرًا شهيًا وري .

----------



مسقط 5 / ديسمبر 2007 م