ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الجمعة، 22 أغسطس 2008

الحوار المطول مع مجلة أوتار العربية من تونس


حوار خاص بأوتار مع الكاتب الروائي إبراهيم جاد الله

***


أجرت الحوار الشاعرة صباح حسني




عندما يجري الحديث عن الرواية العربية الحديثة، التي تعالج هموم الناس، وتغوص في مشاكلهم، وتبحث عن الحلول، لا بد نستحضر اسم كاتب له بصمته في عالم القص والرواية، قدّ الكثير من الأعمال الأدبية، وكان في أعماله مشغولاً بهموم الناس، أولئك المسحوقين والمهمّشين والراسين في قاع مجتمعاتهم، إنه الكاتب الأديب إبراهيم جاد الله، ابن مصر العربية العظيمة، وابن مدينة المنصورة، الكاتب الروائي القاص، والمحاضر الأكاديمي، والناقد المسرحي، والباحث والدارس، والصحفي الملتزم، والرجل الذي وهب قلمه ليكون بجدارة الممثل لضمير مجتمعه.
يشرفنا في مجلة أوتار أن نجري معه هذا الحديث لثقتنا بأننا مع الأديب إبراهيم جاد الله نقدّم للذوّاقة والأدباء خميرة خبرة طويلة، منارة يمكن الاهتداء بها في وقت نحن فيه أشد ما نحتاج إلى فكر منير، وقلم نظيف، وتوجّه رشيد.


س ـ بداية نرحب بك ضيفاً عزيزاً على صفحات مجلّة أوتار
لقد طغت على المشهد الثقافي العربي بشكل خاص في الآونة الأخيرة مقولة فيها بعض اللبس أو الإشكال، مفادها أن الشعر تخلى عن موقعه التاريخي كديوان للعرب، وأن الرواية تحتلّ موقعه، فإلى أي مدى يرى الأستاذ إبراهيم جاد الله مصداقية هذا القول.. ولماذا.؟


ابراهيم :- لا تقولى بزمن الشعر ولا بزمن الرواية ، فهو إما زمانهما معا أو فناءهما معا ، نحن مقبلون على عبثية غياب سابق ولا حق
والمسرح يتهيأ لعدم أكبر
بعض الروائيين كانوا يترفعون عن قراءة الشعر. أسوة بمفكرين عرب، لا يرون في الشعر أو في المتخيل الأدبي بصورة عامة، الا ضربا من أوهام وانفصامات و... الخ ضد صعود "الأمة" وبلوغها الحتمي ركب الحضارة، وكأن الوهم والخيال والانفصام والحلم والاستيهام، ليست حقلا خصبا لاشتغال الفكر، في هذا النوع من العقلانية المبسطة،
بمعنى آخر مارس أهل دنيا السرد انتقاما مشروعا ولا واعيا ربما من التهميش الذي ساد الوعي العربي في دفعه الشعر، أي المقفى والموزون الى مرتبة المقدس وحط من قدر النثر العربي الخلاق بتجلياته المختلفة.
وهذا ما فعله على نحو آخر شعراء قصيدة النثر ، وفى رأيى المتواضع أن هذاليس زمن الرواية ولا زمن الشعر في العمق، انه زمن آخر. الروايات الأكثر تسويقا ليست الروايات العظيمة وان كانت ربما أكثر قراء من الشعر. وروائيان من أعظم كتاب هذا العصر (اسماعيل قدرى وميلان كونديرا) لم يكن لهما هذا الانتشار لولا بؤرة صراع مناخات سياسية وايديولوجية تقاطعت في مرحلة معينة، ونجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف، ليسا أكثر قراءة بكثير من نزار قباني وأدونيس ومحمود درويش.
ليس هذا زمن الرواية ولا الشعر، لكن يبقى للرواية والشعر - كالفنون جميعا- حيزها الروحي المزدهر ابداعيا على ضيق رقعته القرائية.
قطرة الروح الأخيرة في رماد نبعها الجاف.
ليس هذا زمن الرواية ولا زمن الشعر لكنهما في النهاية يذهبان صوب أفق واحد، صوب الحكاية الأزلية التي تسرد من غير ملل، الحكاية الصارمة والعبثية للغياب السابق واللاحق وما بينهما من أرض وبشر وعدم كبير يهيئ المسرح لعدم أكبر.


س ـ وأنت من أهم كتّاب الرواية العربية الحديثة، هل لك أن تحدثنا عن أهم الركائز التي تستند إليها تقنية الرواية.؟


ابراهيم : - ليس من قبيل التواضع الساذج رفض أفعل التفضيل الوارد بسؤالك ، ولكنه إقرار بواقع صحيح ، لاعتبارين أولهما أن تجربتى برغم ممارسة الفعل فيها مستمرة منذ ما يقرب من ثلاثين عاما إلا أنها لم تختمر رؤاها بعد ،ولم تتشكل ملامحها أيضا بحكم أن ما طرح لى للتلقى قليل ، وثانيا ، أنى كثيرا ما نظًرتُ لأعمالى وكنت مشغولا بهذا التنظير لها من خلال قناعة خاصة ومشروع أعمل عليه وعلى تجسيده أكثر مما انشغلت بالإنجاز داخل التجربة ذاتها ،وهو ما أود اللحاق به من جديد ،و ما يتجسد الآن من خلال العمل اليومى فى الثلاثية البغدادية التى هى كتابة مشتركة ربما للمرة الأولى فى الرواية العربية بين كاتب وكاتبة ، والمميز فى التجربة أيضا أن الكاتبين لم يكونا على اتصال مادى وواقعىحالة إنجاز العمل اليومى فى الرواية ، ولكن باستخدام تقنيات التكنولوجيا والإنترنت ومن خلال رسائل ألكترونية متبادلة تم تشكيل العمل الروائى الأول ، والذى أسميناه ( إيميلات تالى الليل ) وهو عن احتلال الأمريكان للعراق ومقاومة هذا الإحتلال ، وفى الحقيقة فالفضل يرجع فى هذا الأمر لصديقتى وزميلتى المناضلة العراقية والكاتبة كلشان البياتى
ان منطلقات الرواية عندى تحتاج الى مركز، الى بعد مكاني، الى هوية قومية، فمثلا يستهوينى فى رواية روبنسون كروزو، حين يبدأ الراوي فيها بعودته الى الجزيرة التي تحطمت سفينته عليها ويعيد بناء حياته من جديد على الجزيرة، ويبدأ في تثبيت أقدامه
ربما لا تعني العبارة الشيء الكثير، ومع ذلك هناك ضرورة الخروج اولا من دائرة الصمت، فالرواية تعني أن يصل صوت الفرد الى الآخرين. وبهذا يتحرر الصوت الفردي من فرديته، كما يوفر الاتصال بالغير.
وكما استثمرنا وسائل الاتصال العصرية ،علينا استثمار اهم تطور في تاريخ الرواية، وهو التحول الذي نشأ من الاهتمام بالراوي الذي كان يقوم بالدور الرئيسي في الرواية، كما كان الحال في رواية القرن التاسع عشر الى الاهتمام بصوت الشخصية كما حدث لاحقا في رواية القرن العشرين. ادوار سعيد يؤكد على اهمية الرواية، ويقدم لنا تعريفا جديدا لمفهوم الرواية شكلا ومضمونا. تقول (باربرا هاردي)، ان القص او السرد لا يخضع كثيرا الى قيود التقنية، والسبب ان حياتنا قصة نرويها لبعضنا.
أنا أريد إدخال الرواية في منظومة الثقافة التي لا حدود لأبعادها، ولكي تكتسب الرواية صبغة كونية، لا بد لها من ان تشمل أبعادا معرفية، وكان ادوار سعيد ينادي: يا علوم العالم ومعارفه اتحدي. وقد سألت بدورى ادوار سعيد: من هو الراوي، وكيف يروي؟ فأجاب: الراوي ليس الشخصية وليس الشخص الذي يقف وراء القناع، والعارف بأسرار الشخصيات في الرواية، وليس الفرد الحاضر ولا الفرد الغائب، وليس هو راعي الثقافة المهيمنة التي تدخل الرواية ضمن ادوات مشروعها التنويري الاستعماري، ان سلطة الرواية هي لصاحب الشأن، بمعنى ان الكتابة هي Project لا مهنة Career، بمعنى ان المشروع يكون طوع صاحبه، اما المهنة فإنها تمتهن صاحبها، وعندما استُفسر عن سبب عدم روايته أي شيء عن حياة الشرق، رد بإيجاز بأنه خاف أن يكون مستشرقا إضافيا... ونرى ان ادوار سعيد اصبح روائيا مرموقا لشؤون العالم عامة وشؤون فلسطين خاصة، لقد استطاع ان يصل الى بقاع العالم وفي يده خارطة فلسطين، وفي عقله قضية شعبها، وفي قلبه آلام التشرد والضياع، لقد أصبحت فلسطين على يديه رواية هامة في العالم.


س ـ ندرك أن للرواية دور هام في التأريخ، وقد تكون في مرحلتها الزمنية أصدق من تدوين التاريخ للحقبة نفسها هل تؤيد هذا القول.؟ ولماذا.؟


ابراهيم : - أؤيد بإيمان شديد ، وهو ما أقوم به على مستوى الكتابة الروائية فى مفهومها المطلق ، وعلى مستوى تقنية جديدة أحاول تجريبها كأداة وكبوصلة مستقبلية ، وهى محاولة للتجريب ، وضعت لها أصولا نظرية ، وحاولت القيام بتطبيقها ، وقد أنجزت منها بالفعل نصا روائيا طويلا يطبع الآن بسوريا
أولا من حيث التقنية المستخدمة وهى كتابة الرواية كورشة لعمل غير فردى تحطيما لسلطة الكاتب الفرد ، ينفذ عناصرها أكثر من كاتب . فقد انتهيت وزميلتى العراقية كلشان البياتى من كتابة نص روائى مشترك ، وأظنها تجربة غير مسبوقة فى الكتابة الروائية العربية بين كاتب وكاتبة على وجه التحديد ،ونحن بصدد كتابة النص الثانى من الثلاثية البغدادية أنا وزميلتى الكاتبة العراقية المقيمة فى المهجر زينب سلمان
وذلك لعدة أسباب جد هامة ومتفردة
والرواية مثل التاريخ تعنى بالسلوك الإنساني ومن قضايا التاريخ والرواية معا السؤالان اللذان أثيرا حول الحتمية والمصادفة , أو ما يعبر عنه العلماء والمختصون" Wickedness هيجل " وأنف كليوباترا . وسواء أكان التاريخ يقوم على الحتمية أو على المصادفة , فإنه بمفهومه المجرد"لا يفعل شيئا ,إنه لا يملك الثروة الهائلة ولا يخوض المعارك . إنه الإنسان , الإنسان الحي هو الذي يفعل كل شيء , فهو الذي يملك ويقاتل " كما ذهب إلى ذلك مفكر آخــر ولكن , هل الإنسان هو الذي يصنع التاريخ فعلا ؟ إن هذا ما تراه النظرية المادية . أما النظريات الأخرى فهي تحمل مفهومها الخاص للتاريخ وللحياة وللفن ومنه الفن الروائي .فكيف ينظر النقد في المغرب مثلا , إلى الرواية وإلى علاقتها بالتاريخ ؟ النقد بوصفه جزءا من الفكر العربي ؟
إن الرواية جزء من التاريخ ؛ ولكن هذا الجزء يستطيع في بعض الحالات استيعاب رؤية تاريخية واسعة وعميقة , لماله من قدرة على التكثيف والاختزال ولسلطته الفنية القاهرة التي تجعله أحيانا ندا للتاريخ ومنافسا له . ثم أليست الرواية هي ذلك الفن الذي تتجمع فيه عدة علوم وفنون , بحيث يتحول إلى بؤرة تشع منها معارف وممارسات نفسية واجتماعية وتاريخية وحضارية, فضلا عن المعاناة الذاتية التي يصدر عنها الروائي والتي تلون تجربته وتطبع أعماله الإبداعية . ولهذا نقول ونؤكد إن علاقة الرواية بالتاريخ علاقة مركبة ومربكة ومحيرة لأنها علاقة الفن بالحياة و بالوجود وبالخلق

س ـ في ظل المرحلة التي نعيشها هل تعتقد أن الشخصية العربية تعيش حالة من الاغتراب وعدم القدرة على مواجهة الواقع بكل معطياته وإفرازاته، وإذا كان الجواب نعم كيف لك أن توضح لنا ذلك.؟


ابراهيم : - نعم أقر بما تطرحين ، وأرى أن من ساعد فى تنامى حالة الإغتراب تلك هى العولمة التى قامت على تهديد وطمس هويات الشعوب الثقافية، وعملت على تدمير معطياتها القيمية وتعطيل حركة تطورها ونمائها عن طريق إيجاد حالات من الصراع الداخلية في عمق هذه الثقافات وتعطيلها. لقد أيقظت هذه العولمة الثقافية في داخل الثقافة العربية إشكالية الثنائيات التي تأخذ آلية فكرية تهدف إلى إضعاف الثقافة وإنهاكها في دائرة مفرغة من الصراعات الداخلية. فالثقافة العربية مثلاً تعاني من داء الثنائيات والصراعات الداخلية تحت غطاء هذه الثنائيات التي تتمثل في مقولات: الحداثة والتقليد، الأصالة والمعاصرة، التجديد والتقليد. وفي ظل هذه النزعات الفكرية الثنائية، تشهد هذه الثقافة ازدواجية نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية بتقنياتها وعلومها وقيمها الحضارية، والنتيجة استمرار إعادة متواصلة ومتعاظمة للازدواجية نفسها، ازدواجية التقليدي والعصري، وازدواجية الأصالة والمعاصرة، في الثقافة والفكر والسلوك . لقد أصبح واضحاً أن الاختراق الثقافي للعولمة يعمل على تهديد منظومة القيم الأصيلة ويشكل نوعاً من الازدواجية الثقافية التي تجتمع فيها تناقضات الأصالة والمعاصرة مما يؤدي إلى تهميش أو تغيير ملامح الثقافة الوطنية.‏ لقد أصبحت مظاهر الاغتراب والفردية والمادية والاستهلاك الترفي هي سمات سائدة في مجتمعاتنا العربية حيث "تحولت الثقافة العربية إلى ثقافة من نوع جديد، حتى أصبح كل شيء الآن يمكن أن يباع ويشترى "حتى روح الإنسان نفسه تخضع لقانون العرض والطلب . إن العولمة في نهاية تؤدي إلى عملية غسيل حقيقية للأدمغة؟ كما أشار "مارتن وولف" لأن الإنسان في دوامة هذه المعطيات العولمية يقع أسير أفكار قاهرة ويصبح طريد عالم غريب يشعره بالغربة والانسلاخ، أو العداء والعدوانية على كل هذا الصخب العالمي الوافد .‏
وباختصار الهوية العربية تعاني حصاراً وجودياً يتصف بطابع العمق والشمول، وهو حصار تفرضه معطيات الحداثة الجديدة لعولمة تبتلع الناس والأشياء. إنها عولمة مجحفة جارفة تقود المجتمعات الإنسانية إلى عالم يزدهر فيه كل شيء على حساب المعاني والقيم الإنسانية النبيلة إنه العالم الذي يربح فيه الإنسان كل شيء ولكنه يخسر نفسه. وفي مواجهة هذا الامتداد الأسطوري لمعطيات هذه العولمة المادية والأسطورية، التي تسحق الإنسان بالأشياء يتوجب على هذه المجتمعات أن تدق ناقوس الخطر وأن تعمل على بناء استراتيجيات إنسانية يمكنها أن تحافظ على بقية باقية من تكوينات الإنسان الأخلاقية ومعانيه السامية، إنها في النهاية معركة الإنسان من أجل المحافظة على الحدود الدنيا لمعانيه الإنسانية التي تتجسد في هويته وخصوصيته وثقافته.‏


س ـ هل يمكن لكاتب الرواية أن يكون محايداً في معالجة موضوعات تمسّ هموم الناس الوطنية والاجتماعية.؟


ان غياب العلاقة الجدلية بين الكتابة الابداعية بشكل عام وليست الروائية فقط والواقع الاجتماعي قد ادى الى اغتراب الادب في الثقافة العربية عن واقعه الاجتماعي وعمل على عزل الاديب والفنان و تعطيل قدراته في التواصل مع الوعي الجمعي لشعبه والارتقاء بالمستوى الثقافي والذائقة الجمالية. وتبدو هذه الحقيقة اكثر وضوحا في الادب العربي منذ نهاية الستينات من القرن الماضي، حيث غابت العلاقة الجدلية بين التغيرات والتحولات في بنية النص الادبي وبين التغيرات والتحولات في البنية الاجتماعية والثقافية. وظهرت اشكال ادبية وانماط كتابية في الشعر والسرد العربي بتاثير مباشر وكلي من الاداب الاجنبية بشكل عام والادب الفرنسي بشكل خاص. وانحسر عدد القراء والمتابعين للنتاج الشعري والقصصي من غير المتخصصين الى حد كبير. واصبحت الكتابة الابداعية نوعا من الترف الفكري والجمالي بعد ان كانت احدى اهم محركات الوعي الثقافي والوطني للجماهير العربية منذ الحرب العالمية الاولى وحتى نهاية الخمسينات.ومنتصف الستينات فى الغالب وقبل هزيمة العرب فى حرب 1967
ان من اهم اسباب هذه الظاهرة هو غياب الوعي الثقافي والاجتماعي عند الاديب والمبدع العربي والافتقار الى الحس النقدي في التعامل مع الثقافة الاجنبية وانماطها الابداعية المختلفة..



س ـ وهل يعني ذلك أن يكون كاتب الرواية ملتزماً بقضايا الأمّة ومعبّراً عنها واعذرني فأنا هنا أخص الكاتب الملتزم بهذا السؤال.؟


أنا لا أماري في أنني، كمثقف، كنت ولا أزال ملتزما. ولكنني أفلحت، ولحسن الحظ، في أن أتحرر من نظرية الالتزام السائدة بمفهومها السارترى منذ كتابه ( ما الأدب ) في كل ما يتعلق
بممارستي الكتابية كناقد أدبي أحيانا، أي كناقد للعمل الابداعي من حيث هو عمل ابداعي حصرا، تكمن غائيته فيه لا في هدف ايديولوجي مخالف. ففي كل محاولاتى فى ماأكتبه في النقد الأدبي انتصرت للأدب الحقيقي، وأدرت ظهري بإصرار لكل الأدب "المفبرك" برسم غاية سياسية او ايديولوجية تخالفه
وبديهي انه ليس من السهل دوما الفصل بين المثقف والاديب. فالأديب قد يكون أيضا ملتزما، مثله مثل المثقف تماما، والتزامه لا يخل بشرط الابداع ان كان ينبع من صميمه وان كان التعبير عنه يأخذ شكلا صميميا. ولكن ليس كل أديب مجبرا على ان يكون له التزام المثقف. فللأديب أن يكتب عقله، ولكن له ايضا ان يكتب جنونه. وأدب الجنون قد لا يقل ابداعا عن أدب العقل، هذا ان لم يتفوق عليه، فان الأديب كان بطبعه مجنونا، وما كان "مسؤولا" كما افترض داعية الالتزام الكبير- في حينه - رئيف خوري. أو فلنقل ان الكتابة قد تكون فعلا بديلا عن الجنون. وللجنون فنون كما يقال. فللعاقل فنه، ولكن للمجنون ايضا فنه، وفن المجنون قد يكون أكثر عقلانية من فن العاقل، لانه ينوب له بذاته مناب العقل


س ـ هناك تقسيمات بين الحقب الزمنية، فهل ينطبق هذا على الرواية.؟ بمعنى هل من اختلاف أو تفاوت أو تمايز بين رواية الخمسينات والستينات من القرن الفائت، وبين رواية اليوم.؟ وما هي أهم التباينات.؟


ابراهيم : - فى البدء يستدعى الامر استدعاء الريادة أيضا للتأصيل فى مجال الرؤية فموضوع الريادة يثير ثلاث ملاحظات سريعة أولها: إن الريادة، مهما تكن الشروط التي تولد فيها، عمل جماعي، حتى لو بدا غير ذلك، وثانيها إن هذه الريادة لا تظهر معالمها واضحة في لحظتها المباشرة، فعليها ان تنتظر زمنا كي تأخذ شكلا واضحا. وتقول الملاحظة الثالثة: ليست جميع الأزمنة تسمح بظهور مساهمات ريادية، فالعقم، كما الخصب، بحاجة الى شروط موائمة له.
وبما ان الحديث يدور حول الرواية العربية، تمكن العودة الى بداياتها، للبرهنة ان كانت فردية أم جماعية: فكل حديث عن هذه الرواية يبدأ عادة بكتاب «الساق على الساق» لأحمد فارس الشدياق، ثم يمر على اسم فرنسيس مراش «غابة الحق»، عيسى بن هشام هذه المساهمات وغيرها، اضافة الى الترجمة والمجلات والصحف، أفضت لاحقاً الى رواية «زينب»، في بداية العقد الثاني من القرن الماضي، التي اعتبرت «الرواية الرسمية» العربية الأولى.
إذا تأمل القارئ أحوال ومسار محمد حسين هيكل، صاحب رواية زينب، يجد انه كان تنويرياً، مارس الصحافة وشيئاً قريباً من النقد الأدبي والنقد الاجتماعي وإعادة كتابة التاريخ الاسلامي... ولم يكن في ممارساته المتعددة الا مرآة لجيل كامل من المثقفين، قاسمه اهتماماته وكتب مثله رواية او أكثر، حال طه حسين والمازني وعباس العقاد، صاحب رواية يتيمة، ومثقفين آخرين سوريين ولبنانيين وفلسطينيين... ومع ان الريادة تعود، شكلانياً، الى هيكل، فإن تأمل السياق يكشف عن ريادة جماعية، نُسبت الى فرد واحد.
وإذا كانت الريادة هي التأسيس فقد أعاد نجيب محفوظ إعادة انتاج الريادة والتأسيس معاً، حين حوّل الكتابة الروائية من وضع الهواية الى وضع المهنة الثابتة. بل ان محفوظ، وبعد ان أنهى ثلاثيته أنجز، من جديد، تأسيساً جديداً، حين كتب «أولاد حارتنا» و«اللص والكلاب»... ولعل التأسيس وإعادة التأسيس هما اللذان جعلا «النموذج المحفوظي» يتكاثر في نماذج كثيرة، آيتها أعمال صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وبهاء طاهر ومحمد البساطي، وصولا الى أسماء لاحقة مثل محمود الورداني وسعد القرش...
ملاحظتان لا بد منهما الآن. تقول الملاحظة الأولى: إن إعادة إنتاج الريادة الروائية لا تمنع من توليد ريادة جديدة. فقد ورث جمال الغيطاني موضوع الموت والسلطة من رواية محفوظ، لكنه استولد، على مستوى الشكل، رواية جديدة حين كتب «الزيني بركات» و«التجليات» مستهلماً الموروث الثقافي العربي، ومترجماً هذا الموروث الى قيم جمالية جديدة، برهنت ان «التحديث الروائي» لا يتمتع بصفة كونية. أما الملاحظة الثانية فتقول: لقد أنتج أكثر من بلد عربي ريادة روائية خاصة به، كأن يؤسس توفيق يوسف عواد عام 1939 للرواية اللبنانية في روايته «الرغيف»، وان يوطّد سهيل ادريس، في «الحي اللاتيني»، هذه الريادة ويدفعها الى الأمام. وهناك السوري حنا مينة الذي أعطى الرواية السورية أساساً ثابتاً، على الرغم من الجهود الروائية السورية التي سبقته.
يمكن القول أيضا ان الجزائري الطاهر وطار كان رائدا روائيا في بلده، حين بدأ كتابة الرواية باللغة العربية، مختارا مكانا خاصا به، بعيدا عن هؤلاء الذين كتبوا رواية باللغة الفرنسية، مثل محمد ديب وكاتب ياسين. والأساسي في هذا كله انه لا وجود لريادة كتابية بصيغة المفرد، ولا وجود للريادة، فردية كانت أم جماعية، إلا في شروط موائمة.
وعلى الرغم من أزمة الرواية العربية، التي انفجرت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، واستمرت بأشكال مختلفة الى اليوم، ربما، فقد تلامحت ريادات روائية جديدة، بعضها واضح، أو قريب من الوضوح، وبعض آخر لا يزال يتقدم متعثراً. وأظن ان اللبناني ربيع جابر ريادي في مجاله، حين آثر ان يكتب نصين في نص واحد، أحدهما تاريخي مباشر، وثانيهما تعليق عليه وتأويل له، وهو ما برهن عنه في عمله النوعي: «يوسف الانجليزي» وعمله المتناتج «بيروت عاصمة العالم». وأظن أيضا ان في عملَيْ علوية صبح «مريم الحكايا» و«دنيا» ملامح ريادية، على مستوى المنظور واستراتيجية السرد أيضا. كما يستطيع قارئ اعادة انتاج خلاق للريادة القديمة، كان ذلك في عمل مكاوي سعيد «تغريدة البجعة»، أم في أعمال أخرى تنزع الى «الواقعية الفوتوغرافية حال «فاصل للدهشة» لمحمد الفخراني. إن ما يجعل الريادة الروائية العربية تبدو اليوم «غائبة» او «غائمة» او «متعثرة» يعود الى أمرين: توسع الكتابة الروائية توسعاً غير مسبوق، فلم يعد الأمر مرتبطا باسم او بثلاثة أسماء، حال هيكل والمازني وطه حسين، بل غدا موزعاً على عشرات من الأسماء. يتمثل الأمر الثاني في سديمية الوضع العربي اليوم، ذلك الوضع المتداعي الخرب الآيل الى السقوط والموات. ولعل تعقّد هذا الوضع، كما الخراب المتعدد المستويات الذي يحاصره، هو الذي فرض، في السنوات الأخيرة، جملة كبيرة من الاقتراحات الروائية، بعضها خصب، والبعض الآخر يولد مرهقاً ويموت قبل أن يورق ويزهر.
وفي الحالات جميعاً فلا وجود لريادة بصيغة المفرد، ولا وجود لـ«بداية مطلقة» للإبداع الروائي، ذلك ان البدايات جميعها تولد مجزوءة مضطربة غائمة

.
س ـ بصراحة أستاذ إبراهيم هل تعتقد أن الرواية العربية الحالية استطاعت ولوج ضمير الناس وحازت على رضاهم وتفاعلوا بها ومعها.؟ وإلى أي حد.؟


ابراهيم : - يبدو لي أن أهم شيء صنعه كتاب الرواية العربية العظام أنهم أضاؤا مناطق مظلمة في الوعي العربي, والقارئ إذا بذل جهدًا وقرأ فهذا أفضل من التصور, فهنا كتّاب كتبوا على نهج الطيب صالح نفسه مثل (البشير خير) الذي كتب عن الجنوب التونسي وعبد الكريم غلاب من المغرب, وطاهر وطار من الجزائر, وغالب هلسا من الأردن وسورية ومصر, وبرواياتهم صارت الأماكن المظلمة في المخيلة العربية بدأت تضاء, وهذا مهم جدًا حتى ترتبط هذه الأضواء في ذهن القارئ العربي, وبدأنانحس فعلاً أننا أمة واحدة وليس مجرد كلام


س ـ هل يعتقد الأديب إبراهيم جاد الله أن هناك أزمات في مشهدنا الثقافي، أزمة قراء أو أزمة كتاب وأيها الذي يشكل عبئاً مسبباً أكثر.؟


ابراهيم :-أولا تسابق الأسئلة، وتعدُّد الصيغ يصيبني – كغيري – بالإحباط كلما فكرت في دور المثقف في صياغة إدراك أمَّته ووعيها وتفعيلهما، وفي مسؤوليته الباهظة عن احتلال هذا العقل في غياب فاعلية الثقافة والمثقف. فالمثقف مسؤول، ولا شك، عن مصيبة احتلال العقل العربي وتغييبه، وعن انتشار الخطاب المدجَّن، في الساحتين الإعلامية والسياسية على السواء، وعن تبرير الخنوع والذل بالعجز عن التصدي للزيف والغيبيات.
لا شك أن الفجوة تزداد اتساعًا ما بين المثقف التنويري وبين القاعدة العريضة من الجماهير، التي هي مَن يملك مفاتيح تغيير الواقع الذي تعيشه – وذلك لعدة أسباب: إن هذه الجماهير مغيَّبة تمامًا بفعل السلطة التي حاصرتْها في دائرة البحث عن قوت اليوم، ومعزولة تمامًا عن التفكير في أية حلول مستقبلية لأزمتها؛ كما أن هذه الجماهير فقدت ثقتها تمامًا في كافة المشاريع السياسية، وفي المثقفين التابعين لها. ولا أبالغ إذا ما قلت إن الجماهير العربية فقدت الثقة في مجرد التفكير في التعبير عن الذات!
ويقف المثقف المحبَط ما بين حَجَرَي الرحى: ضغوط السلطة وتكميم الأفواه وقمع الحريات وغياب الديموقراطية والليبرالية الفكرية، من ناحية – لذلك لا يملك هذا المثقف المحاصر الوصول إلى جماهيريته المفترضة، ولا يستطيع التأثير فيها. كما أن الأنظمة والحكومات في مجتمعاتنا العربية، من ناحية ثانية، تتبارى وتتنافس على فكرة تهميش دور المثقف وإبعاده عن دائرة التأثير. لذلك يبدو المثقف مثل طائر صغير مربوط بخيط ينتهي في يد الحكام؛ وهم وحدهم الذين يمتلكون تحديد طول الخيط، ويملكون استرجاعه في أيِّ وقت أيضًا، وحبس هذا الطائر في السجون والأقفاص متى شاءوا.
لكن يظل على المثقف دور لا يجوز له التنحِّي عنه؛ وتبقى دائمًا محاولاته للقول النقدي، وإعمال العقل، والتمرد على السائد والمألوف، من أجل إحداث التغيير أو تحقيق الطموحات التي يحلم بها هذا الجمهور اللاواعي بما يدور حوله
ثانيا – وهذا هو الأهم فى نظرى فإن النخب العربية لم تفعل شيئا لتكريس الفرد العربي، بل إنها لا تعترف بوجوده، حيث يكون له كامل الحق والحرية باختيار أو ابتكار نمط حديث أو جديد أو مغاير لحياته أو تفكيره، عمّا أقرته له هذه النخب رغما عن إرادته. بل إنها تجاهد وتقاتل بكل السبل للحيلولة دون تمكّن الشخص العربي من أن يكون فردا له كيانه الحر المستقل بعلاقته بجماعته وقومه، وتحرّم عليه أدنى اختلاف معها عبر اتهامه بالخروج عن الجماعة وعن إرادة الأمة أو مصالحها أو طبائعها أو تاريخها أو دينها… الخ. فالبدعة مازالت حراما، ليس في إطار الدين فحسب بل حتى في أبسط الأمور وأكثرها شخصية، كالملبس أو المأكل أو الذوق وغير ذلك. والقراءة تحتل على هذا الصعيد مركز الصدارة كونها من أهم مصادر البدعة، فهي إذ تقدم للقارئ اطلاعا واسعا على تجارب الآخرين وأفكارهم، وكذلك على صعلكتهم، فإنها تحرضه على الأخذ بغير المعتاد والسائد.
استنادا إلى كل هذا، لا أرى في المدى المنظور إمكانية حل لأزمة النشر والقراءة. والأرقام الدالة عليها لا يمكنها أن تنخفض كثيرا حتى مع توفر دعم حكومي للمطبوعة أو انخفاض في ثمنها، أو حتى اتساع هامش حرية التعبير والنشر. فإمكانية الحل مرتبطة بتغير الثقافة السياسية السائدة النابذة للفرد في مجتمعاتنا وبلداننا، إلى ثقافة تقوم على الإقرار بأن مجتمعاتنا مكونة من أفراد أحرار، لكلّ منهم الحق بتكوين هويته الفردية المستقلة. ومثل هذا التطور يحتاج كيما يتحقق إلى عوامل وفعاليات وأزمنة كثيرة. والأهم من ذلك فإن التصدي للقيام بهذا الحل، أو سواه، لا يمكن أن يكون إلا في كل بلد عربي على حدة، لأن أي إجراء في هذا المسار يحتاج إلى مؤسسات حكومية ومدنية محددة، ولسياسات إعلامية وتربوية وتعليمية… الخ، إضافة إلى نخبة حداثية جريئة وجدية.


س ـ يقال أن كاتب الرواية في موضوع كتابة الرواية ينفصل عن ذاتيته، ويبدو عندما يشكل بطل روايته يضع فيها شيئاً من خصوصيته، ويعيش حالة من النرجسية والأنانية. فهل توافق على ذلك.؟ وإذا كان الجواب نعم كيف تفسر ذلك.؟


لا ينفصل الكاتب والمبدع عن مجتمعه الذى أراه انعكاسا لصورته، فالهم عام من حصار للأمة سياسيا وثقافيا إلى حصار ذاتي داخل العقول وخارجها، وحصار من المجتمع والسلطة، وحصار من العولمة، لذا فنحن في حاجة لمشروع فكري حضاري يعيد للمبدع العربي هيبته، ويعيد له دوره كمشارك أساسي في العملية السياسية والثقافية، فالعولمة تحاول السيطرة على الثقافة العربية، لكننا نجاهد، ولا نزال نقول كلمتنا رغم صوتنا المنخفض وسط أصوات طلقات الرصاص، لكن رصاص أقلامنا مازال يقول كلمته أيضا، فهناك اتجاهان يسلكهما المبدعون العرب، الأول هو الاتجاه القنفذي مثل القنفذ الذي يتكور على نفسه لحماية نفسه، وهناك اتجاه رافع رأسه ليبحث في ماضيه الثري، ليجد حلولا لمشاكله المعاصرة عن طريق المقاومة بالدين والهوية التي يجب أن يرتكز عليها كل مثقف عربي، فهناك بدع دخلت لتذل أمتنا، لذا فذات الكاتب هى ذات مجتمعه ، وإن انفصل عن ذاته فقد انفصل عن واقعه ، وصار صوته جعجعة لا ترى لها طحن
ا

س ـ ما هو تقويمك الشخصي لمستوى الرواية الحديثة في عالمنا العربي.؟ وهل للرقيب أي كان شكله ونوعه من تأثير على المستوى الفني العام للرواية العربية.؟


ابراهيم : - أنت تحشين الجرح ملحا ياصديقتى ، فالمعاناة متمثلة أمامى هذه الأيام ، بعد خسارتى فرصة نشر روايتى الأخيرة بمصر لخوف الناشر من تعرضها بشكل مباشر لرأس النظام فى مصر بالعتاب الهادىء أحيانا ، وبالإنتقاد الصريح أحيانا أخرى ، وبالغضب عليه كثيرا ، أو لكونى كاتب غير صالح جماهيريا وكتاباتى لا تتوافق وأليات السوق مما يعرض الناشر هذا لخسارة محتملة من الناحيتين ، فقد لجأت لناشر عربى صديق فى دولة عربية شقيقة ، وما بيننا من اتصالات متلاحقة ، تفيد ردوده أن الرقابة فى قطره ستعطى قرارها ، وبعد شهور وافقت لحاجة فى نفسها عزفت على وترها أنا ، وبعد شهور تفيد الاتصالات أن الناشر ينتظر الموافقة على الطباعة
قثمة موافقتان ، واحدة على النشر بعد تصويبات طباعية وشكلية قدمتها ، وقد تمت ، وثانية على الطباعة وما زلنا ننتظرها
ماذا تعنى تلك الحالة؟ سأصمت مؤقتا كى لا تصيب عيارات مسدسى النافذة رؤوسهم جميعا وتذهب روايتى إلى مراحيض مكتب الناشر ، فما أتحمله من عنت هو من أجل سواد عيون القارى ء فقط ، ولكن كل هذا لم يضعنى فى سوق مساومة لامع نفسى ولا مع واقع صادم ولا مع آليات السوق ولا مع شروط واقع النشر المازوم كى أتخلى عن فعاليات روائية حاولت الإتيان بها كجهد فردى ، لأنى أطالع إنجازا روائيا عربيا مبهرا ومتجاوزا، حتى فى أقطار لم يكن لها من هذا الفن الساحر من نصيب كالسعودية مثلا والأصوات النسوية المغامرة فيها والتى أعقبت تأسيسات القصيبى وعبده خال والمشرى وغيرهم

س ـ لك تجارب كثيرة وطويلة في مجالات فنية وأدبية متعددة في النقد والإخراج المسرحي والفنون المسرحية إضافة إلى الكتابة في مجال الرواية والقصة والدراسات والبحوث.. أين يجد الأديب إبراهيم نفسه.؟ ولماذا.؟


ابراهيم : - أجد نفسى فى حب الحياة برغم عتمة الراهن منها ، أجد نفسى فى التوحد بفعل الكتابة التى هى شهادتى عن نفسى وعن الحياة وعن الآخرين ، وهذا ما قلته بأحد فصول كتابى مر الذى مر ( سنوات الاشتعال والإنطفاء ) أن الكتابة شهادة ، وهى أيضا فعل تطهر وتوق للفردوس المفقود
فالكتابة شهادة، وعندما لا تكون كذلك، فإنها تصبح أي شيء، إلا كتابة.
لا تكون الكتابة شهادة إن لم تكن صادرة عن شاهد بالحق.
الكتابة التي لا تكون شهادة هي كتابة ظالمة، وناقصة، ومتواطئة.
الكتابة هي أن يكتب الكاتب ما يراه، وأن يشعر بما يرى، وأن يعجنه بدمه ويجففه بعرقه، وأن يكون ما يكتبه صرخة مدوية، تصل إلى الآخرين، ويوصلها الآخرون إلى الآخرين.
وكثير من أنواع الكتابات هي سحابات صيف عابرة، لا ماء فيها ولا روح، جسد ميت، التراب أولى به.
لأن فعل الكتابة اليوم أصبح ترفا، ولم يعد مسؤولية.
والمسؤولية من السؤال: من أنا؟ ولماذا أحمل القلم؟ ولمن أكتب؟ ولماذا؟
لا أحد يطرح هذه الأسئلة اليوم إلا قليلون.
لهذا تكثر الكتابات ويقل المعنى، لهذا سقطت قيمة القلم.
القلم حياة، والقلم موت أيضا، والقلم جسر بين الحياة والموت، يمر منه سالما من كان شاهدا بالصدق، لا متسليا، ولا طالب منزلة، أو باحثا عن الأضواء.
أقسم الله سبحانه بالقلم في سورة تحمل إسم هذه الأداة العجيبة:''ن. والقلم وما يسطرون''.
وقال محمد جواد مغنية في تفسير الآية، والقسم الإلهي بالقلم:
''أقسم به سبحانه لعلو شأنه حيث لا إنسانية ولا حياة إلا به''.
وفي الكتابة الحديثة يكثر الكلام ويغيب القول، لأن الكلام هو أي شيئ، ولأن القول هو الذي يملك المعنى.
والسبب أن الإنسان فقد الارتباط بالقيمة العليا التي جاءت به وستأخذه غدا.
قيمة المعنى الذي يمنحه لحياته.
قيمة الموت، وسؤال ما بعد الموت.
الكتابة الفارغة من المعنى، هي أيضا تغييب للآخرين، وعدم منح الاحترام الواجب للناس، لأنها استهتار بهم، وسخرية منهم، واستغفال لهم.
ولهذا فسدت الكتابة اليوم، لأن الكثيرين لا يعرفون ما يريدون منها، فلا يفهمهم الناس، لأنهم هم أنفسهم لا يفهمون أنفسهم.
يقول بعض الحداثيين: أنا أكتب للمستقبل، وللأجيال المقبلة التي ستفهمني.
رجل كهذا ينبغي أن يكون أحمق.
لأن المستقبل ليس عاقرا، والأجيال المقبلة ستكون لها مشكلاتها، ولغتها، وكتابها، وفنانوها.
إذا لم يفهمك الذي معك، لن يفهمك القادم.
هذا هروب من مواجهة المشكلة، والهروب من مواجهة المشكلة مشكلة ثانية.
الكتابة الحقيقية تضم الحاضر والغائب، تشهد على الحاضر، وتتجذر في الماضي، وتتشوف للمستقبل.
أنا هنا أجد نفسى ، وهنا فقط


س ــ من الملاحظ أن المسرح الكوميدي "السطحي" إذا جاز التعبير يشد أكثرية الناس لمشاهدته، ما هو السبب برأيك.؟ وهل أنت مع ذلك أم تفضّل الدراما أو الكوميديا الهادفة الملتزمة.؟


فى واحدة من نظريات فائض القيمة القائمة على تحليل قوى العمل والثروة فى المجتمعات الرأسمالية نجد تفسيرا ساخرا وحقيقيا لقيمة الثروة ألا وهو القدرة على الحصول على أوقات فراغ ممتعة.
إن المليونير أو الميسور الحال يعمل ويكد من أجل الحصول على أوقات الفراغ الرائعة التى يخلو فيها لمتعته وراحته وكلما طالت أوقات الفراغ الرائعة كلما كان المرء ثريا.
هذا التفسير الغريب للثروة ينطبق بصورة مذهلة على المصريين بشكل تاريخى، فهم يقدرون على المتعة رغم كل الظروف الضاغطة.
فإذا كانت المتعة واللعب هى فائض القيمة الحقيقى الذى تكرسه الثقافة الرأسمالية الاستهلاكية، فنحن أغنى شعب فى العالم، وحيث اللهو واللعب والضحك الممتع كان يقبع جمهور الطبقة المتوسطة، المتوسط فى كل شىء فى أحلامه ودخله وبيته وتعاسته كان ينفجر عندما يتحرك الضيف أحمد هو وسمير غانم وجورج سيدهم فى فرقة ثلاثى أضواء المسرح البسيطة التى قامت على فكرة الاسكتش البسيط فى تصميمه، وأغانيه السهلة الإيقاع، والتى كانت تستخدم الإيقاعات فقط فى بعض الأحيان، بعد أن كان إسماعيل ياسين وثريا حلمى يقدمان المونولوج الثرى موسيقيا والقادر على استخدام كل آلات الأوركسترا الموسيقى فى فترة الخمسينيات.
وقدم الثلاثى مجموعة من المسرحيات الممتعة. الحقيقية، ويحمل تراث الأبيض والأسود للمتفرجين فى التليفزيون المصرى تلك المسرحيات الممتعة التى تمثل نموذجا للعب بلا حدود، والتى تعبر عن مضحكين ولاعبين بلا قضية.
ومع السبعينيات وحتى الآن انفصل القطاع الخاص فى المسرح الكوميدى التجارى عن المتوسط المتفرج الباحث عن اللهو البرئ ليصبح المسرح السياحى،هو البطل فى الساحة، وهذا الأمر يستلزم وجود رقصات حسية ونساء جميلات من أجل القادر على دفع ثمن اللهو بالإضافة للضحك طبعا.
ومع سقوط المسرح التجارى فى مصر فى فخ البحث عن جمهور السائحين العرب وأصحاب الحرف اليدوية الذين امتلكوا مالا منذ السبعينيات خسر المسرح الكوميدى فى مصر جمهوره من الطبقة المتوسطة تماما تارة بالجرى وراء الخروج عن القول اللائق على خشبة المسرح وتارة بالارتفاع المذهل فى أسعار التذاكر.
وظهر المسرح التجارى فى صورة المتعالى ونجح فى تكريس حجب عادة الذهاب للمسرح، والتى كانت عادة مصرية أصيلة للطبقة المتوسطة وغيرها منذ أوائل القرن العشرين وكانت سبعينيات القرن وأوائل الثمانينيات هى فترة تحاريق المسرح المصرى الذى مازال يعانى منها حتى الآن.
وأدى ذلك لظهور الجمهور العشوائى الممزوج بجمهور السائحين العرب واشتركا معا فى فرض ذائقة جديدة فى المشاهد المسرحية دفعت سمير غانم للاستعانة بشعبان عبد الرحيم فى مسرحيته الأخيرة دورى مى فاصوليا. فشعبان كان تميمة المرحلة التسعينية لهؤلاء القادرين على شراء أوقات فراغ ممتعة من المصريين والعرب.
واتفق الجميع على السخرية من المسرح والفن الجاد محمد هنيدى بسؤاله عن العولمة وتفسيره لها باعتبارها العولمة فى غياب المضمون ومحمد سعد وقدرته على استقطاب عدد لا محدود من صغار السن الباحثين عن أوقات فراغ يملؤها ذلك الضائع العاطل الجاهل الذى لا تعرف إن كان «مسطولا» أم «أبله» السيد اللمبى المبجل. وظللنا وحتى الآن نصفق للجهل ولخشونة التصور الدرامى للعالم، وكأننا فى حفل كبير يقدس الجهل ويقدم له القرابين فيقدم هذا الجمهور من أفراد المقاهى المتعطلين ومن شباب يبحث عن إزجاء أوقات الفراغ لهذا المقدس الجهل الحسى البائس ملايين الجنيهات المنتزعة من أفواه هؤلاء البسطاء الأثرياء بأوقات فراغهم الطويلة وجيوبهم الخاوية.
وحين يصبح الفراغ واللعب هما الثروة ويصبح العمل هو الهامش فليصرخ كل غليظ كأنه الطرب وليهرج كل من يستطيع أن يهرج وليفخر النجوم الجدد بجهلهم البديع الذى جلب لهم الثروة، وجلب الإقصاء التام لهؤلاء الفنانين الجادين الذين أنفقوا العمر فى التعليم وجاهدوا من أجل الجمال والحق والخير والحرية
وأن تكون مضحكا بلا قضية فلا يهم، أما أن تكون مغامرا بلا قضية، فهذا هو الخطر الذى يحول المسرح إلى كباريه ورقص واستعراض دائم لجميلات فاتنات وتركيز على كوميديا العاهات البشرية كالبدينة والعجوز الأحمق فى مشاهد الكباريه.. كباريه التيك تاااك توك، كما جاء مثلا فى مسرحية «مراتى زعيمة عصابة». لهذا الأيله سمير غانم الذى فقد فدرته على الإضحاك المظيف الذى بدأ به مشواره مع الثلاثى
والمغامرة الخطرة هى إن واحدا مثله وغيره ممن بملأون ساحة المسرح الكوميدى لا يستهدف الجمهور العشوائى، فالصالة ممتلئة بالسياح العرب، ولتعرفوا أنهم يسافرون فى كل أنحاء الدنيا ويشاهدون بروداوى ويضحكون ويسخرون على تمتعهم من تلك الصيغة المقنعة للمهرج فى الكباريه، وهم يعرفون أنهم يكذبون على أنفسهم، حينما يذهبون لمسرح الريحانى، ويعرفون أنكم تكذبون على أنفسكم وعليهم لأنكم لم تكتبوا على المسرح كباريه الريحانى.. رحم الله نجيب بك الريحانى، بل رحم الله كباريهات عماد الدين قبل الثورة، وهى التى شهدت أعمال راسبين وموليير وروائع المسرح العالمى.
ونعود لنظرية اللعب وفائض القيمة مرة أخرى.. لنرجو من صناع البهجة أن ينظروا بعين المسئولية لجيل جديد ولأسر مصرية محترمة قادرة على دفع ثمن تذاكر معقولة ترحمكم من الكباريه المقنع وتملأ المقاعد الخاوية الغالية الثمن، والتى يستطيع السائح العربى أن يدفع بعضها ليرتفع الإيراد وليخسر المصريون أصحاب الثروة الكبيرة من أوقات الفراغ مضحكهم الرائع الغائب
فمن للجيل الجديد الموجود فى المقهى، إن لم يكن له من يمتعه ويضحكه ويقدر على سداد ثمن تذكرته؟
ولماذا يهرب المضحكون من جمهورهم المصرى الذى منحهم كل شىء، بالطبع الضحك أصبح سلعة غالية، وبالطبع علينا أن نذكرهم بأن جمهورهم المصرى قادر على دعم مسرحهم الجاد الضاحك الممتع إن هم أخلصوا التوجه له.
مازلنا حالة نادرة تقدس الحكايات المكرورة ونستسلم للكسل الفنى الجاهز، رغم عظمة الموهبة ورسوخ الرصيد الجماهيرى لنجوم كبار نجلهم مثل سمير غانم.
إن المصرى صانع البهجة كان فى مصر الفرعونية يستخدم المهرجين ليشاركوا فى وداع الميت، وبعد أن تتم مراسم الجنازة يشرع المهرجون فى إضحاك أهل الميت ومشيعيه كتقليد اجتماعى متعارف عليه..
المصريون ما أحوجهم للضحك الآن.
المصريون أصحاب أكبر ثروة من أوقات الفراغ فلنجعلهم فى حالة عمل دائم أو على أقل التقديرات، فلنسأل أنفسنا السؤال الجاد والساخر معا، كيف يمكننا أن نتمتع بكل ما لدينا من فائض القيمة الذى هو أعلى ما يملك الإنسان الوقت ؟


س ـ هل تؤيد فصل المهام في العمل المسرحي حسب الاختصاص، أن ينفصل المخرج عن المنتج مثلاً أو الكاتب عن كاتب السيناريو وما إلى ذلك.؟ وحبذا لو تشرح لنا رأيك في هذا الأمر
.


ابراهيم :- يمكن القول ان المسرح فن شامل و جامع للفنون الأخرى ، كالتشكيل والموسيقى و الازياء ، والفنون ابتكارات انسانية سعت لتفسير الفلسفة و المجهول ، تفسيراُ منطقياً ، والمسرح من اهم تلك الفنون التي تعتمد على عدد من الفعاليات ليكتمل خطابه من نص و اداء و اخراج وسينوغرافيا وهي التي نحاول ان نعرف بها ، فهي تحمل معنى المسرحية و مكملة لفكرتها ومعبرة عن احداثها ورؤيتها ، بعد ان كان يقتصر على ( ديكور وازياء وماكياج و اضاءة ) ، فالسينوغرافيا احتلت دور متميز في العمق التفسيري للافعال ، فالانسان يمارس سيونوغرافيا خاصة في حياته اليومية بوسائل بسيطة تتفاوت من فرد لاخر ، كالديكورات والاكسسوارات المنزلية واختيار الملابس والوانها ، فهو ات من تصور ذهني وتدخل الوعي المباشر ، وهو بذلك ينحو الى رغبة او حاجة الى تجميل محيطه ليعبر بذلك عن اشباع حاجة وجدانية.
السينوغرافيا مثلا على مستوى التخصص المسرحي ، تعد اهم العناصر الفاعلة في العرض المسرحي ، وهو كمفهوم حديث الاكتشاف على صعيد المسرح عريق الوجود كمصطلح فمفردة ( saenograhile ) تعني فن الزخرفة و التزيين وتكنيك الرسم في عصر النهضة ، والسينوغرافيا بمفهومها الحديث هي اكتشاف وليس اختراع ، وذلك لامتداد رحلة تصميم المناظر واعداد الخلفيات ، والتطور المتسارع ادخل تأثيرات حركية ، وبقي هذا المصطلح صار ملتبساً ، بسبب اتساع استخدام اداواتها التعبيرية وتداخل الحدود العملية والنظرية ، لكن رغم كل ذلك يعاني مسرحنا من بقاء السينوغرافيا كمصطلح ولم تدخل فى حيز التفاعل الفعلى مع بقية عناصر التشكيل المسرحى

س ـ لك قول أصبح يدلّل على شخصيتك: (نصمت لا نعطي برهاناً على البطولة، فلقد ولى زمن البطولات، ولتكن ثورة خرساء..) هل تعتقد حقّاً أن زمن البطولات ولى.؟ وهل من جدوى لثورة خرساء.؟ كيف تعلل لنا ذلك.؟


ابراهيم : - أنا صرت أتمثل قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه وذلك أضعف الأيمان ) وأضعف الأيمان قد يكون أقواها لو تنامى وتجذر وصار ثورة خرساء فى رفض الشائن والظالم
العالم صار قوة تتمترس خلف كل أسلحة الدمار الدمار الإنسانى الشامل فى مواجهة ثوار التغيير وأبطال الحرية فعلا أو قولا ، وصارت الحرية أبهظ ثمنا
الهم ثقيل
والتجربة مرة ومؤلمة
والدم المراق على الطريق خلال ما انصرم من عمرى غزير ، وما تبقى مازلت أنزفه
هل أتمنى عليك أن تعفينى من مواصلة النزف؟


س ـ أتمنى أن تحدثنا بما تشاء، وقد تكون نافذة لتقول ما لم تُسأل عنه.


ابراهيم : - ثورتى الخرساء قائمة
تستمد زيتها من روحى وإيمانى بجدارة الإنسان أن يبقى حرا مصانا كريما كما كرمه خالقه
لازلت قادرا على الكتابة
لازلت قادرا على النزف
وأنا سعيد بما أكتب وما أنزف
وللحقيقة
أنا لا أكتب إلا وحزن قوى يحركنى
تستغربين؟
إذن
كيف لك أن تصفى هذا العالم بأنه هادىء وجميل وهو محاط بهذا الكم من الخراب والدمار؟


س ـ أخيراً أديبنا الكبير الأستاذ إبراهيم جاد الله لك كل الشكر، وقد تشرفنا بالحديث معك، ونتمنى لك كل نجاح

.
أن تكون مغايرا فهذا بديهى
وأن تكون مختلفا فذاك من أمور جدل الحياة
وأن تكون مؤتلفا فهذا عندى غاية عزيز منالها ، ولا تجدر إلا بالمؤتلفين حقا
وإن كانت المصادفة الصرفة قد ألقت بى فى طريق هاتين الرائعتين لمياء البجاوى من تونس التى بها انطلقت وتجاوبت وتفاعلت مع واقع عروبى كامل
ومع صباح حسنى الشاعرة ذات الأبق الخاص والحميمى
فإنى مدين لهما برؤية هذا الإئتلاف البهيج فى كوكبة رائعة من أصدقاء النور والحرف الأسمى على صفحات أوتار التى ترنو بلحن عربى باذخ الفرح
أسماء لا حصر لها تزين الخارطة الإبداعية العربية
وما أبهجنى أكثر هو الاحتفاء بالراحل زكى العيلة ومشاهدة عدنان كنفانى وبشرى أبو شرار شقيقتى وشقيقة أخى الشهيد المناضل الذى قضيت فى حديقته عامين كاملين ماجد أبو شرار ، وغريب عسقلانى حين يوجه رسائله لزكى العيلة، ودكتور حسين على محمد وفاطمة بوهراكة وابنتى الحبيبة لبنى المانوزى وكثيرين مبدعين ومبدعات
أسماء مبهجة تجعل كل الأوقات مناسبة للفرح
فإلى كل الأوتار الشادية فى أوتار
قلبى ومحبتى

تنبيه هااااااام:
هذا الحوار خاص بمجلة أوتار العربية ويمنع منعا باتا نقله الى اي موقع اخر دون ذكر المصدر...

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

ها أنت الآن تشعلين مصابيح الروح















الجمعة

الخامس عشر

من شعبان المبارك

عام الف وأربعمائة وتسع وعشرون

والموافق الخامس عشر

من أغسطس عام ألفين وثمانية

من هجرة الرسول العربى الكريم وميلاد السيد المسيح

وعند التاسعة مساء

اشتعلت مصابيح الروح

لتعلن أن هذه الساعة مناسبة أبدا للبهجة

حين أطل وجهك الحبيب ( مرام ) إبنة الحبيبة (مى)

***

لكما ما تبقى من العمر

حين سيكون أجمل بصحبتكما

ويارب العباد استجب

فأنت العزيز القدير المانح المعطى الكريم

إمنحهما الستر

وارعهما

واجعل كل أيامهما القادمة مملوكة للآخرين من خلقك

يكونا فى عون من لا عون له إلاك

وإجعلها يارب هذه ال (مرام )

زهرة تفوح بالشذى والطيب

وبيتا يفتح أبوابه بالمحبة للآخرين

وامنحها نعمة أن تكون نافعة لغيرها قبل أن تكون لنفسها

يارب

يارب


السبت، 16 أغسطس 2008

هاهى الراوئية والشقيقة وشقيقة المناضل الشهيد ماجد أبو شرار تحتطب من جراحها لنار محبتها





فى رحيل درويش
بشرى أبو شرار





أنا وبشرى فى مئوية جامعة القاهرة يناير 2008

في هذا المساء البارد , دق هاتفها , فأزاح هوة الصمت من حولها , حملته في حنايا كفها , فكان صوت " الأبنودي " :
_ رحل محمود درويش ....
لم يستوعب عقلها فكرة رحيل سيد الكلمات , وأول من حبت على أبيات قصائده , تحدب على ديوانه , تنقل من أبيات شعره على صفحات لتحفظها , تفك ضفائرها , تعدو بين ممرات الوديات , ترافقها كلمات كتبها " يطير الحمام ... يحط الحمام ... "
منذ سنوات طويلة , رأى درويش نفسه كما كان يقص علينا ...
يحكون في بلادنا .....
يحكون في شجن ....
عن صاحبي الذي مضى ....
وعاد في كفن .
وتسقط دمعات معذبة من روحها , ووردة تتدحرج , لتصل مسطح قبر يعتلي أعلى قمة جبلية في " رام الله "
هل تطمع في وردة تشبه وروده ؟.......
هل تطمع بان يكون يوم رحيلها مشابها ليوم رحيله ؟..... وتطرق كلمتها الأفئدة كما هو ؟....
كيف يتركها " درويش " ويمضي عبر طريق الرحيل الأبدي , بعد أن ألقى إليها بتعويذته " على هذه الأرض ما يستحق الحياة "

في هذا المساء البارد , رقد جسد " درويش " وقد غطته أمه بتراب من بلدته شالمنسية " البروة "
كان يخاف موته , خجلا من دموع تذرفها لرحيله ...
عاش عمره ممزقا بالحنين , لخبز أمه , وقهوة أمه , ونار توقدها , ليظل الوطن دافئا بين ضلوع الغائبين , المنتظرين لأكفان تعيدهم , كما عاد في هذا اليوم لأعلى قمة جبلية ....
تعود الوردة المتدحرجة ,لتتوقف على مسطح قبر لرجل لم يمت ....يعو السؤال :
_ هل يصحبها " درويش " في يوم يشبه يوم رحيله , حيث هناك ؟.....
أم تظل واقفة خلف زجاج نافذتها , ترقب ارتطام الموج بالصخر , وكلمات قد تعيدها إلى هناك " يطير الحمام .... يحط الحمام "

الأحد، 10 أغسطس 2008

أليك ياسيدى المحمود الدرويش أول رسالة من قريتك لابتسام أنطون


تمزقت المسافات من تذاكر رحيلك

.... ابتسام أنطون

سلام عليك يا آخر المرسلين لنا قضية ..وطنا ..وجودا ووجدانا..
كم من الورد نحتاج زرع أرضك التى فقدت إستحقاقها الحياة دونك سيدي المحمود الدرويش
أبحثك في طيات الدوواين لنستمر الحياة بروحك سيدي ..
أبحث الكم الكافي من الحزن في العالم ..أجمعه لأبكيك كفايتي ..أنا جزينة جدا ,تختلط دموعي وحروفي ..فقدت يقيني الآني فور وصول خبرك. عزلك الجسدي عنا ..أيها الروح الأزلية التي تأبى فراشا مزمن السبات ..
ياإلهي ..
هل للموت ترجمات أخرى تنسينا وقعه..
هل من نعي أكبر يعطينا مصداقية الفقدان ..من نحن دونك ..كيف نأمل فلسطين ونقرئها ونعيشها دون جديدك ..
لماذا تركت الحصان وحيدا؟ لماذا تركت الفراشة بأثرها تترنح في جروحنا وتزيد وجعنا
أتعبني هذا الكم من الحزن بصمته وبوقته الضيق ..
أشكرك أيها المحمود لما تركته لنا من قصباات هوائية تمنحنا نفس آخر لموتنا اليومي ..
أشكرك لما تركته لنا من أرض تخصب من خطاك ..
أنا في لفافة قريتنا جديدة ..أجاور أهلك وعشاق ليلك ومراقبين زياراتك الخاطفة ..لكنني ونحن في القرية في غيبوبة خبر عزلنا الحياة عنك ..
نجهل سبل التعبير عن حزن يليق بمجدك يا آخر المرسلين ..
لماذا انتم أيها الدرويش محمودا وأخوته زكي وأحمد مصابون في القلب ..لماذا وأنتم تعرفون انكم القلب لنا ..وكيف تخفق الحياة بنبضها دونك يا سيدي ؟
هل أعرتنا موتك السريري بأسلاك وهمية للحياة ..
لا نريد ان نكون هياكل تتحرك دون روحك ..
إمنحنا أيها الأله مزيد من شعرك لنقوى ..ونشعر بيقين الزمن المتقدم الى الوراء ..
إمنحنا يا نبينا قصيدة لا تنتهي بأواخر دواوينك الشعرية ..
تربيت بمقولي أن الأنبياء لا يموتون ..لماذا مت ؟ولماذا تفارق حياتنا ونحن نستحقها معك وهي تستحق الحياة من أجلك .
أتعبني الحزن الصامت سيدي ولا أعرف سبل التعبير اللائق لمجدك .
القرية صامتة ..ومنشغلة بجهلها عن حجم الخسارة ..
كنا سنفرح لسماع خبر مجيئك المباغت السري مرة أخرى في زيارة أهلك .. منحت من أنفاسك نفسا جديدا لشقيقك أستاذي أحمد درويش أطال الرب بعمره وذهبت أنت وحدك ..ووحدنا لنلاقي حتفنا ..
من ألأمس وأنا في غمام السؤال ؟
هل من خبر معاكس ينفي الحقيقة ؟
سيدي من أمن بك وإن مات سيحيا
..

باحترام

:ابتسام أنطون

–جديدة –

بلدة الشاعر النبي محمود درويش شمال فلسطين

الاثنين، 4 أغسطس 2008

مقدمة كتابى الأخير ( الإبحار فى ذاكرة الكتابة )





هل لك أن تغامربتعريف الماء بالماء؟
أ د/ محمود إسماعيل








حين عرض علي الصديق / إبراهيم جاد الله فكرة التقديم لهذا الكتاب الثمين راودني شعور بالاستحياء علي الرغم من تقديري لكتاباته الإبداعية والنقدية ويرجع تحفظي لعدة اعتبارات
أولا: ما يربطني به من صداقة وطيدة في زمن عز فيه الأصدقاء وما أكنه لشخصه علي المستوي الإنساني العام من تقدير وتوقير بما يجعل شهادتي مجروحة بالحتم برغم حرصي الشديد علي التزام الحيدة والموضوعية وهي خصيصة اكتسبتها من عملي كمؤرخ.
ثانيا: ما جري عليه العرف من التقديم لكتابات المبدعين والكتاب المبتدئين الواعدين وهو أمر يند عن كون المؤلف ذا باع طويل وتجربة ثرية في الإبداع والكتابة نشر الكثير من انجازاته التي حظيت بتقدير النقاد والقراء في أقطار المشرق والمغرب علي السواء.
ثالثا: جرت العادة أيضا أن يكون كاتب التقديم من مشاهير المتخصصين في الحقل المعرفي الخاص بموضوع الكتاب وهو شرط لا يتوفر لشخصي المتواضع كمتخصص في التاريخ الإسلامي في حين أن موضوعات الكتاب تضرب في مجالات معرفية شتي ومتنوعة كالسياسة والأدب والتاريخ الحديث والمعاصر والتراث والحداثة ... الخ
مع ذلك لم أجد مناصا من الإقدام علي المغامرة بعد مزيد من التردد والإحجام لأخوض في بحر من المعارف اشهد بأنني وقفت منها موقف التلميذ لا الأستاذ موقف المتلقي وليس الناقد.
جمع الكتاب بين دفتيه مقاربات نقدية لعدد من النصوص الإبداعية خصوصا في مجال الرواية لمبدعين عرب ومشارقه ومغاربة وأجانب غربيين ،أوروبيين ولاتين هذا فضلا عن كتابات تراثية يتمحور معظمها حول المناهج والمقاصد في آن ،بهدف الكشف عن الهوية العربية الإسلامية من ناحية وقراءة الواقع العربي المعاصر المضبب بسحب الماضوية من ناحية أخري
ناهيك عن الغوص في قضايا الواقع الراهن والمنشطر بين الماضي والأخر،بهدف التماس حلول لها في تخليق مشروع نهضوي مستقل ومنفتح وأصيل في آن.
وفي هذا الصدد لم يكتف الكاتب بالتعريف والرصد الوصفي بقدر ما طمح إلي التحقيق والنقد والتقويم والتثمين نظرا لما تميز به من طول باع وسعة اطلاع كانا من وراء تأهيله لتقديم نص جديد يحتاج بدوره إلي مقربة نقدية جديدة بالمثل.
ثمة كتابات تعالج قضية العرب المحورية الممثلة في القضية الفلسطينية ،قدم الكاتب بصددها شهادات كتاب من اليهود المنصفين،في مواجهة كتابات عربية معاصرة منحازة لدعاوي الصهاينة بما يكشف عن (مفارقة)تسترعي النظر والتحليل .
وفي الإطار ذاته عرض لكتابات غربية وأخري عربية حديثة ومعاصرة تنطوي علي المفارقة عينها ،خصوصا ما يتعلق ببعض كتابات المفكرين والمبدعين المغاربة ،ممن اعتبرهم الكاتب بحق رديفا استشراقيا.
وفق رؤيته العميقة ومنهجه النقدي أيضا وقف علي أخطاء – بله خطايا – بعض الدارسين العرب المشهورين الذين قدموا تأويلات للإسلام بمعزل عن تاريخيته ،والانكي إسقاط ذلك بصدد تثمين الفكر والايدولوجيا الإسلامية المعاصرة.
ولم يكن اختياره جزافا لبعض الموضوعات الخاصة بالاثنيات والطوائف المهمشة في بعض الأقطار العربية بهدف تعرية المخطط الأمريكي الصهيوني المزمع تحريره لإعادة رسم الخريطة العربية المعاصرة وفق تأسيس كيانات(قزميه) عرقية ومذهبية ،ووفق منظور إنساني ومتميز عرض لبعض التجارب التاريخية الإسلامية التي حققت مبدأ التعايش السلمي بين الملل والنحل المختلفة، كرر علي دعاوي المتحاملين في الغرب علي الإسلام والمسلمين. كذا مقاربة كتابات حداثية عربية برهنت علي أن الإسلام يلفظ المفهوم الثيبوقراطي للدولة بما يزكي علمانيته . من هنا كان انتقاده اللاذع لكتابات عربية أخري علي النقيض تبرر العولمة بمفهومها الامبريالي باسم الديمقراطية والحداثة .
وفي مجال الأدب عرض المؤلف لحشد من الروايات لعدد من المبدعين العرب المعاصرين خصوصا، من المغاربة عموما ،ومن المغاربة المتفرنسين علي وجه الخصوص،معرفا بإبداعاتهم وناقدا الشوفينية ونشاز بعضهم،مفسرا ذلك بطموحات ذاتية للقفز إلي (العالمية) علي أنقاض الهوية الوطنية والقومية ولكم كان منصفا للحقيقة التاريخية في انتقاض بعض الإبداعات العربية عموما التي تجنت علي التاريخ باسم الأدب.
في مواجهة هؤلاء وأولئك عرض لبعض إبداعات نسويه عربية،وفلسطينية خصوصا ملتزمة وحداثية في آن،مفصحا عما تردي نظرائهم من (المتغربين) في مهاوي آفة الانبهار بالغرب .
علي أن إخلاصه لهويته القومية لم تحل دون مقاربة نصوص تكشف عن تردي الواقع العربي المعاصر وتطمح إلي محاولة تجاوزه ،برغم ما تشي به من عدمية وعبث.
كما اثبتت نماذج أخري تزكي إمكانية الجمع بين الأصالة والحداثة كما هو حال اليابان حاليا.
وإذ عرض لإبداعات تشهد علي طابع (الاستبداد الشرقي ) فقد قابلها بآخري تشي(باسطرة)الغرب ،برغم دعاويه عن العقلانية ،منبها إلي أخطاء وأخطار (الايدولوجيا) في آن. تلك التي وظفتها الصهيونية لخدمة أغراض سياسية بامتياز.
وحين نعي علي المثقفين والمبدعين العرب انزلاقهم إلي المراهقة الفكرية والجدل السفسطي النظري ،تعاطف مع الشعوب التي تكابد من جراء طواغيت الداخل وغزاة الخارج .
وبديهي أن يقدم الكاتب أنموذجا روائيا مصريا شاهدا علي تلك الحقيقة – رواية جمهورية الأرضين لأحمد صبري أبو الفتوح – مستهدفا تبيان دور مصر التاريخي في قيادة العالم العربي للانعتاق من الأزمة نحو النهضة.
لذلك - وغيره – كان المؤلف علي درجة كبيرة من الوعي وهو يختار نصوص كتابه هذا ،لتكشف عن أسباب وتجليات تلك الأزمة من خلال الفكر والإبداع معا ،عسي أن تكشف تلك النصوص عن خطورة التحدي، ومن ثم إمكانية الاستجابة .
من هنا لا نبالغ إذا ما اعتبرنا هذا الكتاب احدي وسائل المواجهة في معركة مفصلية تحدد نتيجتها مستقبل العالم العربي لقرون تالية.
أما عن الجانب الفني في مقاربات المؤلف نصوصه المنتقاة ،فلا ندعي إمكانية الكشف عنه . وحسبي أن اشهد له - - كمتذوق ليس إلا – بالاستمتاع بما قرأت وما قرأته يعد في حد ذاته نصا إبداعيا متميزا للنقاد وحدهم مشروعية تثمينه والحكم علي مقارباته النقدية باعتباره مبدعا متميزا في مجال الرواية والقصة القصيرة ،ومهتما بشؤون المسرح والشعر، وقامة عالية في حقل اللغة العربية وآدابها الكلاسيكية والحداثية سواء بسواء.
أما عن أريحيته ودماثة خلقه ونبل شمائله ،فهو مما لا يتسع المجال لذكره ، اللهم ما يتعلق بانعكاساتها علي ما يكتب.وعلى ما يأخذ بيد الآخرين.
خلاصة القول، أن الكاتب في مضمونه ومحتواه عصارة أفكار جد صائبة في حقول معرفية متعددة ومتنوعة تجعله جديرا بالتقدير والتوقير.، وأرى فى ابراهيم جادالله . صديقى الكاتب والفنان كل ذلك.