شذرات من بانوراما الوهج
ابراهيم جادالله
لقطة بعيدة قريبة ( 1)
كانت النار التى التقطها جسد محمد البوعزيزى وهى تسافر عبر كل الفضائيات
مخيفة ومفزعة ، وكنت فى حينها أغوص فى أسى متابعة قضية خالد سعيد إبن الإسكندرية
الذى قضى على يد مغول الشرطة المصرية ، وأتابع ردود الأفعال عليها هنا بمصر ، وكنت
مشغولا بتيار سياسى خاص أنتمى إليه لم يشارك فى إحدى الوقفات الاحتجاجية ضد هذا العمل المكرور والمألوف لرجال الشرطة
المصرية
لقطة بعيدة قريبة (2)
فى مشفاه الذى طار إليه ، وحاكم تونس بافتعال وضجة إعلامية يقف بجوار سريرالبوعزيزى
مبديا لكاميرات التلفاز أنه متأس وحزين ( أعرف أن الأباطرة لاقلوب لهم ) . كم
أحسست بحجم الأسى والإنسحاق يكاد يصيبنى بالإغماء والمتاهة
لقطة متكررة
خال بناتى مايزال كلما التقانى صباحا وهو يذهب إلى عمله يعيرنى بكلام لى
ثبت عدم صحته .
كنت ثانى أيام انطلاق ثورة
الياسمين- وأنا أتابع شارع الحبيب بو رجيبة الذى أحمل منه ذكريات ما أحلاها أيام
كنت أعمل بتونس بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - قد عبرت له وهو يحاورنى ويسألنى عن إمكانية أن
يثور المصريون كما التوانسة.
:- أمامنا مائة عام حتى نصل إلى مايفعله التوانسة ، لأن ثمة فوارق كثيرة
بين الواقع بمصر وتونس ، وخاصة فى جانب الوعى الذى هو بالتأكيد فى صالح
التوانسة كما خبرتهم وأعرفهم جيدا ، وكنت
شبه غارق كغيرى من الأنتلجنسيا المصرية المحبطة ، فاقدا للثقة فى معطيات جماهيرية
تتخطى حواجز الخوف وتستنهض بوعى قدرات ثورة ما
وما يزال خال بناتى يسألنى نفس السؤال يوميا ، ومازلت خجلا من إجابة
متلعثمة أخفى بها سوء تقديرى
لقطة ثابتة
الثانية بعد ظهر الخامس والعشرين
من يناير ، وعبر هاتفى أتانى صوت أبرز الناشطات المصريات الشابات من ميدان التحرير
وهى إبنة صديقة كاتبة شهيرة
: - عمو ابراهيم .. إنت فين؟
:- أنا بالبيت
:- تبقى عاوز تختم حياتك بالخيانة لشعبك الذى آمنت به دائما
فهمت الرسالة فعلا ، فاصطحبت ابنتاى الصبيتان إلى كافة ميادين التحرير ولم
نعد إلا صبيحة الثانى عشر من فبراير بعد ما أقلعت طائرة المخلوع إلى شرم الشيخ
بانوراما تبقى
لما رأيت علم تونس يرتفع بميدان التحرير ، أصرت ابنتاى فى نوباتهما اليومية
أن تحملا العلم التونسى بيد والمصرى بيد ثانية ، وعلى صدر الكبرى صورة التونسى
الجسور الذى يصيح فى شارع تونس العاصمة : بن على هرب . بن على هرب، والأخرى على
صدرها صورة التونسى الآسر ولمعة دموع الفرح التى أبكتنا جميعا وهو ينشج : هرمنا .
هرمنا . من أجل هذه اللحظة التاريخية , والآن بحجرتيهما ، وفوق سريريهما صورة
البوعزيزى بجوار صورة خالد سعيد
ألهذا الحد تعمد الفرح التونسى المصرى بالدم؟ وتعمد الفرحان بالغد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق