؛؛أنا مضطر إذن لتمضية أيامى المتبقية متشردا فى التعب والحرمان مع احتمال وحيد هو الموت تعبا ؛؛
من رسائل رامبوإلى أهله فى 20أغسطس1887
؛؛ عند الإنفجار تكون النار ، وعند النار يكون كل شىء واضحا للعيان؛
مثل روسى
لما أجلسونى على كرسى خشبى غير مرتفع كنت مازلت مشتت الأفكار وموزع الهموم والدنيا برد على الآخر خارج الغرفة وكنت أرتعش من شدته لأنهم خلعوا عنى كل ملابسى وألبسونى قميصا مغلقا على بطنى ومشقوقا من الخلف وربطوه برباط واحد خلف رقبتى فيكون ظهرى بكامله عريانا حتى مؤخرتى لم يتركوا لها شيئا يسترهاوأنا كنت فى شدة الخجل من البنات النحيفات اللاتى يرحن ويجئن وكان إبنى وهو واقف على سلم دارنا فى الصباح وهم ينزلونى مسنودا بأيديهم ويركبونى الميكروباص قد قال لى بابا فقلت له متشجعا نعم قال باى باى فنزلت دموع أمى التى تطيعها فى هكذا مواقف وتسمرت زوجتى على درجة السلم الأخيرة وعيناها واسعتان جدا جامدة النظرات نحوى وسحتا بالدموع لما صاح أخى الذى يلينى فى ترتيب الأخوةفى سائق الميكروباص أن يركب مكانه ويطلع بسيارته من هنا لأن نسوان الشارع كن بدأن فى التجمع فبلعت أمى كلمات الوداع غصبا عنها ونهنهت زوجتى وهى تضع رأس إبنى تحت إبطيهاوكان يلوح بيده للقاعدين فى الميكروباص حولى وكنا لما وصلنا للمستشفى مبكرين حسب ماقال لنا الدكتور كان نور الكهرباء مشتعلا ما يزال فى المدخل الوسيع ونور النهار لم يدخل بعد وبنات حلوات جدا نحيفات جدا يرحن ويجئن أمامنا والبنت الوحيدة الثخينة بعض الشىء التى خلف حاجز زجاجى بجوار المدخل وبجوارها دفاتر طويلة وعدة تليفون بيضاء مستطيلة فى بطنها الأرقام كانت تبتسم لنا وحاول واحد من التابعين مغازلتها فتجهمت وأشارت على أخى الذى يلينى فى ترتيب الأخوة أن يأخذ جماعتنا ويصعدوا للطابق الثانى الذى فيه غرفتنا التى حجزت من أجلى منذ ليلة الأمس كى أنام بها بعد إجراء الجراحة وكانت السماء تخر ماءا كثيرا فى الخارج وأحذية جماعتنا بلاستيكية ذات رقاب طويلة يلتصق وحلها بدرجات السلم الرخامية التى مافرغت من تنظيفه بعد تلك المرأة ذات الأرداف الضخمة والمستديرةوالرقبة الملفوفة والصدر الذى يملأه فردتى ثدى كبيرتين ولما تبرمت وتحسرت على انحناءاتهاالمبكرة وتجمد أطراف أصابعها من برد ماء الغسيل دس فى يدها واحد من جماعتنا جنيها صحيحا فدعت له بالصحة ولمريضهم الذى هو أنا بالشفاء وأن يعود لداره وعياله مجبور الخاطرولا أدرى لماذا لم أهنأ بتلك الدعوات بل شممت فيها غير رائحة الاطمئنان فقدكانت تسيطر على دماغى وفى داخلى منذ قال لنا الدكتور لابد من عملية جراحية صورة واحدة أن الآلام التى ألاقيهافى ساقى الشمال والتى ينوء باحتمالها بشرمثلى هى عقاب على ذنوب كثيرةوكبيرة عملتها فى حياتى وأنا الآن فى مدخل العقد الخامس فالغريب أن هذه الذنوب صغرت أم كبرت هى الآن حاضرة أمام عينى فى تلك الساعة وأنا جالس وحدى منطوى على نفسى رأسى ساقطة فى كفى وبلا إرادة منى تروح وتجىء الخيالات التى أوسع لها الطريق إلى رأسى إنصراف أخى الذى يلينى فى ترتيب الأخوة ومن منعه فى ترتيب أمورهم فمنهم واحد رجع للبيت ليأتى بأغطية إضافية وآخر ذهب لإعلام أحد الأعمام الذى يسكن قريبا من المستشفى منذ صغره وله دكان بقالة كبير وأولاد كى لايفوته أداء واجب فى مثل تلك الحالات ومنهم واحد جالس عند الدكتور بعيادته ينتظره كى يكتب قائمة بمستلزمات العملية الجراحيةالتى يشترونها من الصيدليةبالطابق الأرضى بنفس العمارة التى تقع بها المستشفى والتى تحتل شقتين كاملتين فيهاواسعتان ومجهزتان تجهيزا محترما جدا ولما كنت أنا غطسانا فى الأفكار لا أهنأ باستمرار الإمعان فيها فترة لكثرة هروبها وتداخلها فقد أجد فرصة لكى أغير لعاب الأفكار السوداء حين تدخل البنت النحيفة المحشورة فى قميص أبيض طويل وسروال ملصوق بساقيها وبالكاد يسمعنى صوتها وشدت ذراعى الأيسربرفق وشمرت كم جلبابى ولفت شريطا جلديا فوق زندى ووضعت تحته قرصا معدنيا يتصل بخرطوم أسود رفيع وبمؤخرته كرة مطاطية تضغط عليها فينتفخ الشريط حول زندى وتعدل من وضع طرفين معدنيين فى طبلتى أذنيها وتنجذب نظراتها الضعيفة الهادئة نحو قرص يرتعش بداخله إشارةسوداء فوق أرقام دائرية وكنت قد ارتحت لملامحها الحلوة فقلت ياسبحان الله فبحلقت بعينيها وعرفت وقتها أنهما جميلتان وأنها طيبة فتشجعت وقلت لها تعرفى؟ فزامت بشفتيها وقالت أعرف ماذا؟ فقلت يدك ولا المرهم ففكت الشريط الذى حول زندى وضربتنى برفق بأصابعها الرفيعة الرقيقةوقالت هل أنت مريض بتعجب باسم وقلت فى نفسى ساعتها لو لم أكن مريضا أو أستعد لعملية جراحية فى عمودى الفقرى لكان زمانة سرحت بها وأكلت بعقلها حلاوة فأنا والحق يقال لى باع طويل وأملك مهارة عالية فى هذه المسائل وغلبتنى رغبة إحصاء وتعداد من أوقعتهن فى شباكى ورسمت عليهن لعبة الحبيب الولهان فوجدتهن تسعا وقلت لو كان الظرف مناسبا لكانت هذه البنت النحيفة هى العاشرة هذا طبعا و زوجتى أم عيالى ليست فى عدادهن فقصة زواجنا طويلة وشاقة واستحضارها الآن غير سهل لأن كل وقائعها فى صالحى وكل الذى يلف أمام عينى وفى رأسى الآن الحكايات التى تؤلمنى وتخجلنى وكنت أخفيها بمهارة عالية جدا عن كل من يعرفنى ولكن وساعة مثل هذه الساعة أنا موقن أنها قد لا تتكرر ورصيدى الطيب قليل قليل جدا لا يزكينى أمام رحمة السماء أن تكون بجوارى وقت إجراء الجراحة فى عمودى الفقرى من أسفل بين الفقرتين الرابعة والخامسة من الفقرات القطنية وتثقل صورة السيد ابن خالتى عائشة وتضغط على دماغى منذ أن قال الأطباء إن انزلاق الغضروف يلزمه جراحةعاجلة وكان السيد أجروا له هذه الجراحة فى مستشفى الدمرداش ومات وهو هناك والسيد كان ولد طيب وفالح جدا ومحبوب جدا لأنه كان نجار شاطر وكان أصحابه من سن آبائنا أما أنا فحياتى كلها لا أحد يعلم تصرفاتى فيها إلا ربنا سبحانه وتعالى كلها ذنوب عملتها بقصد ومن غير قصد حتى صلاة الفروض الخمسة لاأصليها أبدا لما أكون لوحدى ولما أكون مزنوق ولامفر منها فيكون على أى حال سواء أكنت متوضئا أم غير غير متوضىء واقوم بها على أكمل وجه وبصوت متهدج خاشع والسيد ابن خالتى عائشة كان عندنا بالدار قبل سفره لمصر بأيام قليلة لأنه كان يجهز بنفسه جهاز أختى الثانية التى تأجل زواجها وعرسها لوفاته وكنا سهرانين حوله وهو كان يحب يحكى لى مغامراته مع نسوان معروفات بالمشى البطال فى بلدنا وأنا كنت أصدق ما يقوله لأنى كنت أعرف واحدة منهن وكنت لا أحكى أبدا عن وصالى معها وكان هو دائم الشكوى من وجع فى سلسلة ظهره ويقول إن الوجع نزل هذه الأيام فى ساقه وأنه يعرف السبب لهذا الوجع فمنذ ساعة رجوعه من عند حنيفة بنت البرقوقى وهو حاسس بقرف وغثيان يملأ معدته وحلقه ورأسه ثقيلة وتدق ومفاصله كلها توجعه لأنه نام معها نومة الرجل مع زوجته وكان دمها سايح يملأ حوضها وكلما أحب أبعد صورته تغالب كل الصور وتتشبث بخيالى لأنى وقعت بنفس المحظور مرة أيضا مع واحدة ويكبر خوفى من لحظة داخل أنا فيها وفى مواجهتها ولا أذكر شيئا طيبا واحدا فى حياتى ولما كنت فى بلد عربى أعمل فى صحيفة يومية رسمية كان الخطاط السودانى سنوسى صديقى جدا وكنت دائم الإصابة بالملاريابسبب بعوضة مشهورة هناك وكنت أرقد بسببها الرقدة التى ينهد لها حيلى وعافيتى وكان سنوسى فى كل مرة يقول لى كفارة يازول أتمثله الآن بأصابعه السمراء الرفيعة يدس مسحوق الشمة من علبة بلاستيكية صغيرة بين شفتيه وأسنانه من أسفل ويقول كفارة يازول وأنا لا أصدقه فهذه المرة لن يكون ألم ساقى ووجع قناة ظهرة الرهيب كفارة عن ذنوبى التى كانت تهب كلها وقت يقولها لى هناك ولن يكون شق قناة ظهرى وإزالة الإنزلاق الغضروفى كما قال الدكتور بسبب حقنة البنج منذ أعوام لما كنت أستأصل البواسير التى تحرق مؤخرتى وكانت تلهب فتحتها السفلى كل صباح ولماكان يطول جلوسى وتسخن فتحة مؤخرتى لوكانت الحكاية حكاية ألم فالأمر يهون ولكن السيد ابن خالتى عائشة يسيطر على خيالى والدكتور ليلة البارحة قال وهو يستغرب من تشاؤمى سأتواضع وأعمل لك العملية الجراحيةوكأنها نزهة لما لمح فى نظراتى وتحسس من كلامى عدم اطمئنان أو ثقة لأنه كان نحيف وملامحه تقول إنه صغيرفى السن وكان الذين يزورونى فى الأيام الفائتة يتشاورون حولى وأنا نائم بضرورة عمل العملية فى الإسكندرية عند دكتور هناك مشهور جدا وكان منهم واحد يقول خلليها على الله كله حسب نصيب المريض لا شطارة دكتور ولا شهرته وأنا كنت أقلب أمرا آخر برأسى لأن اختيار المكان فى النهاية متروك لى وحدى إرضاء لمريض يتألم ورفعا من روحه المعنوية من قبل أهله وأنا خائف من تعب جماعتنا وبهدلتهم وقرف زوجتى فى السفر من بلدنا على الإسكندرية ولما كنت مقدرا فشل العملية الجراحية قبل نجاحها وحاسب حساب نقلى ميتا من بعيد لبلدنا المنصورة يكون سهلا عليهم لو تمت الحكاية كلها فى المنصورة فقلت فى المنصورة وطلعت أمى فى وسط الكلام برغم أن أبى حرج عليها أن تتكلم فى حضرة الرجال وقالت إن لبخة البيض والعدس الأصفر ضيعت وجع محمد ابن السروجى الذى يشبه وجعى وأن المرأة الأعرابية فى الدراكسة البعيدة عن بلدنا قليلا يدها مبروكة وفى هذه المرة كاد أبى ينحاز لرأيها لحاجة فى نفسه قدرتها أنا بضخامة تكاليف العملية عليهم وقدرها الجالسون حولى بطريقة تفكير أهالينا المرتبطة بالخرافة والوصفات البلدى وعدم الإيمان كثيرا بالطب الحديث وكان لما تم تحديد موعد العملية مع دكتور الاسكندريةبعد شهر وأيام خمسة شعرت براحة بينى وبين نفسى رغم الألم الذى يضخ فى فخذى وساقى من العصعوص حتى أظافر رجلى وكنت أمنى نفسى بالاستمتاع بهذاالشهر والأيام الخمسة مع إبنى وابنتى وزوجتى التى كانت تستجيب لى على غير عادتها بعد أن تفرغ الدار من الزواروكان هذا يحز فى نفسى كثيرا لأن استجابتها لى خروجا على غير عادتها فى طلوع روحى قبل كل رغبة فى المواقعة أنها كانت تقدر الأمر خطير ونهائى هى الأخرى ولابد من إرضائى فى أيامى الأخيرة وكنت مستسلما جدا لتلك الحالة الكئيبة ولهذا الخيط الفاجع الذى يتصل بينناوعلى غير عادتها تشعرنى بقوتى التى لم تمتدحها مرة واحدة طوال حياتنا معا وكنت أقبل إطراءها بتخاذل شديد وأدخل نفسى فى بوابة حزن وقناعة بعدالة الجزاء الذى ألقاه بالألم والعقاب الذى سأحصل عليه بفشل العملية الجراحيةالمتوقع وكانوا هم تركونى وحيدا منطويا على نفسى فوق السرير الذى سيستقبلنى بعد العملية ونزلوا إلى الإستقبال فى الدور الأول ليتفرجوا أو ليستعجلوا الدكتور لأنه تأخرعن موعده ولما عادت البنت النحيفة مرة ثانية كان بصحبتها أخرى بنفس ملابسها لكن وجهها مدور ومؤخرتها مشدودة بتحد ظاهر بحزام فوق وسطها عرفت ذلك لما استدارت تقفل الباب من الداخل بينما زميلتها النحيفة تضع عودا زجاجيا رفيعا تحت لسانى أمسكته بطرف شفتى ويأصابعى لما غلبتنى رغبتى فى الكلام معهما وقلت فى نفسىحتى وأنت مقبل على حافة خطرة بين الأمبل الباهت والرجاء الواسع يغالبك اشتهاؤك لهن ؟ فوجمت وأعدت العود الزجاجى تحت لسانى فقالت صاحبة المؤخرة المشدودة مالك ؟أنت خائف؟ جاهدت نفسى التعلق بالمرح والظرف كى أترك ذكرى حلوة عنى فى نفسها فقلت لا هاتى شالك وحزمينى كى أرقص لك عشرة بلدى فتبسمت ضاحكة من قولى ومدت لى ورقة مربعة داخل غلاف بلاستيكى وقلما وقالت وقع بإسمك هنا ورقم بطاقتك فوجمت مرة أخرى لما هو مكتوب بالورقة وفيها إقرار على نفسى بأنى سأجرى جراحة انزلاق غضروفى بموافقتى وقلت وماذا يفيد توقيعى لو حدث لى ماأتوقعه وأكرههه؟ وسكت ولم أفصح لها عن بقية هواجسى وحقيقتها وهى قالت لى كى لا تقاضينا وهذه إجراءات المستشفى وليس لها علاقة بالأمر وبرمت بوزها والحروف كانت تخرج من أنفها مكبوسة وزهقانة وقالت وهى تقرأ الفاتحة وتتعجل أمرها أو كأن أحد يطاردهاوماتنساش تقرأ الفاتحة وتصلى على النبى وتعب وساعة واحدة ولا تعب العمرفوقعت بتوقيعى ولم أتذكر رقم بطاقتى ولم أستطع قراءة الفاتحةمباشرةبل كنت لفترة ساهما محلقا داخلى وتهجم على رأسى هواجس من جديد تجرجر ذنوبى وأوساخ عمر أراها فى ذيلها التى سيكون مقابلهاحسبما أرى اليو م من آلام هائلة إن لم تكن النهاية التى يتيتم بعدها طفلاى وتهجم صورة رمادية قلقة أمام عينى عن حياة ما بعد رحيلى وخروجى من هذه الدنيا وسيعتقد الجميع أنه أجل ومكتوب فى لوحى المحفوظ لايقدر الإنسان تقديمه لحظة ولا تأخيره أخرى وسيثرثركثيرون فى مأتمى بأمور كثيرة أحمد الله أن أحدا لن يقول إن البر استراح من شره ومن أفعاله فالكل يعرفنى مسالما منطويا على نفسى فى غالب الأحيان وصلتى بالآخرين باهتة رغم بعض الحماقات التى لم يتضرر منها مخلوق غيرى ولا يعرف أحد عن ذنوبى وشرورى شيئا ولما كان أخى الذى يلينى فى ترتيب الأخوة يعاودنى بين لحظة وأخرى وخلفه بعض من جماعتنا ليأخذوا منى الرأى فى بعض الأمور قبل دخولى غرفة العمليات رغم علمهم بأنه ليس لهم حاجة فى مشورتى لهذا كنت أحسب الأمر هين وسهل ولما كنت ألمح شيئا من الثقة الثابتة فى عيون البنات النحيفات كنت أقول فى نفسى أنت تضخم الأمور ياولد وجراحة مثل جراحتك أجريت للآلاف مثلك ولن تكون فأر تجارب كما قلت للدكتور ليلة الكشف عليك ويتوقف فضاء فزعى دفعة واحدة تهبط ستائر من الندى والإطمئنان والتعلق بالرجاء إن صحوت من توهة العملية وقدر الله لى العودة سالما غانما مجبور ألخاطر أن أكفر عن كل ذنوبى التى عملتها طوال عمرى وهى كثيرة وستكون توبتى هذه المرة هى الأخيرة توبة نصوحة وسأنتهز أى فرصة ولا أفوت فرضا واجبا فكثيرا ما أفطرت أياما من رمضان بسبب ذنب صغير أو كبير وكنت أمنع نفسى عن الأكل والشرب وأردد الدعاء بخشوع وقت آذان المغرب وسط الجميع ولن أترك فرض صلاة واحدة وسأتصدق فى حدود ما فى جيبى على أسماء أعرفها فى رأسى جيدا وسأعيد إجادة حفظ القرآن كما كنت صغيرا وقد تركته منذ عشرين عاما أو يزيد وكان الشيخ سيد أبو ليلة يقول لنا إن القرآن ينذر تاركه قائلا من تركنى ساعة تركته يوما ومن تركنى يوما تركته أسبوعا ومن تركنى أسبوعا تركته شهرا ومن تركنى شهرا تركته عاما ومن تركنى عاما تركته العمر كله وأنا سأعيد حفظه من جديد والحكاية أن إحساسى بالذنب كله يكمن فى هذا فمنذ صغرى ورغم حفظى للقرآن بسنوات الصبا والشباب الأول وفهمى لمعانيه العامة بحكم دراستى الدينية حتى المرحلة الثانوية كنت أخطىء الأخطاء التى ينهى عنها بشدة حتى أنها كانت تقع وأنا أحمله بجيبى والبنت النحيفة التى جعلتنى أوقع بإسمى ورقم بطاقتى على ورقة قالت بنا يا أستاذتفضل فمشيت خلفها منكس الرأس وكأنى أمر بسرداب طويل ضيق مظلم منخفض السقف ليس به هواء وكان كل جماعتنا واقفين لما عرفوا بدخولى على جانبى الممر المؤدى لغرفة العمليات ويملأون الاستراحة التى بالمدخل الذى مايزال مضاءا بنور الكهرباء وكانوا واجمين جدا وطلع صوت واحد من أعمامى وقال شد حيلك يابطل وارجع لنا زى الحصان ربنا إن شاء الله هيخضرها لك ولما خلعوا عنى ثيابى كلها من أعلى لأسفل وكانت الدنيا برد عن آخرها قال لى الدكتور صاحب النظارةالمقعرة الذى يقارب عمره عمرى بردان ؟ فلم أستطع الرد عليه وأمسك بكفى بين يديه وضرب بأصابع يمناه على ظهر كفى اليسرى فقفزت عروقها وساعدته بنت ممتلئة قليلا وقصيرة بشكل لفت انتباهى عنهن وأدخل بعرق نافر إبرة معدنية طويلة تنتهى برأسين من البلاستيك الأخضرولها بوز طويل ويتصل بالرأس أنبوب رفيع يسحب الماء الذى بالزجاجةالمعلقة على عامود حديدى رفيع وكانت تحمله البنت التى تساعده ولم أر وجهها لأنى كنت مستلق على ظهرى فوق سرير مرتفع ووجهى للحائط وكانا يمشيان بجوارى والأنبوب متصل بظهر يدى اليسرى ودخلنا غرفة وسيعة جدا على بابها الوسيع جدا مراكيب بلاستيك شبكت واحدا فى أصابع رجلى بالعافية ودخلت مأخوذا جدا وتبخر كل شىء من رأسى وهربت الهواجس ولفتنى حالة تشبه انعددام الوزن والاتزان لا أشعر برأسى معى ولا أفكر بأى شىء والألم الذى كان يضخ فى ساقى تسلل خارجاولم أستطع لم محتويات الغرفةالتى أعمل لها منذ ساعات بل منذ أيام ألف حساب ورسمت لها مئات الصور ولم أعط فرصة لمناقشة كلام كان يدوربرأسى قبل دقائق مع الدكتور لأنه لاقانى بملامح غير التى لاقانى بها قبل يومين لم يضحك على تعليقاتى لم يمزح فقط قال توكل على الله وكانت حينها حالة من التلاشى ومن فقدان الحس وكان واحدا آخر يرتدى مثله وعلى أنفه وفمه شريط من قماش أخضرهكذا تحققت من لونه غرس شيئا فى فوهة الزجاجة التى يصل ماءها الى عروقى عبر الأنبوب وغرس آخر فى الرأس البلاستيكى بظهر كفى ارتعش جسدى كله بعدها وكانوا قد مددونى على منامةحديدية على جنبى الأيمن وقالوا توكل وسم الله وحاولت حواسى التنبه مما رأيت لحظتها لكن ما لبث أن غامت الدنيا كلها فى عينى وكنت أروح فى عالم آخر ونزل ستار كثيف على كثير من الهواجس ووجدت نفسى لا أعرف كم من الزمن مر على وأنا على هذه الحالة حتى نقلونى إلى تلك الغرفة التى لا أجد فيها سوى أنابيب بيضاء رفيعة مرشوقة فى ذراعى وخراطيم سوداء مضلعة بجوار رأسى واسطوانة حديدية طويلة قائمة بجوار سريرى وبنات تتشابه صورهن وصراخى المخنوق وشيئا فشيئا حرقة ألم باستطالة قناة ظهرى وعظام الحوض والفخذين تنفر ألما أيضا لكنه من نوع جد ووجع حارق والبنات يتضاحكن من تألمى نظراتهن لى فيها سخرية من صراخى ولا أستطيع تحريك رأسى لمتابعتهن وشيئا فشيئا يتصاعد غيظى منهن ولسانى بالكاد ينطق بأخى الذى يلينى فى ترتيب الأخوة الذى دخل متهللا منفرج الأسارير هذه المرة وكان لما يكثر زعيقى وتألمى تأتى واحدة منهن وقد اتضحت ملامحهن الآن تحقن بالأنبوب سائلا أروح بعده فى منامة قصيرة والليل يزحف ببطء وكل شىء حولى ساكن فقط صراخى هو الذى كان يجلجل وصراخ امرأة خارج الغرفة قال أخى الذى يلينى فى ترتيب الأخوة إنها تلد قيصريةوهل تزعق مثلها ؟ومئذنة الجامع الملاصق للمستشفى يرتفع فيه ابتهال يصل شغاف قلبى لأنه كان بصوت الشيخ النقشبندى الذى أهيم به عشقا فأتذكر يوم الأمس الذى كنت أتمنى أن أبقى ثابتا عنده ولا أدخل فى بوابة هذا اليوم الذى عملت له ألف حساب وتذكرت ذنوبى وآثامى وهى كثيرة لكنها لا تثقل على صدرى الآن وتمر فى الرأس ملامح كل من أوقعتهن فى حبال الحب ووقائع حكايا كثيرة معهن ولكن تقتحم الرأس بدون سابق إنذار صورة إبنى الواقف على سلم دارنا صباح الأمس وهم ينزلونى من السلم مسنودا بأياديهم ويركبونى الميكروباص لما قال لى بابا وأنا قلت له متشجعا نعم فقال باى باى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق