ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الجمعة، 28 مارس 2008

هند تشاغلنى بضوئها المستمر


حمّى!

هند جودة*

يلوكني وخز شتاءٍ أخير
يجدّل في دمي وداعاً نابضاً .. كي لا أنسى لا برده ولا غليان قلبي
أتكوّم على نفسي
أنفرد بظلي وأتلو على سمعه شكواي مني
لستُ أجيد الثرثرة ! لذا أنفي نفسي بعيداً في ظلٍ ما
أو ربما أتركني لشمس شتاء ٍ ما تدفئ بعض برودتي
...

مشكلة الثلج معي
أنه يعيث في عقر قلبي بأظافره الطويلة
ويترك للجدران فيه من النزف حمى!
أظل ّ بعد مروره أرتق ُعمراً متثاقلاً
و ما إن انتهي
حتى يقفز شتاءٌ جديد

...
مشكلتي مع الثلج
أن قلبي يقضمه ببطء
وحواسي تعيشه فصلا كاملاً لا يبدّل خطوه
إلى قلبي
ورغم ذلك أذوب حمى!!


أتزلّجُ على قارعة انتظار
بحياد ٍ أراقب ظلّي على طرق الرحيل
وأعلم أنني سأخطو وقلبي درب الخلاص!!

يترنح بي عمرٌ ثمل
يشكو حرقة غياب ٍ مستطير
يتراشق سكرته مع الريح
يرتدّ بعيدا عن حاجب المعنى
ويقول:
سأنتظر حتى الشتاء الأخير
ويلتفت.. ربما رحل شتاؤك الأخير!
تصيبني حمى
[ هل ثم بقاء ٌ يتنفسني بعد؟]
..
على مرأى غيمةٍ أرتـّب جنوني بالمطر
فجنونه حولي خارج السيطرة
أحتسي الشاي
وأنفخ في أصابعي
أحاول صنع الدفء
أعرف جيدا أنه لا يصنع وأنني لن أعرف
إلا البرد الآن
ربما الحمّى ولكن!
أين الدفء؟


* شاعرة فلسطينية من غزة

الخميس، 27 مارس 2008

المتحدى الراحل توفيق زياد




أتحدَّى



توفيق زياد



لا دمي تشربه الأرضُ
ولا روحي تهدا
فأقتلوني - أتحدّى
واصلبوني - أتحدّى
وانهبوا كسرة خبزي - أتحدّى
واهدموا بيتي وخلّوه حطاما - أتحدّى
وكلوني واشربوني - أتحدّى
وطني أنت المفدّى
والأماني التي تقطر شَهدا
وطني الحرقة والوجد الذي
يأكل عمري
والهوى والضوء في عيني
والشوق الذي يملأ صدري
هذه الأرض بلادي
وسماها ولعي
حاضري .. مستقبلي .. مهدي ولحدي
ودمي .. لحمي .. فُؤادي .. أضلعي
وهي أمي وأبي وهي
أبنائي وجدّي
وتراثي .. وأغانيّ .. وأعلامي ومجدي
بيتي العالي وعنوان التحدّي
وأنا الناس الحزانى
وأنا الشعب المعذّب
وأنا العاصفة الهوجاء
في وجه المظالم
وأنا النهر الذي يجري ويجري
جارفاً كلّ الطغاة
وأنا بركان عشقٍ للوطن
وأنا الخضرة والشمسُ
وقطرات الندى
فاقتلوني - أتحدى
واصلبوني - أتحدى
لا دمي تشربه الأرضُ
ولا روحي تهدا

الثلاثاء، 25 مارس 2008

فدوى الكيلانى تحمل عنوانها إلى أوراق الروح فلا يضيع منا




ويضيع العنوان


فدوى كيلاني

هو ذا رماد الحكمة
يتطاير
من تنور أمي
في جهات الحلم
تتناولها
ألسنة النار
كي يسيل لعابها الفاره
وتومىء إلى زارابعيداً
في حبر الأفستا
هناك
هناك....
أقماراً تليدة في مدن الله
منذ أن نسيها
ذات مصادفة
كي يبقى ثوب أمّي الجبليّ
في أوج هفهفته
يذرف من ذيله تفاحاً
بقايا سمّاق
ودوي ّذكر ربانيّ
لنمضي هنيهةً
على صراط الكلام
نتوب عن الخطيئة في بلاغتها الأولى
لاهثين على عادة ركضنا الأزليّ
صوب مدن المهابة

نسوح في رحم الأرض
قوافل
قوافل
فاكهة للموت الأخضر
ننسج حمماً من الشهوات
نهديها
قرابين للهطل في تأتأة رذاه
إيه أم الجهة
كاملة
ها أنا أمام حكمتك
باذخة في صمتي
تشربني
أحرفك في مراياهاالأربع
إمرأة تنطق في منتصف الغصن
والأوراق التي لاتسقط
تحضن فرحاً تائهاً
توزع في خرائط الآخرين
يحجّ الورد الى جبهتها
في كل آن
يرتقي إلى مئذنة الحنو
حطب النرجس في عينيها
الممتد
كثباناً
تهوي
تهوي
تهوي.....
حيث ثمّة فرح
تخشى أن تذروه
الرّيح
تسحقهاكرمال
ا لغربة
ككواكب تركتها
أمي
كي تجمعها
في أول كل ليلة

الأربعاء، 19 مارس 2008

من تفانين صديقى الجميل أسامة مصرى

*مذكرات امرأة شرقية*

أزحف نحو قاعة الاحتفال!!

ايمان القاسم سليمان


*ها هو العالم بأكمله يحتفل بيوم المرأة العالمي، هذا اليوم الذي بدأ يوماً نضالياً لضمان حقوق النساء في أماكن العمل، تحوّل الى موجة جارفة تجر معها كل العالم في نداء عال وواضح وصارخ بأن تُمنح الحق في التعليم والعمل والعيش باحترام وكرامة.
وانا امرأة شرقية ما زالت تحبو ببطء شديد نحو تلك الاحتفالات، وكيف اصل الى قاعة المراسم الرسمية قبل أن أنهي ما علي من مهام داخلية. فتعليمي الأكاديمي لا بد أن يمر تأشيرة منك انت الأب او الاخ، اما اذا اردت متابعة طموحاتي الاكاديمية بعد الزواج فتصبح التأشيرة أصعب وأبعد المنال، إذ من سيقوم بالمهام الأخرى من طبيخ وغسيل وانا منشغلة بامتحانات ووظائف يضغط عليّ المحاضر بأن أسلمها في الموعد المحدد.
نعم يحتفل العالم بيوم المرأة وانا ما زلت أزحف نحو قاعة الاحتفال. هنّ أنجزن أعلى الانجازات، ووصلن الى أعلى المستويات والمناصب، وانا وظيفتي بمثابة مِنّة منك عليّ تردد كل يوم واجب اعترافي بفضلك لأنك موافق على خروجي الى العمل، ولا بد أن اثبت لك في اليوم ألف مرة بأن خروجي ليس على حساب مهامي الأساسية من وجهة نظرك، الطبيخ والغسيل، حتى لا تقول " قصّرتِ، اقعدي!".
العالم يحتفل وانا أحاول سرقة جزء بسيط صغير من هذا الاحتفال، فمتى ستعتبر الشراكة بيننا هي مناصفة كاملة في الحقوق والواجبات، متى سيصبح تعبك مساوياً لتعبي وإرهاقك مساوياً لإرهاقي لكي ينقسم العبء علينا بالتساوي، متى سيكون اتخاذ القرارات بالمشورة وليس معلومة مُعطاة تخبرني بها من منطلق الاطلاع والمعلومات العامة فقط، متى سيكون رأيي مقبولاً بنظرك وليس تهديداً على حقيقة أنك انت فقط تجيد إسداء الآراء، متى ستدرك ان باقة الورد لم تعد تكفيني لأنني انعزلت عن زمن الرومانسية الخيالية واريد منك باقة من الحقوق في التعليم والعمل والكتب تملأ بيتي أكثر من المزهريات لعرض باقات زهور لا تلبث أن تذبل مع انقضاء العيد، متى...
عفواً، لا بد أن أتوقف عن الكتابة الآن، عندي طبيخ وغسيل لم أكمله بعد...

السبت، 15 مارس 2008

عزلة الأدب تقنية اكتشاف الداخل

عزلة الأدب - تقنية اكتشاف الداخل

ابراهيم جادالله


هل علينا القبول أن إنسان هذا الزمن بائس؟ حيث البؤس هنا لم يأت من لوعة الحياة وثقلها بل جاء من جفافها وفراغهابالرغم من الضجيج والدهشة المستمرة من اكتشافات لا يبدو أنها ستنتهي عما قريب، إلا أن الأمر واضح ويقيني، فبهذه الاكتشافات يفرغ الداخل ويمتلئ الخارج بكل اكتشاف واختراع تمليه التقنية نكتشف استلابنا وبعدنا عن أنفسنا، والذي يحدث بالمعنى العام هو أن الحياة التي في داخل الانسان تفرغ كل يوم، تمنح طاقتها إلى الآلة، إلى عالم الآلة، أو قل إلى عالم الانسان الالي، ولقد تم تأثيث مكانة (السوفت – ويير) كي ينتهي الانسان مستلبا حيث الروح يشار إليها الآن أنها من أعمال الخارج وليست من أعمال الداخل. وسيقبل هذا الكلام ويدركه المبرمجون والتقنيون رفيعو المكانة الذين يتواصلون يوميا مع الآلة بلغة غريبة عنهم ألا وهي machine language في حديث الفلسفة المدنية يشار إلى مراحل تكوين العالم والمدنيات بموجات متلاحقة صاعدة هابطة، يتم تخزين الطاقة الانسانية في شوط منها وتفريغها في شوط آخر.
وليس هناك من اختلاف بيننا وبين أمنا الطبيعة.فالمد والجزر قبل أن يكونا في ميدان الشواطئ والأبحر هما في قلب الانسان نفسه. كأن الكون هو إنساننا الكلي ولا نفعل سوى العيش في داخله والتناغم مع نشاطه، ان نشاطنا هو نشاط كوني.
الوقت الآن متأخر، هل غابت الشمس؟ كما قال كازانتزاكي في إفتتاحه لعمله الطريق إلى آل غريكو وهذا الغياب هو غياب المعنى الذي شكلهما الدين والأدب. يصف كازانتزاكي في احدى فقراته كيف العمال يستيقظون صباحا ويهرولون إلى أعمالهم في وصف استهجان وهو لا ينتقد الساعين وراء لقمة العيش بقدر ما ينتقد الزمان حين يدفع القوة العالمية الى موضع الاستهلاك، وكذلك أومأ تشارلي تشابلن مبكرا في بداية القرن الماضي في أحد أعماله – الازمنة الحديثة- أن الانسان ليس سوى ابن الآلة. فهو يتحرك كما تتحرك ويقفز كما تقفز. واليوم يتضح جليا، فنحن شئنا أم أبينا نسكن الآلة من دون علم أو إدراك.
لسنا نحن أبدا الذين خلقنا من لحم ودم، روح تشتعل وتريد أن تتوهج، بل كائن آخر من حديد وأسلاك. وإن كانت هناك شعلة ما فهي شعلة الخارج، بصيص الآلة الذي يجذب الضائعين إليها.
إن الهم المشترك، الهم العالمي اليوم هو هم التقنية، فالحديث الذي يشترك فيه القاصي والداني، الصغير والكبير هو عن عالم الآلة. الاتصالات والكومبيوتر على سبيل المثال أو التلفزيون والذي راح يحتويه الكومبيوتر أيضا ويسلب قواه، كيف يعمل وكيف يبرمج... أما الحديث الغريب غير المشترك، الحديث الذي لا تلق له أذنا صاغية فهو حديث الأدب. ما الأدب؟ أو بكلمة معاصرة بعيدة عن أجواء سارتر، لماذا الأدب؟ في جو مشحون وإزدحام مضطرب، يضيع الزمن، ويضيع السؤال.لقد مرت البلاد العربية بصحوة (توصف بالكاذبة غير الواعية) بدأت في القرن التاسع عشر بمحاولات بطرس البستاني والمنورين السوريين والمصريين - حيث من يطلع على كتاباتهم ما اشبهها بكتابات اليوم وكأن العالم العربي عاد أكثر من مائة عام الى الوراء حيث تناقش مقالات اليوم تحرير المرأة وقيود الحجاب وحرية الرأي الخ- وقد أدرك معظمنا نهايتها- ففي حوالي عام 1974 مر مظفر النوب بسورية كي يلقي قصيدته وتريات وكانت هذه القصيدة على لسان الصغير والكبير. ثم تلتها قصيدة لا تصالح لأمل دنقل. لا أضع هنا تعينات نقدية ولا تأريخا لنهاية الشعر أو الأدب ( أو بكلمة أشمل نهاية الروح العربية) بل أشير إلى رموز تصلح تعينات لتأريخ نهاية الأدب في الشرق. في ذلك الوقت انكتبت أيضا شرقي المتوسط ومدن الملح. كانت تلك المرحلة هي المرحلة التي أغلقت الباب وراء الأدب- وقد حمل متاعه وخرج.
في سوق الشعر اليوم السؤال المؤرق، هل مات الشعر، وانزوى رواده وقلت حصته من حياتنا؟ هذا السؤال الذي يطرح كل يوم بحلة مختلفة، يفتقد من يطرحه الرؤية الكلية للعالم، لم يمت الشعر بل الذي مات هو الانسان. لم يمت بل يحتضر عاجزا مشلولا لا يستطيع النطق مستلقيا على سرير المرض، ينظر بعين لا روح فيها. ماذا تحمل نظرات عاجز مشلول ملقى في غرفة تمريض معزولة؟ إن ترهل الشعر فإن الأدب كله سيترهل، فالشعر هو قلب الأدب ولا يمكن أن يحيا أدب من دونه.
بالطبع – لا أحد يموت، حتى الانسان لا يموت، لكن هذا، الموت، هو مُعامِل الروح المراوغة، والذي حدث هو أنفصال لجزيرة كاملة اسمها الأدب انفصلت عن العالم كله وأمست قائمة بنفسها بعيدة غريبة. لا أحد يأخذ بشأنها.
وكمثال، يكتب سعدي يوسف، عن الشيوعي الأخير. سلسلة من الانطباعات والاحاسيس التي لن تؤثر في أحد ولن يقرأها أحد. سيقرأها أصدقاؤه الشعراء- إلا أن هذه القصائد هي في الواقع دلالة على نهاية العالم في نفس شاعر عربي كبير. وكذا الحال مع كل شاعر.أن الانطباع الأخير عن حضور محمود درويش الشاعر في الوعي المعاصر أخذ يتضاءل وينحسر. ورغم تدني فنيا سجل أنا عربي عن لوحته (الديوان) الجدارية فإن الأولى أحرزت ثقلا لم تحرزه الأخيرة مع الفارق بين القصيدة والديوان.وهكذا فإن حضور أمسية شعرية هو حضور لحفل جماعي أو لعيد ميلاد، والتقاء لاصدقاء ينشدون فك العزلة عن طلسم الشعر، لكن ليس باليد حيلة. فالأدب بما فيه الشعر لا يدخل في صيرورة اليوم ولا مكان له في احلام الناس.
لقد عاد إلى يوتوبياه وصار فائضا عن الحاجة. يحس ذلك من يمشي في شوارع العواصم العربية التي ازدحامها هو فيض غير منظم، اندلاق سكاني لأناس حالتهم ليست حالة أرواح تعيش لمهامها الانسانية بل حالة أرواح تعيش لمهام دنيوية تحكمها طاقة ميكانيكة أرضية يصعب إيقافها.
بصيغة لافتة مختصرة نلاحظ معا أن الأدب قد اعتمد طيلة مراحله على الكلمة، فالكلمة هي سره وروحه واينما حضرت يحضر أما حين تغيب فإنه سيغيب ويفقد توازنه ويعود ليدور حول نفسه في متاهة العزلة.
الذي نلاحظه في هذا العصر هو غياب قدرة الكلمة وحضور غاشم للمعلومة، لقد استبدلت الكلمة بالمعلومة data وأخذت الأخيرة مكانتها وحصانتها في مجتمع اليوم.
من دون معلومات لا أحد يستطيع الحركة، ولا طريقة من دونها للتعامل.
القول الآن للمعلومة ( الأخت الصغرى للرقم) حيث الكلمة غائبة مقصية وهنا إحدى اسباب تدني اللغة، فالاهتمام بالرقم (المعلومة) أضعف بنيان اللغة وجعل استخدامها استخداما صحيحا مقصورا على أكادميي التراث واللغة.
ونرى حتى الأدباء والشعراء الجدد لا يستخدمونها الاستخدام الذي كان من قبل خمسين عاما على سبيل المثال، نصوصهم مليئة بالاخطاء وفقيرة روحيا ويحار الشاعر الآن كيف يبحر في محيط اللغة.
فهو مرة يريد تحطيمها ومرة تفجيرها وفي الواقع لا يفجر شيئا، إن التفكير في طريقة التعامل معها هو دلالة على البعد عنها وفقدها.
واللغة التي أتكلم عنها ليست الحرف والكلمة المجردة بل هي الصورة وقد خلقت في كلمة- التي هي بصيرة في نهاية الأمر.
الصفحة الأخيرة التي كتبها الأدب في حضارة اليوم- بل مدنية اليوم، هي صفحة الهروب، أقصد تيار الوعي الذي يتدفق دون هوادة وبلا رابط. حيث أن الإهتزاز الذي حل به (بسبب التغير الديموغرافي ربما الناتج عن تطور التنقية والطب) أفقده جأشه وأدخل فيه رعشة وهذيانا.
لذلك يحاول بروتون الكتابة الميكانيكة ويحاول أن يكتب شعره وهو نائم! وتأتي هلوسة السرياليين.
لقد فقد نظام الرؤية وراح منطق الحياة يختلط أمامه. لا وجود الآن لأدباء مبدعين بالمعنى المدني التاريخي، فأدباء اليوم ليسوا سوى ظلال، شهداء مغفـْلين يحملون ضريح الأدب للأجيال القادمة والتي على ما يبدو لن تقدم قريبا.
هذا الكلام يذهب إلى الغرب، أوربا وأمريكا، أما عنا نحن الشرقيين، العرب، فما نحن سوى أبواق تنقل صدى الآخر.
لهذا نلمس العجز دوما في حالتنا الأدبية والثقافية، فالنص الذي ينتجه الأديب العربي بعيد كل البعد عن الجمهور وتطلعاته، بعيد عن معاصرة الهم اليومي. أورد إشارة موت الأدب عند العرب، ألا وهي استيراد وانتشار فكرة اتحاد الكتاب العرب ومحاولة حصر مفهوم الابداع فيها. وأنني اتساءل لماذا اتحاد الكتاب، اتحاد على من؟ على الشعب أم على السلطة؟ المبدع الفنان هو مؤسسة بحالها ووجود كياني لا يحصر في اتحادات، إن فكرة اتحاد الكتاب هي فكرة دالة على أن الإبداع الانساني عند العرب المعاصرين هو مسألة حرفية لا علاقة لها بالحرية الفردية.
ودلالة أخرى على موت الأدب هو انتشار رواية عمارة يعقوبيان ورواية بنات الرياض مع فرق المستوى بينهما بنائيا، آخذ هنا مثالا من قلب الأدب، فهما قد مشيا على ترداد واحد، في داخلهما واجس وحيد ألا وهو فتح الباب على امرأة تستحم، فالجميع سيلقي نظرة عليها والنظرة هنا نظرة تطفل وليست نظرة إلى الجمال والفن. وانتشارهما على نطاق واسع يؤكد أن العرب تقرأ لكنها تقرأ كي تملأ عينا لا تشبع ولا تفكر.ومثال آخر: أتحدث بهذه العجالة عن سعدي يوسف فبظني أنه من الشعراء المرهفين الذين وفقوا في مزج الشرق مع الغرب. وأتحدث عن الشيوعي الأخير.
إن العنوان وحده قصيدة راسخة ذلك إن استنطقنا التاريخ الذي بدأ بالبيان الشيوعي الذي حرره انجلس وماركس.
إن انتهاء حقبة الشيوعية بالنسبة للمثقف والمبدع العربي كانت إحدى أزماته الكبيرة تهزه وتقلق وجدانه، لقد تعلق بها كتعلق الوليد بأمه، والآن وهي تنتهي لقد فقد الثقة بالتاريخ وبالحياة نفسها.
لذا جاء مسلسل الشيوعي الأخير كمحاولة من الأدب نفسه كي يوقف إغلاق الستارة على المشهد الختامي، فمازال هناك شيوعي أخير يؤكد بخفاء وباطنية أن المسرح مستمر ولن ينتهي.
هذه الضربة الأدبية لم تدخل في الصفحات اليومية للثقافة، فلولا وجود الانترنيت وسهولة القص واللصق للنصوص لما وجدناها مباحة هكذا تنشر إلى جانب نصوص متدنية ادبيا في مواقع إلكترونية هي مواقع إعلامية أكثر منها أدبية. فيها الصور الدعائية التي تطغى على النص هذا إن كان هناك أصلا نص.
مانراه هنا أن، ليس فقط الأدب قد هجر الناس بل الثقافة نفسها كجسد يغلف الأدب نفسه.
فالمشتغلون بالثقافة والأذكياء منهم نراهم قد تخلصوا من هذا العبء وأمسوا إعلاميين.
كانت الموجة الماركسية الشرقية أحدى المؤثرات الكبرى على ازدهار الأدب العربي. صحيح أن هناك الموجة الفرنسية لكنها ايضا تأثرت تأثرا خفيا بالماركسية حتى أن السريالية كما أرى هي تطوير وقفزة في منهاج ماركسي جديد.
الماركسية لم يطلقها ماركس وحده، لقد اطلقها الانسان ثورة وتحررا لقراءة جديدة للتاريخ المعاصر.
مبدعو وفنانو القرن العشرين كانوا ماركسيين بإمتياز. وبنهاية هذه الحقبة ينتهي تقريبا الحث - الالهام الذي كان يدفع الأدباء العرب لقول مالديهم من هموم .. انكسارات وآمال. فغياب الجانب الأخر ثم حضور العالمية (العولمة) تحاول أن تحمل مفهموها الغائب- الانساني، قد غيب الاستقطاب وأنهى مشروع الفن النضالي.
يحاول الاديب العربي الان ان يأخذ مكانا له في المشروع الانساني العالمي هذا المشروع البعيد كل البعد عن واقع العرب فهو مشروع لا مكان له على تربتنا.
والشيوعي الأخير هي محاولة غير واعية، محاولة الطفل الذي وجدها سعدي يوسف أمتداد المثقفين الماركسيين وكأنه لا يريد أن يعلن النهاية. تراه وحيدا في عالم صاخب، والقصائد الثمانية عشر ( قصيدة الشيوعي الأخير) تدل على ذلك فهي وحيدة بروحها ووهجها، هي كوكب يدور في مدار غير أرضي بل أنه أرضي ونحن الذين فقدنا مدارنا. فهي تشير الى الذين رحلوا وهجروا. وبطريقة أو بأخرى يريد أن يركب تيار العصر ولا يعرف كيف: يريد أن يتعلم. الشيوعي الأخير يتعلم الهبوط بالمظلة:

أي حماقة جاءت بك؟
الأيامُ...
جئتُ هنا لأعرف كيف أهبطُ!
قلتُ: ياهذا، يجيء الناس كي يتعلموا الطيران!
قال: لقد تعالينا
تعالينا
إلى أن لم يعد خيط ولو واه يشد عروقنا بالأرض..
اني الان اهبط بالمظلة
ربما تتعرف الأعشاب رائحتي فتمنحني الحياة!
هذا الشيوعي الأخير الذي يريد أن تتعرف الأعشاب إلى رائحته مرة أخرى وتمنحه الحياة. الحياة التي افتقدناها وافتقدها الجميع.
من السهل الكلام عن التراجع والموت والخراب، لكن الكلام عن البناء وعن الإحياء لهو كلام صعب.
ماهي مقومات وأسس بناء العالم الميت مرة أخرى - إعادة جزيرة الأدب الضالة؟
إن الفن حمل طبيعي سيتحول إلى كائن مشوه حين يتم دفعه. ليكن البحث عن الحرية وعن الذات هو المقام الأول ومنه تنفتح الطرق الأخرى، حرية المبدع واستقلاله هما الأداة نحو ابداع محتمل فالعالم العربي مليء بالتناقضات ومليء بالأمل أيضا- النضال ضد التشوه الذي تحمله النفس العربية وضد التشوه الذي ينمو من دون هوادة في أرض الواقع.
أن يكون الأديب العربي ابن بيئته وليس ابنا اوربيا أو افرنسيا ويكون حر العقل وحر النفس

الأربعاء، 12 مارس 2008

لا يبدو مختلفا .. لأنه صار تقليعة

كومندنتي تشي غيفارا

ألا يندرج إحياء أسطورة تشي غيفارا في مثل هذه الحالة من اليوتوبيا بأثر رجعي؟ أليس غيفارا بطل الحارة اليسارية التي ولّت ولن تعود؟
لا، إنه لا يمثل حنينا، فقد تحول إلى مجرد تقليعة ديكورية. ورأيت صورته حتى على زجاج سيارة في دولة خليجية تباهى إبن شقيقتى بالوقوف بجوارها.
كانت الصورة في الماضي مثالًا لتمرد الشباب، لا يهمّ على ماذا، والرفض لا يهم بماذا أو ماذا. وعندما زال أذى غيفارا الحقيقي بوفاته، ولم يترك إرثاً برنامجياً أو ثقافياً ذا بال، أخذت حتى أحزاب شيوعية ممن كانت تمنع وتحذر شبابها من الإعجاب به في صفوف الحزب بتنبي صورته مثل «ماركة» أو «براند». عندما كانت لغيفارا أهمية ما، ولو كانت محدودة، كانت غالبية الأحزاب الشيوعية تحاربه وتحذر منه. وكنا في حينه نتمسك بأمثولته إلى درجة الأسطرة رمزاً للتمرد على المحافظين اليمينيين واليساريين على حد سواء.
في هذه الأيام استهلك الاستهلاك الرأسمالي كل الصور. احتواها، حوّلها إلى أليفة، إلى ديكور غير مؤذٍ. وطبعاً هنالك فرق، إذ يصعب استهلاك أصحاب مشاريع فكرية أو ثورية ما زال فيها نفس مؤذٍ حتى يومنا. أما غيفارا على أهمية تجربته الشخصية وإشعاعها فلم يكن صاحب مشروع فكري أو سياسي.
صورة غيفارا مثل صورة الأميرة ديانا على الكؤوس والفناجين وقمصان الـ«تي شيرت» وملصقات السيارات، نوع من التقليعة لمن يريد أن يبدو مختلفاً، وبما أنها تقليعة فإنه في النهاية لا يبدو مختلفاً.
رأيت مرة مستوطناً إسرائيلياً مسلحاً نقلت الفضائيات صورته يرتدي «تي شيرت» عليه صورة غيفارا.
- بتكلم جد؟ فعلا رأيتها أم تقولها لغرض النقاش؟
- أبدا والله ، وكان على حاجز اسرائيلى.

ومازات فاطمة تشع بتألقها هناك

فاطمة الزهراء المرابط
من أصيلة
تكتب
أزهار إبراهيم قهوايجي تنشر أريجها بمدينة مكناس

كانت مكناس مساء يوم السبت 1 مارس 2008 على موعد مع حفل توقيع ديوان "للأزهار رائحة الحزن" للشاعر المغربي إبراهيم قهوايجي الذي نظمته المديرية الجهوية للثقافة بمكناس بتنسيق مع جمعية الأفق التربوي، و ذلك بفضاء دار الثقافة الفقيه محمد المنوني بمدينة مكناس، والذي تزامن مع إقامة معرض الفنون التشكيلية للفنانين: كمال المكوني وغزلان يعلاتن.
وقد انطلق حفل التوقيع بكلمة الناقد محمد إدارغة الذي شكر جمعية الأفق التربوي والمديرية الجهوية للثقافة بمكناس على هذا الاحتفاء، فرحب بالنقاد و الكتاب و المبدعين الذين تجشموا عناء السفر من مختلف المدن المغربية من أجل المساهمة في تخليد هذا العرس الإبداعي، و في نفس السياق جاءت كلمة الشاعرة نعيمة زايد (رئيسة جمعية الأفق التربوي)، ألقت بعدها الشاعرة زكية المرموق قصيدة شعرية بالمناسبة تحت عنوان" ليل متواطيء".
ثم افتتحت الجلسة النقدية الأولى بمداخلة الناقد ذ محمد إدارغة (أمين اتحاد كتاب المغرب لفرع مكناس) عنونها ب"للأزهار رائحة الحزن بوابة فرح بائت" تحدث فيها عن بنية الكتابة الشعرية في الديوان ومفارقاته الغريبة كتردد الرقم 7 فيه بشكل مدهش، وعرج على شعرية العنوان واختراقه لأفق انتظار المتلقي، كما أشار إلى الجمع بين الضدين النقيضين في الديوان، وتطرق إلى وطنية الشاعر وحبه للآخر وحب الحرف وحب الشعر وحب الأمكنة في الديوان. ثم تلتها مداخلة الناقد د أحمد فرشوخ الحصيفة (كاتب عام اتحاد كتاب المغرب لفرع مكناس) بعنوان "إبراهيم قهوايجي شاعر الوجع الإنساني"، والتي تطرق فيها إلى إشراك الذات الشاعرة في محيطها الإنساني واستبطانها العالم الخارجي لصياغة رؤيته وحضور الذات/ صورة الشاعر بقلمه والحوار مع الآخر/ الصداقة وتحويلها إلى انشغال شعري و تيمة الفقدان التي تعمق الشعور الإنساني باعتباره معادلا موضوعيا للتجربة الشعرية والاحتفاء بالهامش، كما تناول الأدوات والسمات الفنية في الديوان. وبعدها كانت مداخلة الشاعر والناقد ذ الحسن العابدي (آزرو) بعنوان "فواصل صائتة من سيمفونية الفرح البائت" و التي تناول فيها ثالوث: الأزهارـ الحزن- الرائحة في الديوان، واقفا بعمقه النقدي على التشكيل الشعري في الديوان والموسوم بالإيحاءات والاسنادات الجديدة مقدما رؤيا التجربة الشعرية فيه في بعديها الموضوعي والفني.
وفي الجلسة النقدية الثانية كانت مداخلة الناقد د محمد قنوش(تازة) بعنوان "إبراهيم قهوايجي شاعر الحزن" وبحثت في سيميائية تأويلية للعنوان، وتتبع امتدادات موضوعة الحزن في ثنايا الديوان من خلال تواتر وحداته المعجمية والحضور الكمي القليل لكلمة الفرح وتلك النعوت الموصوف التي سلبته وظيفته الأصلية. في حين تطرقت مداخلة الشاعر والناقد ذ عبد الرحيم أبو صفاء التي عنونها ب" شعرية الموت والرحيل في"للأزهار رائحة الحزن" " إلى ثقافة الموت في الديوان من خلال 3 محاور:
* الموت/ الوطن وجرح المشهد العربي.
* الموت والأنا (ملحمة الحزن والرحيل).
* الموت الصديق.. رثاء الأحياء والراحلين.
أما الناقد ذ مصطفى غيواني (فاس) فقد تناول في مداخلته "مقاربة بنيوية في ديوان"للأزهار رائحة الحزن"" مكونات المعجم والصورة والإيقاع واللغة في هذا المتن الشعري. وقد ختم الشاعر والناقد ذ نجيب طبطاب (مكناس) جلسة المداخلات النقدية الثانية بمداخلته "الحزن بين الصورة والتصور، قراءة في ديوان: "للأزهار رائحة الحزن"" وتعرض لتيمة الحزن وابدالاتها ودلالاتها التأويلية، إضافة إلى تحليل الصور الشعرية في أبعادها ووظائفها في الديوان، وتطرق إلى مكون الإيقاع والرؤيا التجريبية في خطاب الديوان الشعري.
وقد أشار الناقد محمد إدارغة إلى كون الجمعية تلقت عدة مقاربات نقدية حول ديوان"للأزهار رائحة الحزن" كي تُقرَأَ نيابة عن أصحابها نظرا لظروفهم القاهرة التي لم تسعفهم في الحضور، كمقاربة " المتعالي النصي في ديوان" للأزهار رائحة الحزن "" للأستاذ عبد الرزاق مصباحي (آسفي) ومقاربة تحت عنوان"معانفة "للأزهار رائحة الحزن"" للشاعرة والناقدة هيام مصطفى قبلان(جبل الكرمل/ فلسطين)، وهاتان المداخلتان وغيرها ستكون محور حفل توقيع آخر للديوان خلال الأيام القادمة بإحدى المدن المغربية.
كما تخللت فقرات هذا الحفل شهادات مجموعة من المبدعين و الكتاب الذي قدموا كلمات رائعة في حق الشاعر إبراهيم قهوايجي، على رأسهم شاعر الملحون مولاي الحسن البويحياوي الإدريسي الذي أتحف الحضور الكريم بقصيدة من شعر الملحون في حق المحتفى به وفي حق مولوده البكر/ الديوان بعنوان " كْـليمة مَنْ اكْـنانِي"، في حين كانت شهادة الأستاذة شامة عمي ( أستاذة جامعية بكلية الآداب شعبة اللغة الفرنسية) عبارة عن قراءة واعية وعميقة لديوان "للأزهار رائحة الحزن"، و قد أشار الشاعر عزيز الوالي (تاونات)إلى أن الناقد و الشاعر إبراهيم قهوايجي كان أول من اطلع على كتاباته الشعرية، وشجعه و مهد له الطريق للمشاركة في أحد المهرجانات الشعرية الوطنية، واعتبر أن هذا الحفل هو أنجح حفل تكريم رآه على المستوى الوطني بكل المقاييس، أما الشاعرأحمد العناني(فاس) فكانت شهادته حول المحتفى به عبارة عن قصيدة جزلية جميلة بعنوان:"أبراهيم ألبستاني"، وقد استمرت هذه الشهادات الجميلة بكلمة الشاعرة و الروائية أسمهان الزعيم التي أشادت بأخلاق الشاعر إبراهيم قهوايجي النبيلة ومقارباته النقدية الحصيفة وأشعاره الجميلة، وقدمت هدية للمحتفى به عبارة عن ترجمة لقصيدة من ديوانه عنوانها "بيني وبينك زهر أيلول" إلى اللغة الاسبانية، حيث ألقتها على مسامع الحضور، ووعدت بترجمة الديوان كاملا إلى اللغة الاسبانية، كما ألقى الشاعر الزجال لحسن حاجي (آزرو) قصيدة زجلية جميلة بالمناسبة، في حين قدم كل من الشاعرة فاطمة الزهراء أمسكين(الصويرة/خنيفرة) و الشاعر والإعلامي حسن شرو (آزرو/ مكناس) شهادة حب في حق الشاعر المحتفى به، و اختتمت الشهادات بكلمة الشاعرة كريمة دالياس( الدار البيضاء) التي تضمنت ارتسامتها حول الديوان ذيلتها بقصيدة جميلة بالمناسبة، في حين اعتذر كل من القاص علي الوكيلي والشاعر إدريس الشعراني عن إلقاء كلماتهما بسبب ظروفهما الصحية.
و في خضم هذا الجو الذي يفوح برائحة الأزهار و الإبداع وقع الشاعر إبراهيم قهوايجي ديوانه " للأزهار رائحة الحزن" على إيقاع الحب و الفرح وسط المبدعين و الحاضرين الذين ساهموا في تخليد هذا الحفل الذي سيظل ذكرى جميلة في سماء مكناس الإبداعية.

فاطمة الزهراء المرابط
أصيلة / المغرب

المثقفون العرب بين حجرى الرحى

المثقففون العرب بين حجرى الرحى

ابراهيم جادالله


مازال المثقَّفون العرب يعيشون في "أبراجهم العالية" المعزولة، بعيدًا عن طبول الواقع ومُصاب الحالة وصخب الجماهير؛ لا بل ينهمك أولئك المثقفون في الكتابة عن مشكلات وقضايا فرعية مستهلَكة تمامًا.
كيف يمكن للمثقف العربي أن يلوذ بالصمت إزاء هذه المصيبة التاريخية القادمة؟ العالم، في العواصم كلِّها، ومن العرقيات والديانات جميعًا، تظاهَر من أجلنا – نحن المدجَّنين المحبَطين، مُدمِني الخنوع والتبعية. أين نحن من هؤلاء الأمريكيين الذين حضروا إلى بغداد، على الرغم من أنوف حكوماتهم، ليقولوا: نحن دروع بشرية أمام الآلة العسكرية الجبارة التي تقودها حكومتهم؟! هل نعيش احتضار "دول الطوائف" على الطريقة الأندلسية؟!
كانت مصر بمثقفيها تهز مضاجع بريطانيا في الأربعينات – وهى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؛ وكانت الجزائر بمثقفيها – قبل مجاهديها – ترهق فرنسا، من باب الواد وحيِّ القصبة حتى الإليزيه. أسئلة كثيرة هامة...
هل تمَّ بالفعل إخصاء الخطاب الثقافي في العالم العربي؟ وهل فقد المثقف دوره الرائد العظيم؟ كيف استطاع الخطاب الإعلامي المدجَّن والخطاب السياسي العاري من الشرعية والمصداقية أن يعبثا بوعي شعوبنا؟ مَن الذي يخصي المثقف العربي؟ أصبحنا مجرد حالة فاقدة الفكر والتعبير، يتصرف فيها الآخرون، يهدِّدها بعضهم، ويدافع عنها آخرون – بينما نحن لا نملك من أمرنا شيئًا، وكأننا جثث قومية هامدة!
تتسابق الأسئلة، وتعدُّد الصيغ يصيبني – كغيري – بالإحباط كلما فكرت في دور المثقف في صياغة إدراك أمَّته ووعيها وتفعيلهما، وفي مسؤوليته الباهظة عن احتلال هذا العقل في غياب فاعلية الثقافة والمثقف. فالمثقف مسؤول، ولا شك، عن مصيبة احتلال العقل العربي وتغييبه، وعن انتشار الخطاب المدجَّن، في الساحتين الإعلامية والسياسية على السواء، وعن تبرير الخنوع والذل بالعجز عن التصدي للزيف والغيبيات.
لا شك أن الفجوة تزداد اتساعًا ما بين المثقف التنويري وبين القاعدة العريضة من الجماهير، التي هي مَن يملك مفاتيح تغيير الواقع الذي تعيشه – وذلك لعدة أسباب: إن هذه الجماهير مغيَّبة تمامًا بفعل السلطة التي حاصرتْها في دائرة البحث عن قوت اليوم، ومعزولة تمامًا عن التفكير في أية حلول مستقبلية لأزمتها؛ كما أن هذه الجماهير فقدت ثقتها تمامًا في كافة المشاريع السياسية، وفي المثقفين التابعين لها. ولا أبالغ إذا ما قلت إن الجماهير العربية فقدت الثقة في مجرد التفكير في التعبير عن الذات!
ويقف المثقف المحبَط ما بين حَجَرَي الرحى: ضغوط السلطة وتكميم الأفواه وقمع الحريات وغياب الديموقراطية والليبرالية الفكرية، من ناحية – لذلك لا يملك هذا المثقف المحاصر الوصول إلى جماهيريته المفترضة، ولا يستطيع التأثير فيها. كما أن الأنظمة والحكومات في مجتمعاتنا العربية، من ناحية ثانية، تتبارى وتتنافس على فكرة تهميش دور المثقف وإبعاده عن دائرة التأثير. لذلك يبدو المثقف مثل طائر صغير مربوط بخيط ينتهي في يد الحكام؛ وهم وحدهم الذين يمتلكون تحديد طول الخيط، ويملكون استرجاعه في أيِّ وقت أيضًا، وحبس هذا الطائر في السجون والأقفاص متى شاءوا.
لكن يظل على المثقف دور لا يجوز له التنحِّي عنه؛ وتبقى دائمًا محاولاته للقول النقدي، وإعمال العقل، والتمرد على السائد والمألوف، من أجل إحداث التغيير أو تحقيق الطموحات التي يحلم بها هذا الجمهور اللاواعي بما يدور حوله.
ولكن، على الرغم من إدراكنا لاتساع الفجوة بين المثقف والمتلقِّى من الجماهير، ولانتهازية السلطة وأساليبها القمعية في التعامل مع المثقف، فإننا أيضًا لا نستطيع أن ننفي "ازدواجية" هذا المثقف في أحيان كثيرة، وعدم قدرته على المواجهة الحقيقية. فهو، في الغالب الأعم، موظف للسلطة في نهاية الأمر. وهكذا يحمل داخله هذا الكمَّ الهائل من التناقض، ما بين انتقاد السلطة والتبعية لها، ما بين هجومه على ما يعارض السلطة ومهادنته لما يعارضها ويختلف معها. هكذا كان المثقف العربي على مدار تاريخه الطويل – وربما يستمر كذلك لوقت طويل!
إن مثقفي اليوم ليسوا غير قادرين على المواجهة وحسب، بل إنهم فقدوا تمامًا القدرة على خلق حالة من حوار المواجهة. فالثقافة، في عالمها وثوبها الجديد، جعلت المثقفين يتحولون إلى كائنات خارقة، تطير عبر الإنترنت في محاولة للخروج من عزلتهم إلى كلِّ مكان في العالم. وبالتالي، فإن المثقف وَجَدَ في الفضاء السيبري متنفَّسًا يمارِس فيه كينونته وذاتيَّته. إنه مكان الأثير، مكان اللامكان.
وهذا ما يدعونا إلى أن نتساءل عما إذا ما انتهى دور المثقف، وهل حلَّ المفكِّر مكان المثقف. بمعنى آخر، إن المثقف الموسوعي قد يكون أسطورة رحلت وانتهت، لتنشأ حالٌ جديدة بدلاً منه، هي حال المفكر "الاختصاصي" الذي يتناول مسألة محددة الأبعاد الاتجاهات؛ ومن ثم لم يعد هنالك مثقف بالمعنى الاعتيادي، وإنما صار مطلوبًا مَن يناقش مسألة بعينها دون أخرى. وهذا يمثل، بطبيعة الحال، تقهقرًا لدور الثقافة عمومًا، لأن المفكر الذي لا يمتلك رؤية "شمولية"، بمعنى ما، للحدث أو للأحداث التي يعايشها فإنه يكون قاصرًا كذلك عن امتلاك رؤية لما يحيط به مباشرة.
بتعبير آخر، إن حقبة المثقف التقليدي قد تكون ولَّتْ. وهذا ما يجعلنا نشعر، مع مرور الوقت، أنه لن يكون هناك أفضل مما كان، وأن ما سيأتي هو "أثير" لا يمكن لنا الإمساك به، وأن علينا أن ننشئ حالاً جديدة، بمفاهيم حديثة، بآراء متطورة، بأدوات معرفية أشد تأثيرًا، لكي نبنى جسورًا بيننا وبين الجماهير.
****************************************

الاثنين، 3 مارس 2008

مربعات الضوء المعتم من ( ظهيرة اليقظة )

مربعات الضوء المعتم

ابراهيم جادالله

فى الصباح
مط تثاؤبه وظهر يده على حنكه المفتوح عن آخره ، فخرج الصوت عواء، قطع الصالة إلى الحمام مخدرا ببقايا نعاس ، أخرج ما فى جوفه واغتسل ، أحنى رأسه تحت حنفية الماءالتى تقطر ليل نهار فأيقظ الماء البارد المتفق فوق الرأس كل حواسه ، ملأ بطنه من جديدوشرب شايا ودخن سيجارته باستمتاع ، ومسح حذاءه بخرقة قديمة ، ونظر فى المرآةفرأى وجها حليقا وأسارير منبسطة وعينين بهما كل التيقظ ، وخرج.

فى الظهيرة

جاء دوره ، ناقش ، وتحمس وانفعل ،وقال كلاما كثيرا ، حاور وناور وتهدج صوته أحيانا ، لف ودار واحتوى كل الآراء، تعبت أحبال صوته ، ودوى فى الرأس تصفيق وصفير ، سقط أمام العينين لوم وعتاب ونظرات لا يسبر أغوارها ، نفض عن رأسه ما يشوب بهجتها من استقامة كلامه مع ما يعتقده ويراه، صافح وشكر وأثنى على من أدار جلسة الحوار ، لم يقرر المواجهة بعد، فلأصوات الأخرى لا تحمل رغبة جديدة تجعله يقاوم،أفلت من الدائرة المتحلقة حوله وإبر الألسن’،وخرج.
قبل الغروب
حرك أعضاءه ومددها،وبرم جسده على السريربرمات متعاكسة وهو يطارد ثقل الرأس ووجعها وهواجس تنخر فى دماغه لم يستطيع إزاحتها وقد حالت بينه وبين شهيته فى الغداء ،حرك ساقيه وفرد طوله وأشعل ضوء الحجرة وخرج.
فى المساء
راميا رأسه بين كفيه مغمض العينين على صور النهار المتلاحقة ،تكلست الصور فى مرآةعقله .صور لعيون منتفخة جاحظة وأسنان غليظة شرهة فى وجوه شرسة ،وبنادق وخوذات وأرديةسوداء ،وأجساد متصلبة متحفزة .صور لوجوه قليلة يألفها بتأنقها ووقارها وشغفها بجديته ، ووجوه كثيرة ،لم يعتد رؤيتها .ثعبانيةالنظرات ،فيها قساوة وخبث ومراوغة ،لم يجد لكلماته وانفعالاته أية ردود أفعال منها . بينما التصفيق وعبارات التأييد صاخبة فى الوجوه القليلة، تناول عشاءه مرغما حائلا دون إلحاح زوجته ، وشرب شايا بفتور ، وخرج .
بعد المساء
عاد من مجلسه على قهوة الزفتاوى حذرا متوثبا ، وهو يضع مفتاح باب شقته فى ثقبه، اصابه فزع سرعان ما تلاشى ، وكأنه يضع سلكا عاريا فى "فيشة" الكهرباء ، عندما دلف بجسده داخل الباب دارت به الأرض من صمت داخلها ، مد يده ليشعل الضوء فارتفعت أنفاس بناته الثلاث وزوجته فى منامتهن ، غمرته رعدةمفاجئة مضافة بددها بخطوه نحو غرفة مكتبه الضيقةا بأكوام الكتب ورصاصات الصحف القديمةورائحة راقدة لتبغ محترق .
عند انتصاف الليل
إثنتا عشرة دقة من ساعة الحائط العتيقة بالصالة المستطيلة،قال لنفسه :-هذا يوم جديد يولد !! ولكن الولادة دائما مصحوبة بالنور ، وما زال مركب الليل يزحف نحو ظلام آت.
إقشعر جسده وارتعشت روحه لخاطر أن يصير الكون والوجودإلى حالة واحدة. أن تتوقف حركة الزمن عند هذه اللحظة الفاصلة ، واجه رصات الكتب ، وأكوام الصحف العتيقة التى تفوح منها رائحة لا يميز دونها ، وواجه نفسه فرآها تنفلت من أتربة على أارفف غير متناسقة قدم وظزاجة عناوين ، وآثار جلوسه على مقعد لازمه منذ صباه ، وأعقاب سجائر بالمنفضة المتخمة ، عاودته من جديد رائحة الكتب ورائحة العمر المنصرم ، شعر بجوع يجرى منه لعابه وتخذل أوصاله وتغيم الرؤية فى عينيه على إثر نفضة صراع ، فاطفأالسيجارة التى لا يعرف رقما لها من منتصفها ، وخرج .
فى زمن الفجر الكاذب
عب آخر جرعة من كوب الشاى الثقيل ومعها امتلأ شدقاه بدخان طازج ليس له حرقة أو لسعة ، لما تجشأ للداخل ، تحسس بطنه العادىء صراخهافشعر باستعادة الكثير من توازنه ، ، إنسلت زوجته إلى غرفة بناتها غاضبة محتجة لفشلفها إدراك سبب قلقه ، أ غلقت الباب من الداخل ، وبعد قليل يسمع صوت أنفاسها، قال لنفسه وهو مشدود الأعضاء يتحسس قوة فى روحه تسللت إليه من داخله:- الآن أستطيع تلقى أى شيىء يدخل من شباك العمرالمرتقة، أبد ا لن تثقب قواى، فها أنا أصلبها بأعواد من شجر روحى.
عاد لمقعده ومكتبه الصغير المكدس على الجانبين برصات غير متناسقة، سبحت عيناه فى سطور كلمته التى ألقاها بالأمس فى منتدى للصفوة فامتلأ بالعامة الذين هم بالحقيقة صفوة الصفوة ، وضع هلالين حول كل الجمل والعبارات التى أثارت وهيجت الماء الراكد فى بحيرات عقول،والأخرى التى بانت أنيابها وضربت أظافرها فى أرض العقول فخمش وجه الكسل فيها ، تناوبته حالات الانتشاء والكدر، الاستشراف والتوجس، الطمأنينة والحذر ، وكان يكابد كل حالاتهم ويهم بالخروج.
عند الآذان .
كانت كل الهواجس والظنون والمخاوف والقوة التى بداخله وتجارب الأيام الفائتة قد صنعت خيوطا عنكبوتية لم يعرف كيف الخلاص برأسه منها ، راح يعيد قراءة كلمته التى ألقاها ظهر الأمس ، ملأها من جديد بالأهلة والأقواس والخطوط، هى إذن قنابل وأعاصير ورياح خماسينية ، وهكذا قدرها هو، فعلها كثيرا من قبل ، تخطى معظمها ، ووقع فى شرك البعض منها ، حاول تأمل داخله وما حوله مرات أخرى ، وكانت أنفاس بناته وزوجته تلاحق هذيانه الداخلى ، ورأى نفسه يتخاذل أمام بعضها للحظات ، سرعان ما يرتد عن تلك الهواجس ويعيد شحذ بصيرته واستعادة بعضا من ذاته التى سواها بارادته الجادة ، لأول مرة يرى نفسه وأشياءه أمام أسئلة الخوف ، ويلمح إجابته فى مربعات ضوء معتم ، بحسه الفطرى الخالص شعر بقرب ولادة نهار جديد . لكن الظلمة لا تزال باقية ، والظلمة ساترة ما بنفسه ، وخافية عن الكون الراقد حركات مبهمة غلافها الأسى والمكابدة ، ساعتها كانت أصوات ترتفع من فوق المآذن. أفصحها آت من مئذنة الجامع الشهير فى الميدان البعيد المسمى باسم صاحبة المقام والضريح ، وكانت طرقات عنيفة مسعورة على باب شقته ، إختفى على إثرها صوت أنفاس بناته وزوجته ، لملم ما بداخله واحتوى أشياءه ، هواجسه وظنونه والقوة التى بداخه وسؤال الخوف ، وكانوا كثيرين ، ملامحهم قاسية وصلدة لكن يشوبها كدر ما ، تلفهم مربعات ضوء معتم كتلك التى يقع فى ثناياها سؤال الخوف ، تلقفته الأيدى فجر الباب خلفه، وخرج