ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الاثنين، 5 يناير 2009

جمال سعد يشاهد تداعيات زمن مر



إبراهيم جاد الله و ( تداعيات الزمن المر ) :


فى " تداعيات الزمن المر " تجدك منقاداً لتعايش عالم الانتخابات والصراع من أجل الحياة ، وتتعرف على نماذج بشرية مختلفة ترقب لحظات توترهم وقلقهم وفى النهاية مصائرهم وهي تتحدد وسط لوحة فنية كبيرة متشابكة العلاقات ، زاخرة بالحركة ، مضمخة بالألوان ، غنية بالشخصيات فى بناء فني شامخ ، يعزفه الكاتب باقتدار ليثير وجدان القارئ ويحرك فكره.
وما إن تنتهى التداعيات ( القسم الأول من المجموعة ) حتى ينطلق القارئ إلى التجليات البشرية ، فيجد نفسه فى خضم حركة المجتمع مواكباً لأحداثه الجسام يقدم الكاتب بعضاً هو ما تفرزه مباشرة ، والآخر ما يمكن اعتصاره من المجموعة أما المحتوى الذى تفرزه المجموعة لأول وهلة يتمثل فى :
1- الاحتماء بالبيئة الشعبية والريفية ، وإطلاق آمال وأمنيات أهل هاتين البيئتين : ( ولما أتت الجاموسة على كل ما أمامها ، رفعت ( مهجة ) دلو الماء البارد إليها فى المزود الطيني فاجترعته عن آخره ، وصلت على النبى بعلو صوتها الذى زال احتباسه تماماً وبان التماع جسد الجاموسة ، وارتخاء ضرعها فى مؤخرة بطنها المدورة ، وأحست ( مهجة ) بانخلاع قلبها وهي تفك مقودها وتسحبها خارج الزريبة حيث ( عبد الستار ) قد أعد نفسه ، وهيأ حماره ، والندى ساعتها يكسو حارات البلد وحسها النائم ، ونثرت على عتبة الدار دعوات طازجة بالخير الكثير والرزق الوفير ، وتيسير العسير ، وأن يكفيها الله شر العين ، والمختبئ الدفين .. ) قصة تجليات عبد الستار ص 94.
2- التعبير عن الذات المستقلة والتى تحاول الفكاك من أغلال العمل أو الزمن أو القهر : ( .. وليس اعتياداً أن تأتي لمنزلنا عبر التليفزيون ، وابني الصغير متذمر إلى بعيد ، يأبى حرمانه مشاهدة أطفال الشمعدان ، ولا أصغي لبكائه الصادق ودموعه الغزيرة فوق خدين رقيقين ، وأمه التى تزوم فى غيظ مكتوم..) قصة تجليات فيروزية ص 113 .
3- محاولة الفكاك من أسر الماضى والانطلاق إلى عوالم أرحب يراها الكاتب هي الأفضل .
4- العوالم المستقبلية التى يراها الكاتب غير واضحة وتبدو غائمة .
5- الدوران حول الذات ، والاستفادة بما تفرزه من أحلام ، ويتضح الاحتماء بالبيئة فى قصة ( تجليات عبد الستار ) حيث نشعر أننا مكدسون داخل سوق نبحث عن الأمن والأمان ونحاول أن نستر عوراتنا ونسد الطريق أمام الآخرين من الجيران ، وفى قصة ( واشتعلت حرائق كبيرة تمهيداً لحريق أكبر ) تجد أولئك الذين وقفوا فى ظلام الزقاق عند دار عبده بن رجب القريشى ، الذى دفعه شبح رجل مندفع فى إرتباك ، أما التجليات ( الجزء الثاني من المجموعة ) تجد القرية / الملاذ لم تعد ملاذاً ، وإنما أصبحت غولاً يهدد الصبى الباحث عن الستر ببيع الراديو يريد أن يسد جوعه ، والانفلات من قبضة الحاجة ، والفكاك من دائرة العذر ، وقلة الحيلة تبدو واضحة فى كثير من قصص المجموعة والعوالم المستقبلية التى يراها الكاتب وتبدو غير واضحة لديه ، ولم يقدم لها تصوراً تبدو فى مرقومات القصة الأولى ( تداعيات الزمن المر ) و ( تجليات الصبى ) و (زمن عبد الستار ) و ( المنقذ ) و ( المحاصر ) و ( العجوز ) . أما الدوران حول الذات فتشترك فى هذه الخاصية كل قصص المجموعة تقريباً .
لقد استطاع ( إبراهيم جاد الله ) أن يعبر عن المكان الذى اختاره تعبيراً صادقا واستخدم جل أدواته ليصل بنا إلى المحتوى ، أما المحتوى الذى لا يبدو واضحاً من أول قراءة ، فيبدو مغايراً لما سجلناه ، ذلك أن الفهم الكامل للقصة لا يعتمد فى الأساس على ما يقوله الكاتب فقط ، وأن ( الذاكرة ) الجيدة لهذا الفن الرائع ينبغي أن تحيط علماً بظروف الكاتب وبالمناخ العام الذى يعيش فيه وبمدي ما يحصل عليه الكاتب من حرية فى التعبير وحرية فى نشر وإذاعة هذا التعبير ومدى تقبل المجتمع لما يقوله الكاتب ، فالأديب لا يجلس ليكتب ما يشاء كما يشاء فكما أن للغة التى يكتب بها قواعد وقوانين من أول شكل الحرف إلى شكل الجملة إلى علاقة كل كلمة بما حولها ولا يستطيع كاتب مهما كان أن يفلت من هذه القواعد وإلا أصيب فى مقتل مثل الذى يمسك بالمسدس ، ولا يعرف إلى أين صوبه وربما صوبه إلى قلبه ، فأداة اللغة لها قواعدها التى تفرضها فرضاً على كل من تسول له نفسه بأن يتعامل بها وكذلك فن القصة و أيضا ( الوسيط ) الذى تعيش به تلك القصة ، فلا يكتب القاص لنفسه ، بل يرويها للناس والناس لا تقف تحت أشعة الشمس بالساعات من أجل الانصات إلى كاتب قصة لذا لزم وجود وسيط يدفع بقصة الكاتب إلى القارئ .. والمراد هنا المحتوى الفكرى للكاتب الذى يسقى قصصه منه ، فإن الفكرة الواحدة فى القصة لا تكفى للدلالة على فكر كاتب القصة أي مذاكرة هذا الكاتب مذاكرة متأنية غير متعجلة ، وإذا كان الفن هو الإيجاز ، فقد كان الكاتب موجزاً استطاعت لغته أن تحكم إيقاع العمل بقوة وشاعرية موفقة بين المتكلم والمخاطب والغائب و ( إبراهيم جاد الله ) تميزه بحس لغوي جيد وتميز اللغوي يعطيه درجة سبق علي أقرانه لأن من الشائع الآن الوقوع فى الأخطاء ، وعدم الاهتمام بمكونات اللغة والاستفادة بمفرداتها ، ولا تكاد تغيب عناية ( إبراهيم جاد الله ) الفائقة باللغة حتى ليمكن القول بأن ( التجربة اللغوية ) هي العنصر الأساسى فى هذه المجموعة . ولما كانت تجربة الشخصية تجري فى الأغلب داخل عالمها الباطني ، وتبدو ضعيفة الصلة بالعالم الخارجي ، فإن غيبة التوازن بين العالمين يضخم شعور الشخصية بما يعتمل داخلها من خواطر أو انفعالات أو هواجس لا يكبح جماحها شئ من حقائق الواقع ومعاييره ، فتنطلق على لسان الشخصية فى ألفاظ وعبارات ومجازات تتسم بكثير من الجد والمبالغة فى الدلالة وتجئ أحياناً مفاجئة أو غير متسقة مع أسلوب الكاتب المنساب .
:

ليست هناك تعليقات: