ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الأحد، 4 يناير 2009

محمود خضرى قرأ لى ظهيرة اليقظة





قراءة فى ظهيرة ابراهيم جادالله
محمود خضري يس







أصدر الأديب إبراهيم جاد الله مجموعة قصصية ظهيرة اليقظة عن إبداعات معاصرة في كتاب من القطع المتوسط يحتوي علي مائة وستين صفحة. يضم العديد من القصص القصيرة.
صور فيها الكاتب البيئة القروية وما يعتري الإنسان فيها من مشكلات وقدمها للمتلقي في تقنيات متعددة. تتحرك علي مسارح أحداث قصص المجموعة شخصيات بلحمها ودمها وأفكارها. أراد الأديب إبراهيم جاد الله أن يبث إلي المتلقي علاقته العميقة بالبيئة الريفية. فاهتم بهذه البيئة حتي وصل إلي درجة التوحد معها. وقد وظف مفردات هذه البيئة توظيفا يثري القص. والاهتمام بالبيئة المحلية من مشاريع المبدعين العالميين فقد اهتم فوكنر بيئته المحلية وسار في نفس الدرب الذي سار فيه غيره من أدباء أمريكا الجنوبية الذين اهتموا بهذا الجانب الخصب الحيوي. انتقي الكاتب كلمات تنأي عن مفهومها الاتفاقي المسبق تحفل بالطاقات الإيحائية. فالكاتب يمتلك وعيا بمعطيات الكلمات الدلالية. وبرع في تآلف هذه الكلمات التي انسجمت في جمل تعطي كثيراً من الإيحاءات. اتسعت مساحة المرأة في قصص المجموعة. فقدم الكاتب للمتلقي فعاليتها في المجتمع وجوانب انتمائها إلي أفراد المجتمع فهي تحب ابنها وتعاني قسوة المسافات بينها وبينه من أجل أن تقدم له ما يحتاجه من طعام "قصة قلب الأم". تثور ضد كل من يمس ابنها بسوء "قصة طرح الليل". تحمل علي عاتقها هموم الأسرة وتقوم بدور رب الأسرة بعد رحيل ابنها البكر والزوج "قصة قمر الزمان المستحيل".
جاء العنوان ظهيرة اليقظة كلمة ظهيرة هي الفترة من الوقت التي تكون فيها الشمس في منتصف قبة السماء وهذا الوقت تصل درجة الحرارة فيه أعلي درجة فهي وقت القيلولة ويرمز بها إلي الآلام والقلق والخوف أما اليقظة فهي العلاقة الجدلية بين أفراد المجتمع وهذا العنوان اختاره الكاتب وهو أحد عناوين قصص المجموعة التي تدور حوله القصص من حيث محتوياتها. تعتمد المجموعة علي السرد الخالص وقليل من الحوار. كرس الكاتب اهتماماته في رسم الشخصيات التي التقطها من الواقع كاشفاً عن أعماقها الثرية بشتي ألوان الضوء ومنحنياتها المتعددة. وقد جاء ببعض الشخصيات الهامشية الخارجة عن المجتمع والقانون مثل شخصية الرجل العاري في "قصة قبة النهار" فالكاتب يصوغ إبداعه من عالم الإنسانية.
رسم الكاتب شخصياته كاشفاً عن عوالمها الداخلية وهذه سمة المبدع الذي يمتلك أدواته القصصية عبر القراءة وتحليل النصوص الأدبية. وقد أشار إلي ذلك الدكتور الطاهر أحمد مكي في كتابه القصة القصيرة - دراسة ومختارات قائلا:- "يستطيع القاص الجيد في نطاق الحدود الدقيقة التي تحكمه من الزمن والحدث والعاطفة والاهتمام بالحيز المحدود أن يجعل الإبداع النفسي عابراً علي الدوام.. بسيطاً وواضحاً من خلال خيوط قليلة عادية. ولكنها صلبة دائماً وفي خدمة القص".
من القصص ما جاء علي لسان المتكلم مما أدي إلي وجود فرصة أمام الكاتب للغوص في أعماق الشخصيات وتحليلها. ومنها ما جاء علي لسان الغائب وهذا يجعل المتلقي يشاهد عوالم شخصيات الكاتب ويحدد مناطق الخصوبة فيها. أسقط الكاتب العوالم الشعورية للشخصيات علي الأمكنة فأثري أحداث القصص. فالشريط الساحلي المنجل من طرح النهر يغطيه العبث عندما يمر عليه الرجل العاري في قصة قبة النهار "كان دائم الرواح والمجيء علي شريط ساحلي منجل من طرح النهر بجوار المشاية يلوكه تحت قدميه ومخلفا تحتها قبضات لدنة متحمرة من الطين". فقد أسقط الكاتب عبث الرجل العاري علي المكان فبدت للمتلقي عبثية المكان. أحب الكاتب أن يوقظ شعور المتلقي ويعده لفهم مضامين بعض القصص في المجموعة عبر استخدامه المفارقة التصويرية ففي قصة قلب الأم يصف الكاتب محمود المريض بمرض نفسي يستقبل أمه بأقذع الشتائم "ويظل يلاحقها بأقذع الشتائم التي تخترق شرفها حتي يختفي شبحها خلف البوابة الحديدية البعيدة". وعندما جاءت الأم بعد غيابها راح الابن يحضنها والدموع تملأ عينيه ما إن لمحها هو من بين دموعه علي باب العنبر حتي انتقض صارخاً يدق جبهته بقبضة يده وتعالي نشيجه وهو يأخذها بين ذراعيه ويرتمي فوقها علي أرض العنبر والدموع تغمر وجهيهما "قدم الكاتب للمتلقي البعد النفسي في أسلوب بسيط وواضح ففي قصة قلب الأم حزن الأم علي ابنها وخوفها عليه أثر في شخصيتها وانعكس ذلك علي ملامحها الشابة التي تتغضن. وإذا كانت المرأة تحرص علي ابنها وتخاف عليه وتحزن علي ما أصابه من مرض في قصة قلب الأم فالمرأة ثائرة ضد كل من يمس ابنها بسوء في قصة طرح الليل. فهي تستدعي لابنها الشرور والأوبئة إن جاهرها بعصيان. لكنها تثور ضد نعيم الذي داس علي بطن وعظام ابنها بالجزمة الميري" ولما كان نعيم يدخل دارنا في صحبة الرجال يستسمح أبي كانت أمي قابلته عند الباب وضربته بالجزمة البلاستيك "إن حب أم مندور لابنها يدفعها إلي عدم ضربه" هي تحثه أن يعود ضارباً لا مضروباً. تحبه فاعلاً لا مفعولاً به أو فيه.
إن ظيهر اليقظة لحافلة بجماليات القص. فهي تجذب ألباب القراء وتستحق الاهتمام من قبل نقاد الأدب
.

ليست هناك تعليقات: