ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الجمعة، 17 أغسطس 2007

مابين أدوات النقد وأدوات الوحى \ملاحظات نقدية استهلالية



مابين أدوات النقد وأدوات الوحى
ملاحظات نقدية استهلالية



الليبرالية الجديدة، كنسق عالمي،هى حرب جديدة لغزو مناطق جديدة، فلا تعنى نهاية الحرب العالمية الثانية أن العالم قد تغلب على الثنائية القطبية، أو أنها أفضت مرة أخرى إلى الاستقرار تحت سيطرة المنتصر، فعلى حين كان ثمة جانب مهزوم، وهو المعسكر الاشتراكي، فإنه يصعب تحديد الجانب الفائز هل هو الولايات المتحدة ؟ أم الاتحاد السوفيتي؟ أم اليابان؟ أم الثلاثة معاً؟ فبفضل الكمبيوتر والأسواق المالية ومن منطلق تجارى، ووفقاً لرغباتها، تفرض الليبرالية الجديدة قوانينها ومبادئها على الكوكب، فلا تعدو العولمة أكثر من امتداد شمولي لمنطقها إلى كل جوانب الحياة، والولايات المتحدة التي كانت حاكمة الاقتصاد سابقًا، أصبحت الآن محكومة عن بُعد بحركية القوة المالية الفائقة "التجارة الحرة"، وقد استفاد هذا المنطق من خاصية النفاذ الناتجة عن تطور الاتصالات؛ ليتولى أمر كل جوانب النشاط في النطاق الاجتماعي، وكانت النتيجة أن أصبح الجميع بمنأى عن الحرب).
لقد كانت الثقافة في الخمسينيات والستينيات ـ وهى إحدى مراحل تاريخ العالم الثالث التي يأمل مؤيدو العولمة في تهميشها واغتيالها - تتشكل من نوعين من الثقافة : الثقافة الاستعمارية المهيمنة والثقافة الوطنية التحررية، ويرغب أولئك المتأثرون بأيديولوجية العولمة في ابتداع ضرب جديد من الثقافة : ثقافة الانفتاح والتجدد وثقافة الانسحاب والركود (محمد عابد الجابرى)
"أخبرونا أن العالم ينكمش، وتلاشت المسافات الشاسعة بالحاسبات الآلية والفاكس، وأن الأرض أصبحت الآن " قرية عالمية" أصبحنا فيها مترابطين على نحو غير مسبوق، ومع ذلك فثمة شعور بنقيض ذلك تماماً: شعور بأن التنائي والانفصال يشكلان الحياة الحديثة، وإن كان ثمة شئ تقلَّص فهو اكتمال الذات الذي عانته الذات الحديثة، ويقرر علماء النفس أن مستويات الإحباط والقلق عالية، وأن شبكة الأصدقاء وأفراد الأسرة المقرَّبين وعلاقات الجماعة انكمشت ـ بالنسبة لأغلب الناس ـ إلى جزء صغير مما عايشته الأجيال السابقة"
إن المعرفة التي كانت مجانية ومفتوحة للراغبين فيها ولصالح المجتمع، أصبحت الآن متملَّكة وخصوصية ولصالح النشاط المادي، وبعد أن كان أهل العلم يحرصون على استقلالهم العلمي؛ ها هم الآن، يخططون المناهج العلمية وفقاً لما يتم الاتفاق عليه مع مؤسسات الأعمال الممولة، وأصبح الأساتذة الذين كانوا يدرسون مقيدين في قوائم رواتب الشركات التي يقومون لها - في مختبرات الجامعات- بأبحاث يمكن تسويقها بينما تدفع الجامعات رسوماً مخفضة لإحلال الأساتذة المساعدين، أما رؤساء الجامعات الذين كانوا قادة الفكر لمؤسسات المجتمع فقد أصبحوا الآن يتمثلون بالتجار المتجولين يستحيل تقريباً تقديم تعريف بسيط لمصطلح العولمة نظراً لأنه يحمل عدداً من التضمينات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والفكرية، وتنصب اهتماماتي في هذا المقال على إثارة عدد من الأسئلة النقدية حول هذه التضمينات؛ خصوصاً في علاقتها بالعالم الإسلامي المعاصر، وتقديم بعض الملاحظات النقدية حول حالة الفكر الإسلامي المعاصر، واقتراح طرق معالجة التحولات المعرفية والأخلاقية التي أحدثتها العولمة مؤخراً، وبداية أودُّ القول: إن مؤيدي العولمة لم يأخذوا بجدية المنظور الإسلامي في الاقتصاد والمجتمع أساساً، لعدم وجود تقدير ونقد إسلامي نظامي لهذه الظاهرة. صحيح كانت ثمة حركات مفاجئة ضد الحداثة الغربية؛ كان أبرزها في إيران والسودان ومصر، إلا أن رد المثقفين المسلمين على الإشكاليات المتولدة عن العولمة قاصر وتجاوزه الزمن.
وبغض النظر عن الاتجاهات المعرفية المعقدة المستبطنة في الفكر الإسلامي المعاصر، فإن هذا الفكر لم يحقق كل إمكاناته الفكرية، لأنه أخفق في معالجة أكثر القضايا نقدية في زماننا؛ أين النقد والفهم الإسلاميان للقومية الحديثة والديمقراطية والحداثة والدول القومية، بل وحتى للاستعمار والاستعمار الجديد؟ فباستثناء دراسات وانطباعات فردية قليلة، لم يقدم الفكر الإسلامي المعاصر منظوراً شاملاً -ناهيك عن أن يكون مقنعاً- للعديد من القضايا والمسائل التي تكتنف العالم الإسلامي المعاصر. وهذه الثغرة أكثر وضوحاً في مسألة الحداثة والعولمة.
يجب لإلقاء الضوء على طبيعة الفكر الإسلامي الحديث، التمييز بين الفكر الإسلامي من ناحية والفكر العربي أو الباكستاني من ناحية أخرى؛ فقد يعني المرء بالفكر العربي الحديث الإنتاج الفكري للمفكرين الدينيين والعلمانيين العرب في المائة عام الأخيرة، بعبارة أخرى، يجب عدم تسوية الفكر العربي بالفكر الإسلامي؛ لأن الفكر العربي يشمل كل نزعات واتجاهات وأنماط الفكر التي تعكس الأسئلة والقضايا المحيرة التي تشغل الفكر العربي الحديث ، ومن ناحية أخرى، فإن للفكر الإسلامي مركزًا إلهيًّا، وإطارًا فكريًّا مرجعيًّا، يحدده الوضع المحوري للقرآن الكريم في الحياة والفكر الإسلاميين.
تستدعي الملاحظات السابقة التساؤل حول طبيعة الحضور الإسلامي في الغرب بصورة عامة، فمن المغالطة المحاجة بأن العالم الإسلامي خارج منفصل عن الغرب، وأن الحضور الإسلامي في الغرب ليس مهماً للعالم الإسلامي؛ لأنه تنقصه الأصالة، فمع هجوم الحداثة وهجرة المثقفين المسلمين والمهندسين والأطباء والمهنيين للغرب منذ بداية القرن العشرين، أصبح من المهم إثارة الأسئلة حول طبيعة واتجاه الإسهامات الفكرية الإسلامية في الغرب، وإجمالاً لم يُنتج المجتمع الإسلامي في الغرب - باستثناء قلة من الجامعيين - مفكريه الذين يستطيعون مساعدة المجتمع الإسلامي في إدراك المشاكل التي تكتنف حضوره في بيئة غير إسلامية ـ وإن كانت متسامحة دينياً ـ بما يعكس المعاناة النفسية والاجتماعية للمسلمين في وسط غربي.
إن المجتمع الإسلامي موقع مثالي لإمعان النظر من الداخل ومن ثم للحديث عن طبيعة العولمة، وإرشاد العالم الإسلامي لفهم المخاطر الناشئة عن الليبرالية الجديدة، وقوى السوق الجديدة، ومن المستحيل التهرب من الاستنتاج بأن المجتمع الإسلامي في الغرب مضطر لتطبيق قيمه على وقائع العالم الجديدة التي لا تقر أية رؤية توحيدية للعالم بل رؤى العالم الاستهلاكية والتنافسية.
نتيجة للعوامل السابقة ثمة هاجس يتعلّق بقضية التراث وكيفية الحفاظ عليه في عالم قاسٍ سريع التغير، ولا يعني هذا أن قضية التراث لم تعد ملائمة ولا مهمة، إلا أنه يبدو لي أنه حان الآن وقت تجاوز الصياغات المفاهيمية لمفكري القرن التاسع عشر المسلمين من أمثال: محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والسيد أحمد خان، وذلك من خلال ابتكار أسلوب إسلامي جديد للتفكير، يستجيب بشكل مبدع للقواعد الصارمة للفكر الفلسفي والأخلاقي، فلا يمكن لأي فكر أن يسبر غور إشكاليات العولمة ما لم يتماش بصورة كاملة مع الاتجاهات الحديثة في النظرية النقدية والفكر الاجتماعي والاقتصادي وتضميناتها للفكر الديني في العالم الإسلامي والغربي، وكذا الرد الأخلاقي الذي يجب على الفكر الإسلامي المعاصر أن يقدمه لتأكيد حيويته وملاءمته.
يجب على الفكر الإسلامي أن يسعى للاستعانة بالأدوات النقدية، إلى جانب أدوات الوحي لتقديم إجابات شافية لمشاكل العالم الإسلامي المعاصر

ليست هناك تعليقات: