مواسم الضنى
القسم اللأول
روايةقصيرة
أتظل أشجار الأسى شامخة؟
وإلى أين يمضى بنا هذا الجنون ؟
نحن نركب قطارنا ونمضى دون سؤال
والحياة صارت ياأمى زوبعة فاسدة
هيا بنا نقف على النوافذ ، وننظر إلى الخارج ذلك أفضل من أن نتعلم أن نقرأ على الشفاه أمورا نفضل أن لا نعرفها ، وليس لدينا أشياء هامة نقولها . بل لا .. لا عندنا أشياء وأشياء نقولها ، لكن ما من أحد يريد أن يأبه لنا
إتيل عدنان
من رواية :الست مارى روز
إهداء
إلى . سيدة الحب والروح المسافرة فى الوريد العاشق
من بها قد أمتلك قدرة القديسين على الاستبصار
إلى السعيدة فى مقامها البعيد فى الجغرافيا، والمقيمةفى الروح الشفيفة بفرحها الطفولى
إليها وهى تشاركنى كتابة لحظات فرح كانت عسيرة ، وعسيرة جدا
ابراهيم
أ
سماء ملبدة بغيوم داكنة
1/ شوقى
شوقى بن بدير ، الخارج توا من سجن المنصورة وقد قضى به ثلاثة أشهر ، عقابا له على انتهاكه مؤخرة فتحى ابن زينب برُقوقة وإدمائها . سقط عصر هذا النهار من منتصف عامود الكهرباء ، بعد أن خانته ساقاه ، وقد كان يحاول تسلقه للصق الصورة الكبيرة الزاهية للمرشح الدائم الترشح لانتخابات محلية وبرلمانية وخلافه ،، والذىاعتاد التحسر بعد كل محاولة على ضياع أموال كثيرة يبذرها على غير أهل لها ، آملا تحقق حلمه بدخول عتبة مجلس الشعب ولو مرة واحدة، وقد تقلص حلمه لحد أن صار يرجو الله أن يعوضه عما فقد من أموال وبيع أطيان ، وان يقضى الله عنه ديونه التى يحملها فى رقبته جراء ذلك .
لما صرخ الولد شوقى من عنف الألم الذى يشق حوضه وكامل عظام ظهره ، وحين فزع إليه مرافقوه من فوق السلالم الخشبية التى يجوبون بها الشوارع والبلاد ، ومن فوق أعمدة الكهرباء المجاورة ، صرخ بعلو صوته المشروخ والخشن ، مستغيثا لاعنا حظه العثر وأيامه السوداء :
-- الله يخرب بيوتكم ، باين علينا هنطلع م المولد من غير حمص .
ولما رفعوه وهو يتأوه ويعوى ككلب عجوز ضرب برأس فأس فوق سلسلة ظهره ، وقع فى أيديهم ، وحملقوا فى بعضهم مذعورين ، وارتعشت شفاههم بكلمات ، اندفعوا بعدها كل فى جهة مغايرة ، يختفى ، بينما غالب شوقى بكاء سيالا لم يكن ليعرف من طريق إلى روحه قبلا ، حتى يوم أن شقت لحم وجهه رقبة زجاجة الكاز المشرذمة ، لما صوبها إليه الأمير ابن أبو يوسفـ تسديدا لدين ما يزال حيا ، كان شوقى قد صوب إلى رأسه حجرا شق فروتها فانفجرت فيها نافورة الدم حارة .
واكتفى بعض من مارة بإبلاغ الأمر لصاحب الصورة الزاهية الراقدة بانكسار بجوار رأس شوقى التى راحت فى غيبوبة محت ضربات الألم التى فى الظهر .
2/ هيثم
الطريق الداخل الى البلد عند مزلقان السكة الحديد ، سده هيثم ابن رأفت عامل التريكو بالقرية المجاورة ، والمسجل فى دوائر الشرطة بتهم عديدة ، والمطارد منها ومن أولاد الليل والعقلاء وراقصات الأفراح وبعض المطلقات والمضارين من سرقة منازلهم أو مخازن غلالهم وزرائبهم بذراعين مفرودين أمام المرشح الشاب ، الذى يفاخر أتباعه من خلال مكبرات الصوت التى يجوبون بها السكك والبلاد ، بأنه أصغر مرشح فى بر مصر عمرا، والإبن الأوحد لأب ثرى يتاجرفى مواد البناء بالقرية المجاورة ، والتى يقول أتباعه من خلال مكبرات الصوت أن القريتين كانتا قرية واحدة منذ الأزل ، حتى قسمتها الوسية قسمين ، يمر بينهما شريطا السكة الحديد .وأعاد لها الرجل وحدتها وألفتها .
فتح هيثم ذراعيه عن آخرهما ، مبحلقا فى الضوء الباهر لسيارة سوداء لامعة تتقدم رتلا من سيارات مماثلة ونصف نقل وجرارات زراعية تجر مقطورات عالية ملأى بالصبية الهاتفين باسم المرشح القادم خلف مكبر الصوت ارتعشت أمام عينيه المتورمتين ، وألقى بثقله على مقدمتها ملوحا بقبضة مستوقفة فى وجوه من بداخلها، ولما نزل من بها وقد فو جئوا بالأمر ، مندفعين نحوه ،خوف مكروه يكون أصابه من اصطدامه،أوأن تكون إصابة لحقت به ، فى وقت هم فى غنى عن أمر كهذا، انتصب هيثم متنمرا ، يطلق نظرات شرسة من عينيه ، أحاط به المندفعون منها ، فلف ودار حول نفسه مسعترضا قامته الشابة وهو يدس أصابع يده فى جيب قميصه المشجر ، والتقط مفتاحا حديديا صدئا ، وشوح به فى وجوههم المندهشة ، وبثقة راح يديره أمام أعينهم المتحلقة حوله :
_ البلد دى ما يفتحهاش غير المفتاح ده .. شايفين ؟ المفتاح ده.
علت ابتسامات على الوجوه ، واندفعت ضحكات ضاجة مرتاحة ، وتقدم إليه واحد من المتحلقين، ودس فى جيب بنطاله لفافة صغيرة استراحت لها علامات قاسية على وجه هيثم ، وتهلل بالبشر وبالخير البادىء بقطرة ، فأعاد المفتاح الصدىء إلى جيب قميصه ، وأعاد استعراض فتوته الشابة ، ملوحا بذراعين عاريين فى الهواء ، وملتقطا يد المرشح الشاب يرفعها عاليا زاعقا :
-- تنتخبوا مين ؟ وحبيبكم مين ؟
تردد النداء خلفه مجيبا باسم المرشح الذى يهبط أرض البلد للمرة الأولى، ولحقه رجال ترجلوا من سيارتهم وصبية اندلقوا من فوق المقطورات ، تتبعهم سيارات وجرارات ومكبر صوت يلم صبية مترقبين ورجال يتربصون لموعد كهذا كانوا يقفون عند فوهات الشوارع والحارات .
3/ عبوده
كان عبوده ابن الشحات القريشى هو الوحيد الذى لم يتفوه بكلمة واحدة بينما الكل حوله يثرثر وينثر الضحكات والحكايات والوعود والأمنيات ، وحده ساقطة رأسه فى حجره ، ضائعا فى داخله الذى لم يشهد خارجه مقاما كهذا ، لفافة طعام يحاول فضها ولم يفلح ، كانت الرائحة الطالعة منها تلعب فى حلقه وداخل أمعائه كما تلعب الريح فى صحراء واسعة ، لم يجرب يوما طعما كالذى يقدم عليه الآن ، فراح ينهش ما بها بنهم لم يحل بين نظراته التى تروح وتجىء فى تضاريس تلك اللفافة الممتلئة والعيون المشغولة عنه بالتحديق فى ما بين محيطها ، وكان مستغرقا بكامله ، لم يدع فتاتا يسقط منه، وبحرص كحرص القطط كا ن يلتقط المتساقط تحت ذقنه ب ، ولأنه كان قد احتواها بين ذراعيه وقد شمر عنهما أكمام ثوبه الذى تفوح منه رائحة صابون طرية .
كان الممشى الطويل المشجر والملاصق للفيللا الأنيقة والمسيجة بالحديد المقوس والمربع والمستطيل والزاحف عليه من الداخل أوراق اللبلاب وست الحسن حتى تكاد تعزل الرؤية عنه من الخارج ،و فى نهايته وقف صاحبها رجل الأعمال الذى ينشغل الكل بترديد اسمه هذه الأيام فى كل القرى المحيطة بقريته ، وباستطالة الممشى ، كانت النضد قد مدت ، ورصت على أسطحها اللفافات ، وحولها رجال من أعمار مختلفة وهيئات متباينة وصبية مختلفى السحنات والملامح برغم البشر الذى يطفح على كل الوجوه ، أتوا ، أو جىء بهم من قرى كثيرة لتجديد التأييد للرجل مرة أخرى فى ترشحه للإنتخابات ، أو لأشياء أخرى ، كل حسب هواه الذى يختزنه .
ولما كان شكرى أبو نبوت ، صهر الرجل ، والموكل إليه تأليف المؤيدين والمناصرين والأتباع . قد أفهم عبوده ابن الشحات القريشى ، بان لا يخجل من طلب مزيد من طعام إن شعر بحاجة متبقية فيه ، فقد غالب عبوده خجله للمرة الأولى ، وطوى رقبته خلف ظهر من يجاوره، فهم شكرى الأمر ، وحين صارت اللفافة بين قبضتى عبوده فور طلبها الهامس ، هب منتفضا يأخذ شكرى بين ذراعيه ممتنا .
كان عبوده يشعر بأن خجله وانكساره بسبب ما تلوكه الألسن ، وما يصل إلى مسمعه أحيانا من نثار أحاديث عن علاقة زوجته برجال يحسدونه عليها لنحافته وضآلة جسده وهى العفية الطافحة بالرغبات التى تتورد لها كل ملامحها المشاغبة المعانى ، وعن شبان يصادقونه رغبة فيها ، هى أمور يجاهد نفسه مغالبتها فى هذه الأيام التى تشح فيها يوميات العمل فى الغيطان ، وهى مناسبات لا تتأتى لمثله سوى كل قبضة من أعوام ، وعليه انتهازها من فرصة كما شددت هى عليه قبل خروجه من داره عصر هذا اليوم :
__ تجرى وتبهدل روحك فى الانتخابات والبلا وى الزرقا من غير فايدة ،واللا تتكسف من أيتها حد ، ما شوفش وشك فى الدار .
تجاسر عبوده بعد رحلة خاطفة نفض فيها ما هاجمته من وساوس ، وشد من أعضائه مما ألزمه أن تصير رأس شكرى الذى جلبه إلى هذا الحشد فى مواجهته ، مسح زوايا فمه وهو يهرش شعر رأسه بيده الأخرى ، فابتسم شكرى بخبث ، ودس له فى كفه المفتوحة القبضة:
- دول لزوم اللف والجرى ياعبوده ، وما لناش بركة إلا انت .
ولما اطمأن عبوده أن دفعة أولى مما طلب متجاسرا قد رقدت فى جيب جلبابه ، امتلأت عروقه ثقة ، وأحس بقوة تتمدد فى أعضائه فتنتشى لها روحه المكسورة ، ورفع رأسه وما بها من هموم تلازمه منذ سمع بما كان يدور خلف ظهره من أقاويل عن زوجته ، صحبه انتشاؤه للتدافع مهللا ، باشا ، بل ومرتفع الضحكات وسط طابور طويل ، كان منذ قليل موزعا بين النضد الملأى بلفافات الطعام ، وعند الباب الحديدى للفيلا التى تفوح من أرجائها رائحة بشر وطه و وصخب وهمس وأبخرة تأتى من طابقها العلوى وعبق كثيف لدخان السجائر التى تناثرت أعقابها على أرضية الممشى الطويل ، وكان صاحبها . فى جلبابه الأبيض الذى يلف كرشا يتوسطها ، يبدو كبيرا على غير حقيقته لقصر الرجل وتربع جسده ، بينما طوق الجلباب المفتوح حتى منتصف البطن أتاح لطابور المؤيدين وهم يصافحونه أن يروا أثر النعيم باديا على صدريته الحريرية ذات الخطوط القاتمة اللون واللامعة فى مجملها ، كان عبوده مشغولا بالثوب الأبيض المنشًى ذوالياقة المتصلبة على رقبة الرجل ، وتسمًرت عينه على فتحة الجلباب والصدرية ، وما أن اقتر ب دوره حتى هيأ حاله لتقبيله إن تمكن من ذلك ، وإلا فتقبيل يده أمر متاح ساعتها ، وسط تلعثمه وارتباكه وهو ينقض على اليد يقبلها ، ، رفع رأسه بصوت مرتخ :
__ والله ياعم الحاج يسرى ، ما فى حد ناجح من المرشحين الفئات غيرك ، إن شاء الله ، كل الفئات رايحين فى داهية والله.
اسقط فى يد الحاج يسرى مرشح العمال ، وفرك كفيه ، كاتما تأففه ، بينما راحت نظراته ، قاسية ، تتأجج بالعتب والغضب من شكرى أبونبوت الواقف خلفه غارقا فى ارتباكه هو الآخر
.
4/ رفعت
وهو يجفف بمنديل القماش الذى يملأ كفه العريضة عرقا يملأ وجهه المشعر ، المطبوع بحماس وهمة مفتعلة ، وإجهاد ، باغت الجمع بحلوله وسط دائرتهم المختلفة أعمارا وملامح وأمزجة وطباعا ، ما بين مزارع صاحب أرض أو بلا قيراط واحد وطالب الجامعة والعاطل عن عمل أو متعطل وصاحب دكان البقالة وسائق الجرار والمدرس الأزهرى وفراش المدرسة الثرثار والحلاق الأكثر ثرثرة والمطلوب القبض عليه لتهربه من الجيش أو لسداد دين حكومى والنجار وطالب الثانوى وصبية يلهون ويهرجون حول شعبان ابن يدرية بائع الخضروات بعربته الخشبية فى سوق الشيخ ضرغام بالمنصورة..
ولما لم يلتفت إليه أحد ، وبدا أن كل الحاضرين لا يعيرونه أدنى اهتمام ، برغم أنه أسنهم ، وأكثرهم اعتناءا بمظهره وهندامه المليح ، فهو ابن رجل كان له شأن فى البلد كبير قبل سنوات من غيبته الأخيرة ، برغم ما كانت تؤخذ عليه من مآخذ كثيرة فى حياته ، إلا أن الحديث فى حضرته كان دائما ما يتسم بالوقار ، وربما يعود ذلك لهيئته المهيبة التى يزكيها جسد فارع عريض يكسوه صيف شتاء الجلباب الصوفى الفضفاض والعمامة البيضاء ذات الشال الملفوف على طربوش أحمر زاه دائما ، وهى غير ما يعتمره الرجال فى البلد من شال أبيض حول طاقية صوفية ، ولأنه لم يأخذ من أبيه سوى مهابة جسدية ، فلم يعبأ به الكثيرون من أجيال توازيه عمرا أو تعقبه .
زاحمه غضب مفاجىء لما رأى عدم اكتراث من الجمع الصاخب المشغول بآخر التطورات ، والمأخوذ بالأخبار المتواردة عن المرشحين للإنتخابات فى البرلمان الجديد ، رفع ذراعيه لأعلى فبانت سواعده حتى بعد منتصفها عارية ، وصفق ممتعضا ليوقف اللغط وفوضى الأحاديث التى لاتمسك بطرف معلوم .
-- محدش سألنى أنا اتأخرت ليه ياكلاب ياولاد الكلاب ؟
ولما لم يهدأ الصخب الذى ازدادت حدته وسط المجتمعين عن عمد، وتطاير عبارات هنا وهناك تغمز من قناته ، حمى وطيس داخله ، وارتفعت موجة غضب برأسه لضياع سؤاله الذى أعاده مرة أخرى مرتفعا عن ذى قبل ، حادا ومشروخا ، ولما جوبه بما يشبه الإصرار على تجاهله ، انحنى يخلع من إحدى قدميه فردة بلغته الفاقوسى ، وراح يلوح يها أما م وجوههم الباردة ، وقد أحال تجاهلهم إلى استنكار ما لبث أن اندفع سيل من ضحك وقهقهة وتصفيق .
__ ياولاد ستين كلب يازبالة الخلق "
خيم على إثرها صمت مباغت ، وكان التوجس لحظتها يحتوى الجلوس ، بينما كان ممن لايقع بصره عليهم يتغامزون خلسة ، وهم يشيعون الكلام من خلف ظهره :
-- طول بالك يارفعت ، شوف المصيبة اللى احنا فيها الأول
قالها شاكر ابن عبده أبو دراع وسيجارته مصوبة الى وجه رفعت ،منتصبة من زاوية فمه الحامل شفتين غليظتين ، وكان يمسح بظهر كفه عينين متورمتين ، بينما عيون بليدة غير مكترثة من رقاب مشرئبة تحوى المشهد بأكمله ، وأزاح الجالس بجواره فى غلظة تمهر تصرفاته كلها ، وجذب الواقف المنتفض المخذول وسط الدائرة من كم جلبابه ، وأجلسه بجواره .
البلد كلها ماسكة فى سيرتنا ليل نهار ، إبن ابو نصير ورجالته بيقولوا للناس ، إن احنا واخدين فلوس م الحاج فايز.
ضحك رفعت الذى اندفع عاليا صاخبا أعقبه شخرات من حلقه مستهزئة ، بينما كانت يده تعبث بلا طائل عن سيجارة ادخرها فى جيب صدارييه .
-- قالوا ياللى ابوك مات م الجوع ، قال هوا كان شاف أكل وما أكلش ، ياناس وحدوا الله ، الحاج فايز بتاعكوا ده مش لاقى يهرش .
حكمت الفوضى المشهد فى مخزن الغلال الفارغ أسفل دار ابراهيم ابن شوقى الملاح ، اندلع صراخ وصياح احتجاج وسباب وهتافات وفوضى عارمة بين الجميع ، ما لبثوا التفرق كل فى وجهة يراها ، والحاج رفعت يحاول لملمة ماتبعثر جراء كلامه الساخر ، ويميل بقامته الفارعة على رأس شاكر ابن عبده أبو دراع المنتفضة بالزعيق الجاعر الخشن .
n يا أخى كنت غاسل هدومى ، واستنيت لما نشفوا ، وتقولوا مش واخدين فلوس م الحاج فايز؟ اللن يخرب بيوتكم على بيت الحاج فايز ، الحدوتة دى على مين ؟ هه ؟ ، إذا كان مرشح فقير زى ما بتقول ، ماتيجى نلم له الزكاة ، واللا تبرعات أحسن ؟.
5/ على ابن خالتك حسينة
مستغرقا فى نوم قيلولة نهار عطلة رسمية من المدرسة ، اليوم عيد جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر ، خرجت من رأس الأستاذ على ابن خالتك حسينةكل أوجاع الزمن الذى فات ، وهم الذى محتم حضوره ، فبعد عودته المظفرة لعمله بالمدرسة الابتدائية بالبلد ، وبعد عام من التقاضى والمحاكم مع ادارة التربية والتعليم ، كان حكم القضاء الإدارى حاسما لصالح عودته ، لكنه ما أن حاول نقل استطالة جسده من موضعه الساخن فوق الفراش حتى داهمته النداءات الجاعرة المتكررة والمتنوعة ، والتى تقتحم سكون الحارات والأزقة والبيوت والشوارع باتساعها أو ضيقها ، كل حزمة من سنوات معدودة ، تخرج من مكبر صوت لاتشوبها خرفشات أو تقطعات معتادة ، والواضح من مخرج هذه الأصوات حداثتها وقوتها ، وتتعالى حول النداءات هتافات وصفير متوال ، دعك براحتيه حبتى عينيه المقروحتين لحرارة الحجرة وأرق مغالبة هذه القيلولة المتوترة ، هب منتفضا كالذى سقط فجأة على وجهه برص ناعم الملمس حال نومه بغرفة معتمة ، ولما التقطت أذنه من بين النداءات إسما يسمعه للمرة الأولى عبر الصياح والهتافات ،حاول لملمة ذاكرته عن هذا الإسم الذى لم يغب طويلا ، فخرجت أشواك التذكر من الرأس التى بدأ يتصاعد اليها الجحيم كما قال هو بعد ذلك .
جلس مربعا ساقيه فى منتصف سريره ، وقد فتح وليده الأصغر النافذة المستطيلة التى تقف بمحاذاة السرير غير بعيد ، فعاودت الأصوات الضاجة اقتحامها ، وتفجرت السكينة التى كان ينشدها قبل قليل ، صار الإسم الذى انتفض لسماعه وأصاخ سمعه للتأكد منه يخترق طبلة أذنه بحروفه الواضحة على أسنة النداءات المرفوعة من مكبر الصوت النقى ، ويعبر إليه فى مكمنه السريرى ، ولما لم تتسع الرأس فيه لعلامات الإستفهام الذى بدأت تحاصره من كل اتجاه ، لملم نفسه ، والتقط ثوبه المعلق فوق مشجب خشبى على الحائط بأعلى رأسه بجوار السرير،وهم بالخروج .
لحظتها واجهته دنيا كاملة مشغولة بالغبار والصفير والنداءات والهتافات والتصفيق والزغاريد المصاحبة لإنشاد خشن بإسم المرشح المقتحم البلد للمرة الأولى ، الراكب سيارة زرقاء لامعة ، مفتوح سقفها الواطىء ، والمنتصب با لنصف الأعلى رجل خمسينى ، ربعة ، كبير الرأس المنتفخ وجهها باللحم واللحية السوداء المتدلية على صدره ، وكان يلوح بيدين عفيتين يمنة ويسرة ، بينما صوره التى تشبههه لحد بعيد ، تحيط به من كل ناحية ، وخلفه موكب من سيارات متمايزة الصور والأشكال ، ارتقاها شبان وصبية يلوحون بذات الصور والشارات الخضراء الموشومة من منتصفها بصورة المصحف والسيف وعبارة دائرية تحوطهما.
لما تأكد له من استرجاع وقع الإسم المتردد مع الهتافات من مكبرات الصوت عبر الحناجر الشابة ، والصور التى تشغل واجهات السيارات ومؤخراتها ، والمنقوش تحتها هذا الإسم الذى يخامره حسه به الآن ، وقد راحت ذاكرته تقف فى صحوها التام ، راحت تتقلب فى رأسه أمور كثيرة :
-- أيعقل ؟" يااااه سعد جمعة المكباتى ؟ يااااه سعد المكباتى مرشح :" والله مصير الحى يتلاقى .
وقد لمعت على الفور فى رأسه فكرة بدأت باهتة لدقائق ما لبثت أن استوت وقامت من مرقد التخمين إلى مهجع التوقد ، لم يدع لها من أسئلة تروح وتجىء تشاغل المخيلة .
ها هو سعد المكباتى على أرضه وفوق ساحته ، وفرصة سانحة لن يدعها تموت بين يديه مرة أخرى ، فسعد المكباتى المدين له بألفي جنيه مصرى على أرضه ووسط أهله ، ويستطيع الإمساك بخناقه دون خوف من أتباع له كانوا يحيطونه أينما راح أو جاء ،.
كان قد أوهمه بعقد عمل له فى بلاد الخليج ، أى بلد ، لم يحدد له مكانا أو أرضا ،أوتأشيرة دخول صالحة للحصول على إقامة شرعية ، بموجبها يحق له البحث عن عمل لائق ، ولعامين كاملين والأمل بالسفر يراوح مكانا لم يستطع الخروج من كابوسه المفزع صحوا ونوما ، سعد المكباتى الذى سبق صيته فى القدرة على الحصول على عقود عمل وتأشيرات دخول كل الكلام والأمنيات ، وامتلأت القرى المحيطة بأخبار من سافر واستقر وطاب له الكسب والمقام هناك ، لكنه ظل يراوغ ويزيد من نمو الأحلام داخله ، ولما بان له من كذب كل الأحاديث رغب الأستاذ على فى استرداد الأفى جنيه التى يطارده شبح إيصال الأمانة الذى وقعه بخط يده دينا بهما عليه لزوجة أبيه يسددهما ألفين ونصف بعد عام من سفره ، داخ الدوخات السبع عليه ليسترد الجنيهات ، وحتى لايقع بقبضة زوجة أبيه المالكة لإيصال الأمانة ، مرات يخفيه أهله عنه ، ناكرين وجوده بالدار ، ومرات يكون بضيافة الشرطة لقضاء حاجة أو لاستجواب مباغت .
مشاعره الرافضة لما يصل إلى مسمعه الآن تحفزه على الخروج من داره ، والدهشة تمور برأسه وتلتم كصديد فى رأس دمل يؤلم الصدر ، هو فى حالة تشبه من هجرها زوجها ، لم ينصت لناصحيه مرة من أن الرجل نصاب ومحترف خداع ، وأنه لن يحصل غير الوهم من السير خلف تمنياته ، وبالرغم من أن شيئا داخله كان يدفعه لتصديق ما يقال فى حق سعد المكباتى .
الدنيا بأكملها تضغط على رأسه هذه اللحظة ، والموكب الضاج يقترب زحفه قادما من شارع البلد الرئيسى ، وصوت عزيمته يقوى وينمو داخل الرأس والروح ، لايرى الآن غير هذا المنتصب وسط عربته المكشوفة محاطا ببعض من تابعيه ، عمامة بيضاء مبرومة بعناية ويتدلى طرفها ناحية صد غه الأيمن ، ولحيته الكثيفة التى ينساب فيها الأبيض على قلته وسط كثافة الأسود ، ملوحا لنسوة فوق الأسطح وأمام الدور ، ومترجلا يصافح الرجال فى الطرقات والعائدين من غيطانهم بآخر النهار وأمام الجامع ودكاكين البقالة والحلاقة ، .
ولما قادته قدماه مستوقفا الموكب وبعصبية بدت واضحة على ملامح الوجه الحامل آثار نعاس ، وما أن لمحه سعد المكباتى الملوح باليدين المشمترى الأكمام حتى أنزلهما واجما ، وتكدرت هيئته ، لأنه على الفور تذكر صاحب الهيئة المقتحمة ، القافز بين العربات التى توقفت فجأة لصيحته المدوية ، وهو يقفز على مقدمة العربة التى يركبها واقفا سعد المكباتى ، واختطف ميكروفون مكبر الصوت من الصبى الجالس بجوار السائق ، لكن رباطة جأش أسعفته بأن يلتقط الميكرفون من يده محيلا بينه وبين الحديث جهرا وقد أراح كفه فوق فم على ابن رجب السلكاوى ، وقد صار الوجهان متقابلان .
_ خليها تعدى على خير والألف جنيه يبقوا تلاتة .
بينما يرتفع الإصرار داخل رأس على ، ويقوى عزمه على المضى فى ما انتواه .
_ وحياة دقنك الشريفة دى ليكونوا عشرة . مش تلاتة
_ طيب خليها تفوت وأنا تحت أمرك
شعر على ابن رجب بأن فى الأمر مراوغة وتحايل جديد ، لكنه ، ومن خلال عضلات وجه مشدودة متوفزة رد بثبات
_ يبقى أقبض دى الوقتى
_ ودى معقولة ياصاحبى " فى حالة زى دى أشيل فلوس معايا ؟
_ يبقى تكتب شيك . لأ . وصل أمانة بالمبلغ . بعشر تلاف جنيه
وقد كان
وبيد مرتعشة وعيون زائغة قلقة متوترة النظرات الكسيرة المخذولة راقبتها العيون المبحلقة من كل صوب والآذان المحاصرة المحشودة بالموقف وتداعياته ، وقع سعد المكباتى مرشح العمال لمجلس الشعب الجديدأسفل سطور بورقة ، وبخط يده كتبها ، وأقر فيها بدين يبلغ عشر ة آلاف جنيه لعلى ابن رجب السلكاوى الخفير .
6/ الأمير ابن أبو يوسف
على أرض الحجرة الهابطة عن الحارة الضيقة درجات ، كان الأمير ابن أبو يوسف فى مقابل زوجته يجلسان حول عشاء ، بجوارهما ولديهما ، تقضم هى فى أسى يطفح فوق ملامحها ، ولم تزل دموعها تسيل على أنفها . بعد وجبة ليلية من سباب ولعنات لها ولأمها ، وشجار دائم يلتم على إثره فى كل مرة نسوة الحارة ، ولم تعد واحدة منهن تأبه للأمر لتكراره وكثرته ، بينما هو يلملم ما يقع بين يديه ويحشو فمه بتوال وبلا اكتراث بها أو بولديه .
ولما اقتحمت الحجرة قامات ثلاث ، رفع رأسه لتضيق أمام عينيه مجالات الرؤية ، فأحس بهلع خاطف ، استعاذ على إثره بالله من الشيطان الرجيم باسما ، ومن شر الحاضرين على القاعدين ، كان أحدهم يسد بكرشه مدخل الحجرة ، ساندا كتفيه على حافة درفة الباب المغلقة ، بينما قرفص ثانيهم تحت قدميه ينفث دخان سيجارته ، وبأعلى رأس الأمير وقف ثالثهم يثنى ساقه اليمنى لتصير ركبته بمحاذاة رأس الأمير المنشغل عنهم ، فيهزها بتلطف .
_ ياللا يا ابن شفيقة . جالك الفرج.
_ وانتوا وراكوا غير زبل الأرنب ؟ فرج إيه يابو فرج ؟
قالها الأمير وهو يزيح ما تبقى من فتات عشاء أمام ولديه ، فتقهقرت زوجته تسند ظهرهاللحائط وتدفن رأسها بين ركبتيها وهو يرمقها بغيظ ، وينهض نافضا جلبابه من نثار الفتافيت .
_ ياللا بينا من قدام بنت المرا الفقر دى ، وخلينا نشوف الفرج بتاعكم فى ليلتكم اللى زى الهباب .
لكنهم استبقوه بتلطف مبالغ فيه تصاحبه ابتسامات وعروض بسجائر ، فصرف زوجته لتعد شايا ، ليواجهه الأشيب صاحب الوجه الملىء بالبثور والشفة السفلى الغليظة الهابطة .
_ آدى الطبلة ، وآدى البازة بتاعتها . من الليلة مش عاوزك تهدى يابطل .
لم يقل للأمير أنها كانت طبلة أبيه التى كان يدقهالإيقاظ الناس للسحور بشهر رمضان أو لصلاة فجر كل ليلة نظير نصيب فى غلال أجرانهم ، أو فطائر وكعك العيد ، ولكن الجالس القرفصاء عند قدمى الذى يسد الباب بجسده المهول قال بتهكم .
_ خد بالك ياوله .. دى من ريحة المرحوم .
كانت نذر اشتعال الموقف بينهما قد لاحت على الفور ، ولن يحتمل ضيق الحجرة وقائع عراك محتمل ، لولا أن تداركت الأمر زوجة الأمير بأكواب الشاى التى صاحت من خلال صوتها المخنوق ، فزام الأمير فى وجهها ، ولعن من أنجباها لكونها لم تعمل له حسابا فى كوب رابعة وقد التفت إليهم مسرعا .
_ طبلة إيه ، ومزيكة إيه ، هيا الناس ناقصة هوسة وزيطة ، لو عاوزين أعمل عجين الفلاحة مفيش مانع ، بس.. إيدك ياحبيبى انت وهوه .
وحك سبابته بإبهامه أمام أعينهم ، فقال المعمم أكبرهم .
_ الله يخرب بيت أبوك مطرح ما راح ، واحنا لينا بركة إلا انته . بس ينجح الحاج فايز ، وهتشوف الهنا كله .
قفز الأمير من جلسته القلقة مباغتا الثلاثة ، مقسما بأيمان الطلاق الثلاثة المغلظة ، أن يرسم الرمز الانتخابى للحاج فايز على صدره وظهره ، وأن لايستر نصفه الأعلى طوال فترة الدعوة للانتخابات ، لكن الأمر الذى يجب مراعاته ، وكما حك جسده مرة أخرى بإبهامه وسبابته .
لم يباغت الثلاثة بكلام الأمير ، فهم يدركون سذاجته ، فلمعت الإشارات الطالعة من كلامه أمام أعينهم ، هبوا يصحبونه من تحت إبطيه خارجين نحو دار مشير الخطاط الذى ينمو رزقه فى مثل تلك المناسبات هو الآخر ، وتعرى الأمير أمامه ، وكانوا حوله قد ألقى بهم الضحك على وجوههم من مرآه وما تصنع بجسده العارى أصابع مشير التى تنقش بألوان زاهية الرمز الانتخابى للحاج فايز على صدره وظهره ، وفى وسط الدائرة التى تحلقت حوله ، قبض الأمير على الطبلة المصبوغةبآثار الزمن الغابر ، وبيده الأخرى البازة الرفيعة ، وقد راح يتراقص ويلف ويدور حول نفسه ، ويدق بطرفها الرفيع على حافة الطبلة ، وهم حوله يصفقون بالأكف التى التهبت مع الضحكات الساخرة وهى تتوالى وتتابع مع تتابع الملتفين حوله ، يذرعون الشوارع والحارات ، وقد صار الجمع حشدا كبيرا يهتف ويزغرد ويصفق ، بينما شفاه نسوية على الأطراف تمصمص تأسيا لما يجرى للأمير ومعه ، بينما كانت تذوب تلك المصمصات وسط الغبار الذى يعلو مع الهتاف باسم الحاج فايز .
ولما واجه الأمير آخر الليل هذا الخواء والفراغ الذى يصفر بداره التى خلت من زوجته وولديه ، جلس مخذولا منزويا فى ركن رطب من حجرته ، وأشعل نارا فى موقد الفخار المتوسط لها ، وسحب الجوزة النحاسية التى يغطيها الصدأ ، وراح يسحب أنفاسه فى استغراق بائس وتأمل عميق لما يدور بداخله المنكسر . حين كان يسترجع الأحداث التى صارت طوال ليلته ، وجيبه الخالى مما وعد به من الثلاثة التى صارت صورهم تتراءى له فى عتمة روحه القلقة بشعة وقاسية، والتى لم يستطع مقاومتها أو مطاردتها خارجها ، لكنه انتفض من عنفوان مشاعره الملتهبة ، وراح يتخلص من ملابسه بعصبية بدت فى قبضات أصابعه على لباسه الداخلى ونتفه التى تمزقت بينها ، واسند ظهره العارى لجدار الحجرة الملاصق للباب المغلق وراح يحكه به ، بينما أصابعه المتوترة تحك الصورة المنقوشة على صدره بأظافر حامية ، ولما أعيته السبل ، وأجهدته محاولاته الخائبة لنزع صورة الحاح فايز من فوق صدره وظهره ، سقط على الأرض مغشيا عليه ، وحيدا ، تتألم روحه ، بينما ريح تصفر فيها وفى الحجرة الخالية بأسى .
7/ راشد والوزير وفهمى
جاءهم بعد سنوات خمس ، ممنيا النفس بالحصول على التأييد له كما فى المرة السابقة ، لكن هذه المرة كان قد زال عنه سلطان سلطة الوظيفة الكبيرة التى كانت أكسبته مهابة وسلطانا وتألقا، وتضاءلت حاشيته التى كانت تعد له حتى خطواته التى يخطوها بين الناس وترتب له الوقت واللقاء ، فلم يحط به هذه المرة غير قلة منهم ونفر من أهل قريته المقربين ممن كانوا يحظون ببعض من نفحات سلطانه ونفوذ وظيفته .
جاء هذه المرة بلا ضجيج يسبقه أو لغط حديث يخلفه ، على قدميه قطع الشوارع والحارات ، مرافقوه يدقون على الأبواب المغلقة ، ويستأذنون أهلها فى الحديث ، فيطل البعض متأففا حانقا ، تحول سماحة النفس المعتادون عليها بينهم وبين مجاهرتهم بالإستياء من الرجل الذى مناهم كثيرا ، وراحت وعوده الممنية أدراج الرياح ، صار وقع ممانعتهم فى الجهر بالتأييد له هذه المرة قاسيا ، ومرا فى لحظات كثيرة ، ولذكاء وثبات عقل فيه كان يوافقهم الرأى الجارح ، ويصدقهم أقوالهم فى أنه قصر كثيرا فى حقوقهم ومطالبهم ، وأرجع الأمر فى كل أحاديثه إلى مسؤلياته الجسام فى الوزارة ماضيا ، وقد تحلل منها الآن ، ولم يخل الأمر من انكسار فى نظراته أمامهم انحنى البعض لها خجلا ، وطار صواب آخرين لها طربا .
لما تشيع نفر من مناصرى الوزير السابق فيما قبل لمواجهته ورفض تأييده هذه المرة ، وجدها راشد ابن محمد أبو دراع فرصة مواتية ينبغى اغتنامها ، فهو متربص بهؤلاء النفر منذ سنوات ، وبكل من يبادىء بالحركة وسط الناس ، فيعلو قدره بينهم ، لم يتورع يوما من النقمة على كل جميل ينبت فى حقول المودة بين أهل البلد ، متزينا بصلف يدارى به هزائم وخيبات داخلية لا يقر بها أبدا ، فبعد عسر طال مقامه فى حياته ، وحين كان مضرب الأمثال فى رثاثة الملبس بين أقرانه ، وبعد مكابدات عيش طالت منذ مولده حتى تخرجه من الجامعة ، وبعد سنوات عمل مدرسا لم تثبت له جدارة ، أو يبدى همة يوما ما ، أتاه عفو الأقدار ، وتهيأت له سفرة لم تكن فى دائرة مخيلته الى بلاد الحجاز لسنوات أربع لم يكن بمقدوره الاستمرار هناك لشراسة الطباع وسوء التدبير ، لكنه اغتنم منها ما اغتنم من جنيهات ، عض عليها بنواجذه ، وتبدلت قليلا هيئته ، ولم يتبدل داخله الحانق المتنكر لأيامه العسيرة التى انقضت ، واللاعن أيام اليسر التى أصابت غيره حين ألبستهم راحة وطمأنينة وتأنقا ، هو الآن لم يعد يهتم بمصير أحد غير مصيره ووجوده فقط ، وجوده الخاص فى الدنيا ، ، مايشغله فقط تسلطه ومحاولات تدميرالآخرين بافتراءات وأكاذيب ، لم يعد لديه مغامرة جميلة وحقيقية للحياة ، هى فى نظره نقيض لطغيان الآخرين عليه ، وكم هو ماهر بممارسة الطغيان فى شكله الإنسانى حتى على ذويه ، تشغله فكرة سوداء أن يجبر الآخرين أن يتحركوا على أربعة أقدام لو كانت أعمدتهم الفقرية البشرية تقدر على موافقة هذا الفعل .
وجدها راشد ابن محمد أبو دراع فرصة عليه اغتنامها ، ولكن ماذا هو فاعل ، وقد تقدم بشر كثر يدعمون مرشحا مرموقا وسط أهل القرى المحيطة ، ومنافسا لهذا المرشح المدعوم من ذوى السلطة والنفوذ ، وممثلا لحزب معارض ، وأعلن بينهم بصوت جاعر دائما ، : أنه من أجل صديقه __ قال عنه صديقه __ المرشح المعارض ، والقادم من القرية الملاصقة ، والمرتبطة فى كثير من الحالات بصلات مصاهرة ونسب مع كثير من أهل قريتنا ، تخلى عن فكرة ترشيح نفسه للبرلمان ، ولأنه أجدر منه ، وهنىء به المرشح المتشابكة يده بيده ، ولوحا للملتفين حولهما فى الساحة الوسيعة فى صدر المقابر وسط البلد ، بينما تعالت دهشة متسائلة من البعض الذى شاهد راشد ابن أبو دراع ليلة الأمس يجاهر بتأييد مرشح ثالث بصحبة قلة من أهل قريته ، وكان يطرق أبواب الدور نيابة عنهم ، وبذات الصوت الأجش الخشن كان يلوك كلمات التأييد وهو يطلبها من كل من يمر بطريقه ،.
ماذا هو فاعل الآن ، والسؤال بشكله ومدارج حضوره لم يكن يوما من مفردات حياته ، كل أفعاله تأتى موتورة ومتوترة وصادمة ، هى بنت لحظتها بالكاد ، يهوى الصخب ، ويعشق الهياج ، لأنه فاقد صبره على الدوام ، ويتحاشى أن يضيع على دروب التعقل فسجن نفسه داخل جدران منطقه الإنسانى لكل من يراه متحققا أو ناجزا عملا طيبا للآخرين .
*****
ولما لم يشتعل السؤال مرة واحدة بداخله طوال هذا العمر الممتد لأكثر من خمسين سنة ،، فلم يدرك فى كل أحواله أن أفعاله يشوبها الإضطراب والإرتباك والتناقض .
وجدها فرصة سانحة عليه اغتنامها فقط ، هاهم مناصرى الوزير السابقين يعلنون على الرجل حربا لا هوادة فيها ، لأنه خيب رجاء قرية بأكملها فى السنوات التى مضت بوعود لم يتحقق منها شىء ، فراح يعد للأمر عدة يتقنها ويعرف كافة تفاصيلها ، صاخبا ومنفلتا من عقال طال ، أحاط برغبته عاطلون وكسالى ومن فى قلوبهم هوى متشعب ، اصطفوا خلفه غير مبالين _ مثله _ بعادة أو تقاليد ، فمنهم من رأى فى الوجهة الجديدة تحقيقا لثأر قديم مع من يرفضون تأييد الرجل وإعانته فى الدعوة لنفسه مرشحا .
**********
لابد أن تواجه الوزير السابق فى بداية أمره للترشح صعوبات ، ولعل من أقواها ، عدم التكيف مع نزوات راشد وأتباعه ونزقه ، ولم يخل الأمر من صدامات حادة بين مساندى الوزير وراشد وحاشيته وصلت لحد التراشق بجارح العبارات من جهته _ كعهده _ وهو المستعصى على الآحتواء فى لحظات مواجهة مكشوفة ، فلابد من أن يصدر مواقف حادة لاقبل له به لو أوتى منفردا ، وكثيرا ماكانت قبضات أتباعه تلوح فى الفراغ دون تحقق فعل
ولما انبرى فهمى ابن وجيه من وسط الحشد المتصايح والمتدافع خلف راشد واقفا ، كان ؛ وهو المنذور لسلاطة اللسان كراشد ، وتماما كأبيه الذى قضى أخريات سنينه حبيس شلل نصفى وثرثرات موجعة لا تخلو من افتعال نقائص ساخرة وتلامز وتنابز بألقاب كل مار به ، وحكايات عن البشر والكائنات ، يتسلى بها المتنطعون فوق المصاطب الطينية المتناثرة بجوار بيوت البلد وفى دكاكين الحلاقة، وكأنه كان يغادر أشباح القسوة التى لاقاها بعد مرضه من زوجته التى يعايرها دوما بأمها التى تبيع الروث الجاف لأفران الخبيز وكوانين الطهى الطينية ،قذف فهمى فى محيط تجمعهم البالغ الصخب والعنف المفتعل قذيفة ألهبتهم ودفعتهم لعراك لايرجى منه مروءة أو خير ، فقد أعلن بلهجة لاتخلو من صفاقة أمام أتباع الوزير السابق ، أن لاأحد بالقرية سيعطى له صوتا إن لم تساندوا فى قريته المرشح الآخر الذى يتشيع له هو وراشد ابن محمد أبو دراع ، فأسقط فى أيديهم ، وأصبحت الأمور بمنأى عن أى تقارب بفعل هذا المطلب الصعب تحققه ، لارتباط الوزير بمرشح الحزب الآخر عن العمال ، وصار الود فى تلك اللحظة آيلا للإنهيار ، ولم يتبق غير أيام قلائل عن يوم التصويت بالانتخابات .
قالها بنفسه أبرز المرافقين للوزير السابق : لو لم يكن بنا حاجة لافتعال شقاق أو خلاف لأشعلناها نارا تحرق جلودكم جميعا ، ولجعلنا الدم يسيل حتى مفاصل الأقدام ، وهم واقفا بغضب يتبعه بقية المناصرين ، وغادروا القرية بسياراتهم التى كانت تنهب الأسفلت وكأنها تؤازر خيبتهم فى تلك القرية
4/ رفعت
وهو يجفف بمنديل القماش الذى يملأ كفه العريضة عرقا يملأ وجهه المشعر ، المطبوع بحماس وهمة مفتعلة ، وإجهاد ، باغت الجمع بحلوله وسط دائرتهم المختلفة أعمارا وملامح وأمزجة وطباعا ، ما بين مزارع صاحب أرض أو بلا قيراط واحد وطالب الجامعة والعاطل عن عمل أو متعطل وصاحب دكان البقالة وسائق الجرار والمدرس الأزهرى وفراش المدرسة الثرثار والحلاق الأكثر ثرثرة والمطلوب القبض عليه لتهربه من الجيش أو لسداد دين حكومى والنجار وطالب الثانوى وصبية يلهون ويهرجون حول شعبان ابن يدرية بائع الخضروات بعربته الخشبية فى سوق الشيخ ضرغام بالمنصورة..
ولما لم يلتفت إليه أحد ، وبدا أن كل الحاضرين لا يعيرونه أدنى اهتمام ، برغم أنه أسنهم ، وأكثرهم اعتناءا بمظهره وهندامه المليح ، فهو ابن رجل كان له شأن فى البلد كبير قبل سنوات من غيبته الأخيرة ، برغم ما كانت تؤخذ عليه من مآخذ كثيرة فى حياته ، إلا أن الحديث فى حضرته كان دائما ما يتسم بالوقار ، وربما يعود ذلك لهيئته المهيبة التى يزكيها جسد فارع عريض يكسوه صيف شتاء الجلباب الصوفى الفضفاض والعمامة البيضاء ذات الشال الملفوف على طربوش أحمر زاه دائما ، وهى غير ما يعتمره الرجال فى البلد من شال أبيض حول طاقية صوفية ، ولأنه لم يأخذ من أبيه سوى مهابة جسدية ، فلم يعبأ به الكثيرون من أجيال توازيه عمرا أو تعقبه .
زاحمه غضب مفاجىء لما رأى عدم اكتراث من الجمع الصاخب المشغول بآخر التطورات ، والمأخوذ بالأخبار المتواردة عن المرشحين للإنتخابات فى البرلمان الجديد ، رفع ذراعيه لأعلى فبانت سواعده حتى بعد منتصفها عارية ، وصفق ممتعضا ليوقف اللغط وفوضى الأحاديث التى لاتمسك بطرف معلوم .
-- محدش سألنى أنا اتأخرت ليه ياكلاب ياولاد الكلاب ؟
ولما لم يهدأ الصخب الذى ازدادت حدته وسط المجتمعين عن عمد، وتطاير عبارات هنا وهناك تغمز من قناته ، حمى وطيس داخله ، وارتفعت موجة غضب برأسه لضياع سؤاله الذى أعاده مرة أخرى مرتفعا عن ذى قبل ، حادا ومشروخا ، ولما جوبه بما يشبه الإصرار على تجاهله ، انحنى يخلع من إحدى قدميه فردة بلغته الفاقوسى ، وراح يلوح يها أما م وجوههم الباردة ، وقد أحال تجاهلهم إلى استنكار ما لبث أن اندفع سيل من ضحك وقهقهة وتصفيق .
__ ياولاد ستين كلب يازبالة الخلق "
خيم على إثرها صمت مباغت ، وكان التوجس لحظتها يحتوى الجلوس ، بينما كان ممن لايقع بصره عليهم يتغامزون خلسة ، وهم يشيعون الكلام من خلف ظهره :
-- طول بالك يارفعت ، شوف المصيبة اللى احنا فيها الأول
قالها شاكر ابن عبده أبو دراع وسيجارته مصوبة الى وجه رفعت ،منتصبة من زاوية فمه الحامل شفتين غليظتين ، وكان يمسح بظهر كفه عينين متورمتين ، بينما عيون بليدة غير مكترثة من رقاب مشرئبة تحوى المشهد بأكمله ، وأزاح الجالس بجواره فى غلظة تمهر تصرفاته كلها ، وجذب الواقف المنتفض المخذول وسط الدائرة من كم جلبابه ، وأجلسه بجواره .
البلد كلها ماسكة فى سيرتنا ليل نهار ، إبن ابو نصير ورجالته بيقولوا للناس ، إن احنا واخدين فلوس م الحاج فايز.
ضحك رفعت الذى اندفع عاليا صاخبا أعقبه شخرات من حلقه مستهزئة ، بينما كانت يده تعبث بلا طائل عن سيجارة ادخرها فى جيب صدارييه .
-- قالوا ياللى ابوك مات م الجوع ، قال هوا كان شاف أكل وما أكلش ، ياناس وحدوا الله ، الحاج فايز بتاعكوا ده مش لاقى يهرش .
حكمت الفوضى المشهد فى مخزن الغلال الفارغ أسفل دار ابراهيم ابن شوقى الملاح ، اندلع صراخ وصياح احتجاج وسباب وهتافات وفوضى عارمة بين الجميع ، ما لبثوا التفرق كل فى وجهة يراها ، والحاج رفعت يحاول لملمة ماتبعثر جراء كلامه الساخر ، ويميل بقامته الفارعة على رأس شاكر ابن عبده أبو دراع المنتفضة بالزعيق الجاعر الخشن .
n يا أخى كنت غاسل هدومى ، واستنيت لما نشفوا ، وتقولوا مش واخدين فلوس م الحاج فايز؟ اللن يخرب بيوتكم على بيت الحاج فايز ، الحدوتة دى على مين ؟ هه ؟ ، إذا كان مرشح فقير زى ما بتقول ، ماتيجى نلم له الزكاة ، واللا تبرعات أحسن ؟.
5/ على ابن خالتك حسينة
مستغرقا فى نوم قيلولة نهار عطلة رسمية من المدرسة ، اليوم عيد جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر ، خرجت من رأس الأستاذ على ابن خالتك حسينةكل أوجاع الزمن الذى فات ، وهم الذى محتم حضوره ، فبعد عودته المظفرة لعمله بالمدرسة الابتدائية بالبلد ، وبعد عام من التقاضى والمحاكم مع ادارة التربية والتعليم ، كان حكم القضاء الإدارى حاسما لصالح عودته ، لكنه ما أن حاول نقل استطالة جسده من موضعه الساخن فوق الفراش حتى داهمته النداءات الجاعرة المتكررة والمتنوعة ، والتى تقتحم سكون الحارات والأزقة والبيوت والشوارع باتساعها أو ضيقها ، كل حزمة من سنوات معدودة ، تخرج من مكبر صوت لاتشوبها خرفشات أو تقطعات معتادة ، والواضح من مخرج هذه الأصوات حداثتها وقوتها ، وتتعالى حول النداءات هتافات وصفير متوال ، دعك براحتيه حبتى عينيه المقروحتين لحرارة الحجرة وأرق مغالبة هذه القيلولة المتوترة ، هب منتفضا كالذى سقط فجأة على وجهه برص ناعم الملمس حال نومه بغرفة معتمة ، ولما التقطت أذنه من بين النداءات إسما يسمعه للمرة الأولى عبر الصياح والهتافات ،حاول لملمة ذاكرته عن هذا الإسم الذى لم يغب طويلا ، فخرجت أشواك التذكر من الرأس التى بدأ يتصاعد اليها الجحيم كما قال هو بعد ذلك .
جلس مربعا ساقيه فى منتصف سريره ، وقد فتح وليده الأصغر النافذة المستطيلة التى تقف بمحاذاة السرير غير بعيد ، فعاودت الأصوات الضاجة اقتحامها ، وتفجرت السكينة التى كان ينشدها قبل قليل ، صار الإسم الذى انتفض لسماعه وأصاخ سمعه للتأكد منه يخترق طبلة أذنه بحروفه الواضحة على أسنة النداءات المرفوعة من مكبر الصوت النقى ، ويعبر إليه فى مكمنه السريرى ، ولما لم تتسع الرأس فيه لعلامات الإستفهام الذى بدأت تحاصره من كل اتجاه ، لملم نفسه ، والتقط ثوبه المعلق فوق مشجب خشبى على الحائط بأعلى رأسه بجوار السرير،وهم بالخروج .
لحظتها واجهته دنيا كاملة مشغولة بالغبار والصفير والنداءات والهتافات والتصفيق والزغاريد المصاحبة لإنشاد خشن بإسم المرشح المقتحم البلد للمرة الأولى ، الراكب سيارة زرقاء لامعة ، مفتوح سقفها الواطىء ، والمنتصب با لنصف الأعلى رجل خمسينى ، ربعة ، كبير الرأس المنتفخ وجهها باللحم واللحية السوداء المتدلية على صدره ، وكان يلوح بيدين عفيتين يمنة ويسرة ، بينما صوره التى تشبههه لحد بعيد ، تحيط به من كل ناحية ، وخلفه موكب من سيارات متمايزة الصور والأشكال ، ارتقاها شبان وصبية يلوحون بذات الصور والشارات الخضراء الموشومة من منتصفها بصورة المصحف والسيف وعبارة دائرية تحوطهما.
لما تأكد له من استرجاع وقع الإسم المتردد مع الهتافات من مكبرات الصوت عبر الحناجر الشابة ، والصور التى تشغل واجهات السيارات ومؤخراتها ، والمنقوش تحتها هذا الإسم الذى يخامره حسه به الآن ، وقد راحت ذاكرته تقف فى صحوها التام ، راحت تتقلب فى رأسه أمور كثيرة :
-- أيعقل ؟" يااااه سعد جمعة المكباتى ؟ يااااه سعد المكباتى مرشح :" والله مصير الحى يتلاقى .
وقد لمعت على الفور فى رأسه فكرة بدأت باهتة لدقائق ما لبثت أن استوت وقامت من مرقد التخمين إلى مهجع التوقد ، لم يدع لها من أسئلة تروح وتجىء تشاغل المخيلة .
ها هو سعد المكباتى على أرضه وفوق ساحته ، وفرصة سانحة لن يدعها تموت بين يديه مرة أخرى ، فسعد المكباتى المدين له بألفي جنيه مصرى على أرضه ووسط أهله ، ويستطيع الإمساك بخناقه دون خوف من أتباع له كانوا يحيطونه أينما راح أو جاء ،.
كان قد أوهمه بعقد عمل له فى بلاد الخليج ، أى بلد ، لم يحدد له مكانا أو أرضا ،أوتأشيرة دخول صالحة للحصول على إقامة شرعية ، بموجبها يحق له البحث عن عمل لائق ، ولعامين كاملين والأمل بالسفر يراوح مكانا لم يستطع الخروج من كابوسه المفزع صحوا ونوما ، سعد المكباتى الذى سبق صيته فى القدرة على الحصول على عقود عمل وتأشيرات دخول كل الكلام والأمنيات ، وامتلأت القرى المحيطة بأخبار من سافر واستقر وطاب له الكسب والمقام هناك ، لكنه ظل يراوغ ويزيد من نمو الأحلام داخله ، ولما بان له من كذب كل الأحاديث رغب الأستاذ على فى استرداد الأفى جنيه التى يطارده شبح إيصال الأمانة الذى وقعه بخط يده دينا بهما عليه لزوجة أبيه يسددهما ألفين ونصف بعد عام من سفره ، داخ الدوخات السبع عليه ليسترد الجنيهات ، وحتى لايقع بقبضة زوجة أبيه المالكة لإيصال الأمانة ، مرات يخفيه أهله عنه ، ناكرين وجوده بالدار ، ومرات يكون بضيافة الشرطة لقضاء حاجة أو لاستجواب مباغت .
مشاعره الرافضة لما يصل إلى مسمعه الآن تحفزه على الخروج من داره ، والدهشة تمور برأسه وتلتم كصديد فى رأس دمل يؤلم الصدر ، هو فى حالة تشبه من هجرها زوجها ، لم ينصت لناصحيه مرة من أن الرجل نصاب ومحترف خداع ، وأنه لن يحصل غير الوهم من السير خلف تمنياته ، وبالرغم من أن شيئا داخله كان يدفعه لتصديق ما يقال فى حق سعد المكباتى .
الدنيا بأكملها تضغط على رأسه هذه اللحظة ، والموكب الضاج يقترب زحفه قادما من شارع البلد الرئيسى ، وصوت عزيمته يقوى وينمو داخل الرأس والروح ، لايرى الآن غير هذا المنتصب وسط عربته المكشوفة محاطا ببعض من تابعيه ، عمامة بيضاء مبرومة بعناية ويتدلى طرفها ناحية صد غه الأيمن ، ولحيته الكثيفة التى ينساب فيها الأبيض على قلته وسط كثافة الأسود ، ملوحا لنسوة فوق الأسطح وأمام الدور ، ومترجلا يصافح الرجال فى الطرقات والعائدين من غيطانهم بآخر النهار وأمام الجامع ودكاكين البقالة والحلاقة ، .
ولما قادته قدماه مستوقفا الموكب وبعصبية بدت واضحة على ملامح الوجه الحامل آثار نعاس ، وما أن لمحه سعد المكباتى الملوح باليدين المشمترى الأكمام حتى أنزلهما واجما ، وتكدرت هيئته ، لأنه على الفور تذكر صاحب الهيئة المقتحمة ، القافز بين العربات التى توقفت فجأة لصيحته المدوية ، وهو يقفز على مقدمة العربة التى يركبها واقفا سعد المكباتى ، واختطف ميكروفون مكبر الصوت من الصبى الجالس بجوار السائق ، لكن رباطة جأش أسعفته بأن يلتقط الميكرفون من يده محيلا بينه وبين الحديث جهرا وقد أراح كفه فوق فم على ابن رجب السلكاوى ، وقد صار الوجهان متقابلان .
_ خليها تعدى على خير والألف جنيه يبقوا تلاتة .
بينما يرتفع الإصرار داخل رأس على ، ويقوى عزمه على المضى فى ما انتواه .
_ وحياة دقنك الشريفة دى ليكونوا عشرة . مش تلاتة
_ طيب خليها تفوت وأنا تحت أمرك
شعر على ابن رجب بأن فى الأمر مراوغة وتحايل جديد ، لكنه ، ومن خلال عضلات وجه مشدودة متوفزة رد بثبات
_ يبقى أقبض دى الوقتى
_ ودى معقولة ياصاحبى " فى حالة زى دى أشيل فلوس معايا ؟
_ يبقى تكتب شيك . لأ . وصل أمانة بالمبلغ . بعشر تلاف جنيه
وقد كان
وبيد مرتعشة وعيون زائغة قلقة متوترة النظرات الكسيرة المخذولة راقبتها العيون المبحلقة من كل صوب والآذان المحاصرة المحشودة بالموقف وتداعياته ، وقع سعد المكباتى مرشح العمال لمجلس الشعب الجديدأسفل سطور بورقة ، وبخط يده كتبها ، وأقر فيها بدين يبلغ عشر ة آلاف جنيه لعلى ابن رجب السلكاوى الخفير .
6/ الأمير ابن أبو يوسف
على أرض الحجرة الهابطة عن الحارة الضيقة درجات ، كان الأمير ابن أبو يوسف فى مقابل زوجته يجلسان حول عشاء ، بجوارهما ولديهما ، تقضم هى فى أسى يطفح فوق ملامحها ، ولم تزل دموعها تسيل على أنفها . بعد وجبة ليلية من سباب ولعنات لها ولأمها ، وشجار دائم يلتم على إثره فى كل مرة نسوة الحارة ، ولم تعد واحدة منهن تأبه للأمر لتكراره وكثرته ، بينما هو يلملم ما يقع بين يديه ويحشو فمه بتوال وبلا اكتراث بها أو بولديه .
ولما اقتحمت الحجرة قامات ثلاث ، رفع رأسه لتضيق أمام عينيه مجالات الرؤية ، فأحس بهلع خاطف ، استعاذ على إثره بالله من الشيطان الرجيم باسما ، ومن شر الحاضرين على القاعدين ، كان أحدهم يسد بكرشه مدخل الحجرة ، ساندا كتفيه على حافة درفة الباب المغلقة ، بينما قرفص ثانيهم تحت قدميه ينفث دخان سيجارته ، وبأعلى رأس الأمير وقف ثالثهم يثنى ساقه اليمنى لتصير ركبته بمحاذاة رأس الأمير المنشغل عنهم ، فيهزها بتلطف .
_ ياللا يا ابن شفيقة . جالك الفرج.
_ وانتوا وراكوا غير زبل الأرنب ؟ فرج إيه يابو فرج ؟
قالها الأمير وهو يزيح ما تبقى من فتات عشاء أمام ولديه ، فتقهقرت زوجته تسند ظهرهاللحائط وتدفن رأسها بين ركبتيها وهو يرمقها بغيظ ، وينهض نافضا جلبابه من نثار الفتافيت .
_ ياللا بينا من قدام بنت المرا الفقر دى ، وخلينا نشوف الفرج بتاعكم فى ليلتكم اللى زى الهباب .
لكنهم استبقوه بتلطف مبالغ فيه تصاحبه ابتسامات وعروض بسجائر ، فصرف زوجته لتعد شايا ، ليواجهه الأشيب صاحب الوجه الملىء بالبثور والشفة السفلى الغليظة الهابطة .
_ آدى الطبلة ، وآدى البازة بتاعتها . من الليلة مش عاوزك تهدى يابطل .
لم يقل للأمير أنها كانت طبلة أبيه التى كان يدقهالإيقاظ الناس للسحور بشهر رمضان أو لصلاة فجر كل ليلة نظير نصيب فى غلال أجرانهم ، أو فطائر وكعك العيد ، ولكن الجالس القرفصاء عند قدمى الذى يسد الباب بجسده المهول قال بتهكم .
_ خد بالك ياوله .. دى من ريحة المرحوم .
كانت نذر اشتعال الموقف بينهما قد لاحت على الفور ، ولن يحتمل ضيق الحجرة وقائع عراك محتمل ، لولا أن تداركت الأمر زوجة الأمير بأكواب الشاى التى صاحت من خلال صوتها المخنوق ، فزام الأمير فى وجهها ، ولعن من أنجباها لكونها لم تعمل له حسابا فى كوب رابعة وقد التفت إليهم مسرعا .
_ طبلة إيه ، ومزيكة إيه ، هيا الناس ناقصة هوسة وزيطة ، لو عاوزين أعمل عجين الفلاحة مفيش مانع ، بس.. إيدك ياحبيبى انت وهوه .
وحك سبابته بإبهامه أمام أعينهم ، فقال المعمم أكبرهم .
_ الله يخرب بيت أبوك مطرح ما راح ، واحنا لينا بركة إلا انته . بس ينجح الحاج فايز ، وهتشوف الهنا كله .
قفز الأمير من جلسته القلقة مباغتا الثلاثة ، مقسما بأيمان الطلاق الثلاثة المغلظة ، أن يرسم الرمز الانتخابى للحاج فايز على صدره وظهره ، وأن لايستر نصفه الأعلى طوال فترة الدعوة للانتخابات ، لكن الأمر الذى يجب مراعاته ، وكما حك جسده مرة أخرى بإبهامه وسبابته .
لم يباغت الثلاثة بكلام الأمير ، فهم يدركون سذاجته ، فلمعت الإشارات الطالعة من كلامه أمام أعينهم ، هبوا يصحبونه من تحت إبطيه خارجين نحو دار مشير الخطاط الذى ينمو رزقه فى مثل تلك المناسبات هو الآخر ، وتعرى الأمير أمامه ، وكانوا حوله قد ألقى بهم الضحك على وجوههم من مرآه وما تصنع بجسده العارى أصابع مشير التى تنقش بألوان زاهية الرمز الانتخابى للحاج فايز على صدره وظهره ، وفى وسط الدائرة التى تحلقت حوله ، قبض الأمير على الطبلة المصبوغةبآثار الزمن الغابر ، وبيده الأخرى البازة الرفيعة ، وقد راح يتراقص ويلف ويدور حول نفسه ، ويدق بطرفها الرفيع على حافة الطبلة ، وهم حوله يصفقون بالأكف التى التهبت مع الضحكات الساخرة وهى تتوالى وتتابع مع تتابع الملتفين حوله ، يذرعون الشوارع والحارات ، وقد صار الجمع حشدا كبيرا يهتف ويزغرد ويصفق ، بينما شفاه نسوية على الأطراف تمصمص تأسيا لما يجرى للأمير ومعه ، بينما كانت تذوب تلك المصمصات وسط الغبار الذى يعلو مع الهتاف باسم الحاج فايز .
ولما واجه الأمير آخر الليل هذا الخواء والفراغ الذى يصفر بداره التى خلت من زوجته وولديه ، جلس مخذولا منزويا فى ركن رطب من حجرته ، وأشعل نارا فى موقد الفخار المتوسط لها ، وسحب الجوزة النحاسية التى يغطيها الصدأ ، وراح يسحب أنفاسه فى استغراق بائس وتأمل عميق لما يدور بداخله المنكسر . حين كان يسترجع الأحداث التى صارت طوال ليلته ، وجيبه الخالى مما وعد به من الثلاثة التى صارت صورهم تتراءى له فى عتمة روحه القلقة بشعة وقاسية، والتى لم يستطع مقاومتها أو مطاردتها خارجها ، لكنه انتفض من عنفوان مشاعره الملتهبة ، وراح يتخلص من ملابسه بعصبية بدت فى قبضات أصابعه على لباسه الداخلى ونتفه التى تمزقت بينها ، واسند ظهره العارى لجدار الحجرة الملاصق للباب المغلق وراح يحكه به ، بينما أصابعه المتوترة تحك الصورة المنقوشة على صدره بأظافر حامية ، ولما أعيته السبل ، وأجهدته محاولاته الخائبة لنزع صورة الحاح فايز من فوق صدره وظهره ، سقط على الأرض مغشيا عليه ، وحيدا ، تتألم روحه ، بينما ريح تصفر فيها وفى الحجرة الخالية بأسى .
7/ راشد والوزير وفهمى
جاءهم بعد سنوات خمس ، ممنيا النفس بالحصول على التأييد له كما فى المرة السابقة ، لكن هذه المرة كان قد زال عنه سلطان سلطة الوظيفة الكبيرة التى كانت أكسبته مهابة وسلطانا وتألقا، وتضاءلت حاشيته التى كانت تعد له حتى خطواته التى يخطوها بين الناس وترتب له الوقت واللقاء ، فلم يحط به هذه المرة غير قلة منهم ونفر من أهل قريته المقربين ممن كانوا يحظون ببعض من نفحات سلطانه ونفوذ وظيفته .
جاء هذه المرة بلا ضجيج يسبقه أو لغط حديث يخلفه ، على قدميه قطع الشوارع والحارات ، مرافقوه يدقون على الأبواب المغلقة ، ويستأذنون أهلها فى الحديث ، فيطل البعض متأففا حانقا ، تحول سماحة النفس المعتادون عليها بينهم وبين مجاهرتهم بالإستياء من الرجل الذى مناهم كثيرا ، وراحت وعوده الممنية أدراج الرياح ، صار وقع ممانعتهم فى الجهر بالتأييد له هذه المرة قاسيا ، ومرا فى لحظات كثيرة ، ولذكاء وثبات عقل فيه كان يوافقهم الرأى الجارح ، ويصدقهم أقوالهم فى أنه قصر كثيرا فى حقوقهم ومطالبهم ، وأرجع الأمر فى كل أحاديثه إلى مسؤلياته الجسام فى الوزارة ماضيا ، وقد تحلل منها الآن ، ولم يخل الأمر من انكسار فى نظراته أمامهم انحنى البعض لها خجلا ، وطار صواب آخرين لها طربا .
لما تشيع نفر من مناصرى الوزير السابق فيما قبل لمواجهته ورفض تأييده هذه المرة ، وجدها راشد ابن محمد أبو دراع فرصة مواتية ينبغى اغتنامها ، فهو متربص بهؤلاء النفر منذ سنوات ، وبكل من يبادىء بالحركة وسط الناس ، فيعلو قدره بينهم ، لم يتورع يوما من النقمة على كل جميل ينبت فى حقول المودة بين أهل البلد ، متزينا بصلف يدارى به هزائم وخيبات داخلية لا يقر بها أبدا ، فبعد عسر طال مقامه فى حياته ، وحين كان مضرب الأمثال فى رثاثة الملبس بين أقرانه ، وبعد مكابدات عيش طالت منذ مولده حتى تخرجه من الجامعة ، وبعد سنوات عمل مدرسا لم تثبت له جدارة ، أو يبدى همة يوما ما ، أتاه عفو الأقدار ، وتهيأت له سفرة لم تكن فى دائرة مخيلته الى بلاد الحجاز لسنوات أربع لم يكن بمقدوره الاستمرار هناك لشراسة الطباع وسوء التدبير ، لكنه اغتنم منها ما اغتنم من جنيهات ، عض عليها بنواجذه ، وتبدلت قليلا هيئته ، ولم يتبدل داخله الحانق المتنكر لأيامه العسيرة التى انقضت ، واللاعن أيام اليسر التى أصابت غيره حين ألبستهم راحة وطمأنينة وتأنقا ، هو الآن لم يعد يهتم بمصير أحد غير مصيره ووجوده فقط ، وجوده الخاص فى الدنيا ، ، مايشغله فقط تسلطه ومحاولات تدميرالآخرين بافتراءات وأكاذيب ، لم يعد لديه مغامرة جميلة وحقيقية للحياة ، هى فى نظره نقيض لطغيان الآخرين عليه ، وكم هو ماهر بممارسة الطغيان فى شكله الإنسانى حتى على ذويه ، تشغله فكرة سوداء أن يجبر الآخرين أن يتحركوا على أربعة أقدام لو كانت أعمدتهم الفقرية البشرية تقدر على موافقة هذا الفعل .
وجدها راشد ابن محمد أبو دراع فرصة عليه اغتنامها ، ولكن ماذا هو فاعل ، وقد تقدم بشر كثر يدعمون مرشحا مرموقا وسط أهل القرى المحيطة ، ومنافسا لهذا المرشح المدعوم من ذوى السلطة والنفوذ ، وممثلا لحزب معارض ، وأعلن بينهم بصوت جاعر دائما ، : أنه من أجل صديقه __ قال عنه صديقه __ المرشح المعارض ، والقادم من القرية الملاصقة ، والمرتبطة فى كثير من الحالات بصلات مصاهرة ونسب مع كثير من أهل قريتنا ، تخلى عن فكرة ترشيح نفسه للبرلمان ، ولأنه أجدر منه ، وهنىء به المرشح المتشابكة يده بيده ، ولوحا للملتفين حولهما فى الساحة الوسيعة فى صدر المقابر وسط البلد ، بينما تعالت دهشة متسائلة من البعض الذى شاهد راشد ابن أبو دراع ليلة الأمس يجاهر بتأييد مرشح ثالث بصحبة قلة من أهل قريته ، وكان يطرق أبواب الدور نيابة عنهم ، وبذات الصوت الأجش الخشن كان يلوك كلمات التأييد وهو يطلبها من كل من يمر بطريقه ،.
ماذا هو فاعل الآن ، والسؤال بشكله ومدارج حضوره لم يكن يوما من مفردات حياته ، كل أفعاله تأتى موتورة ومتوترة وصادمة ، هى بنت لحظتها بالكاد ، يهوى الصخب ، ويعشق الهياج ، لأنه فاقد صبره على الدوام ، ويتحاشى أن يضيع على دروب التعقل فسجن نفسه داخل جدران منطقه الإنسانى لكل من يراه متحققا أو ناجزا عملا طيبا للآخرين .
*****
ولما لم يشتعل السؤال مرة واحدة بداخله طوال هذا العمر الممتد لأكثر من خمسين سنة ،، فلم يدرك فى كل أحواله أن أفعاله يشوبها الإضطراب والإرتباك والتناقض .
وجدها فرصة سانحة عليه اغتنامها فقط ، هاهم مناصرى الوزير السابقين يعلنون على الرجل حربا لا هوادة فيها ، لأنه خيب رجاء قرية بأكملها فى السنوات التى مضت بوعود لم يتحقق منها شىء ، فراح يعد للأمر عدة يتقنها ويعرف كافة تفاصيلها ، صاخبا ومنفلتا من عقال طال ، أحاط برغبته عاطلون وكسالى ومن فى قلوبهم هوى متشعب ، اصطفوا خلفه غير مبالين _ مثله _ بعادة أو تقاليد ، فمنهم من رأى فى الوجهة الجديدة تحقيقا لثأر قديم مع من يرفضون تأييد الرجل وإعانته فى الدعوة لنفسه مرشحا .
**********
لابد أن تواجه الوزير السابق فى بداية أمره للترشح صعوبات ، ولعل من أقواها ، عدم التكيف مع نزوات راشد وأتباعه ونزقه ، ولم يخل الأمر من صدامات حادة بين مساندى الوزير وراشد وحاشيته وصلت لحد التراشق بجارح العبارات من جهته _ كعهده _ وهو المستعصى على الآحتواء فى لحظات مواجهة مكشوفة ، فلابد من أن يصدر مواقف حادة لاقبل له به لو أوتى منفردا ، وكثيرا ماكانت قبضات أتباعه تلوح فى الفراغ دون تحقق فعل
ولما انبرى فهمى ابن وجيه من وسط الحشد المتصايح والمتدافع خلف راشد واقفا ، كان ؛ وهو المنذور لسلاطة اللسان كراشد ، وتماما كأبيه الذى قضى أخريات سنينه حبيس شلل نصفى وثرثرات موجعة لا تخلو من افتعال نقائص ساخرة وتلامز وتنابز بألقاب كل مار به ، وحكايات عن البشر والكائنات ، يتسلى بها المتنطعون فوق المصاطب الطينية المتناثرة بجوار بيوت البلد وفى دكاكين الحلاقة، وكأنه كان يغادر أشباح القسوة التى لاقاها بعد مرضه من زوجته التى يعايرها دوما بأمها التى تبيع الروث الجاف لأفران الخبيز وكوانين الطهى الطينية ،قذف فهمى فى محيط تجمعهم البالغ الصخب والعنف المفتعل قذيفة ألهبتهم ودفعتهم لعراك لايرجى منه مروءة أو خير ، فقد أعلن بلهجة لاتخلو من صفاقة أمام أتباع الوزير السابق ، أن لاأحد بالقرية سيعطى له صوتا إن لم تساندوا فى قريته المرشح الآخر الذى يتشيع له هو وراشد ابن محمد أبو دراع ، فأسقط فى أيديهم ، وأصبحت الأمور بمنأى عن أى تقارب بفعل هذا المطلب الصعب تحققه ، لارتباط الوزير بمرشح الحزب الآخر عن العمال ، وصار الود فى تلك اللحظة آيلا للإنهيار ، ولم يتبق غير أيام قلائل عن يوم التصويت بالانتخابات .
قالها بنفسه أبرز المرافقين للوزير السابق : لو لم يكن بنا حاجة لافتعال شقاق أو خلاف لأشعلناها نارا تحرق جلودكم جميعا ، ولجعلنا الدم يسيل حتى مفاصل الأقدام ، وهم واقفا بغضب يتبعه بقية المناصرين ، وغادروا القرية بسياراتهم التى كانت تنهب الأسفلت وكأنها تؤازر خيبتهم فى تلك القرية
.
8/ الشيخ أحمد عباس
لايوجد أى أمر يزعجك او تعمل له حسابا ياشيخ أحمد ، أنت ، وكما تقول دوما لبن تكون مناهضا لأحد من أجل عيون آخر ، فكلمتك يسمعها الجميع أرادوا أم لم يريدوا ، فى هذه الأيام أنت تقف على أرض مغايرة للكل ، من يتشيع فى مناصرة مرشح ، ومن يناصب غيره العداء ، فأنت موفور المهابة برغم تبسطك فى الحديث مع كل من هب ودب ، صغيرا أم كبيرا ، رجلا أم امرأة ، ملاحة ممازحاتك للكل وأنت تغدو وتروح للمسجد عند كل آذان تشرح الأرواح وتنفى عنها ضجرها ، يستملحون كلامك الذى تطلقه عادة بصوت هادر ومشاغب ، وإن كنت تهنأ نفسا ، ويطيب لك الجلوس عقب صلاة كل عشاء على مصطبة دكان حمدى مع من يطيب لهم الصلاة خلفك لرخامة صوتك ، كما يسعدهم ويشجيهم سماع خطب الجمع المتوالية منك ، وأنت تجاهر برأى لك لا يطيب لمن على رؤوسهم بطحة ، ، فهذه والله ليست بالمغرمة ، وإن كانت كذلك فى هذا الزمان ، فالأرواح جنود مجندة ، ماأتلف منها إأتلف ، وما اختلف منها اختلف ، فلماذا لا تسارع بإشهار رأيك وإطلاق العنان لكلماتك الناهية الزاجرة ، تضىء ظلمة النفوس ، وتنير العتمة التى فى الضمائر والقلوب ، تهدى الضال منهم وتهدىء روع الخائف المرتعش المشاعر ، وتعيد الصواب لكل من طاش صوابه وانفلت عقال فعله ، أنت الآن تهيىء نفسك لإطفاء نار فتنة ، ستلعن من يوقظها وقد كانت نائمة ، كما أمر بذلك من تعمل وتهدى بهديه ، وتدلل على قولك دوما من سيرته العطرة .
ذاك ما كان يمور برأس الشيخ احمد عباس ليلة الجمعة التى لن تأتى ليلة مثلها قبل يوم التصويت فى الانتخابات ، فقد رأى ما رأى ، وسمع ما سمع فى ماسبق من أيام الدعاية للمرشحين ، وسط الجماعات المتنافرة المتناحرة ، ما جعله يأسى ، وينفطر فؤاده من كل ما سمعه .
فغى الزمن الماضى قريبا كانت القرية تشبه العائلة الواحدة ، صارت اليوم فرقا وطوائف كما يسمع فى الراديو عن لبنان وأهله ، كانت خالية البال حد الجنون ، صارت مخذولة خاسرة وتشبه كلبا وضع ذيله بين رجليه ، صار الناس بها وكأنهم غرباء جدا عن بعضهم ، دوائر مغلقة وكثيرة ، كل دائرة تفعل فعل الدوران حول نفسها فقط ، أصبحت كأقفاص الببغاوات، تسمع هنا هيستيريا ضارية من جماعات تتشيع لمرشح ، تنافسها جماعات أخرى فى تشيعها لمرشح آخر ، والموجع فى الأمر كما يرى الشيخ أحمد أن كل المرشحين لا يرتبط بوشيجة وإن باهتة مع الناس فى القرية التى كانت كما حكى له الحاج عباس كثيرا على قلب رجل واحد ، سمع من أبيه ، ولم ير لأن كل أهل حارتهم الطويلة – كما كل حارات القرية - رجالا ونساءا وصغارا وبالغين وشبانا وفتيات كانوا يلتمون حول إفطار واحد صبيحة كل عيد ، مفروشة أرض الحارة بالحصر والطبالى الملأى بأطايب الطعام من كل دار ، وأن رجال الحارة كانوا يقيمون لشهر بطوله بأحضان نظير لهم فقد عزيزا حتى يتفرق حزنه بينهم ، وهكذا كانت النسوة .
وهاهو يرى الدم ينتفض من العروق خارجا الى العيون ، وكأن حربا قد تقبل قريته عليها ، لا ناقة لها فيها ولا جمل ، أوجع فؤاده ذلك الصراخ الأجوف والهياج الذى بلا معنى لمرشح لا يرى فيه عديم نفع أو منفعة ، ولم يقدم شيئا فى حياته يرضى عنه الله ورسوله ، واندماج لحد الهوس مع مرشح ثان منافس ، ومابين الاثنين من كراهية سالت مياهها وتسربت فى دماء الفريقين من أهل القرية الواحدة ، فصاروا على عتبات استمناء لكراهية متبادلة ، سمع ، وطارت إلى مسامعه كثيرا كلمات تفتك بما نعمت به القرية منذ الأزل من الطمأنينة وخلو البال ، إن لم يدل الشيخ أحمد بدلوه فى بئر تلك المتاهة ، يقنص شوائبها ، وينقى ماءها العكر . يدرك أن عقابه عند الله سيكون شديدا ، فمن رأى منكم منكرا ، والفرقاء الأخوة . كل يستنكر المنكر الذى يراه هو بعينه فى الآخر .
المتاهة تنصب خيمتها السوداء ، ولابد من طلقاته الجسورة فى الغد بخطبة الجمعة التى لن يأتى بعدها جمعة قبل التصويت فى الانتخابات ، لا تنقصه كياسة ليدرك أن بالأمر صعوبة وعصى على الهدوء ، ولكنه لن يشارك بعرس الدم كما يذكر له صديقه المثقف محمود تلك الكلمة ، ولن يصرح بأسماء تشارك فى هذا العرس قد تكون حاضرة المسجد والخطبة أو يصل لمسمعها كى لا يزيد النار اشتعالا ، هو يتقن التلميح ، ويجيد اللف والدوران حول المقصد والمبتغى برغم صرامة عباراته التى تصل حد الوقاحة فى أحايين كثيرة ، لأنه يدرك . إذا كان النفاق وقحا ، فلتكن الصراحة باسلة ، وهو باسل حتى فى مداعباته الفجة .
******
حسب ما قدر أمورا فى داخله قبيل صعوده المنبر ظهر نهار هذه الجمعة ، كان من المأمول أن تسير الأمور طيعة ووقعها لين ، لكن نظراته المراقبة الناقدة التى تروح يمينا وشمالا وهو فى وقفته القلقة دائما فوق المنبر ، وتمسح رؤوس المصلين على كثرتهم ، قلبت الأوضاع والأحوال رأسا على عقب ، حين التقطت نظراته تغامزا وسخرية متخابثة بين اثنين من الجلوس حين تقديمه نصائحه لأهل القرية بالنظر فى مصلحتهم ، ومراعاة أواصر الترابط والمودة بينهم ، وأن لاينجرفوا خلف زيف الوعود وكذب التمنيات التى يعلنها المرشحون ، فيخسر أحدهم الآخر من أجل هذا أو ذاك ، وأنه يحق لكل واحد منهم إعطاء صوته لمن يهواه دون إكراه ، وأن التفرق والمقاتلة بينهم ليسن من أجل مطلب حق وضرورى ، وأن كل مايدور بين الناس من أجل الانتخابات لايرضى عنه الله ولا رسوله ، فالذى ينفرط من أذاه كثير.
حديث خطبته كان يسير فى مجمله نحو العام من الأمور ، لم يتماس مع وقائع شاهدها ولمس ضررها بنفسه ، لم يعلن برأيه الذى يجاهر به دائما فى جلسته المتكررة بين كل صلاة أمام دكان حمدى ،ـ وعقب صلاة كل عشاء .
أثاره ما التقطته نظراته ، فوجد حاله يشوح بكلتا يديه ويصيح بثقة ، وكأنه قد هبط إلى أرض يهوى وميدان يعشق ، فركب جواد كلماته المؤنبة المقرعة ، وأبعدته كلماته الحادة عن حذره الذى أبقاه طويلا قائما بداخله فى الاقتراب من واقع الناس فى القرية الذى يستنكره ، وبرغم من هذا فقد ظل يلمح دون تصريح بأسماء يقصدها ولم يسمها ، ويقف بيقين على أفعالها ، وأعلن إدانته لكل الذى يحدث وما متوقع حدوثه ، واصفا القرية براقصة تهز خصرها لكل من ينقدها ، وهذه والله نقيصة ما بعدها من نقيصة وخجل وقلة قيمة بين عباد الله .
******
لما صار تململ المتغامزين بالصفوف الخلفية أكثر علانية ، كان الشيخ أحمد يراقبه مجاهدا شيطان غضب أن لاتنفلت منه عبارات تؤذيهما ، وكأن على رأسيهما جرحا تحسساه من كلماته التى صارت أكثر وجعا ، ما لبثا أن نفضا ثوبيهما فوق الرؤوس المجاورة ، وسحبا حذائيهما من النافذة التى تعلوها ، وخرجا لا يلويان على شىء ، بينما الرقاب المشرئبة تفضح عرى فعالهما .
ولما قضيت صلاة جمعة لن يعقبها جمعة أخرى قبل التصويت فى الانتخابات ، كانت قد قامت معركة حامية الوطيس بالساحة المستطيلة قدام الجامع ، وقد تناثر لهيبها فى كل عائلات القرية فيما بعد
.
8/ الشيخ أحمد عباس
لايوجد أى أمر يزعجك او تعمل له حسابا ياشيخ أحمد ، أنت ، وكما تقول دوما لبن تكون مناهضا لأحد من أجل عيون آخر ، فكلمتك يسمعها الجميع أرادوا أم لم يريدوا ، فى هذه الأيام أنت تقف على أرض مغايرة للكل ، من يتشيع فى مناصرة مرشح ، ومن يناصب غيره العداء ، فأنت موفور المهابة برغم تبسطك فى الحديث مع كل من هب ودب ، صغيرا أم كبيرا ، رجلا أم امرأة ، ملاحة ممازحاتك للكل وأنت تغدو وتروح للمسجد عند كل آذان تشرح الأرواح وتنفى عنها ضجرها ، يستملحون كلامك الذى تطلقه عادة بصوت هادر ومشاغب ، وإن كنت تهنأ نفسا ، ويطيب لك الجلوس عقب صلاة كل عشاء على مصطبة دكان حمدى مع من يطيب لهم الصلاة خلفك لرخامة صوتك ، كما يسعدهم ويشجيهم سماع خطب الجمع المتوالية منك ، وأنت تجاهر برأى لك لا يطيب لمن على رؤوسهم بطحة ، ، فهذه والله ليست بالمغرمة ، وإن كانت كذلك فى هذا الزمان ، فالأرواح جنود مجندة ، ماأتلف منها إأتلف ، وما اختلف منها اختلف ، فلماذا لا تسارع بإشهار رأيك وإطلاق العنان لكلماتك الناهية الزاجرة ، تضىء ظلمة النفوس ، وتنير العتمة التى فى الضمائر والقلوب ، تهدى الضال منهم وتهدىء روع الخائف المرتعش المشاعر ، وتعيد الصواب لكل من طاش صوابه وانفلت عقال فعله ، أنت الآن تهيىء نفسك لإطفاء نار فتنة ، ستلعن من يوقظها وقد كانت نائمة ، كما أمر بذلك من تعمل وتهدى بهديه ، وتدلل على قولك دوما من سيرته العطرة .
ذاك ما كان يمور برأس الشيخ احمد عباس ليلة الجمعة التى لن تأتى ليلة مثلها قبل يوم التصويت فى الانتخابات ، فقد رأى ما رأى ، وسمع ما سمع فى ماسبق من أيام الدعاية للمرشحين ، وسط الجماعات المتنافرة المتناحرة ، ما جعله يأسى ، وينفطر فؤاده من كل ما سمعه .
فغى الزمن الماضى قريبا كانت القرية تشبه العائلة الواحدة ، صارت اليوم فرقا وطوائف كما يسمع فى الراديو عن لبنان وأهله ، كانت خالية البال حد الجنون ، صارت مخذولة خاسرة وتشبه كلبا وضع ذيله بين رجليه ، صار الناس بها وكأنهم غرباء جدا عن بعضهم ، دوائر مغلقة وكثيرة ، كل دائرة تفعل فعل الدوران حول نفسها فقط ، أصبحت كأقفاص الببغاوات، تسمع هنا هيستيريا ضارية من جماعات تتشيع لمرشح ، تنافسها جماعات أخرى فى تشيعها لمرشح آخر ، والموجع فى الأمر كما يرى الشيخ أحمد أن كل المرشحين لا يرتبط بوشيجة وإن باهتة مع الناس فى القرية التى كانت كما حكى له الحاج عباس كثيرا على قلب رجل واحد ، سمع من أبيه ، ولم ير لأن كل أهل حارتهم الطويلة – كما كل حارات القرية - رجالا ونساءا وصغارا وبالغين وشبانا وفتيات كانوا يلتمون حول إفطار واحد صبيحة كل عيد ، مفروشة أرض الحارة بالحصر والطبالى الملأى بأطايب الطعام من كل دار ، وأن رجال الحارة كانوا يقيمون لشهر بطوله بأحضان نظير لهم فقد عزيزا حتى يتفرق حزنه بينهم ، وهكذا كانت النسوة .
وهاهو يرى الدم ينتفض من العروق خارجا الى العيون ، وكأن حربا قد تقبل قريته عليها ، لا ناقة لها فيها ولا جمل ، أوجع فؤاده ذلك الصراخ الأجوف والهياج الذى بلا معنى لمرشح لا يرى فيه عديم نفع أو منفعة ، ولم يقدم شيئا فى حياته يرضى عنه الله ورسوله ، واندماج لحد الهوس مع مرشح ثان منافس ، ومابين الاثنين من كراهية سالت مياهها وتسربت فى دماء الفريقين من أهل القرية الواحدة ، فصاروا على عتبات استمناء لكراهية متبادلة ، سمع ، وطارت إلى مسامعه كثيرا كلمات تفتك بما نعمت به القرية منذ الأزل من الطمأنينة وخلو البال ، إن لم يدل الشيخ أحمد بدلوه فى بئر تلك المتاهة ، يقنص شوائبها ، وينقى ماءها العكر . يدرك أن عقابه عند الله سيكون شديدا ، فمن رأى منكم منكرا ، والفرقاء الأخوة . كل يستنكر المنكر الذى يراه هو بعينه فى الآخر .
المتاهة تنصب خيمتها السوداء ، ولابد من طلقاته الجسورة فى الغد بخطبة الجمعة التى لن يأتى بعدها جمعة قبل التصويت فى الانتخابات ، لا تنقصه كياسة ليدرك أن بالأمر صعوبة وعصى على الهدوء ، ولكنه لن يشارك بعرس الدم كما يذكر له صديقه المثقف محمود تلك الكلمة ، ولن يصرح بأسماء تشارك فى هذا العرس قد تكون حاضرة المسجد والخطبة أو يصل لمسمعها كى لا يزيد النار اشتعالا ، هو يتقن التلميح ، ويجيد اللف والدوران حول المقصد والمبتغى برغم صرامة عباراته التى تصل حد الوقاحة فى أحايين كثيرة ، لأنه يدرك . إذا كان النفاق وقحا ، فلتكن الصراحة باسلة ، وهو باسل حتى فى مداعباته الفجة .
******
حسب ما قدر أمورا فى داخله قبيل صعوده المنبر ظهر نهار هذه الجمعة ، كان من المأمول أن تسير الأمور طيعة ووقعها لين ، لكن نظراته المراقبة الناقدة التى تروح يمينا وشمالا وهو فى وقفته القلقة دائما فوق المنبر ، وتمسح رؤوس المصلين على كثرتهم ، قلبت الأوضاع والأحوال رأسا على عقب ، حين التقطت نظراته تغامزا وسخرية متخابثة بين اثنين من الجلوس حين تقديمه نصائحه لأهل القرية بالنظر فى مصلحتهم ، ومراعاة أواصر الترابط والمودة بينهم ، وأن لاينجرفوا خلف زيف الوعود وكذب التمنيات التى يعلنها المرشحون ، فيخسر أحدهم الآخر من أجل هذا أو ذاك ، وأنه يحق لكل واحد منهم إعطاء صوته لمن يهواه دون إكراه ، وأن التفرق والمقاتلة بينهم ليسن من أجل مطلب حق وضرورى ، وأن كل مايدور بين الناس من أجل الانتخابات لايرضى عنه الله ولا رسوله ، فالذى ينفرط من أذاه كثير.
حديث خطبته كان يسير فى مجمله نحو العام من الأمور ، لم يتماس مع وقائع شاهدها ولمس ضررها بنفسه ، لم يعلن برأيه الذى يجاهر به دائما فى جلسته المتكررة بين كل صلاة أمام دكان حمدى ،ـ وعقب صلاة كل عشاء .
أثاره ما التقطته نظراته ، فوجد حاله يشوح بكلتا يديه ويصيح بثقة ، وكأنه قد هبط إلى أرض يهوى وميدان يعشق ، فركب جواد كلماته المؤنبة المقرعة ، وأبعدته كلماته الحادة عن حذره الذى أبقاه طويلا قائما بداخله فى الاقتراب من واقع الناس فى القرية الذى يستنكره ، وبرغم من هذا فقد ظل يلمح دون تصريح بأسماء يقصدها ولم يسمها ، ويقف بيقين على أفعالها ، وأعلن إدانته لكل الذى يحدث وما متوقع حدوثه ، واصفا القرية براقصة تهز خصرها لكل من ينقدها ، وهذه والله نقيصة ما بعدها من نقيصة وخجل وقلة قيمة بين عباد الله .
******
لما صار تململ المتغامزين بالصفوف الخلفية أكثر علانية ، كان الشيخ أحمد يراقبه مجاهدا شيطان غضب أن لاتنفلت منه عبارات تؤذيهما ، وكأن على رأسيهما جرحا تحسساه من كلماته التى صارت أكثر وجعا ، ما لبثا أن نفضا ثوبيهما فوق الرؤوس المجاورة ، وسحبا حذائيهما من النافذة التى تعلوها ، وخرجا لا يلويان على شىء ، بينما الرقاب المشرئبة تفضح عرى فعالهما .
ولما قضيت صلاة جمعة لن يعقبها جمعة أخرى قبل التصويت فى الانتخابات ، كانت قد قامت معركة حامية الوطيس بالساحة المستطيلة قدام الجامع ، وقد تناثر لهيبها فى كل عائلات القرية فيما بعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق