مايكل جاكسون
الوجه والعنصرية ، وبينهما نرسيس
إلى / خالدة خليل . صاحبة فكرة هذا الموضوع دون قصد منها
أربعة عشر أسبوعا قضاها المغنى الأمريكى -الأسود سابقا – مايكل جاكسون بين أروقة المحاكم وأمام القضاة ،وهيئة المحلفين أخيرا ، التى رأت إجماعا تبرئته من أكثر من عشر تًهم ، لعل أبرزها – التحرش الجنسى بصبى – وخلافه ، وكانت أخباره – المصورة طبعا – تملأ شاشات الفضائيات فى أركان الدنيا ، وهو ماجعلنى أتأمل ملامح الوجه المحاط بمساحيق لا حصر لها من الدعاية والبذخ والرفاهية ، وجعلنى أنظر لصورته الماضية وسط ناسه من الزنوج الأمريكان
فإذا كانت ( تونى موريسون ) الكاتبة الزنجية الأمريكية قد عبرت على طريقتها عن معاناتها من العنصرية البيضاء ، حتى أن بطلتها الصغيرة لم تكن تريد أقل من ( العين الأشد زرقة ) ،فإن ( مايكل جاكسون ) وصلت به المعاناة إلى حد انه لم يرض بأقل من تغيير فعلى لجسده المرفوض بالتدريج ، لكن بالعمق ، فحدود ، حدود التشويه غير شكل أنفه ، شكل فمه ، شكل وجهه ، لون جلده ، شعره ، ولم يترك شيئا لم يرفضه فى ذاته تلك ، وعلى رغم الشهرة التى تمتع ( ويتمتع ) بها ن حتى فى محاكمته على فضائح أخلاقية زًعم ارتكابه لها ، وعلى رغم كونه أسطورة لملايين المعجبين _ لاحظ ترقب المئات منهم يوميا أمام باب المحكمة – لم يشعر بالاكتفاء ، لأنه كان قد احتمى بفنه من أجل الحصول على ما ماكان يتمناه حميمية : أن لا يكون هو نفسه
ما الذى يجعلنا نقبل أنفسنا أو نرفضها ؟
المرآة أداة سحرية عاكسة لكن ما الذى تعكسه ؟
من أرى فى المرآة ؟ نفسى التى أعرفها ؟ نفسى التى أتمنى أن أكونها ؟ نفسى التى يراها الآخر ؟ نفسى التى أكرهها ؟
من أنا ؟ وأى صورة جسد أريد ؟
إن صورة الجسد هذه دائما ، بطريقة أو بأخرى ، مجموع صور الجسد للجماعة ( أو المجموعة ) بحسب مختلف العلاقات المقامة ، والعلاقة مع صورة أجساد الآخرين تتحدد بعوامل المسافة المكانية والمسافة العاطفية والانفعالية
الجمال ظاهرة اجتماعية ، وبالتالى ، فصورتنا الخاصة عن جسدنا وعن أجساد الآخرين هى ظواهر اجتماعية ، هناك تساو بين الصورتين ، ولا يمكن فهم الواحدة من دون الأخرى
الأنا والأنت غير ممكنتين الواحدة دون الأخرى ، صورتنا عن جسدنا مستحيلة من دون امتلاكنا صورة عن جسد الآخر ، فابتكارها يخضع لعملية تبادل مستمرة
هل كان يدرى مايكل جاكسون من هو ؟ يبدو أن صورته عن ذاته لم تكن سوى انعكاس رؤية الآخر له ، لكن أى آخر ؟
المثال الأبيض ، ذو الشعر الأملس ، والبشرة البيضاء ، والشفاه الأقل اكتنازا ، والوجه الأقل استدارة وامتلاء
أنا وأنت ,( الشخصية ) والجسد والعالم ، كلها كينونات مستقلة ، لكن يقوم بينها سياق نفسى دائم ، يغير العلاقة بين الأنا والعالم ، بين الأنا وصورة الجسد ، بين صورة الأجساد لمختلف الأفراد
وبالتالى لم يعوض صوت مايكل جاكسون ولا موسيقاه الصاخبة ولا رقصه ، الحاجة الملحة للحصول على صورة مختلفة لجسده ، صورة تقترب من الصورة المثال للجماعة التى يعيش بينها أو ينتمى إليها ، أى المجتمع الأمريكى عامة ، أراد الحصول على انعكاس مختلف لصورته فى المرآة ، انعكاس لكل ما ليس هو ، لأن صورته المنعكسة لا تمثل الشخصية المثالية فى مجتمعه وفى العالم عامة ، صورته المنعكسة تلك ، والتى لم يستطع الاعتماد عليها وقبولها منذ أن تعلم النظر فى المرآة
علق مذيع مرة فى إحدىالفضائيات قاتلا : ( إن جزءا من الجمهور فيما يبدو لم يعد معجبا بمايكل جاكسون : فهو متراوح بين البياض والسواد ، ليس ذكرا ولا أنثى ، ليس طفلا ولا بالغا ، إنه كائن متغير ، مقلق ومحير ، يثير قلق الآخر ، فهو مختلف ، مختلف عن الأسود الذى كانه ، وعن الأبيض الذى لم يصبحه ، من هو مايكل جاكسون الآن ؟ يكتفى الفنان عادة بإثبات ذاته من خلال فنه ، كما فعل كل الفنانين السود الذين فرضوا أنفسهم ، وجعلوا الآخر ، الأبيض خاصة ، معجبا أو مستسلما لسحرهم ، أو قابلا لفنهم ، أو لذواتهم السوداء أو الملونه ، مكتفين بذلك
اعتقد مايكل جاكسون أن ذلك وحده لا يكفى ، ذلك أن جرحه بلغ مستوى لا يًدرك ولا يًكنه
استخدم ثروته التى حصل عليها من كونه فنانا أسود ، واستخدم التقنية الغربية ذات الطابع الأبيض ، كى يصبح شيئا آخر
بلغ من إيمانه بالقدرة الكلية للجراحة البلاستيكية ، أن باعها نفسه ، بلغ إعجابه المطلق بذاته حدود رفضها وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع صورة جماعية يتمثل بها ،
سببت له العنصرية وجها من وجوه المرض النفسى ، عرت وجها آخر للنرجسية لا يتطابق تماما مع حب الذات ، لم يحترم سلوكه حدود الأنا كما هى ، بل عارضها ، مما يعنى أن حب الذات الفائض هذا محدد نرجسيا ، أى أنه مع كونه تأكيدا للذات ، هو هدم لها فى الوقت نفسه
ذلك أن علاقة الجسد بالأشياء لا تتحدد فقط بحسبها ، بل بالمساحة الانفعالية التى تعيد تشكيل علاقة الجسد بالأشياء وبالعالم ، وعملية بناء صورة الجسد تتطلب بحثا دائما لما يمكن أن يًستوعب ويًستدخل ، وحشريتنا تجاه جسدنا ليست أقل من حشريتنا تجاه جسد الآخر ، هناك تناوب بين التلصصية والاستعراضية ، فصورة الجسد ظاهرة اجتماعية ، والاهتمام الذى يحمله الفرد لجسده على علاقة بالاهتمام الذى يحمله الآخرون له ، فلا يمكن فصل الجسد عن التجربة الانفعالية والعاطفية والحسية
فى نظرة نرسيس الى صورته المعكوسة على صفحة الماء ، اتحد الحزن بالسعادة
مايكل جاكسون لم يحتفظ لنفسه سوى بالحزن أمام هذه الصورة المنعكسة على صفحة مرآة اصطناعية _ لا حظوا صورته خارجا برغم تبرئته بالمحكمة - ، وبينما هلك نرسيس لعدم استطاعته الابتعاد عن تلك الصورة المنعكسة ، نتساءل : هل سيهلك مايكل جاكسون للسبب ذاته معكوسا ؟
أربعة عشر أسبوعا قضاها المغنى الأمريكى -الأسود سابقا – مايكل جاكسون بين أروقة المحاكم وأمام القضاة ،وهيئة المحلفين أخيرا ، التى رأت إجماعا تبرئته من أكثر من عشر تًهم ، لعل أبرزها – التحرش الجنسى بصبى – وخلافه ، وكانت أخباره – المصورة طبعا – تملأ شاشات الفضائيات فى أركان الدنيا ، وهو ماجعلنى أتأمل ملامح الوجه المحاط بمساحيق لا حصر لها من الدعاية والبذخ والرفاهية ، وجعلنى أنظر لصورته الماضية وسط ناسه من الزنوج الأمريكان
فإذا كانت ( تونى موريسون ) الكاتبة الزنجية الأمريكية قد عبرت على طريقتها عن معاناتها من العنصرية البيضاء ، حتى أن بطلتها الصغيرة لم تكن تريد أقل من ( العين الأشد زرقة ) ،فإن ( مايكل جاكسون ) وصلت به المعاناة إلى حد انه لم يرض بأقل من تغيير فعلى لجسده المرفوض بالتدريج ، لكن بالعمق ، فحدود ، حدود التشويه غير شكل أنفه ، شكل فمه ، شكل وجهه ، لون جلده ، شعره ، ولم يترك شيئا لم يرفضه فى ذاته تلك ، وعلى رغم الشهرة التى تمتع ( ويتمتع ) بها ن حتى فى محاكمته على فضائح أخلاقية زًعم ارتكابه لها ، وعلى رغم كونه أسطورة لملايين المعجبين _ لاحظ ترقب المئات منهم يوميا أمام باب المحكمة – لم يشعر بالاكتفاء ، لأنه كان قد احتمى بفنه من أجل الحصول على ما ماكان يتمناه حميمية : أن لا يكون هو نفسه
ما الذى يجعلنا نقبل أنفسنا أو نرفضها ؟
المرآة أداة سحرية عاكسة لكن ما الذى تعكسه ؟
من أرى فى المرآة ؟ نفسى التى أعرفها ؟ نفسى التى أتمنى أن أكونها ؟ نفسى التى يراها الآخر ؟ نفسى التى أكرهها ؟
من أنا ؟ وأى صورة جسد أريد ؟
إن صورة الجسد هذه دائما ، بطريقة أو بأخرى ، مجموع صور الجسد للجماعة ( أو المجموعة ) بحسب مختلف العلاقات المقامة ، والعلاقة مع صورة أجساد الآخرين تتحدد بعوامل المسافة المكانية والمسافة العاطفية والانفعالية
الجمال ظاهرة اجتماعية ، وبالتالى ، فصورتنا الخاصة عن جسدنا وعن أجساد الآخرين هى ظواهر اجتماعية ، هناك تساو بين الصورتين ، ولا يمكن فهم الواحدة من دون الأخرى
الأنا والأنت غير ممكنتين الواحدة دون الأخرى ، صورتنا عن جسدنا مستحيلة من دون امتلاكنا صورة عن جسد الآخر ، فابتكارها يخضع لعملية تبادل مستمرة
هل كان يدرى مايكل جاكسون من هو ؟ يبدو أن صورته عن ذاته لم تكن سوى انعكاس رؤية الآخر له ، لكن أى آخر ؟
المثال الأبيض ، ذو الشعر الأملس ، والبشرة البيضاء ، والشفاه الأقل اكتنازا ، والوجه الأقل استدارة وامتلاء
أنا وأنت ,( الشخصية ) والجسد والعالم ، كلها كينونات مستقلة ، لكن يقوم بينها سياق نفسى دائم ، يغير العلاقة بين الأنا والعالم ، بين الأنا وصورة الجسد ، بين صورة الأجساد لمختلف الأفراد
وبالتالى لم يعوض صوت مايكل جاكسون ولا موسيقاه الصاخبة ولا رقصه ، الحاجة الملحة للحصول على صورة مختلفة لجسده ، صورة تقترب من الصورة المثال للجماعة التى يعيش بينها أو ينتمى إليها ، أى المجتمع الأمريكى عامة ، أراد الحصول على انعكاس مختلف لصورته فى المرآة ، انعكاس لكل ما ليس هو ، لأن صورته المنعكسة لا تمثل الشخصية المثالية فى مجتمعه وفى العالم عامة ، صورته المنعكسة تلك ، والتى لم يستطع الاعتماد عليها وقبولها منذ أن تعلم النظر فى المرآة
علق مذيع مرة فى إحدىالفضائيات قاتلا : ( إن جزءا من الجمهور فيما يبدو لم يعد معجبا بمايكل جاكسون : فهو متراوح بين البياض والسواد ، ليس ذكرا ولا أنثى ، ليس طفلا ولا بالغا ، إنه كائن متغير ، مقلق ومحير ، يثير قلق الآخر ، فهو مختلف ، مختلف عن الأسود الذى كانه ، وعن الأبيض الذى لم يصبحه ، من هو مايكل جاكسون الآن ؟ يكتفى الفنان عادة بإثبات ذاته من خلال فنه ، كما فعل كل الفنانين السود الذين فرضوا أنفسهم ، وجعلوا الآخر ، الأبيض خاصة ، معجبا أو مستسلما لسحرهم ، أو قابلا لفنهم ، أو لذواتهم السوداء أو الملونه ، مكتفين بذلك
اعتقد مايكل جاكسون أن ذلك وحده لا يكفى ، ذلك أن جرحه بلغ مستوى لا يًدرك ولا يًكنه
استخدم ثروته التى حصل عليها من كونه فنانا أسود ، واستخدم التقنية الغربية ذات الطابع الأبيض ، كى يصبح شيئا آخر
بلغ من إيمانه بالقدرة الكلية للجراحة البلاستيكية ، أن باعها نفسه ، بلغ إعجابه المطلق بذاته حدود رفضها وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع صورة جماعية يتمثل بها ،
سببت له العنصرية وجها من وجوه المرض النفسى ، عرت وجها آخر للنرجسية لا يتطابق تماما مع حب الذات ، لم يحترم سلوكه حدود الأنا كما هى ، بل عارضها ، مما يعنى أن حب الذات الفائض هذا محدد نرجسيا ، أى أنه مع كونه تأكيدا للذات ، هو هدم لها فى الوقت نفسه
ذلك أن علاقة الجسد بالأشياء لا تتحدد فقط بحسبها ، بل بالمساحة الانفعالية التى تعيد تشكيل علاقة الجسد بالأشياء وبالعالم ، وعملية بناء صورة الجسد تتطلب بحثا دائما لما يمكن أن يًستوعب ويًستدخل ، وحشريتنا تجاه جسدنا ليست أقل من حشريتنا تجاه جسد الآخر ، هناك تناوب بين التلصصية والاستعراضية ، فصورة الجسد ظاهرة اجتماعية ، والاهتمام الذى يحمله الفرد لجسده على علاقة بالاهتمام الذى يحمله الآخرون له ، فلا يمكن فصل الجسد عن التجربة الانفعالية والعاطفية والحسية
فى نظرة نرسيس الى صورته المعكوسة على صفحة الماء ، اتحد الحزن بالسعادة
مايكل جاكسون لم يحتفظ لنفسه سوى بالحزن أمام هذه الصورة المنعكسة على صفحة مرآة اصطناعية _ لا حظوا صورته خارجا برغم تبرئته بالمحكمة - ، وبينما هلك نرسيس لعدم استطاعته الابتعاد عن تلك الصورة المنعكسة ، نتساءل : هل سيهلك مايكل جاكسون للسبب ذاته معكوسا ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق