ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

السبت، 15 سبتمبر 2007

مشكلتى مع الكتابة .. مشكلتى مع العالم.. سببان لاعتزال الكتابة


سببان لاعتزال الكتابة
والمفارقة . أنهما سببان لاعتناقها

***

ما الذي يدفع كاتب - أي كاتب - الى اعتزال الكتابة؟ يمكن أن نقترح حفنة أجوبة:
1 - يكتشف الكاتب - في لحظة إلهام نادرة - ان ما يكتبه بلا قيمة. يكتشف انه لم يُعطَ ان يكون حقاً كاتباً. يكتشف ان ما يكتبه غير مميز. يكتشف أن ما يصنعه لا يزيد عن تسويد الورق الأبيض بالحروف. يكتشف شيئاً شكَّ في انه حقيقي دائماً. لكنه في هذه المرة يواجه الحقيقة بشجاعة. اكتشف ان ما يكتبه بلا قيمة، فقرر ان يعتزل الكتابة. هذا أمر نادر الحدوث. ان كاتباً يصل في أفكاره الى هذه المشارف هو في أغلب الظن كاتب حقيقي. كاتب عنده ما يكتبه. اعتزاله الكتابة خسارة إذاً.
2 - جواب آخر معقول، أو على الأقل معقول أكثر من الجواب السابق: يكتشف الكاتب أن نبع الابداع جفّ في أعماقه. يكتشف انه منذ هذه اللحظة لم يعد عنده ما يقوله. قبل زمنٍ بعيد كان يكتب أدباً، بلى. لكنه منذ فترة بات عاجزاً عن الكتابة. وإذا كتب لا يشعر بالرضى. هذا هو بالضبط احساسه: لم يعد قادراً على الكتابة كما كان يكتب في الماضي. وهكذا يقرر ان يعتزل الكتابة. العالم مملوء بالكتب الشنيعة، لماذا يُضيف الى الركام كتاباً؟
3 - ينتبه الكاتب، بعد عدد لا يحصى من الخيبات، ان احداً لا يقرأ ما يكتبه. يكتشف ان مؤلفاته يغطيها الغبار في المستودعات. يقدر أن يتخيل كتباً في صناديق كرتون، ويقدر أن يتخيل الفئران تسرح في الظلام بين الصناديق الثقيلة. ينتبه الكاتب ان العالم لا يدري انه موجود. هذا الكاتب ليس بالضرورة عربياً. مع ان كل كاتب عربي تنتابه هذه الأحاسيس، حتى من دون أن يقرأ تقرير التنمية البشرية.
يكتشف الكاتب ان تعبه يذهب هدراً. ان عمله مصيره الظلمات. كل هذا التعب الذي يتعبه! مثله مثل امرأة تلد طفلاً ثم ترمي طفلها في البحر! لماذا رمت الطفل الحبيب في البحر؟ لماذا رمت المرأة طفلها؟ هكذا يشعر الكاتب الذي لا يقرأ مؤلفاته أحد. انه يرمي كتباً الى العالم كمن يرمي أطفالاً الى البحر! يدرك الكاتب هذه الحقيقة فيعتزل الكتابة. هذا كاتبٌ أحبطه العالم. واسمه قد يكون هرمان ملفل.
4 - يرى الكاتب ان الشهرة تنهكه. نشر رواية أو روايتين فاكتظت حوله وسائل الإعلام وطاردته حيثما ظهر. يجد الكاتب كل هذا الاهتمام الاعلامي مرهقاً، قاتلاً. هو يحب الكتابة، ويحب عزلته. بلا عزلة، كيف يكتب؟ هذا الكاتب يدير ظهره للعالم ويمضي الى صومعة. قد يكون اسمه ج. د. سالنجر. هل يكتب في صومعته من دون أن ينشر ما يكتبه، هناك، في الخارج، في العالم الكبير؟ ربما. لا أحد يعلم. لكنه، في أغلب الظن، كفّ عن الكتابة.
5 - ينظر الكاتب الى أقرانه، يتصفح ما يؤلفون، ويفكر انه، مثل صامويل جونسون، لا يحب معاصريه. يكتشف انه لا يحب هذا التهالك على الكتابة. كل عمره أراد التميز: ألا يكون شبيهاً بالآخرين! أراد - كل حياته - أن يكون هو. أن يكون ذاته. ما دام البشر جميعاً قد تحولوا الى كتاب (انظروا كل تلك الكتب!) فإن الخيار الوحيد المتاح أمامه - للتميز - يكمن في اعتزال الكتابة. وهكذا يعتزل الكتابة.
6 - يقرر الكاتب ان ما كتبه يكفي ويزيد. يمدّ رجليه، يشرب شاياً حلواً طيباً، وينظر الى السماء. بعد الآن لن يكتب. تعب كثيراً. وجاء وقت الراحة. أرهقته الكتابة.
المفارقة
كل الأجوبة السابقة تُختصر الى جوابين. هناك سببان يدفعان الكاتب - أي كاتب - لاعتزال الكتابة:
- عنده مشكلة مع الكتابة.
- عنده مشكلة مع العالم.
والمفارقة انه في احد هذين السببين يكمن السرّ الغريب الذي يدفع الكاتب - أصلاً - الى الكتابة.
**************

ليست هناك تعليقات: