ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الأحد، 17 يونيو 2007



الباب الأخضر
(1)


بين الجرَّة والصُّرَّة


ياحناوى 0لا تحزن


لمّت فهيمة القش المهروس المتبقى أمام الفرن ؛ بعدما أتمت الخبيز وهى دائخة ؛ يطوّحها التعب ؛ ويغلبها دوران الرأس ؛ والعرق الساخن يهرى تحت إبطيها وبين فردتى ثدييها الضامرتين ؛ جلبابها المفتّق فوق كتفيها وإليتها تظهر من فتقاته بقع من جسدها المنحّس الهزيل؛ بقبضتيها رفعت تراب الفرن وبقايا القش وكناسة ناعمة ؛ ورمته فوق ظهره القريب من سقف الغرفة الواطىء المسوّد بالدخان والغبار وخيام العنكبوت وشقوق تسرح فيها الفئران وأبو بريص ، كانت الدار والدنيا ساخنة ؛ والصهد الحار لشمس ما بعد ظهيرة نهار صيفى جاف يتناثر على السطوح وفى الحارات ومدى الغيطان الفسيح وهامات الأشجار الواقفة بلا حراك كالمأخوذة فى عز قيلولة جافة . وطوال قعدتها أمام الفرن ؛ كانت عينها الوحيدة ترفْ وتبربش على حرقة فيها ؛ وما بداخل تجويف صدرها ينقرها ؛ لما تساورها أشياء ينقبض لها وتخيفها ؛ لأنها تدرك كنهها ؛ ولما كانت الشاروقة يخرج منها رائحة خبز احترق منها، ولسعت النار الحامية أطرافه ووسطه ؛ سهوا أوغفلة ؛ كانت أمها تصيح بها ؛ وقد جاءتها تردّ سلفها فى الخبيز ؛ فتمد فهيمة الحديدة السوداء الرفيعة ؛ تسحب ببوزها المثنى الرغيف المحترق ؛ غير هيّابة من سخونته ومن الدخان الحامى الطالع من قبّته ؛ ولا بلوم أمها المتناسية دائما وعن عمد أن ابنتها تزوجت وأنجبت ؛ ولم تعد بعد صبية خائبة لم ينفع معها تدريب كانت تلقاه منها قبل زواجها ؛ على عجن الدقيق بالماء والملح وتخميره وتقريصه بدقيق الذرة والردّة فوق الطبلية الصغيرة ؛ تنقر فهيمة بطرف سبّابتها المعقوفة سطح الرغيف الملسوع بالنار الحامية وأطرافه ؛ فيهترىء ما أتلفته به النار ؛ ويتساقط بجوار ساقيها كٍسرا ؛ ولمّا تمّ لها ذلك ؛ سحبت طست العجين وقد تراصّت بهالأرغفة فوق بعضها،وأسلمت جسدها ورأسها للأرض المشغولة بالمطارح الخشبية المستديرة وماجور العجين وزكيبة قديمة فارغة واهتراء القش وصفيحة الماء المدلوق ما بقى بها بفتحة الفرن السفلى ؛ فأحالت النار إلى رماد أسود مبلَّل؛ وراحت هى مع عرق جسدها وتعب روحها ا لمنهكة وشعرها المنكوش ووجهها المعفّر فى غفوة.
**********************************
كان قصر قامته يجعله دائما بقادر على احتمال مشاق ومتاعب كثيرة ؛ ويقدر عليها جسده ؛ فمنذ الصباح وهو منكبٌّ على نبش أحواض السريس والجرجير بفأسه وتقليبها ؛ ومقدِّرا أن ظُهيرة هذا النهار تكفيه ليملأ الأحواض بالماء بعد أن يقسِّمها ويشدَّ بينها جسورا رفيعة ؛ فالباز أبو هبيلة شغّل ماكينة الماء الكبيرة التى تروى ثلث زمام البلد ، وهى والدوار الوسيع ما تبقى من أثر لوسية كانت ملكا لأسرة سرسق بنيامين قبل أن يوزعها الضباط على الفلاحين ، وبعدما رحل ببنتيه إلى لبنان ليقيم معرضا للتحف والآثار المسروقة بشارع الحمرا فى بيروت ، والترعة قربت على الامتلاء حتى حوافها ؛ ويكفيه انحناءةصغيرة ممسكا بالدلو الصاج المعلّق بحبل يتدلّى منه برأس الشادوف 0 ميراثه عن أبيه على العوضى ، جلس القرفصاء عند رأس اللحف النائم بحضن الطريق وباستطالة حافّة الترعة المتشابك بها أعواد الغاب والحلفاء ؛ وراح يلمح استواء الأحواض ونعومتها ؛ قام منتشيا بما فعل وأحسّ بلسع الشمس فى رأسه وظهره وقفاه ؛ والماء الذى يطفح على الحافّة لامعا ؛ وجدها فرصة وهو منجذب نحو مرايا الماء الجارية ؛ فرمى جسده واستنقع ورطّب لهيبه وسخونة الرأس ، ولما تسلق البلاطات المدكوكة فى الجرف الطينى مستعينا بأعواد الحلفاء الرفيعة المسنونة الأطراف ، تعلق بيديه حتى صار فوق جسر نجيلى رفيع يمتد بطول الترعة والساحل المهيّأ للرى ؛ زال تعبه ؛ وعادت إليه همّته الأولى ليكمل ما تبقّى له .. سينثر حبّات تقاوى الجرجير السوداء على سطح الأحواض المسوّاة ؛ وسيرفع إليها الماء بالشادوف ،
وما أن تنكسر حرارة النهار حتى يقوم بحشّ حوضين من السريس والجرجير ترعرعا وحان أوان حشّهما ؛ وسيبلل أعواد القش ليلين تصلّبها للربطات الصغيرة ؛ وسينقع أكوام السريس والجرجير بماء الترعة من فوق البلاطة العريضة بجوار الشادوف 0 ليزيل تراب السكك وتصير نديّة ؛ وهاهو يهم بفعل ذلك ؛ لكنه سمع صراخا يأتى من حلق البيوت وسط البلد ؛ ما لبث أن كثر وتصاعد وتوالى مصحوبا بماسورة من الدخان عريضة ؛ يتوزع بقعا بطيئة ؛ تغطى صرّة البلد.
00000000000000000000000000000000000000000

فى أخريات عمره أٌصيب أبوه بلوثة فى عقله ؛ كان يتعرّى من كل ملابسه وهو الفارع الجسد الخشن ؛ فتبدو عانته الكثيفة حول عضوه كماسورة محمّاة بالنار مطوّقة من نهايتها بجلبة من الكاوتشوك الأسود ؛ كان يطربش بقدميه العاريتين طوال ليله بالشريط الذى يخلفه ضوء قمر ليلة اكتماله بين صفّين من بيوت تتلاحم على أسطحها أحمال حطب الذرة والقش وحطب القطن الجاف ؛ وفى الليالى التى بلا قمر ؛ يرقد على نفس حالته طاويا جسده العارى فوق مصطبة واطئة تحت شباك داره الوحيد المفتوح على الحارة ؛ كلماته الأسيانة تطلع مفرومة من بين أسنان تصطك كالمقرور فى عز البرد ؛ تستجديه نعيمة وتسترضيه ؛ وتلحّ عليه بلا طائل أن يدخل داره ؛ أن يستر عريه ؛ لكنه ؛ يندفع فى صراخ هائج ؛ثم يعوى كالممغوص ؛ فتعود أدراجها ؛ تطلب نجدة وحيدها الغائب فى لهوه وسط أقرانه من عيال الحارة بجرن الزوايدة ؛ فلا يعبأ بها ؛ وكثيرا ما يلاقيها بالسباب ورمى الطوب تحت قدميها فلا قبل له بما أصاب أبوه .
كان وهو يحدق فى الدخان المتصاعد المتكاثر الطالع من وسط البيوت تدوّم فى فتحة أذنه وقبضة مسامعه صياح أمه التى ماتت مصدورة بعد موت أبيه بعام واحد : ( يا واد يا حناوى.. تعالى يا وله غتنى ) .. فاسترد حينها نفسه من شرودها ؛ وشعر بهلع لمّا اهتدى بحسابات المكان والفضاء والتوقعات إلى مكان خيمة الدخان التى تكبر وتملأ سماء البلد ؛ فالتقط دلوه من يده المطوية على حافّته ؛ وبرم سرواله المبلّل على فخذيه ؛ والملطّخ بالطين عند إليته ؛ وشدّ ه لأعلى سرّته ؛ ورمى جلبابه الجبردينى ؛ وانطلق مهرولا حافى القدمين لا يلوى على شىء خَلَفًَه
********************

كانت الأسطح المتلاصقة بتلاصق أكوام التبن الأبيض خزين البهائم للصيف القليل الخضرة وتلال القش وحطب القطن والذرة ؛ والنار التى يطلّ لسانها العريض من سقف دار محمد الحناوى قد قلبت قيلولة النهار وسكونها ؛ ولما اقتحمت النسوة على فهيمة منامتها قدّام الفرن بجوار طست الخبيز ووسط كراكيبها المبعثرة صارخات فزعات ؛ كان الدخان الأسود الغليظ وكُتَله الخانقة يعبىّء باحة الفرن ؛ وألسنة صغيرة من نيران تتدلّى من السقف وقد صنعت به فجوة كأنها أخدود صغير ، فانتفضت كمن أصابها مسّ؛ وقامت تتخبّط كفأر أكل سمكة مسمّمة؛ فتلقّفتها أيادى كثيرة خارج الدار .
لحظات كتلك ؛ والتى لا تهلّ إلا صيفا ؛ غالبا ؛ فيها يفر التخاذل هاربا من النفوس ؛ ويتسرسب التعب ؛ ويلتمّ الصوت المضمّخ بالأُثرة هنا وهناك ؛ يصير صوتا واحدا؛ يجرّ معه الهمة والاندفاع الجسورداخل النار وحقول الدخان والاختناق ؛ ولا تتضاءل العزيمة أو تصغر نحوها مهما كان اتساعها وعلوْ شأنها وحرقة لهيبها ؛ أو كانت فى دار أصابها من يسر الزمن وعزّه ؛ أو دار أمر أهلها مغلوب عليها ؛ إن كانت فى حارة الجعافرة أم فى حارة تحت الريح المتنازعتين دوما ؛ وغالبا نزاعهما يأتى عن طريق لعب صغارهما ؛ ؛ الخطر حين يدْهم يوحّد ؛ وخطر كهذا لن يفرّق فى أذاه وأثره ؛ لذا ؛ وكعادة ناس البلد ؛ وقيل أن تقترب عربة المطافىء التى تٌستَدعَى نادرا ؛ وغالبا يكون استدعاؤها احترازا ؛ قبل أن تدخل البلد بجرسها الضّاج ؛ أو تفرد خرطومها المضلّع بعد أن تسحب الماء من ترعة المشروع التى تحزّمها ؛ حتى تكون الجرار والفناطيس الصاج وطسوت كنس الزرائب ومواجير العجين قد فعلت فعلها من فوق رؤوس النسوة والصبايا وأكتاف الرجال ؛ويبحلق الشيخ محمد البيهى فى الفوضى المتسربة ، وهوجالس القرفصاء ساندا كتفيه إلى جدار داره التى تقفز إليها النيران ، ويحك بأظافر يده اليمنى ، بوهن، شعر رأسه الخشن من فوق طاقيته البفتة ، وبتعجب هامسا لنفسه : ( ياصلاة النبى .. إيه المكن ده ؟ 0 الدنيا اتقدمت ياناس ) ، وكانت النار قد سرت رغما عن الجموع فوق سطح داره الملاصقة لدار محمد العوامى ، وفى غفلته التى طالت يقبض عساكر المطافىء مايقدر أحد الموسرين على تقديمه لهم ؛ ويعودون أدراجهم ؛ يدقّون جرس العربة النحاسي المعلّق فوق رأسها وهم يهتفون فى كل مرّّّة مع أهل البلد : ( الدنابيق أكّالة النار .. .. ) فنفض الشيخ بيهى هدومه ، مندسا فى فوضى ماخلفته النيران بالحارة الصغيرة ، وكأنه غير عابىء بما أصاب داره ودار جاره 0
وقف محمد الحناوى كالمفقوء عينيه ؛ لا يرى شيئا ؛ وكمن تعلّق بساقيه كيس ملح ؛ كان خرطوم المطافىء مرميا على أرض الحارة الضيّقة المخنوقة بالقش والحطب المحترق وعروق الخشب المتساقطة تهرى النيران أجزاء منها ؛ والناس تتقهقر بعيدا عن صهد وعنفوان النار وقوافل الدخان التى كتمت الهواء ؛ وعساكر المطافىء بصدرياتهم الواقية وخوذات الرأس يعتلون الأسطح ؛ ويحاصرون اتساعها بإشارات أيديهم .
بجسده النحيل دفع جموعا من صبية ورجال وأطفال وأبصار شاخصة متحسّرة من الرجال والنسوة ؛ وراح يلطم وجهه ؛ وبقبضة متشنّجة يدق صدره لمّا رأى النار تأتى على داره ؛ وارتمى تحت الأقدام يتلوّى كالممغوص فى وحل الحارة ؛ ما لبث أن نهض يغالب الأيدى التى أمسكت به ، ويندفع نحوها والسقف ينهار تحت ضربات المياه المندفعة من خرطوم المطافىء ؛ يختلط عرقه بملح وجهه ودموعه ؛ وانبرى يرمى بجسده وسط الدخان والركام والنار ؛ يزيح أخشابا تعلُق بها بصابيص من لهب ؛ ويرفع كومات قش مبلّل ؛ والكل عنه مشغول بابتلاع الهزيمة أمام النار التى يقهرونها فى كل مرّة ؛ وهى سر تفاخرهم وتباهيهم على سكان القرى المحيطة ؛ بينما اكتفى البعض بالصياح عليه محذّرين ؛ ولكن صوته كان يصل إليهم كالفحيح وسط فوضى وهلع :( ياناس 0الجرّة .. الجرّة 0.. سنة سودة ياحناوى .. شقى العمر يابا على .شقى العمر ياناس )
******************
أعيد لفهيمة يقظة غابت بفعل الدخان الداخل صدرها ورأسها ؛ وهدأ روع محمد الحناوى؛ لمّا لمحه المترقبون الشاخصو الأبصار المذعورون من أجله 0 يخرج ؛ زائغ العينين لجهد أصابه داخل ركام الحريق ؛ يحتضن جرّة سوداء صغيرة ، سأل مَن أحاطوا به عن زوجته وهو يلف جرّته بجلباب قديم معفّر ؛ لم يكن يعبأ بشىء رغم فداحة الخسارة التى تعثّر بها ؛ ولما شاهد فهيمة دامعة العينين الجاحظتين لمكابدتها وهم يُخرجون الدخان من صدرها ؛ ارتاح قليلا وقد لمح صغيريهما بجوارها متعلقان بما بقى من ثوب يستر هزالها ؛ والناس حيرى من أمره ؛ وبقى سؤال كان يدوّم كطنين الزنابير بالرؤوس الفضولية ؛ وفى محط الأنظار كلها؛: جـرّة ‍‍؟؟ . كاد يضحى بعمره لإخراجها من النار والدخان ؛ مال برأس معفّرة على فهيمة ؛ تحشرج صوته وهو يغالب أسى وجوع وضجر ؛ : (( الدار دى ما عادليناش عيش فيها . دى دار منحوسة بنت كلب. أربع حرايق . وكل مرّة تعدّى على خير ) فتردفهيمة وقد اختنقت ببكاء ملتاع على ما فقدته من فراخ وبيض وبط ودقيق وأرز مبيّض ؛ وطست يتراص فيه خبيز نصف نهار ؛ عدا العجين بعد طلوع فجر اليوم : ( العمر واحد ؛ والرب واحد ؛ونحمد ربنا يا خويا شقى العمر أهوه ؛ إوعى تكون فى بالك نبنى دار على كلامك قبل كده ؟ )؛ وكانت تحملق فى ما يطبق عليه بعضديه على صدره الشبه عارٍ.
*****************
ولم يختف من ذاكرة الناس وحكاويهم المعلنة والصامتة حال محمدالحناوى يوم حريقة داره وهو يخرج حاضنا جرته ؛ ولأن كل التخمينات حينها كانت تروح فى سكّة واحدة كقوافل البعوض نحو ضوء ليلى . أنها جرة فلوس ؛ ولأن أمورا شبيهة كثيرة وقعت فى البلد ؛ فقد توقفت عند يقين أنها جرّة فلوس ؛ وماحكاية أبو عويضة ببعيدة ؛ وهو قد تبدّل حاله بعد موت جدّته ؛ وكان من البلاهة أن كان يثرثربأمر الصفيحة التى أوصته جدته وهى فى حضرة الموت أن ينبش عليها تحت عتبة حجرتها بعد موتها ؛ لكن المسكينة التى فضحت سرّها وقد أخْفتْه سنين عددا عن حفيدهاالوحيد الباقى . لم ينتظر طلوع الروح خارج الجسد ، وخروج جنازتها من الدار0 مشيّعة برجال قلائل ؛ وفعل فعلته التى فعلها وهو عن الدنيا
مشغول ،ونقر تحت عتبة الحجرة 0حتى صار حفرة تميل الرأس عليها ويتدلّى فيها ذراعين ؛ وأخرج بينهما صفيحة سوداء ملفوفة بثوب قديم تحميها من الدفن تحت العتبة، وانشغل بأمر الصفيحة ولم يمش فى جنازتها ، ولم يقم لها مأتما عصر يوم دفنها كالعادة 0 لكنه حين أفاق من سطوة الفرح المباغت بالصفيحة ، تذكر المسكينة ، وجمع بنفسه الكنبات الخشبية من الدور المجاورة ، ورصَّها فى صفين متقابلين بطول الحارة المظلمة ، ورش الماء أ مام عتبة دار الجدة الراحلة ، ورمح فى البلد ، يدق الأبواب ، يعلن أنه سيتقبل العزاء فى جدته بعد صلاة العصر ، ولما قبض على ريح الرفض لرغبته ، أدار ظهره ساخرا من الكل : ( طظ فى أتخن راس فيكى يابلد معتوهة ، والله لاخلِّلى أكبر شنب فيكى يلحس فى طيظى ) 0
هدم دار جدته ،وسوَّى الأرض، وهيأهالدار جديدة ،وأعجبته خاطرة أن يقيم أمامها مصطبة عريضة ، وإن أكلت نصف الحارة ،فمن بمقدوره من هؤلاء البلابيص أن يمنعه ؟ ، سيفرغ من علف بقرته على أى حال ، وسيأكل طعامه وشرابه شايا وجوزة وهو ممدد الرجل فى وجوههم ، وسينجز خياطة براذع الحمير التى يتقنها ، وسيطلب أجره فيها مالا ،وسيرد كل راغب فيها مقابل حبوب زرعهم عند كل حصاد0هو ماثل أمام عيني محمد العوامى ، وأعجبته جسارة أبو عويضه ، فمن لا دار له لا ظهر له 0
لم توات الحناوى أية فرصة لإرضاء فضول الفضوليين كما يراهم ، ولأنه كان غارقا حتى أذنيه فى بناء دار جديدة على أرض جرن كبير استحوذعليها بعد مساومات طالت سنوات مع ابنة عمه وحيدة أبيها ، وقد ورثته معه ، وكان أول البادئين بشراء أغنام وماعز من سوق الثلاثاء بالبرامون ،ولأنه خبر أمور رعيها مع الحاج سالم ربيع أيام تطهير الترع فى مواسم الجفاف ، وساحله يختنق بطين التطهير الذى ترفعه أيادى الرجال أ و حلة الكراكة الكبيرة التى يحركها أبو الأسعاد ، فخبر دنو موعد اعتلاء الكباش ظهور النعاج ، وعلامات التهيج ،وقص الصوف عند مقدم الصيف، وبدلا من قضاء شهرى الجفاف نائما حتى يجف طين الساحل ليسهل تسويته وتنقية أعواد الغاب منه ، وإعادة تجهيزه للزرع من جديد ، صحب برهومة وكامل النص فى رعىأغنام الحاج سالم ربيع0
أعد لأغنامه زريبة غير مسقوفة بظهر داره الجديدة ، وأهمل زراعة الساحل خضروات حتى غطته الحلفاء وعيدان الغاب وعروق النجيل ، ولم يلحظ الناس ارتفاع إيجارات الفدادين لزراعتها برسيما 0 إلاعندما صحبه المرسى الفالح خادم دورة الجامع الكبير بالبلد وهو يساوم حسنى ابن خديجة الماشطة على إيجار الثمانية قراريط على قناية الرزقة ، وزاده عن إيجارة سابقة لها عشرين جنيها ، فرح بها حسنى ، وطار صوابه 0 لأنه سيخفى أمر العشرين جنيها عن أمه ليسافر بها إلى طنطا مع ابراهيم بعيثة ، يقضيان أسبوعا فى مولد البدوى 0
00000000000000000 00000000000000000000
أثمرت العلاقة الجديدة -- صارت قديمة -- بين محمد الحناوىوالمرسي الفالح 0 عن زواج مبكر لزينب بنت المرسى برجب ابن محمد العوامى ، وصار كل منهما جدا للمرة الأولى، وا أتمن كل منهما الآخر على أسراره التى لايبوح بها إلا نادرا 0
فى عقب صلاة عصر هذا اليوم ، وهما يسندان ظهريهما على حائط الجامع 0 بجوار المراحيض من الخارج ، استرعى انتباه الحناوى0 انفراد المرسي فى حديث هامس متكرر بالحاج محمد المرجاوى ، وتفتح أسارير الشيخ نور وهو يروح ويجىء بجوارهما ، ينادى هناك ، ويصيح هنا ، ويضاحك هذا ، ويلقى نكاتا على آخر ، والكل مشغول فى تهيئة التوسعة والتجديد الذى تكفل به الحاج محمد المرجاوىمع توسعة ونقل مراحيض الجامع الكبير إلى الجهة القبلية من جيبه الخاص ، دون مشاركة أحد من أهل البلد ، وهو الذى حل عليها منذ فترة قليلة من الزمن ، واستأجر الطابق الثانى من دار المرسى ، راوغه المرسى كثيرا فى الإجابة عن تساؤلاته الملحاحة عن كينونة الرجل الغريب ،وكيف يعطيه ما يحافظ عليه كماء عينيه من فلوس مر على مواسم ضنى كثيرة من أجل ادخارها للأيام القادمة ، ولم يجد بدا من إعلان موافقته على إقناع الشيخ نور والمرسى الفالح له ، بأن مايسلمه للمرجاوى من مال ليس بقرض ، لكنها وسيلة لزيادة ماله ،فيرد الحناوى بتخابث : ( منين يامرسى ؟ الحال وانت عارفه 0 إللى جاى على أد إللى رايح 0 ) بوغت المرسى أول الأمر ، لكنه سرعان ما استعان على هذا بالشيخ نور 0 الذى همَّ منتفضا ، قاطعا حواره الهامس مع محمد المرجاوى ، وهو يصطحبه فى يده : ( حال إيه ومال إيه ياوله 0 مراتك قالت 0 الخير كتر والحمد لله ، هتسيب فلوسك تدود فى الدار ؟ 00 الحاج محمد قدَّامك آهوه ، والى يبعته ربنا من مكسب 0 هيكون بالنص بينك وبينه 0 زى مخاليق ربنا إللى بيشغلوا فلوسهم معاه ) 0
وقع الأمر فى يد محمد الحناوى ، ولم تسعفه اللحظة بسؤال نفسه عن سبب إفضاء فهيمة زوجته بسر ما يدخرانه ، ولكنه وقع فى إغواء المرسى والشيخ نور 0 الذى لم يجد عنتا فى إقناعه ، كما لم يلق منه أية إشارة على توجس بعد ذلك 0 فقد كان نصيبه من مكسب أ ْوْعَزَ به محمد المرجاوى 0 كفيلا بأن يدير رأسه ، ويجعلها تدور ليل نهار ، وراوغته خاطرة 0 أن يتخفف من بعض أغنامه بالبيع ليرفع قدر مساهمته كى يرتفع نصيبه فى المكسب ، وحين عرض مايخطر له على المرسى 0 شرد المرسى بعيدا ، واستعاد حذره من الشيخ نور وريبته من علاقته بمحمد
المرجاوى
لم تمض على هذه المساومة غير ليلة واحدة 0 كان الشيخ نور بنفسه هو الذى يقتحم دار محمد الحناوى ، وهم ساهون فى عشاء 0 بعد أن أغلق باب زريبته على أغنامه ، واغتسل من طين قبضتيه أثر حشِّ البرسيم ، وفهيمة تنكب برأسها الملأى بالنعاس أمام الطبلية ، واستفاقت على ممازحاته بصوته الناعم المخدِّر مع زوجها 0 الذى يفرك كفيه وأصابعه مستعينا بفعلته على تردده ومتاهات فكره ، وحين قبض بنفس الكفين على كوب الشاى بينهما ، سرت فى دمائه رغبة ظلت محبوسة طوال نهاره بجوار أغنامه وخلفها على السكك ترعى 0 أن يجاهر الشيخ نور بمخاوفه من المرجاوى الغريب ، ومن سيضمن له فلوسه الأصلية أولا قبل مكسبها : ( هتاخد على الراجل شيكات بفلوسك ، وبمكسبها كمان 00 مبسوط ياعم ؟ والراجل كمان بيسيب حاله وماله بالألوفات 0 مكن وصوف ومقصات ، وكلها بالكهربا ياوله 0 الألفين الهايفين بتوعك يروحوا فين من البلاوى الزرقا دى ؟ ) ، وتلمع على التو فى رأس محمد الحناوى فكرة ودَّ لو ينطق بها للشيخ نور ، لكنه فى إحجامه عن القول 0 كان الأمر شاخصا على وجهه ، مما ضاق له صدر الشيخ نورلهذا التردد ، ولأنه لم يجد مكابدة من أحد فى سبيل إقناعه كما يجدها الان من محمد الحناوى ، وهو وإن قبض على صبره 0 فإنما استجابة لقول المرسى الفالح له : ( الواد معاه قرشين حلوين 0 صحيح هوا جربان طول عمره 0 لكن لما نشغلهم له ، هيستفيد ، وعياله كما ن وآهو هيعود على البت زينب وعيالها بعد كده ) ، فى تلك الأثناء كان الشيخ نور قد أخذه شروده إلى حد لم يدرك أنه يحملق طويلا فى وجه العوامى 0 الذى انتفض هو الآخر : ( مالك ياشيخ نور 0 بتبحلق فيا ليه ؟ 00بلاش ياسيدى 00 ممكن نكتب عقد معاه ؟ ) 0
00000000000000000000000000000000000000000000
تلاشت دهشة الشيخ نور أمام إصرار الحناوى ومعرفته بأمور لم يكن يحدس بها أن تبدر منه 0 حين أمسك الحناوى بالقلم ليوقع بإسمه أسفل عقد بينه وبين الحاج محمد المرجاوى ، وامسك الورقة بأطراف أصابعه ، وراح يعيد تلاوتها بصوت متأن مسموع 0
((إنه فى يوم الأربعاء الموافق الثالث عشر من إبريل عام الف وتسعمائة واثنان وثمانون 00 اتفق كل من محمد على حسانين المرجاوى طرف أول بصفته مقترضا ، ومحمد الشبراوى خلف الحناوى طرف ثانى بصفته صاحب مال على الآتى 0
- يقوم الطرف الثانى بدفع مبلغ وقدره عشرون ألف جنيه مصرى لا غير للطرف الأول باعتباره صاحب مصنع ملابس جاهزة لكى يقوم باستثماره وزيادته وفقا لأصول الشرع الإسلامى
- يفوض الطرف الثانى الطرف الأول فى التجارة وزيادة هذا المبلغ فى مشروعات وتجارة مصنعه 0 مادام لا يتعارض مع شريعة الله ، وأن يلتزم الطرف الأول أن لا يستثمر هذا المبلغ فى تجارة أو نشاط مخالف للشريعة الإسلامية
- مدة هذالإتفاق تبدأ فى مايو سنة ألف وتسعمائة واثنان وثمانون ، وتنتهى فى آخر ابريل سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانون 0
- يقتسم الطرفان ربح المبلغ المذكور على النحو التالى :
- تخصم المصروفات التى يصرفها الطرف الأول على استغلال المبلغ المذكور والمحافظة عليه من غير المصروفات الشخصية
- الطرف الأول يتعهد بتسليم الطرف الثانى شيك ضمان بالمبلغ الذى يشارك به ، ولا يلتزم بضمان المبلغ المذكور إلا إذا كان هناك تقصير أو إهمال من جانبه
- أى خلاف بين الطرفين تحسمه محكمة المنصورة التجارية
- حررهذا العقد بالدنابيق مركز المنصورة فى يوم الأربعاء الثالث عشر من إبريل عام ألف وتسعمائة واثنان وثمانون ، وبشهادة كل من المرسى عبد الواحد الفالح عامل مسجد بالناحية المذكورة ، والشيخ نورعبد التواب رمضان باز خطيب مسجد الناحية المذكورة))

تنهد الشيخ نور عميقا شهقا وهو يضرب كفا بكف :
( وجاتلك المفهومية دى كلها منين يابن نعيمة 0 الله يرحم أبوك 0 دى حاجة ولا فى الأحلام ياولاد )،
ولما امسك الحاج محمد المرجاوى القلم بيده اليسرى كى يوقع على ماتم الاتفاق عليه ، لم يلحظ محمد الحناوى ارتعاشة أصابعه ولا تبدل تعابير الظفر التى كانت تملأ ملامحه قبل مجيئه ، ولما نبهه أن يمسك القلم باليمنى ، قال إنه أعسر منذ مولده، وغالب ما كان يدور برأسه ساعتها ، وسحب كيسا لامعايرقد تحت ذراعه بجواره فوق الكنبة القديمة بدار محمد الحناوى ، ومطبوع علىأحد جانبيه صورة للكعبة المشرفة ، وعلى الجانب الآخر صورة لمسجد الرسول بالمدينة المنورة ، وأخرج منه لفافة ، لما فضها برقت عينا محمد الحناوى لقطعة القماش من الصوف الإنجليزى الذى لاتخطئه العين ، وقطعة أخرى ناعمة تلمع بخيوطها الفضية البراقة : ( خد ياعم 00 إتوكل على الله 0 حتتين من عند الرسول 0 حتة لك تتهيأبيهاوتمنجه نفسك ، وحتة لام العيال 0 تشوف نفسها كمان)، وهبَّ المرسى يختطفها من يده ، ويفردها عن آخرها ، ويمسحها بيدين طريتين وهى مفرودة فوق سطح المنضدة التى تتوسطهم : ( الحاجات الحلوة دى لزينب 0 فهيمة تشوف لها ياحاج محمد حاجة حشمة كده على ذوقك )
00000000000000000000000000000000000000
امتلأت مندرة دار المرسى الفالح عن آخرها بالرجال المتطوعين بمصاحبةالشيخ نور، آخذين على عاتقهم إصلاح ذات البين بين المرسى الفالح والحناوى ، ومصالحة زينب بنت المرسى على زوجها رجب ابن الحناوى ، ولم ينس الشيخ نور إشراك محمد المرجاوى فى هذا الحضور الذى دائما ما يقتصر على المقربين من أهل البلد 0 أو أناس معهود فيهم فى كل أوان التشبث بالتواجد فى مواقف كهذه ، إما رغبة فى الإصلاح عن قناعة حقة واهتمام صريح بأمور البشر ، أو رغبة فى الحضور وذيوع الصيت فقط ، وهم الغالب الأعم ، وكان فى خاطر الشيخ نور ترسيخ حضور المرجاوى بين الناس ، وفى كافة المناسبات 0 الفرحة منها أو الحزينة ،وهو ما بدا واضح الإنجاز حتى هذة الليلة 0 فقد بدأ المرجاوى نفسه الكلام 0 بعد أن سوى شاربه الذى ينتصف شفته كشارب هتلر الشهير ، ومسح بكفيه وجهه لما فرغ من قراءة فاتحة الكتاب ، التى طلب قراءتها من الحضور 0 من أجل النبى محمد وصحابته وتابعيه ، وطالب الحضور إكراما للعيش والملح 0 أن يتناسوا خلافاتهم ، وصاح بصوت ملىء بثقة 0 اكتسبها من أسرار علاقة بينه وبين المرسى والحناوى ، ولا يعلمها سواهم 0 على فهيمة 0 التى كانت ألصقت رأسها بحافة الباب من الخارج تتسمع حواراتهم ، فدخلت على الفور غير متهيبة ، غاضبة ، تشيح فى وجه المرسى 0 الذى كان حينها مطرق الرأس :( يعنى لما تكون الحتة القماش ليا تستخسرها بنتك فيا وتنام عليها ؟ ) ، فينهض الشيخ نور من جلسته يحيطها بذراعيه ، ويجلسها بجواره : ( يام رجب وحدى الله 0 متفتحوش العينين عليكم ، وخلوا رزقكم متدارى ، وعلى العموم يا ستى الحاج محمد ملوش بركة إلا الحناوى ودار الحناوى كلها ، وآهو كله من عند الله ياستى 00)
قدر لهذة الجلسة أن تنهى خلافات زينب زوجة رجب ابن الحناوى مع فهيمة أمه ، وأن تعود إلى دار الزوجية من جديد ، وما بقى من آثار مشادة بين المرسى والحناوى بشأن أجر شهرين لبنت العوامى الصغرى لدى المرجاوى مع قريناتها من بنات كثيرات 0
فقد تكفل الشيخ نور بتسوية الأمر بنفسه مع المرجاوى بعد عودته من الأراضى السعودية ، وتسليم بضاعته للتجار هناك بمدينة جدة ، : ( وكمان هتصرف الدفعة التانية من الأرباح ياعم 00 أيامكوا اللى جاية أحلى ، بس خلوا الطريق مستور ، وبلاش عكْ كتير فى الكلام 00 ) 0

000000000000000000000000000000000000000000

مطرقة الرأس كانت فهيمة أمام صينية العشاء ، يتسلل بخار من تحت غطاء حلة الألمونيوم بجوارها ، يحمل رائحة عدس فواحة ، لم يستقبله العوامى الجالس بمواجهتهامنتشيا كعادته ، بينما كانت زينب منزوية فى ركن غير بعيد من الغرفة ، شاردة الخاطر ، وحولها صغيرها يلهو ويعبث بملاعق وأكواب الشاى ، التى لم تتقدم يد لملئها من البراد الزنك الأزرق، حالة من الكدر والوجوم، وهمهمات مكظومة فى صدور مطوية على مكبوتات كانت قد خرجت منذ قليل0 فمنذ قليل كان المرسى يكابد فى محاولاته إقناع الحناوى وزوجته بالصبر والتريث قليلا قبل إعلان أية خصومة مع المرجاوى الذى مضت شهور أخرى ،تخللتها مطالبات مستمرة من الحناوى له باستعادة قدر من الأموال التى لديه لحاجته إليها فى تجهيز ابنته الصغرى للزواج ، وبعد أن منعها من الاستمرار فى العمل على ماكينة التريكو بمصنعه الشاغل الطابق الثانى من دار المرسى الفالح ، وكانت ابنته الصغرىالتى توافقت مع خطيبهابترك المصنع الكبيربالمنصورة الذى يعمل به عشرات الفتيات والصبية ، ليكونا قريبين من شقة استأجراها بدار عوض الخفير ، ويدخرا جنيهين يوميا من الركوب فى عربات الميكروباص ليصلا إليه 0 عدا طعامهما بعد الظهر من سندويتشات الفول والطعمية ، الذى شكا من تهيج دائم فى معدته ، أرجعه إلى تلك السندويتشات ، وقام المرسى الفالح والشيخ نور بدور رئيس فى إقناعهما وغيرهما من صبايا كثيرات بالعمل لدى الحاج محمد المرجاوى 0 ادخارا لمصروفاتهما ،وسعيا لأجر أعلى من العمل بمصنعه ، مما يقرب موعد زواجهما ، وكانت فهيمة التى وافقت ابنتها وخطيبها على هذا الأمر تعرف بسبب آخر ، وتطويه فى صدرها بتعقل وحرص على الأموال التى أقرضها زوجها الحناوى
للمرجاوىوعلى سمعة ابنتها ، وهى فى لحظات يطول تأملها تكاد لا تصدق رواية ابنتها عن هذا العجوز المرجاوى ‘ فهو ميسور ، وبرفقته زوجة شابة غير زوجته أم عياله البالغين 0 البعيدين عنه ، فكيف يرغب فى صبية لم تتعد الخامسة عشرة ؟ ، ولكن شوق زوجة عوض الخفير 0 فى ثرثراتها التى لا تتوقف ليل نهار أمام عتبة دارها ، أرسلت إلى كل جهات البلد حكاية ابنتها التى ترافق ابنة الحناوى مع المرجاوى ‘ لم تقدر على الكتمان كفهيمة ، ولأن عمل ابنتها بالمصنع بالمنصورة كان أكثر فائدة لها ولابنتها ، فما أن أخبرتها ابنتها عن أول محاولة للحاج محمد المرجاوى معها 0 حتى أدارت أمورا كثيرة فى رأسها ، وحزمت أمرها على التحقق منها، ونسجت خيوط حكاية 0 على ابنتها صنع نهايتها : ( طاوعيه يابت 0 لما نشوف حكاية النجس دا إيه )

00000000000000000000000000000000000
ظل محمد الحناوى طوال هذا النهاركدر المزاج ، ضيق الصدر ، وهو حين تراه فهيمة زوجته يخلع جلبابه ويرميها فوق كتفه 0 ثم يعود يلبسها ، ومن ثم يخلعها 0 تتحاشى محادثته أو حتى الاقتراب منه ، ولأنها أكثر غما وكدرا منه 0 فلم يتبق غير أسبوع واحد على زفاف ابنتها ، وشح القرش من الدار ، وما ينقص من جهاز ابنتها العروس كثير 0 حتى أن منجد الفرش اشترط عليهم 0 أن فتح المقص يوم التنجيد لن يقل عن خمسين جنيه : ( ما هو مش معقول 0 تكونوا شركا للمرجاوى ، وخيركم كتير والحمد لله ، والهدايا نازلة ترف عليكم كل شهر والتانى ، ونحاسبكم زى بقية الخلق ) ، وبرغم أنها كبرت على جرح يؤلمها أمامه لم تجد غير ) ورحمة الغالية لا تكون أجرتك أغلى أجرة من يوم ما مسكت المخرز اللى فى إيدك ) ، كانت تمنى النفس أن لا يتأخر المرجاوى فى السعودية هذه المرة كما حدث من قبل ، وأن يسعفهم ببعض ما ليه لهم من أموال ليتما عرس ابنتهما ، فلم يعد فى زريبة الغنم عنزة واحدة لتباع فيقضى بثمنها مطلبا عاجلا 0
هددا محمد الحناوى إن قربت ساحته وطلبت فلوسا للدقيق والسمن والسكر لكعك العرس 0 أن يطلقها على الفور ، ولما لطمت الخدين ، وضربت الصدر الأعجف : ( دى آخرتها يامحمد ، وبعد العمر ده ،واروح فين 0 طيب والبنت دى ذنبها إيه ؟ ) 0 حمل خيزرانة معقوفة اليد 0 غليظة ، هى المتبقية من أيام كانت الزريبة ملأى بالأغنام ، وانتفض ساخن الرأس ، يغلى الدم فى عروقه ، وكانت هى تصرخ مستغيثة بالرائح والغادى ، وحين تدخلت زوجة ابنهما رجب تدفع عنها ، لم تجد غير الخيرزانة تطوق رأسها وظهر فهيمة ، وبينما يقف الحناوى لاهثا بجوارهما ، وخلق كثيرون التموا ، يطبطبون على كتفيه ويهدئون من روعه ، وآخرون يسعفون من أصيبتا بقسوة من خيرزانته ، كان هو يهذى وينتفض جسده كالمحمو م : ( الله يخرب بيت أبوها المرسى 0 هوا اللى ورطنا الورطة السودا دى ، وهيا كمان 0 المرة بنت ستين كلب وش الفقر دى 0 أقوللها ما بلاش نودى فلوسنا هنا واللا هنا 0 تقوللى ياراجل 0 هوا الشيخ نورعبيط 0 هيضحك عليك واللا على مين 0 الله يخرب بيت أبوكى على بيت أبو الشيخ باز 0 شقى العمر ياناس 0 طلعتوا من النار 0 تاكله نارالشيخ الملعون ونار المرجاوى النجس ؟ ) 0
ضحكت شوق زوجة عوض الخفير بعلو صوتها ، وهى تضمد رأس فهيمة التى يسيل منه الدم بطرحة رأسها ـ، وغمزت بحاجبين رفيعين فرغت منذ قليل من رسمهما بقلم ابنتها المخبوء فى حقيبتها الصغيرة ، فردت عليها أخرى كانت منشغلة بأمر بنت المرسى الفالح التى تتأوه فى حجرها ، ويرتفع صراخها كلما سقطت قطرات دم من رأسها على وجهها : ( نجس ؛؛ كلامك باين عليه بجد يا بت يا شوق خ يخيبه راجل اهتم 0 دا عنده مرة 0 زى ما بيقولوا تكفى عشر رجالة ) 0

00000000000000000000000000000000000000







ليست هناك تعليقات: