ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الجمعة، 22 يونيو 2007

ونواصل ... الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

3
أيها الحسن القلق والمتوجس دائما



كأنّ احدهم بل جميعهم يغرس سكينا في صدري ويذبحني من وريد إلى وريد.
رؤية هؤلاء العلوج يسبب لي الصداع وألما في الرأس لاأبرأ منه إلا حين يصل إلى مسامعي صوت انفجار قذيفة هاوون أو عبوة ناسفة تحرق أشلاءهم وتحيل أجسادهم إلى رماد .
كم أحمل من كراهية لهؤلاء الغزاة ياحسن وأتمنى زوالهم من الأرض أنهم سبب تعاستنا وما لحق ببغدادك من الدمار.. استغربت حين سألتني عنها وعن أحوالها بعد رحيلك المفاجئ عنها هل بقيت كما هي جميلة أثيرة تأسر القلوب وتجذب الألباب إليها وما مدى صحة ما تنقله وسائل الإعلام عنها من أنها استحالت إلى مدينة أشباح هجرها ساكنوها وأصبحوا لاجئين في إنحاء المعمورة يشحذون هبات الدول وعطاياهم ؟
بغداد ياحسن أصبحت عصية على وصف حالها وأحوالها ماذا يمكن لأقلامنا أن تكتب وتخط عن جرحها ونزيفها اليومي ماذا يمكن أن تنقل أقلامنا من مشاهد شقاء هذه الأسطورة التي أذهلت العالم برمته قرونا وعهودا طوال .. كيف يمكننا أن نصف حجم الدمار الذي لحق بها كيف تطاوعنا ألسنتنا وقلوبنا وأقلامنا إن نخبر محبو بغداد وعشاقهاّ من إنها أضحت من اجل سواد عيون الديمقراطية البشعة -مدينة مظلمة تنقصها الخدمات والرعاية أنها مثل الطفل ومثل الورد ومثل الضرير والأصم تحتاج إلى عناية فائقة ، عناية خاصة لايمكن لكل من هبّ ودبّ أن يمنحها لها ..
بغداد السندباد تتحول إلى بغداد ترقد في شوارعها جثث تائهة تحنّ إلى ذويها وتبحث عن حفرة ترقد فيها بسلام بعد أن هشمت ما فيها من عظام وتمزقت ما فيها من اللحوم بالدريل وأحرقت بالتيزاب..
لاتبتئس أيها الحسن الحساس جدا والقلق جدا فأمريكا الديمقراطية جدا جلبت لنا وسائل متطورة ومبتكرة في ممارسة القتل بطريقة ديمقراطية جدا..
جارتي سلمى ياحسن وصديقة عمري أظنك تذكرها .. ههه ، أم تود تذكيرك؟
هههه ، لا تغضب ، سلمى ياحسن تمنت إن تعثر ولو على إصبع من أصابع ابنها المفقود منذ عامين ونصف العام ونذرت أن تفرش العلم العراقي بطول الجسد لو تحقق حلمها واستردت عضوا من أعضاء ابنها فقد أرهقها البحث المضني والانتظار المؤلم والشوق والأسئلة التي تلحّ على الظهور بين الحين والأخر ( لم أسمته عمرا).. وفي غمرة أحزانها وآلامها لم تنس أن تقصد دائرة النفوس في المدينة وتقدم طلبات بتغيير أسماء ما تبقى من أولادها أحياء ( عثمان صار لبيب) ،( مروان صار يونس) ، (وزينب صارت هيام )..
ربما ستأخذك الدهشة والعجب مما اكتب لك في أيميل هذه الليلة وستقول إن الاعتقال قد اثرّ عليها وصارت تهذي ولاتعي مما تكتب فكيف يمكن لأم أن تغيير أسماء أولادها دفعة واحدة وما علاقة الأسماء بالموت والقتل وسأعذرك لأنك شهدت السنة الأول لاحتلال بغداد وغادرت بعدها عائدا إلى وطنك مصر أم الدنيا بعد أن ضاقت بك بغداد بشناشيلها وأسواقها ومنازلها وشوارعها وأزقتها شانك شأن كل المواطنيين العرب الذي كانوا يقصدون بغداد ويهلونّ في مرابعها عندما تضيق بهم أوطانهم ولم تكن أمريكا قد نفذت مخطط القتال الطائفي في العراق ولم يكون يدري (عمر) انه سيقتل على يد عبد (الزهرة) ولم تكن زينب تدري أنها ستبقى عانس إلى أن يتقدم بكر ويخطبها من أبيها.، ولم يكن ماجد يتصور حاله مغادرا بغداد مصابا متخفيا وتاركا روحه معلقة بهيام .
سعدت جدا حين اطلعت في إيميلك السابق لي على رسالة الصديقة العزيزة لطفية الدليمي وفرحت جدا من نبأ مغادرتها إلى باريس وتخليها عن نشاطاتها الثقافية والإبداعية في بغداد فقد كنت خائفة أن تفقد ساحة الإبداع العراقي مثقفة رائعة مثل لطفية كما فقدت العشرات من الصحفيين والمبدعين فأسمها ورد ضمن قائمة الاغتيالات التي أصدرتها فرق الموت مع المئات من المثقفين ورجال الفكر والعلم والأكاديميين وطبيعي جدا إن أكون مدرجة ضمن هذه القائمة التي قاموا بنشرها في مواقع النت واطلع عليها الكثيرون حتى وصلت ضجتها لوالداتي المريضة وخالاتي وأصبحت مثار الخوف والقلق لهن ّ يصعب علي مغادرة البيت دون إن تبادر احداهنّ في الاتصال بي عشرات المرات أين أنتي،لاتتاخري،لاتستقلي سيارة بمفردك، لاتردي على أرقام غريبة تجهلين أصحابها.ولو كنت موجودا أنت الآخر لقتلوك لأنك تعشق العراقأكثر منهم ، هم ليسوا عشاقها . بل أنت ، أما هم فهم لصوص الليل الأمريكى الخانق وأعداء الحياة.
قلق لطفية في الغربة على مصائر ابنائها وأسرتها قلق طبيعي جدا، فالقلق بعد الغزو الأميركي صار رفيقا مصاحبا لكل من لايسير في ركاب المحتل وينضم إلى قوافله..
ياحسن إن الابتعاد عن الوطن والغربة مذلةّ ّواهانة يورث صاحبها الهلاك ،لطفية تفكر في تشجيع أولادها على طلب اللجوء إلى ألمانيا وسويسراوهي الظاهرة المستشرية الآن بكثرة فحكومة تجلبها المحتل لن تكون قادرة على توفير الأمن والحماية لا لنفسها ولا لشعبها..
قبل إن أنسى عزيزي ، وصلني أيميل مقتضب من زينب سلمان تقول فيها أنها استقبلت خديجة في بيتها ووجدت لهما عملا يدر عليهما مالا وإن كان قليلا إلا أنه يساعدها على العيش في زيورخ بأمان وأنا بصدد مفاتحتها باستقبال محمد وزوجتة سعاد اللذان هربا أيضا من جحيم بغداد وبنصيحة مني قررا اللجوء إلى زيورخ فهي المدينة التي حضرتني ما إن بلغني قرار سفرهما المفاجئ إلى دمشق ومن هناك يقرران طلب اللجوء إلى السويد إذا لم تتمكن زينب من ابداء المساعدة لهما ...
هل كان لك اتصال قريب مع الدكتور فاهم في ليبيا؟ فقد حاولت الاتصال به ولم افلح،شبكة المحمول عندنا لم تعد صالحة للتغطية الجيدة ، انقطع اتصالهم عني منذ فترة ولم أتمكن من الاتصال برباب زوجته ولا أميرة ابنتهما ، فإذا اتصلوا بك أو اتصلت بهم حاول أن تخبرهم بضرورة الاتصال بي أو تنقل لهم هذه المعلومة فبيتهم في منطقة الكرادة والذي قاموا بتأجيره ليستفيدوا من إيجاره في الغربة قد غادره المؤجر دون أن يتمكن من تسديد إيجار هذا الشهر لكونه تعرض إلى تهديد بوجوب مغادرة البيت دون نقل ما فيه من أثاث بسبب انتمائه المذهبي ، لم يتمكن الجيران الآخرين في المنطقة من أقناع المؤجر في البقاء وعدم أيلاء ورقة التهديد التي ألقيت إلى البيت ووجدوا نسخة منها معلقة على إحدى الأبواب الداخلية للمنزل مما اضطر أن يترك المنزل ويغادر إلى إحدى المدن المجاورة للعاصمة ، وهذا الموضوع شغلني جدا حاولت الاتصال بالأصدقاء هناك لتوفير مؤجر جديد ولكن محاولاتي بأت بالفشل لعدم توفر مؤجرين للمنازل الخاوية التي أصبحت كثيرة جدا بسبب الهجرة اليومية المتواصلة وبزخم ملحوظ جدا ، تملكني الخوف والقلق على مصير الدكتور فاهم وأسرته وهل سيتمكنون من معالجة الخلل في الميزانية والنقص الحاصل بالغ جدا يقدر ب 800 دولار شهر ..
معذرة حسن ..
انك برغم كل شىء ترسم صورة مشرقة وبراقة وإنا أعطيك واضعا قاتما عن مأل إليه وضعنا في بغداد بعد مرور سنتين على رحيلك ، هناك أمور كثيرة طرأت على حياتنا لم تكن موجودة في السنة الأولى من الغزو وقد أعلمتك عنها مسبقا ، الوضع تدهور بسبب محاولة الغزاة وأزلامهم التي دخلت إلينا من بلاد فارس من إشعال الفتنة الطائفية والحرب الأهلية وهذه هي اخطر مرحلة من مخططات الغزاة الذين يرومون تنفيذها في بغداد ، لكني أؤكد لك ولكل الأصدقاء المثقفين الذي يراسلوني بالإيميل ويأملون من الحصول على الحقيقة دون لبس والاطمئنان على وضعنا –أؤكد لكم أن هذا المخطط لم ينجح رغم المحاولات والجهد الكبير الذي يبذل والأموال الطائلة التي تنفق ، وأؤكد لكم أن ما يحدث في بغداد لادخل لنا نحن الشعب به وإنما هي أفعال شنيعة تمارسها فرق الموت والمليشيات التابعة للحكومة التي نصبها المحتل ...
لازالت صداقتي متينة وقوية مع الكثير من المثقفين من شتى المذاهب ، رعد الأشوري وتوفيق المسيحي واراس مثقف كردي رائع من الشمال وإيناس القاصة الشيعية الرائعة .حتى زينب المغادرة كانت شيعية سنية فى آن ، أم شيعية وأب سنى .
أتصل بهم ونتبادل الإيميلات والمسجات على الموبايل وأتابع كتاباتهم وشطحات خيالهم على مواقع النت ويأتون لزيارتي ...
إطمئن أيها الحسن العربي أن العدو تسلل إلى عقول بعض الأميين والجهلة ولازال المثقف العراقي بخير رغم كثرة الأهوال.
آمل أن لاتفوتني أن أجيبك عن كل التساؤلات التي تدور في رأسك وتنقر على تلابيب الدماغ فيك بإلحاح ، أدرك أن طبعك ناري وأنت من برج القلق ، إطمئن ، أحاول تدبير أموري وآمل أن لا أقع في قبضتهم ثالثة ، جرت مداهمات وتمكنوا من اعتقال الكثير من الشباب ولا نعرف متى سيتم الإفراج عنهم ، تم اعتقال باسل ابن صديقك الأستاذ فؤاد وهو مشغول بإجراء محاولات للإفراج عنه عن طريق بعض المعارف من أهل المنطقة والذين يعملون مع القوات الأمنية الحكومية ..
قلقي ينمو ويتصاعد على مصير شقيقي صهيب الذي اعتقل بعد سنة من رحيلكم عن بغداد وفي أخر رسالة وردت منه عبر الصليب الأحمر الدولي كان يتساءل هل لازلت على الاتصال بكم عبر الانترنيت، لقد أفرحني رسالته هذه والتي تعتبر الأولى منذ اعتقاله ويستفسر عن وضع صديقه ماجد ويتمنى لو انه لم يرحل وبقي في بغداد يعملان سويا ويقاومان معا هذا العدو الجاثم على صدرنا جميعا.. أنت تعرف ياحسن إن صهيب وماجد كانا منذ صغرهما ومن المدرسة الابتدائية وحتى أنتهاء مراحل الدراسة معا إلى إن تخرجا معا وجمعتهم (مجموعة الشهيد سعد ادريس حلاوة ) أيضا بناء على اقتراح ماجد ،، وتكريما لمصرى شاب احتج على سياسة حاكم عربى رمى شرفه تحت أقدام الصهاينة ، لقد كنت اشعر بحزن صهيب إبان فترة رحيلكم عن بغداد بعد تلك الحادثة المشؤومة التى أصيب فيها ماجد .
لقد قال لي ذات ليلة وكان يتهيأ مع رعد ومجموعة أخرى من شباب الكرادة أن وجود ماجد معنا كان ضروري جدا فهو يمتلك عقلية تخطيط عسكرية جيدة وكان ينجز زرع الألغام بدقة متناهية لم يخب يوما ما .
أصدقك القول ياعزيزي فلولا حادثة اختطاف ابنك الأخر حازم توأم ماجد ودفع تلك الفدية المالية الكبيرة لتلك العصابة المجرمة التي حاولت النيل من مكانتك الاجتماعية والثقافية في بغداد ، لما كنا قد سمحنا لك بمغادرة بغداد ولكنت تقاسمت رغيف الخبز معنا كما كنا نفعل قبل الغزو ، لكننا خشينا على وضعك النفسي السيئ و لاسيما إن صحتك كانت تتدهور وخشينا إن تتكرر الحالة في ذلك الوقت الذي كانت حوادث اختطاف المثقفين والعلماء والأكاديميين قد بدأت تظهر للعيان ، كنت أعلم أنك لن تتردد في الذهاب إلى دار السينما والمسرح في الصالحية للمشاركة في تقديم عمل مسرحي كنت قد أنجزته أو الإعداد لعمل مسرحي كبير كان يراود ذهنك المسرحي العبقري فى مسرح الجامعة المستنصرية لكن الظروف الأمنية في العراق بعد الغزو لم تكن تشجع على الإبداع أو العمل اليومي فلم تكن تستطيع الوصول إلى أي مكان إلا وأنت تبلع المرّ ، لازال الوضع في بغداد مثلما تركته قبل عامين من الآن ، الحواجز الكونكريتية والجدران الإسمنتية قد كثرت أعدادها بشكل لايطاق ، وزاد على ذلك كثرة الدوريات والمفارز على الطرقات ، تصور إني لم أعد أطيق الذهاب إلى المدرسة بل إني كرهت مهنة التدريس التي كنت أحبها جدا ، ولولا المعيشة الصعبة والراتب القليل الذي يسد جزءا من نفقات المعيشة اليومية لكنت قد قدمت استقالتي وفضلت المكوث في البيت لكني اضطررت إلى إيجاد عمل أخر يوفر لي مصاريف إضافية لإعالة أسرة صهيب التي فقدت معيلها الوحيد بعد اعتقاله واضطرت لتحمل نفقات معيشة زوجته وأطفاله الأربع ممن لايتجاوز عمر أكبرهم خمس سنوات ، عملت مصححة لغوية في إحدى الصحف العراقية التي تشكلت بعد الغزو لكوني اختصاص لغة عربية ، ولانبهار رئيس التحرير بعملي الدؤوب منحني فرصة عمل أخر وهو محررة أدبية مما إعطاني فرصة الاطلاع على الوضع الثقافي في البلد والتعرف على أدباء وشعراء كثيرين كنت اقرأ عنهم في الصحف فقط ، ومنهم عرفت قدرك الأدبى والثقافى فى الفضاء العربى، لاأخفيك سرا أني أفكر في تقديم استقالتي من مهنة التدريس والتفرغ للعمل الأدبي والصحفي لكني انتظر إطلاق سراح صهيب من المعتقل ليتحمل إعالة أسرته ، وأفكر أيضا في الاستغناء عن التدريس في المدرسة والجلوس في البيت وإعطاء دروس خصوصية للطالبات ، هناك ميل من الآباء للاعتماد على التدريس الخصوصي فالمدرسة صارت غير ذات جدوى بسبب كثرة العطل وصعوبة الوصول إليها ، هم يفضلون التدريس الخصوصي لأبنائهم وبناتهم تماما كما كنت تفعل أنت مع ابنتيك مناروسما أنت تعلم خبرتي في التدريس قد تجاوزت أثنى عشر عاما تمكنت فيه من تدريس أعداد كبيرة جدا من طالبات الكرادة واليرموك وطالبات يأتين لي من مختلف المناطق ،هذا ابن صديق صهيب، وتلك صديقة محاسن أختي ..
عزيزي حسن
اكتب لي سريعا في الإيميل القادم عن تحسنّ صحة ابنك ماجد ، لقد الحّ صهيب في رسالته تلك بالاستفسار عن وضع ماجد وهل تحسنّ صحته بعد تلك الإصابة البليغة التي تعرض لها عند مشاركته مع صهيب في عملية مسلحة ضد الأمريكان والذي أسفر عن إصابة ماجد بطلق ناري في الساق اليسرى ونزف على أثره ساعات طويلة لعدم تمكننا من معالجته في المستشفى خوفا من تسليمه للقوات الأميركية التي راحت تبحث عنه في أقسام المستشفيات كافة ولولا تدخل الدكتور فاهم وموافقته على إجراء عملية سريعة لإخراج الرصاص من قدمه لكان ماجد في عداد الشهداء ، أخبرني عن وضعه النفسي وهل لازال يرغب بالعودة إلى بغداد للمشاركة مجددا في عمليات قتالية ضدهم ؟،
يقول صهيب: عندما يتم أطلاق سراحي ، سأعاود الاتصال بماجد وأوفر له طريقا للعودة إلى بغداد ، أنا لااستطيع إن استغني عنه إنه صديق عمري وأخي وهو يبلغك السلام والتحيات ويقول إن صديقه عماد المصري اتصل به قبل اعتقاله بيومين وابلغه انك أرسلت معه إثناء سفره لزيارة أسرته في الفيوم – مبلغا من المال ليتم توزيعه على بعض الشباب لشراء ما تحتاجون له من السلاح ويعتذر إن كان المال قليل لكن هذا ما تمكن من جمعه من مصاريف العائلة التي أصبحت باهضة جدا فالوضع الاقتصادي في مصر متدهور أيضا ومع ذلك سيفعل ما بوسعه لإرسال ما يتمكن من إرساله لكم لدعم أعمال المقاومة المسلحة ضد الأمريكان..
وأخيرا ياحسن .
سأختم أيميل هذه الليلة النيساني لك بأمنيات عودة نيسان إلى سابق عهده ،شهرا للخير والربيع وتنظيم الاحتفالات بالمناسبات الوطنية والقومية فيها ، فهو لم يعد مناسبة فرح ، وبعد أيام قليلة جدا ، ستمر علينا الذكرى الرابعة للغزو ، التاسع من نيسان المشؤوم ، هل تتذكر هذا اليوم الملعون ، لأاعتقد انك تنساه ولا أي عقل بشري سيكون قادرا على أن يشطب ويحذف من ذاكرته هذا اليوم النيساني المروع ولا كل الأيام الآتية من بعده والحافلة بالماسي والدمار والموت البشع ..
سأنصرف ألان فالمطر زاد من نقره على زجاج الغرفة ولا أرغب أن تفوتني مشاهدة مطر غزير يتساقط وينقر حباته زجاج النوافذ ولن أجعل النسيم البارد يرحل دون أن أملأ صدري من قطراته فلن أخفيك سرا ،أشعر بأني مختنقة وأحتاج إلى تغيير هواء رئتي فلم نعد تنسم هواء نقيا بل هواءامشبعا برائحة الجثث المتعفنة ورائحة القنابل والغازات السامة.
قبلات أمي الحنونة لك ودعواتها لك بالعودة القريبة لبغداد التي تحبها وقضيت فيها شطرا من حياتك إبان نضالك الدؤوب في مصر وتردد دائما: أنها تشعربحنين أم إليك ، وكأنك خرجت من أحشائها، وأن أبناءك تركوا فراغافى القلب والروح، والأمر الأقسى دوما عليها غياب زوجتك أم حازم وعن محيط أسرتنا الصغيرة والعشيرة كلها، وأسمعها تقسم بحبور دائم أن أبواب بيوتنا ستبقى مفتوحة ولن نوصدها أمام الرافضين لسياسات حكوماتهم ولكل من يساندنا في قضيتنا بنضالنا لتحرير بغدادنا وموصلنا وديالتنا وكل شبر أخضر وبقعة خضراء من أرض العرب بغداد. وسيظل بيتنا مفتوحابرائحتك ورائحة أولادك وزوجتك الرائعة أم حازم.

4
إنه القلق الذى يجلبه الرعب ياحسن

حسن
لم تفعلها سابقا وأشك أنك ستفعلها الآن أو مستقبلا..لا أظنك تتجاهل إيميلا واحدا لي أو تهمله ، لكن ممكن أن أتصور أنك شطبت إيميلي إليك سهوا بعد أن تكدست إيميلات كثر في صندوق بريدك،ولكن حتى هذه أستبعدها ، أنا واثقة إن إيميلاتي ليس مثل كل الإيميلات ، هكذا يخيل لي ويترأى لي أنك لن تهمل أية أيميل ترد إليك من بغداد المجروحة ، المكلومة ،أستغرب عزيزي ، لم تفعلها مع المئات من الإيميلات التي نشاءت بيننا منذ رحيلك عن بغداد وكانت التسلية الوحيدة لنا والراقية التي يمكننا من خلالها التواصل والاطلاع على أحوال بعضنا بها .
عشرون ليلة تنصرم منذ كتابتي أخر إيميل وكنت قد ألححت عليك بالرد السريع لأتمكن من إجابة شقيقي صهيب المعتقل في سجن بوكا والذي استفسر عن صحة صديق عمره ماجد ، اضطررت أن أكتب له رسالة وأبعثها عن طريق الصليب الأحمر دون أن أتناول شيئا عن أوضاع ماجد لكني أخبرته أنه تماثل للشفاء وسيتجشم عناء السفر إلى بغداد بعد الإفراج عنك ، هكذا أخبرته برغم إدراكى استحالة الأمر حاليا ..
أتابع صندوق بريدي مرات عدة في اليوم الواحد أملا في استلام إيميل منك ، لاأخفيك سرا أن قلقي بدأ يتصاعد عليك وأخشى أن تكون قد تعرضت لسوء ما ، عندما تتلقى إيميلي هذا أرجو إن تجيب ولو بكلمة مقتضبة (استلمت) وستجيب لاحقا عندما تفرغ من ما يشغلك ...
اللعنة على هذا الاستعمار الجديد الذي بدأ يهدد حياتنا ، نعم ياحسن ، أنا مستعمرة من قبل هذا القلق اللعين الذي صار يخيم ّ على وضعي ، تصور أن وقوف شرطي على الباب صار يسبب لي الصداع ، سماع نقير آلياتهم وهي تمر متسللة مذعورة يصيبني بالقرف والاشمئزاز ، تأخر أحد الأولاد عن المنزل يؤدي بي إلى الآلام في الرأس والمعدة والمفاصل .. تصور أن خروج أحد أولاد أشقائي من الدار دون إخبار والدته قلب البيت رأسا على العقب فقد تبادر إلى ذهن أمه أنه اختطف وتصورت أنها ستلقى على رأسى في القمامة تماما كما تشاهد لقطات من أفلام تعرضها التلفاز وتخيلت أن فلذة كبدها ملفوف بقطعة القماش الأبيض ويرقد الآن مع عشرات الجثث اختطفوا بالطريقة ذاتها ولم تكن قد مضت على اختفائها أكثر من نصف ساعة ..
لست أدري كيف نسيت أن أدون رقم المحمول عندي فالهاتف الأرضي الذي أعطيته لي لايرد هو يزيد من شعوري بالخوف عليك ..
قبل ساعة من كتابة هذا الإيميل لك ، سمعنا دوي انفجار قوي هز البيت برمته، ظلت الصغيرة سحر تبكي قرابة ساعة ولم تهدأ إلا بعد أن داهم عينها الوسن ونامت على مرفق ذراعي ، ورد ت إلينا أخبارا بأن سيارة مفخخة انفجرت قرب أحد مفارز الشرطة أسفر عن موت ثلاثة أشخاص وإصابة عشرة آخرين تم نقلهم إلى المستشفى وطوقت أرتال قوات الاحتلال منطقة اإنفجار وربما ستقوم بمداهمة بيوت ومحلات قريبة من موقع الانفجار.
أخيرا وليس آخرا ، أتساءل هل شاركت في مؤتمر دعم المقاومة العراقية الذي نظم منتصف إبريل والذىلم أتمكن من حضوره رغم توجيه دعوة رسمية لي من قبل اللجنة المعدة للمؤتمر؟ وصلنى خبر أنه تمت استشارتك من قبل اللجنة المنظمة عن أسماء المشاركين العرب والعراقيين المقيمين خارج العراق لمعرفتهم بموسوعيتك فى فهم الحالة العراقية جيدا ، وأنا كنت منشغلة في مجلس العزاء المقام على روح أحد أقاربي والذي اغتيل إثناء عودته من بغداد متجها نحو كركوك –المدينة التي تشتعل فيها الصراعات الطائفية والانقسامات المذهبية بسبب البترول الذي تحول إلى نقمة بعد أن كانت طوال العهود الماضية نعمة تجلب الرخاء والعز لسكانها المتوحدين ..
لقد سررت بهذا المؤتمر ياحسن وأنا أستمع إلى هتافات أبناء مصر الحبيبة وهم ينادون بخروج قوات الاحتلال من العراق وإقامة نظام وطني ، ووقف نزيف الدم العراقي الذي صار يطال العراقيين على الهوية


5
على مهلك علينا شوية

دفانا الحنين فى ليل الشتا الحزين
ونسمة الهوا الطرية فى عز الصيف
ست منار أو تانت منار زى ماحضرتك تحبى أن أنادديكى
وسامحينى أول مرة مش هاقول لك (تانت ) منار
لاننا من عشرين يوم واحنا ماسكين قوبنا بإيدينا
وانا عارفة إنك الآن وفورا ستخمنى نوع اللى حصل لينا لإنك بتقولى إنك أحيانا كتيرة بتابعى أحداث الدنيا من خلال الفضائيات وخاصة الجزيرة.
وأكيد إنتى سمعتى عن الأحداث اللى حصلت فى شارع الجلاء وف ميدان التحرير بالقاهرة
أكيد عرفتى أنا مين أولا؟
صح
انا منار الصغيرة
سامعاك بتزعقى وتقولى زى زماااان :
- مناااااااااااااااااار قطتى الشقية؟
صحيح انا عندى عشرين سنة زى ما حضرتك عارفة ، لكنهم لسه مصرين على إنى منار الصغيرة ، وأنا باحتج كتير عليهم ، وباقول لهم انا مش أقل من ( تانت ) منار هناك فى بغداد ، وشايلة المسؤولية بجد معاكم ـ، فليه مصرين على إنى صغيرة لسه؟ ، يمكن عشان تفضلى إنتى كبيرة فى نظرهم وعالية المقام على طول ؟
المهم
بابا أعتقلوه من شارع القصر العينى بعد مطاردة الشرطة لأعضاء حركة كفاية والمتظاهرين المصريين اللى بيحتجوا على اللى بيحصل فى العراق ، وموقف النظام المصرى اللى ما بيفرق سنتي واحد عن موقف الأمريكان وكان بابا فى طريقه لحضور المؤتمر التضامنى مع المقاومة العراقية وهذا أقل ما يستطيع القيام به الآن حسب كلامه
وواضح انهم ضربوه كتير عشان لما عمى أصحاب بابا من اتحاد الكتاب وصديقه جمال الفنان التشكيلى راحوا يشوفوه رفض مأمور القسم بتاع قصر النيل إنهم يشوفوه فذهب معهم وفد كبير من اتحاد المحامين ومعظمهم من أصدقاء باباومن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، وأنا كنت أعطيت إيميلك الأخير لعمو سرحان اللى هوا ناشط كبير فى المنظمة عشان يوصله لبابا واحنا اليوم رايحين نشوفه بعد ما نجحت المساعى لزيارته وهاكتبلك بعد ما رجع من عنده ويمكن يكون كتب لك حاجة من المعتقل لأنهم رحلوهم لمعتقل القلعة الشهير ،وانتى عارفة إنهم أيام أنور السادات كانوا أوهموا الناس بإغلاق المعتقلات
لكنهم على رأى بابا ، أغلقواالأبواب الأمامية وفتحوا الأبواب الخلفية
هارسل إيميل ان شاْء
الله بعدما أرجع من عنده
ولأن أخى ماجد مايزال طريح الفراش يتألم من جراح جسده وروحه ، لكن شقيقى حازم هائج ، واحتجاجاته صارت عالية وخاصضة بعداعتقالبابا ، وماما خايفة جدا عليه، وهو لا يمتثل لأوامرها ولا لنصائح خالى ، وأظن لوهيام أرسلت له رسالة قد يستمع لاستعطافها أن يهدأ وأن لايلقى نفسه فى نارهم ، تكفينا بلوة اعتقالبابا الآن
وهذا ما سيقوله ابى لكم عند خروجه ان شاء الله

منار حسن
أومنار الصغيرة

ليست هناك تعليقات: