ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الخميس، 21 يونيو 2007

قطار ولا محطة




قطار ولا محطة

ما هو الزمن
وما هو المكان في علاقته بالزمن
وما هو الكائن الانساني في علاقته مع الزمن والمكان
أسئلة شغلت الفلسفة منذ تفتح وعي الانسان على أسئلة الوجود أي منذ استطاع الانسان ان يوفر لنفسه فسحة من التأمل في ذاته وفي الوجود حوله خارج معركته الدائمة ضد عوامل الجوع والفقر والموت المجاني تحت ضربات الطبيعة والمناخ والشظف المهلك للجسد والروح معاً
وظلت هذه الاسئلة تنمو وتتجدّد وتتّسع كلما قيّض للمعرفة الانسانية ان تتسع ولإجابات هذه الاسئلة ان تنمو وتتراكم... حتى لبوسعنا ان نقول دون أدنى حد من المبالغة ان موضوعة الزمن مفهوماً وماهية أخذت من جهد العقل الانساني بحثاً وحيرة وتوغلاً في شعاب هذا المفهوم المحيّر أكثر مما أخذته أي موضوعة أخرى اذا اعتبرنا - وهو اعتبار صحيح - ان مفهوم الوجود ليس مفهوماً مستقلاً عن مفهوم الزمن.
إذن في تراث المعرفة الانسانية وفي الفلسفة بالذات من الهندية الى اليونانية الى الفلسفة العربية والفلسفة الاوروبية منذ العصور الوسطى الى الفلسفة الحديثة، من الاشتغال على موضوع الزمان ما يجعلنا نشك بأن احداً من العرفاء او الفلاسفة من يمكن ان يضيف جديداً على هذا التراث الهائل، او يجيبنا على السؤال الخالد... ما هو الزمن، ما تعريفه، ما هي حقيقته?
من وجهة نظري ان تراث المعرفة الانسانية كله هو محاولة للقبض على طبيعة الزمن بما يجعلها مرتبطة بالكدح الانساني المتواصل ولا تكتمل إلاّ باكتماله.
حوارية الزمان والمكان والإنسان...
: ان معظم كتب الفلسفة التي صدرت وتصدر في عصرنا حول موضوع الزمان والوجود بصورة عامة كانت - في معظمها - استعادة وشرحاً للتراث الفلسفي وليس اضافة له. وهذا لا يقلل من قيمتها اذا اعتبرنا ان حركة التراث ليست حركة تصاعدية باستمرار، فالتراث واستيعابه وتمثله بحاجة الى حركة دائرية تمهّد لنقلة جديدة أي اضافة جديدة قد تكون في مستوى النقلة الكمية او في مستوى القفزة النوعية.
* * *
إن نصاً يتناول مسألة الزمن بلغة لها كل هذا البذخ والدّقة والشمول لا بد ان يكون متسرباً عن وعي يدرك العلاقة الآسرة بين اللغة والزمن، لذا تضمّنت المحاورة الوقوف عند هذه العلاقة في أكثر من موقع وأكّدها في مقدمته قائلاً: (ان العلاقة بين الزمن والمعنى وبين المعنى واللغة هي علاقة عضوية إذ لا معنى للوجود بغياب الزمن ولا مضمون للزمن بغياب اللغة)
لقد قدّم حول الزمن مادة تشكل اضافة نوعية لمعرفتنا عن الزمن، مادة هاجسها الواضح المتعة الفكرية واللغوية وقد يكون آخر من يهجس بأن هذه المادة ستغدو مصدراً لمعرفة نظرية اضافية لمسألة الزمن، أليس هذا هو أدب الفلسفة... أن تترصّد قرائح الشعراء وان تسترق السمع لما يدور بينهم وبين الملأ الأعلى فتأخذ منهم ما تحيله بعد الى معرفة ونظريات يتنازعونها ويختصمون جرّاءها وهو ما سجّله المتنبّي في كلمته الخالدة:
أنام ملء عيوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرّاها ويختصم
، ولكن متى ينتهي القطار الى محطته الأخيرة، ولكن متى ينتهي قلق الروح المتشرّدة في مساحات المعرفة بلا نهاية
لم يكن هدف قطارك أن يصل بنا الى النهايات المطلقة ولكنّه مرّ بنا على محطات ساحرة جعلت رحلتنا الطويلة أقلّ افتقاراً الى المعنى وأكثر احتشاداً بزهو القلق والمعرفة في رحلتنا الطويلة

ليست هناك تعليقات: