ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الخميس، 21 يونيو 2007




من يذكرنا بهذا ال محمود حسين ؟

وبالفارق بين اليهودى التائه وشقيقه؟


فى سبعينات القرن العشرين كنت أقرأ، هنا وهناك، مقالات لافتة لكاتب مصري يساري يدعى (محمود حسين). و فيما بعد علمت ان هذا الاسم هو الاسم المستعار والمشترك للثنائي بهجت النادي وعادل رفعت. وعندما عرفت ان عادل رفعت يساري يهودي يوقّع باسم (مسلم) أُصبنا بخيبة أمل، وتساءلنا مرارا: لماذا لا يوقع عادل رفعت باسمه الأصلي؟ فقد كنا، في تلك المرحلة، نفتش، بالفتيل والسراج، عن اي يهودي ماركسي معاد للصهيونية كي نسند مقولاتنا الفكرية عن الصهيونية واليهودية واسرائيل، وكانت في جعبتنا اسماء يهودية معادية للصهيونية وشديدة التألق آنذاك أمثال موشي ماخوفر وأوري أور وكوهين بنديت وابراهيم السرفاتي ومكسيم رودنسون واسحق دويتشر وهانا آرندت، وكنا نروج أفكارا وعبارات لتروتسكي وروزا لوكسمبورغ فضلا عن ماركس وسبينوزا وفرويد وآينشتاين وغيرهم بالطبع.في أحد محطات الانتظارالعربية قال لي أحد (الرفاق المغادرين حيث لا وجهة)، حينما عرف أنني اكتب في جريدة (الاشتراكى) - اليمنية الجنوبية حينها - ، انه مغرم بكتابات (وائل الحلو الذى يكتب فى السفير اللبنانية كثيرا وفى بعض الأحيان بالاشتراكى اليمنية. وعندما أخبرته مدعيا المعرفة بهكذا أسماء ان (وائل الحلو) غير موجود على الاطلاق، وأنه مجرد اسم مستعار لكل مَن لا يريد ان يوقع باسمه الحقيقي، وهو أمر معمول به بكل صحافة الدنيا ؛ بُهت تماماً. ولعل هذا ما وقع لي فعلا حينما اتصل بعلمي ان عادل رفعت هو شقيق (بيار فيكتور) الماوي الفرنسي المشهور وأحد قادة ثورة الطلاب في باريس في ايار 1968، وصديق كوهين بنديت ويوشكافيشر وريجيس دوبرييه. ثم دارت رأسي لما قرأت ان (بيار فيكتور) هو نفسه الفيلسوف العائد الى اليهودية بيني ليفي، واتسعت حدقتا عينيّ لحظة اكتشفت ان بيني ليفي من اصول فلسطينية ومن مدينة يافا بالتحديد
.فمَن هو عادل رفعت؟

اسمه الاصلي (إيدي ليفي). ولد في القاهرة سنة 1938 لعائلة يهودية تعود في جذورها الى مدينة يافا التي استوطنت فيها منذ القرن التاسع عشر على الأقل. وعندما اختارت عائلته مغادرة مصر عقب حرب السويس في سنة 1956، رفض إيدي ليفي المغادرة وأصر على البقاء في القاهرة، ثم لم يلبث ان أعلن اعتناقه الاسلام. وكان اسلامه نوعا من اعلان القطيعة مع عائلته التي تركت مصر باختيارها. وثمة رواية اخرى عن اعتناقه الاسلام تقول انه أقدم على هذه الخطوة من أجل عيني -قطة - فتاة مصرية مسلمة تعرف اليها في مدرسة فرنسية وتزوجها في ما بعد.مهما يكن الأمر، فقد تضافرت الاحوال في القاهرة ليلتقي (توأمه) بهجت النادي، وهو طالب يساري في كلية الطب ينتمي الى عائلة بورجوازية مسلمة. ومنذ ذلك اللقاء وهما معا في مصر وفي السجن وفي فرنسا، يكتبان معا ويوقعان باسم واحد هو (محمود حسين).اختار ايدي ليفي اسم (عادل رفعت) بعد اعتناقه الاسلام، واختار الماركسية نظرية فكرية لنقد المجتمع والسلطة. وكان انتماؤه الى الماركسية خيارا ثقافيا حاسما بين رجعية جماعة الاخوان المسلمين وبين (لا وطنية) حزب الوفد الذي كان متحالفا بقوة مع الانكليز قبل ثورة 23 تموز 1952.سجن عادل رفعت وبهجت النادي معا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بتهمة الشيوعية. وعندما أُفرج عنهما في سنة 1964 غادرا الى بكين، ثم الى فرنسا. وفي فرنسا التقى عادل رفعت شقيقه (بيار فيكتور) في سنة 1966، اي بعد عشر سنوات من الافتراق.انخرط عادل رفعت وبهجت النادي في الجهد السياسي الى جانب حركة فتح في فرنسا، وكانا، في أثناء ذلك، يتابعان معا الدراسة في جامعة السوربون، ثم في معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وحازا الدكتوراه معا في هذا الحقل. ومنذ ذلك التاريخ لم يفترق الصديقان قط. وفي باريس تحول الثنائي (محمود حسين) ثلاثيا بعد اللقاء مع (بيار فيكتور) ولا سيما عندما اكتشف الجميع انهم ينتمون الى الشظية الماوية في التيار الماركسي الأممي.في 8/3/2005 اصدر الثنائي محمود حسين كتابا خطيرا بعنوان: (السيرة: نبي الاسلام على لسان صحابته) (باريس: دار غراسيه). وكان الهدف من نشر هذا الكتاب تغيير نظرة الغرب الى العرب، وفيه نصوص لم يهتدِ اليها98% من الباحثين في تاريخ الاسلام او في السيرة النبوية.
حطام المصائر المبعثرة
يجسد بيني ليفي الطراز الاكثر تعبيرا عن القلق والاضطراب اللذين عصفا بالتيارات اليسارية التي خرجت من تحت عباءة الاحزاب الشيوعية او من ثنايا جيوبها. لقد كان بيني ليفي (او بيار فيكتور) من رفاق كوهين بنديت ويوشكا فيشر وريجيس دوبرييه، وطالما دعا، مع رفاقه، الى مواجهة الرأسمالية وتوحشها، والامبريالية وطغيانها، وطالما ندد بعدم انسانية المجتمعات الاستهلاكية في الغرب الاميركي والاوروبي. لكن، مع انحسار اليسار الجديد في العالم كله منذ منتصف سبعينات القرن العشرين فصاعدا، شرعت الافكار والاحوال تنثني الى اتجاهات ودروب متعاكسة وغير متوقعة بتاتا. فصار كوهين بنديت نائبا في البرلمان الاوروبي. وأصبح يوشكا فيشر، اليساري المؤيد لحركة فتح وللفلسطينيين وللبروليتاريا العالمية ولمنظمة (بادر ماينهوف) وزيرا للخارجية في ألمانيا. أما ريجيس دوبرييه، المناصر الشجاع لكوبا والملتحق بغيفارا في ادغال بوليفيا، فقد أمسى مستشارا للرئيس ميتران. غير ان بيني ليفي خضع لتبدل دراماتيكي خارج عن سياق ما جرى لرفاقه من تبلبل وتبدل. وبطريقة شبه مفاجئة، انقلب على الماوية وعلى (الكتاب الاحمر) الذي طالما رفعه في الهواء، وعاد الى اليهودية، وبات من اكثر اليهود التزاما بالتلمود، واعتمر الطاقية اليهودية، وأطال شعر رأسه ولحيته وأرخى سوالفه، وهجر اسمه (بيار فيكتور) الذي اشتُهر به في ثورة 1968، واختار اسما توراتيا هو بيني ليفي، اي بنيامين اللاوي. فكلمة ليفي هي لاوي العبرية اي سبط الكهنة من نسل هارون.
بيني ليفي: السيرة

ولد بيني ليفي في القاهرة سنة 1945، فهو أصغر من شقيقه إيدي او عادل رفعت او نصف (محمود حسين). وفي فرنسا التي هاجرت اليها عائلته بعد حرب السويس كان لامعا في دراسته ومتفوقا.درس الفلسفة على لوي ألتوسير الذي قتل زوجته في سنة 1980 والذي أمضى بقية عمره في مصح نفساني، وعلى جاك دريدا ايضا. واعتنق الاتجاه الماوي سياسيا وفكريا، وكان من بين رفاقه الاقربين شارل بتلهايم.لمع اسمه في ثورة الطلاب الباريسية في ربيع سنة 1968 الى جانب كوهين بنديت، وكان يقود التظاهرات ويشارك في المفاوضات بين الطلبة والحكومة. وبعد نهاية ثورة 1968 اشتغل في الصحافة اليسارية وعُرف كاتبا متفلسفا ونقديا ومشاكسا، وتعرض للسجن اكثر من مرة.نشأت صداقة قوية له مع الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، وتطورت هذه الصداقة حتى أصبح سكرتيرا خاصا له في سنة 1974، وقرأ الاثنان معا تاريخ نابليون وتاريخ الثورة الانكليزية والحركات الغنوصية ومئات الكتب الاخرى. لكن، في سنة 1976 تعرف بيني ليفي، وكان لا يزال يساريا يحمل اسم بيار فيكتور، الى افكار الفيلسوف اليهودي ايمانويل لوفينا (1905 1955). وبالتدريج بدأ يتحول نحو اليهودية الى ان قرر في سنة 1995 مغادرة فرنسا، وأقام في القدس حتى وفاته في 15/10/2003.نشر بيني ليفي الكثير من الكتب ابرزها (حوار مع سارتر) (1984). ثم نشر في سنة 2000 (قرن سارتر) وهو كتاب يتضمن، هذه المرة، سجالات معه. فضلا عن كتاب (ان تكون يهوديا) (2003) وفيه تفسير ذاتي لارتداده عن اليسار. من بنيامين الى بيار، ارتداداً الى بيني، انها رحلة شاقة في زمن قصير (1945 2005) قطعها هذا (اليهودي التائه) كأنه كان يعارك رياحا ولججا وهاوية. أما شقيقه إيدي الذي صار عادل رفعت ومحمود حسين فما زال مستقرا على أفكاره، ساكنا لا يخلخل سكونه الا صعود العنصرية في الغرب، ولا يقلقه الا انفجار السلفيات والاصوليات في الشرق. وهذان الشقيقان طراز متنافر قلما يوجد إلا في عائلات انتدبت نفسها، بقوة التغاير، الى فكرة ما، ونهضت الى تحقيقها فتحطمت مصائرها وتبعثرت. وشتان ما بين الشقيقين

ليست هناك تعليقات: