لحظة تسلل للأمام
علي أبو سليم عجوز .محني الظهر ، رأسه تسبق خطواته ، وخطواته ترفعها قدمان هزيلتان مشعرتان ، بصره مرمي تحت رجليه ، يخبُّ خباً وهو مندفع نصفه الأعلى للأمام ، وفي يده منجل جديد محمرُّ من إثر نار محمد العزوني الحداد فيه ، والأخرى في سيالة جلبابه ، والسيالة يؤطرها قيطان من قطن رمادي بهت لونه وتهرأت حوافه .
عبر قناة ضيقة عند رأس غيط البرسيم من فوق مدق طيني منخفض علي حافتي القناة التي يلمع في مجراها الضيق بقايا ماء لعلها من بقايا مطر قريب .
خلع حذاءه الميري الذي اشتراه إبنه له من سوق دكرنس والمبلل بالماء ، وخلع جلبابه ، وما تزال رأسه منكفئة في منتصف المسافة بين انتصابه وموطئ الأقدام ، وضعها مكومة فوق الحذاء ، وبرم تكَّة سرواله الدمٌّوري علي خاصرته وشمَّره أعلي ركبته ، وقرفص عند حافة حوض البرسيم العالي المهيأ للحش ، وبقايا ماء المطر تبظٌُّّ من بين أصابع قدميه باردة .
الشمس ما تزال غائبة هناك . في الأفق ، وحبات الندي الثلجية اللامعة علي أوراق البرسيم وسيقانه منذ منتصف الليل ما تزال باقية .
تكوَّم خلفه في سرب طويل ما انتهي من حشِّه وهو ما يزال منكبَّا ، لا يرفع رأسا لمن يلقي له بتحية عابرة ، ولا يلتفت لمتابعة مرور القطار والرد علي تحية ابن أخيه سائق القطار حين يهديها له بصافرته .
فقط يرفع علي أبو سليم يده القابضة علي المنجل الجديد العالق بأسنانه الحامية كِسرة من جذوع سيقان البرسيم أعلي رأسه ، ويواصل ، ولما فرغ من إنجاز حشَّه ، وما قدَّره يكفي البقرة الحلوب وابنها الفطيم و الحمار والثلاث نعجات والأوز الذي في الحوش خلف الدار ، غرز سن المنجل في الأرض اللدنة ، فصارت يده الخشبية شاخصة لأعلي .
تحسَّس ليونة طين الأرض المحشوشة تحته ، فضغط بكفيه عليها ، وزحف ساحبا ركبتيه بعنت شديد حتى جسر جاف يفصله عن أرض جاره المتولي الكرداوي ، لفَّ جسده المتشكِّل علي هيئة دابة ، وكأنه يتهيَّأ أن يطأ أحد أحفاده الظهر المتعب بعد عشاء كل ليلة
، ارتكز بمرفقيه فصارت مؤخرته في حضن الجسر الجاف تماما ، رفع نصف جسده العلوي وطرحه من الكتفين فوقه ، راح يحرك نصفه الأسفل حتى استوي جسده باستقامته ، فكَّ ربطة رأسه القطنية ، وكان عرق خفيف دافئ تحتها .
اغتبط للحظات وهو يري ثلاثة مدقات من البرسيم المحشوش يكوِّمها ابنه البكر كومات يسهل حملها ، راح يتابعه بحبور وهو يرفع الربطات فوق العربة الكارو خلف حمار منكب علي كومة منه عند رأس الغيط .
رغب علي أبو سليم أن يفرد انحناءة جسده أكثر علي الجسر الجاف ، وأن يقتنص القليل من دفء شمس شتوية كان قد اكتمل لمعانها فوق الغيطان ، تمدَّد ، ولما انتهي ابنه البكر من رفع كل البرسيم المحشوش ، ورصه فوق العربة ، حمل أباه فوق ذراعيه ، ممددا . لا يهتز له جفن ، ملفوفا في جلبابه ، سوَّي له منامة فوق ظهر العربة أعلي البرسيم ، ورفعه .
وكان حذاءه الميري لمَّا يزل مبلَّلا بالندي عند حافة القناة الضيقة علي رأس الغيط ، وكان ابنه البكر يتابعها بأسي وهو بطريق عودته مطرق الرأس .
عبر قناة ضيقة عند رأس غيط البرسيم من فوق مدق طيني منخفض علي حافتي القناة التي يلمع في مجراها الضيق بقايا ماء لعلها من بقايا مطر قريب .
خلع حذاءه الميري الذي اشتراه إبنه له من سوق دكرنس والمبلل بالماء ، وخلع جلبابه ، وما تزال رأسه منكفئة في منتصف المسافة بين انتصابه وموطئ الأقدام ، وضعها مكومة فوق الحذاء ، وبرم تكَّة سرواله الدمٌّوري علي خاصرته وشمَّره أعلي ركبته ، وقرفص عند حافة حوض البرسيم العالي المهيأ للحش ، وبقايا ماء المطر تبظٌُّّ من بين أصابع قدميه باردة .
الشمس ما تزال غائبة هناك . في الأفق ، وحبات الندي الثلجية اللامعة علي أوراق البرسيم وسيقانه منذ منتصف الليل ما تزال باقية .
تكوَّم خلفه في سرب طويل ما انتهي من حشِّه وهو ما يزال منكبَّا ، لا يرفع رأسا لمن يلقي له بتحية عابرة ، ولا يلتفت لمتابعة مرور القطار والرد علي تحية ابن أخيه سائق القطار حين يهديها له بصافرته .
فقط يرفع علي أبو سليم يده القابضة علي المنجل الجديد العالق بأسنانه الحامية كِسرة من جذوع سيقان البرسيم أعلي رأسه ، ويواصل ، ولما فرغ من إنجاز حشَّه ، وما قدَّره يكفي البقرة الحلوب وابنها الفطيم و الحمار والثلاث نعجات والأوز الذي في الحوش خلف الدار ، غرز سن المنجل في الأرض اللدنة ، فصارت يده الخشبية شاخصة لأعلي .
تحسَّس ليونة طين الأرض المحشوشة تحته ، فضغط بكفيه عليها ، وزحف ساحبا ركبتيه بعنت شديد حتى جسر جاف يفصله عن أرض جاره المتولي الكرداوي ، لفَّ جسده المتشكِّل علي هيئة دابة ، وكأنه يتهيَّأ أن يطأ أحد أحفاده الظهر المتعب بعد عشاء كل ليلة
، ارتكز بمرفقيه فصارت مؤخرته في حضن الجسر الجاف تماما ، رفع نصف جسده العلوي وطرحه من الكتفين فوقه ، راح يحرك نصفه الأسفل حتى استوي جسده باستقامته ، فكَّ ربطة رأسه القطنية ، وكان عرق خفيف دافئ تحتها .
اغتبط للحظات وهو يري ثلاثة مدقات من البرسيم المحشوش يكوِّمها ابنه البكر كومات يسهل حملها ، راح يتابعه بحبور وهو يرفع الربطات فوق العربة الكارو خلف حمار منكب علي كومة منه عند رأس الغيط .
رغب علي أبو سليم أن يفرد انحناءة جسده أكثر علي الجسر الجاف ، وأن يقتنص القليل من دفء شمس شتوية كان قد اكتمل لمعانها فوق الغيطان ، تمدَّد ، ولما انتهي ابنه البكر من رفع كل البرسيم المحشوش ، ورصه فوق العربة ، حمل أباه فوق ذراعيه ، ممددا . لا يهتز له جفن ، ملفوفا في جلبابه ، سوَّي له منامة فوق ظهر العربة أعلي البرسيم ، ورفعه .
وكان حذاءه الميري لمَّا يزل مبلَّلا بالندي عند حافة القناة الضيقة علي رأس الغيط ، وكان ابنه البكر يتابعها بأسي وهو بطريق عودته مطرق الرأس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق