ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الأربعاء، 20 يونيو 2007

صورة


صورة
كل يوم
كان يدفع بيدين قويتين عربة خشبية صغيرة ذات ذراعين طويلين ، عجلتاها كبيرتان عاليتان . أعلي من صندوقها المستطيل ، وينادي :
(( ألحم بلاستيك . آاالحم بلااااستيك . ))
ولا أحد يلحم .
ولم يكن هو يعبأ لذلك ، ولم يبد قنوطا أو غضباً .
لكنه كان يكرر اللف في حارات البلد كلها .. منذ صبيحة اليوم ، حتى غروب شمسه .
أسبوعان كاملان ، ولم يره أحد
وأسبوع جديد ، يبدأه علي نفس هيأته ونداءاته .
عند كل ظهيرة .
يخرج من صندوق عربته بطانية قديمة مطبقة باستطالتها ، مخاطة بخيط بارز غليظ ، ووسادة صغيرة تكفي لرأس وحيدة . داخل غطاء نظيف مطرَّز ومنقوش بزهور وأغصان ، يتمدد باستطالته في حضن العربة تحت ظل شجرة الزنزلخت الوحيدة المعمرة علي رأس ملعب الكرة ، الشاغل مساحة فدان ونصف وسط بيوت البلد .
لما غافلوه بإيعاز من كبار ، وعبثوا بصندوق عربته ، راعهم أنه لا يلحم بلاستيك ولا غيره ، فلا وابور جاز لديه ، ولا سكاكين يسخِّنها حتى تحمرْ فوق ناره ليصل بها رقع البلاستيك الصغيرة فوق تشقُّقات الأحذية أو الآنية .
تداعى الكبار للوقوف علي الاكتشاف المباغت ، ليجدوا أبرز حاجياته . صورة لفتاة جميلة وسط ثياب نسوية رقيقة ، شعرها طويل ينساب علي ظهرها في دلال وعافية ، وجهها باسم دقيق رقيق ، قواطع أسنانها بارزة بملاحة ومطبوعة علي الفم الصغير .
وكان هو لما يزل نائماً
ولم يعد أحد يعبأ بنداءاته ، التي لم يعد لها من أثر .

ليست هناك تعليقات: