لقاء أخير
بقلمهاالذى نسيته وقدجف مداده فوق طاولتها بغرفتها بالمستشفى
ولد الفجر من رحم كلماته فوجدت نفسها أسيرة حروفه ومعانيها، أي احتلال عذب هذا الذي اجتاح مساحات فكرها حين سمعت صوته واستشعرت نبضات قلبه. كائن خرافي أم فارس في زمن لم يعد للفرسان غير خلودهم في أساطير منسيه. فبعد ليالي طويلة من محاولاته لترتيب النجوم ليعرف خارطة طريقه لقلبها أعلن حبه لها . "أحبكِ يا سيدة قلبي وروحي ". هكذا تردد صدى صوته في مخيلتها...أُحبكِ يال الله ... لما يمنحني الله كل أشياءه الجميلة متأخراً، الم يكن الأجدر به أن لا يمنحني إياها حتى يكفيني شر عذاباتها . ويجنبني الم حسرة فراقها، أم إن العذاب صار رفيقي الدائم. وأن فراق أحبتي أصبح المصير الذي خطه القدر على جبيني منذ لحظة ولادتي... إن لم يرحلوا هم أجبرت أنا على الرحيل عنهم ومن اجلهم . هذا ما كان يجول في خاطرها عندما كانت تنتظر قدومه في المقهى المنسي على قارعة الحلم البعيد .أطلّ عليها بعد دقائق من تأخره على موعدها فأنهى تداعيات أفكارها وقادها إلى واقع لقياه المشوب بالشوق والشغف الشفيف، حمل كفها بين يديه كما يُحمل عصفور جريح سقط لتوه من عشه ولثمها بشفتيه فتمنعت وسحبت يدها وأومأت له بابتسامه خجلة بأن يجلس قبالتها - صباح الخير حبيبتي أنا آسف لقد تأخرت عليك ... قاطعته وهي تبتسم بصعوبة شديدة - لا تهتم فقد أصبح انتظارك هوايتي المفضلة وأنت تعرف هذا جيداً وتتلذذ به .. لكن هذا ليس موضوعنا .- نعم حبيبتي ما هو موضوعنا المهم الذي شغل بالك وطلبتي أن نلتقي من أجله ؟في هذه اللحظة قدم النادل ليسألهما عما يطلبانه فأحست انه أنقذها لدقائق معدودة لتستجمع فيها شتات نفسها وقواها لتخبره بما تريده، لم تنتبه لرحيل النادل فأتاها صوته قاطعا عليها ما كانت تفكر به .. - حبيبتي ماذا أردت أن تخبريني.. لكن قبل أن تخبريني دعيني أخبرك أنا عن مدى شوقي إليكِ ... عن حنيني إلى عينيك .. وشغفي ب.... لم تدعه يكمل وقاطعته - أرجوك لا تصعب الأمر عليّ أكثر مما هو صعب أصلاً .- عن أي أمر وأي صعوبة تتحدثين حبيبتي ؟ سألها بخوف مما قد تنطق به أطرقت برأسها لتتفادى نظراته المتسائلة ثم رفعته وسألته - منذ متى ونحن نعرف بعضنا ؟ أجابها - منذ شهرين .- ما الذي تعرف عني غير أني أحبك حد الموت فيك ؟- لا أعرف شيئا ولا يهمني أن أعرف أكثر من هذا .- ماذا تعتقد أني أعرف عنك غير أنك تحبني ؟ سكتَ قليلا ثم أجابها بتردد - كل شيء .ولدت على شفتيها ابتسامة ساخرة عرف منها أن حياته كلها أصبحت أمامها كالكتاب المفتوح ولن يجدي نكرانه لأي شيء قد تواجهه به نفعا معها . فردت عليه والألم والإحساس بالخيبة قد قطع عليها أنفاسها فخرج صوتها متقطعاً- كل شيء ... نعم ... عدا أنك متزوج ولك ثلاثة أطفال . أليس كذلك ؟ مرة أخرى أتى النادل لينقذ الموقف بوضعه فناجين الشاي قبالتهما مرت لحظات صمت صعبة قبل أن يجيبها - من أخبرك ؟ أجابته وهي تتفادى نظراته المتوسلة إليها بأن تنظر إليه وأن تشفع له - لا يهم من أخبرني ، المهم أني عرفت . - تعرفي؟ أني كل يوم على مدى الشهرين اللذين عرفتك بهما كنت أقول أني سأخبرك اليوم لكن في كل مرة تخذلني شجاعتي وأتراجع خوفا من فقدانك بعد أن وجدتك أخيرا . قاطعته بعد أن فقدت سيطرتها على انهمار دموعها - هل تحبك ؟ أجابها بخجل من سطوة حزنها - اعتقد أنها تحبني .- هل تحبها ؟ أجابها بتردد- هي أم أطفالي لم يكن بيننا ما يمكن أن يسمى حباً لكني لا ... قاطعته بغضب - هل تحبها ؟ أجابها - أنا لا اكرهها .صمتت وظل هو يراقب مليكته الحزينة لم يستطع أن ينطق بكلمة فمد يده ليمسك بيدها فتراجع بآخر لحظة خوفا من انهيارها أمامه . وبعد لحظات قالت له : - أتعرف سيدي؟! لو كانت ورود الليلك تنمو على طرقات رحيلي ورحيل أحبتي لملأت طرقات الأرض والسماء بها... - ماذا تعنين ؟! ماذا تعنين ؟ أترحلين عني لم تجبه نهضت لتغادر المكان وتركته جالساً لوحده في المقهى منهاراً يراقب غيابها وأفولها وانكسارها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق