ما أجمل الأنا لك يابغداد

ما أجمل الأنا لك يابغداد

الخميس، 21 يونيو 2007

لم نعرف للطفولة زمنا



لم نعرف للطفولة زمنا

إلى أطواربهجت فى زمنها الباقى

تجلس بجوارى الآن رائق البال ، لأنك ياصديقى جاد فى تعاملك مع أبنائك .
أما أنا ..فبالله عليك ، لك أن تتصور أن إبنى لا يريد أن يكبر أبدا ، يود العودة لطفولته ، هل تعرف ماذا يخاطره هذه الأيام ؟ . إنه دائم الاستفسار عن شعوره بأننى لم أعد أحبه كما كنت أفعل أيام كان طفلا .، أوكما يحب الآباء أبناءهم ، فالذين يشاهدهم من آباء أصحابه ، وآباء الأولاد فى المسلسلات التليفزيونية يحبون أولادهم بطريقة مختلفة ، يضم الأب إبنه ويحضنه ويقبله ، ويخاف عليه من الهواء الطائر ، ومن النسمة العابرة ، أما أنت. تخيل ياصديقى . يشير إلى صدرى بمشاعر باردة ويقول ( أما أنت )،يؤنبنى فلا أدرى كيف ؟ : منذ زمن لم تضمنى ، منذ سنوات طويلة لم تعد تسمح لى بالجلوس على ركبتيك ، وأن أرمى رأسى فوق صدرك كلما تعود من سفرك المتكرر ، .وأنت ياصديقى تسافر مثلىكثيرا وتغيب طويلا ، إنه يتفوه بأشياء أعجب كيف يحملها برأسه . يقول لى :إنك ياأبى تعانقنى كما تعانق أخاك الأكبر . أو كما تعانق أصحابك الرجال ، أتمنى لو أجلس على ركبتيك وأضع رأسى على كتفك ، لماذا أشعربأنك تتضايق من اقترابى منك ؟ أأنا ثقيل إلى هذا الحد ؟ إذا كنت ثقيلا فلأذهب باحثا عن أب لا يحس بى ثقيلا .تضحك ؟. أم تسخر ياصديقى ؟ تصور أن يقول لك إبنك هذا الكلام ثم يلقى بنفسه فى حضن أمه ، فتحضنه وتشده بقوة كالهاربات بأطفالهن من طوفان الماء فى ( تسونامى) بأندونيسيا وسيريلانكا ، ماذا كنت ستفعل به ؟ هل تسمح بتلك الميوعة ؟ لقد صار الولد شابا ، فى مثل طولى أو يفوق قليلا ، ويرغب فى أن يظل طفلا يُحمل على الركبتين ، ويُطبطب فوق ظهره ، بالله عليك ألديك القدرة على حمل أحد أبنائك على ظهرك كما كنت تفعل حين كان طفلا صغيرا ؟هل تذكر ماضينا ؟ هل تذكر أصدقاء ورفاق عمرنا ؟ أتذكر مرة واحدة مذ وعيت يناديك أبوك .ياحبيبى ؟ لا أعتقد ، وأنا لا أذكر آخر مرة لمَسَت فيها يد أبى رأسى ، وآخر طبطبة ٍبيده على كتفى .كنا شيئا آخر غير هؤلاء الأولاد ، لن يتكرر زماننا ، كنا نصنع بندقية الخشب ، ونحفر الخنادق الصغيرة ، ونشكل فرقا لقضاء حوائج البيوت عندما تنطلق صفارات الإنذارأيام الحرب ، ولا يسمح لأحد بمغادرة المنازل المطفأة الأنوار ، أتذكر أنا كنا ننصِّب أحدنا زعيما لنقذفه بالطماطم المتعفنة ’ نرى فيه الخذلان القاسى لحلمنا الأخضر المتبرعم ، ونرجمه بكرات القش ونحن نصيح فى وجهه
: بعت الشعب وأهل الدار / يابو رقيبة ياغدار
ونصَّبنا آخر زعيما بلباسه العسكرى ، وأجلسناه فوق دكة عالية عند فوهة الشارع كى يصرخ فيه أحدنا بصوته الطفلى
: ياديوس ياديوس .. بعت الوطن بالفلوس .
هل كان هذا فى حاجة إلى حضن أبيه وقبلاته ؟ ، وهل كانت تلك طفولة ؟ .أقول له : ياإبنى . الدلع للبنات ، شقيقاتك هن اولى بذلك منك ، أنت شاب طولك طول النخلة ، وعليك معاركة الأيام . لقد كنا وكنا ،ولكنه لا يدعنى أكمل مقارناتى ، فيروح عنى غاضبا ساخطا . لينكسر قلبى لحزنه المصطنع ، تعرف أنه وحيد ، أول شقيقاته الثلاث وأكبرهن ، ولا يطيعنى قلبى بالغضب منه ، هو حلمى الذى تمنيته قبل مولده ، وحتى قبل الارتباط بأمه بسنوات ، وأسميته بإسم صديق فلسطينى مناضل . تشبه حالى حاله ،من اغتراب ومنافى بعيدة وقلق دائم ،هكذا تماما ، قل يا صاحبى ماذا أفعل ؟ إنه لا يطلب شيئا إلا ويحصل عليه ، كل أمنياته أوامر ملباة ، ، يلبس أفضل من أقرانه ، ويأكل ألذ الطعام الذى تخفيه أمه عن شقيقاته ، ويلعب ، ويقضى زمنا طويلا مع الكمبيوتر والأنترنت والرحلات والدروس الخاصة ، وكل ماحرم منه جيلنا يتوفر له ، هل تذكر زميلنا الذى عقد عزمه على كلية الهندسة ، ولم يفُتَّ فى عضده بخل أبيه عليه حتى بغطاء ثقيل .بديلا عن البطانية العسكرية الكثيرة الثقوب،.التى كان يخفيها تحت سريره ، وقت أن كان يزورنا غريب عنا بمسكننا أيام الجامعة ؟ لو توفرت لنا أيامها ما يتوفر لهؤلاء الأولاد الآن ،لكنا كسَّرنا الدنيا ، أقمناها وأقعدناها ، أليس كذلك ؟ .كم تمنيته جادا خشنا فى مظهره ، يجهر بالحقيقة التى يراها مهما كلفه صوته من مشاق ، كم تمنيته يقود تظاهرة ، يحرض أبناء جيله على توخى الحذر من الطوفان القادم . شقيقته الصغرى ثالث أيام احتلال جنين فى الضفة الغربية . حملتها زميلاتها ، وردات جميلات ،حناجرهن لاتتسع إلا لحبات السمسم ، زعقن خلفها بصوت لم ينضج بعد ، تستبدل رغما عنها حروف الراء لاماً، ليصل الصوت هادرا إلى طفل الأرض المحتلة المنهوبة
:إرمى طوبة بعد طوبة /المعركة على طول منصوبة/يمكن طوبة تصح وتعد ل /كل الأوضاع المقلوبة ،
وجاءت مساء غاضبة متجهمة ، ولما سألتها أمها عن سبب ذلك . قالت : إنها لم تر عساكر يطاردونهم بالهراوات، ولا خراطيم مياه كالتى تراها فى التليفزيون تندفع فوق رؤوسهم كيف بالله عليك تنمو الجدية برأس شقيقته الصغرى ،وهو لايعبأ سوى بمباهجه الصغيرة ؟ .انا لا أشكو ، لكنه اعتراف بالحقيقة . فماذا أفعل مع هذا المدلَّل الوحيد على شقيقات ثلاث . صغراهن تبهج الروح لذكائها المبكر وجديتها التى لا تناسب جنسها او عمرها ؟ . أمرى إلى الله وحده ياصديقى . استعن بالله -كما أنت - دائما على بلواك ،فأن تحلم بصوت مسموع فهى علامة عافية بنفسك ، إنها أحلام اليقظة . تلك التى حفظت لك توازنا فى بحر الحياة الهائج ، وما مصيبتك فى ولدك الوحيد المريض إلا وقود عزيمتك التى لم تلن ، وروحك التى لم يخب منها صهيل الأمل ، برغم عقدين من العمر مضيا ووحيدك فى المنطقة الرمادية مابين الحياة واللاحياة ، وانت بها قانع وصامد خلف زوجة تقودك إلى رضى وطمأنينة لا تنطفىء أبدا ، وافرح بصغرى بناتك التى تراها تعيد سيرتك الأولىإن كنت هكذا تريدها
-------------

الأبيات لشاعر مصرى صديق وردت على صدر ملصق كبير أسفل صورة طفل فلسطينى يرمى لصوص داره بطوبة ، والملصق معلق على شباك سرير صغرىبناتى الثلاث .

ليست هناك تعليقات: